محمد الفيزازي يعتلي منبر خطبة الجمعة بحضور الملك ماهية الدلالات والمعاني؟ – مهدي مالك

ان حدث اعتلاء محمد الفيزازي منبر خطبة الجمعة بحضور الملك يحمل العديد من القراءات و المؤشرات قد تذهب بنا الى نتائج غير محسومة العواقب على كافة الاصعدة و المستويات بحكم ان المغرب اختار ان يتقدم في بناء الدولة الحديثة بكل ابعادها الجوهرية منذ جلوس الملك محمد السادس على عرش المملكة المغربية حيث اتذكر اول خطاب لجلالته الموقرة في 30 يوليوز 1999 حيث دعا صراحة الى الحداثة و الديمقراطية الخ من مفاهيم الدولة الحديثة بمعنى ان المغرب لا يمكنه التراجع عن هذه الخيارات المثلى باي حال من الاحوال بفضل المؤسسة الملكية و بفضل تيارات المجتمع الاصيلة .. .

لكن حسب اعتقادي المتواضع هناك عراقيل كبرى امام تحقيق هذا الحلم المنشود من طرف التيارات الحقوقية و النسائية و الامازيغية ببلادنا لعل ابرزها على الاطلاق هي تخلف نخبتنا الدينية سواء الرسمية منها او التي تعمل في نطاق الحركة الاسلامية المشرقية كما اسميها في كتابي الجديد بحكم ان هذا التيار الموقر اصلا ينطلق دائما من المشرق و يحتقر بشكل واضح المغرب كهوية امازيغية اسلامية لكن في نطاقها العلماني المغربي منذ قرون من الزمان..

 غير ان اجيال ما بعد سنة 1956 تعلمت في المدرسة المغربية او في وسائل الاعلام اشياء خطيرة للغاية مثل تقديس العروبة و الانكار التام لفضائل الامازيغية الكثيرة على الاسلام بالمغرب بغية تقوية ايديولوجية الظهير البربري على مستوى الوعي الوطني و الديني لدى المغاربة و تقوية نفوذ بعض العائلات المعروفة على كافة الاصعدة و المستويات مما منحها القدرة و الاستطاعة قصد إخفاء حقائق جوهرية حول تاريخ المغرب الاجتماعي و السياسي قبل سنة 1912 عن العامة لعقود طويلة من التعريب الهوياتي و التغريب الهوياتي كذلك ..

و من هذا المنطلق علينا توعية عامة الناس بمسلمات الاسلاميين الايديولوجية و السياسية لان الطرف الاسلامي مازال يرفض الخوض في بعض المسائل الجوهرية كمسالة شرعية الحركة الوطنية التاريخية حيث لازال يدافع بالقوة عن اكذوبة الظهير البربري باعتبارها حقيقة مطلقة لا يجوز مجرد الشك فيها بمعنى ان الاسلاميين لا يريدون نهائيا ظهور اي اتجاه امازيغي اسلامي يطالب باعادة احياء اعرافنا الامازيغية و القضاء على ايديولوجية الظهير البربري المسيرة للحقل الديني منذ الاستقلال الى حدود  الان.

 يجب الاعتراف ان الاسلاميين قد استفادوا طيلة هذه العقود من غياب الامازيغية عن مجال الشرعية الوطنية ببعدها الثقافي و اللغوي للاشتغال على تقوية ايديولوجيتهم في المجتمع بمساعدة من الدولة بشكل غير مباشر عبر الخطاب الديني الرسمي الذي يقدس العروبة و المشرق الخ ..

صحيح ان التيار الاسلامي قد عانى طيلة هذه العقود من قمع السلطة باعتباره يحتكر الدين في بلاد يقال عنها انها دولة اسلامية و ملكها يحمل لقب امير المؤمنين غير ان الاسلاميين ادركوا منذ البداية ان الدولة المغربية لم تطبق الشريعة الاسلامية على الاطلاق بل طبقت القانون الوضعي الفرنسي أي العلمانية الغربية بمعنى ان التيار الاسلامي كان مقصي من الساحة السياسية الى اواخر التسعينات بدخوله للبرلمان كحزب معارض ..

صحيح كذلك ان الاسلاميين اصبحوا رقم صعب في سوق الايديولوجيات و المرجعيات ببلادنا بفضل بعض خفافيش الظلام داخل المخزن العتيق قصد خلق العديد من العراقيل امام تقدم المغرب على درب الحداثة و دولة المؤسسات حيث لو لم يتدخل البعض في الصياغة النهائية للدستور الحالي لاصبحنا دولة مدنية تعترف بحرية الاعتقاد الخ.

ان السلطة حاولت بحسن النية المصالحة مع تيار الاسلامي الجهادي  من خلال اطلاق سراح بعض شيوخهم كالشيخ الفيزازي المعروف بمواقفه المناصرة لمسالة تعدد الزوجات كقضية تناولها الاعلام الوطني بمختلف وسائطه حيث لا اتوفر على راي معين بخصوص هذه القضية لكن الحركة النسائية تعارض على طول الخط مسالة تعدد الزوجات بل دعت الى تحريم هذا الامر نهائيا .

اعتقد ان الشيخ الفيزازي ينتمي الى عصر غير عصرنا الحالي و المتميز انه عصر  الحوار البناء بين الديانات و الثقافات و عصر الاستكشافات العلمية الهائلة في شتى العلوم الانسانية حيث لا يعقل ان نظل نقدس الفكر السلفي مدى الحياة بدون اي اجتهاد كأن تاريخنا الاسلامي لم يعرف قط رموز في ميادين الفكر و الفلسفة الاسلامية و علم الكلام الخ ..

ان الشيخ الفيزازي يمثل الاتجاه السلفي الرافض اصلا لاي اجتهاد بشري في كل الميادين الحياتية لان الله تعالى خلق لنا عقلا كي نفكر به و كي نميز به من بين العصور و الازمنة حيث ان العقل المعاصر يدافع عن  الدولة الحديثة بكل ابعادها الجوهرية باعتبارها دولة الحقوق و المواطنة الحقة لجميع الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية و العرقية.

ان  من شروط تحقيق الدولة الحديثة ببلادنا او اي بلد مسلم هي اعادة قراءة الدين قراءة معاصرة تتماشي مع حاجات المسلم الحالية و اعادة تاهيل حقلنا الديني بالمغرب كما شرحته مطولا في كتابي الجديد الامازيغية و الاسلام من اجل تكذيب ايديولوجية الظهير البربري نهائيا لنضمن الادماج الحقيقي لهويتنا الام في مجال الشرعية الدينية كلغة و كثقافة و كقيم اصيلة ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد