مسرحية “كونيكسيون connexion” عمل جاد وهادف..

ذ. أحمد شهلي

خلال العصور الحديثة عمد بعض المسرحيين الى توظيف الرمزية في رؤية متجددة للمسرح رؤية للعالم من داخل فن قديم عتيق يأبى الا ان يواكب مسار الحضارة الانسانية في كل تجلياتها المادية والمعنوية ومع أن جانب الجمالية امر مطلوب في المؤدى المسرحي من حيث جودة العرض ورونق الديكور وخلفيته وحركات الممثلين وسكناتهم ولحظات النطق والصمت والايماء وما الى ذلك من شروط التمسرح الا ان الهم الفكري يظل هاجسا لتجويد النظرة الى الكون ذلك أن رواد هذا الفن انطلقوا من فرش نظري قوامة الرؤى الفلسفية للعالم.

فسارتر وبريخت وبيكيت وهم يؤسسون على التوالي للوجودية والملحمية والعبثية لم يكن هاجسهم استجلاء مكامن الجمالية في التواصل الفني فهذا امر شبه مضمون بقدرما كانت تحذوهم الرغبة في عكس تصوراتهم لانطولوجيا الوجود الانساني من خلال فهم عناصر التشكل التي تكون مادة للتفاعل البشري وتحدد ماهيته الصرفة وهويتها وضبط العلاقة بين هذا الوجود وأشكاله التي تؤسس له مختلف التفاعلات التي تؤطره.

لهذا يشكل الوعي الفلسفي أساسا لبناء فعل دراماتورجي يستند الى فكرة استيعاب الواقع اولا ثم تصويره من خلال أفعال مسرحية تتسامى بقدر ما تصل بمبدعيها الى رتبة الإبداع. ذلك الإبداع الذي لا يحيا الا في بيئة سليمة تقبل توافد الأفكار وتطابقها مع واقع الحال وتشهد بصحتها قوة التشخيص وسلاسة الرسائل دون ان تكون مغرقة في التجريد لان الإبداع الحي عبارة عن روح تسكن الحقيقة وتنبعث من رماد التعتيم ترفض الاتصياع الخمول والخوف وضمور الإرادة…

مسرحية كونيكسيون

يعتبر العمل المسرحي الموسوم ب :كونيكسيون connexion. عملا جادا ويدخل ضمن خانة المسرح الهادف الذي يسعى الى تكريس عملي الممارسة لابداعية الواعية .. نص جميل وحوار قوي متماسك سيناريو أنيق يمتلك قوة جاذبية كبيرة تلفت انتباه المتلقي وهو في مجموعه يشكل رسائل تخاطب عقل الجمهور وتستفز رغبته في النبش والنقد والبحث والمساءلة كما أنه وفي الان نفسه لايطمس مخزون العاطفة بل يثير الاحساس بالمحيط وما يمور به من تغيرات وتحولات إذ تحكي مشاهد العمل قصة شخصين التقيا في محطة القطار ومن جملة مادار بينهما من أحاديث يستشف اتكاء النص الأصلي لصاحبه المبدع الكاتب والسيناريست علي الداه على تيمات عدة اهمها..:.

الانتظار الذي يحيل على مسرح العبث في إشارة ضمنية الى غودو الذي يأتي او لايأتي ومن ضمن تيماته كذلك التغطية او la connexion الذي ظل الشخصان خارجها طوال مدة العرض الذي يمتد في الواقع زمنيا الى عشرات السنين في تعبير موفق عن حالة جمود مجتمعي وتوقف بين لقطار التنمية وهي التيمة الطاغية على مجمل لحظات العرض المسرحي..

كما ان من أجمل لحظات هذا التجسيد القوي تلك التي تعلقت بعمليات الفيد باك او تقنية الحكي الراجع خيث تتم العودة إلى الوراء لاستحضار بعض من الازمنة الأولى للنشأة وهي تشكل فرصة للتعريف بالبيئة التي تحف بظروف الشخصيتين وهما بالمناسبة تجسدان اختلافا في التكوين وتنوعا في محاضن التنشئة الاجتماعية لكن تعكس اتفاقا في المصير ووحدة في نمط العيش واشتراكا في الأوضاع كالفقر والبؤس الاجتماعي مع اختلاف مسارات كل منهما ومستوييهما الثقافي والتعليمي وكذلك تباينا في ارادة التغيير و الرغبة في الانخراط في إيجاد الحلول… وبالتتبع يصير دور أحدهما(العربي) وهو الذي نال قسطا وافرا من التعليم وحظا كبيرا في العلم هو إيصال فكرة النضال الى الطرف الآخر الذي يجسد الطبقة الدنيا من حيث الوعي والمعرفة لتلتحم ارادة التغيير بقوة الاصرار مجسدة بداية الخلاص.

العمل كان. من تشخيص الممثلين الكبيرين
حسن عليوي
ومحمد اوراغ سيموكا
إخراج الفنان الكبير حسن بديدة.
عن فرقة فرقة المسرح الطلائعي أكادير قدم في المركز الثقافي بأيت ملول، وساهم في إنجاز هذا العمل المسرحي الجميل كذلك نخبة من الفنانين كل في محال تخصصه كالفنان الموسيقي جبارة ومحمد عكاري في المحافظة العامة كما ان السينوغرافيا كانت حاضرة بقوة وكانت تواكب المضامين وتوحي بتناغم كبير مع الخشبة وتموضع الفنانين بالاضافة الى الألوان والمؤثرات الصوتية التي أضفت على المسرحية جمالا وبهاء.

استطاعت ان تنتزع من الجمهور تصفيقات حارة متتالية جمهور مثقف نوعي ذواق ما كان ارضاؤه بالشيء الهين ولا بالأمر السهل لولا أن الجودة احاطت بكل تفاصيل الحدث المسرحي الجميل الذي جمع جمهرة محترمة من المتتبعين من عشاق اب الفنون.

ملاحظة هامة :
مسرحية كونيكسيون صرخة في فضاء يعج بالمتناقضات وصيحة تداعب افق انتظار المتلقي وتسائل كل من تربطه بالمسؤولية شعرة معاوية… نداء الى كل مهتم بمصير الامة والشعب للانخراط بوعي ومسؤولية في مسلسل البناء، والتغيير للدفع بقطار التنمية نحو الإمام.. دعوة الى الضمائر الحية للانتهاض لأجل وطن انهكته المؤامرات واتت على حظوظ التمدن به دسائس واطماع طغمة قليلة استحودت على كل الرساميل.

ولعمري ان المسرحية فرصة لاستعادة المسرح لادواره الريادية في التوعية وتجذيرها في صفوف المجتمع ومخاطبة وجداننا الجمعي لأجل نفض الغبار عن واقع مؤلم لتجاوزه نحو آفاق اكثر رحابة تتساوى فيه المواطنة ويتموقع فيه كل المواطنين على نفس الدرجات.

أحمد شهلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد