قراءة في التصميم الجهوي لإعداد التراب بجهة سوس ماسة…

عبد الله أحجام

بعد مصادقة المجلس الجهوي لسوس ماسة على تصميمه الجهوي لإعداد التراب (ابريل 2021) تم عرضه على أعضاء المجلس الإقليمي بتيزنيت يوم 25 ماي 2022 بحضور رؤساء جماعات الإقليم قصد الإخبار والتنفيذ، وفي هذا السياق نقدم هذه القراءة المتواضعة لتقييم هذا المخطط:

  • إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب يتم وفق القانــون التنظيمــي رقــم 14.111 المتعلــق بالجهــات الصــادر بتاريــخ 7 يوليــو 2015 ، وكـذا المرسـوم رقـم 583.17.2 المتعلق بتحديـد مسـطرة إعـداد التصميـم الجهـوي لإعداد التـراب، وتحيينـه وتقييمـه، الصـادر بتاريـخ 28 سـبتمبر 2017. كما أن القانون أعطى للجهة إعداد هذا المخطط كاختصاص ذاتي وذلـك وفـق توجهـات السياسـة العامـة لإعداد التـراب على الصعيـد الوطنـي. ونشير إلى أن:
  • دليل وزارة الداخلية التوضيحي لمسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه (1)، تبين أن مرحلة الإعداد تتضمن التشاور وتوسيع المشاورات مع كافة الفاعلين من منتخبين ومجتمع مدني ، وفق المسار والمراحل التالية:

قراءة في التصميم الجهوي لإعداد التراب بجهة سوس ماسة
  • انطلاقا من الوثائق المرجعية، يفترض أن تكون المشاورات مع المنتخبين الذين تمت دعوتهم لليوم الإخباري (وليس الدراسي كما يبينه الملصق المعد لهذا اللقاء) قبلية وقبل المصادقة على المخطط، ولان المشاورات لم تكن كافية بالشكل الذي يتم فيه تقاسم انتظارات الفاعلين الترابيين، فان هذا اللقاء الإخباري كان بمثابة صدمة للمنتخبين بإقليم تيزنيت، حيث لم يجدوا انتظاراتهم فيه ولم يتم توسيع المشاورات معهم.

وبما أن  “التصميـم الجهـوي لإعداد التـراب آلية لتقريـب الـرؤى القطاعيـة لـكل المتدخلـن وتوجيههـا صـوب التنميـة الجهويـة المنشـودة، بمـا يضمـن التقائيـة السياسـات العموميـة والاندمـاج التـرابي للمشـاريع، والى تعبئـة مختلـف الفاعلـن وإشراكهـم في بنـاء رؤيـة اسـتراتيجية مشتـركة للتنميـة. وينصـب العمـل خـلال ورشـات الاستشراف عـلى تحديـد ألأدوار الجديـدة للمجـالات، بمـا تسـمح بـه مؤهلاتهـا ومـا تتيحـه الظـروف الخارجيـة مـن فـرص للتنميـة. فالهـدف مـن تنظيـم هـذه الورشـات يكمـن في التفكيـر الجماعـي والبناء المشـتـرك للرؤيــة المســتقبلية المنشــودة لتنميــة الجهــة، والتشــاور الواســع حــول مجــالات المشـاريع المحـددة، واستشراف آلافاق الجديـدة، مـع تحديـد ألأنشطة الواعـدة والقـادرة علـى تشـكيل دعامـة للتنميـة عـلى المـدى البعيـد، يتـم ترجمتهـا إلى مشـاريع مهيكلـة”(2)،، فان واقع الأمر في إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب لجهة سوس ماسة، يتسم بما يلي:

  • ضعف الاستشارة الواسعة للمنتخبين ولفعاليات المجتمع المدني بالجهة، للاستماع إلى أرائهم ولتصوراتهم المستقبلية للمجال. بل لم يتم قبول العرائض التي وجهت لهذا المجلس في هذا الشأن، من طرف بعض فعاليات المجتمع المدني.
  • عدم إدراج المناطق المحمية للمحيط الحيوي للأركان (وخصوصا المناطق المركزية)، وفق التنطيق الذي اعتمدته مصالح المياه والغابات والمعتمدة من طرف اليونسكو التي اعترفت بمجال الأركان كمحمية للمحيط الحيوي للأركان منذ 1998 وأصبح المنتظم الدولي يخلد اليوم العالمي للأركان كل 10 ماي من كل سنة ابتداء من 2021. كما أن المناطق المحمية والتي تدخل في إطار قانون المناطق المحمية (22/07)، كالمنتزه الوطني لسوس ماسة، لم يتم إبرازها في الخرائط كمناطق محمية تمنع فيها الاستثمارات العقارية لإحداث مشاريع سياحية مضرة بالبيئة.
  • غياب إبراز دور المناطق الرطبة بالجهة والمصنفة “رامسار RAMSAR” وفق الإستراتيجية الوطنية للمناطق الرطبة 2015-202، والتي لها أهمية قصوى في الحفاظ على النوع البيولوجي ومكافحة التغيرات المناخية. (حالة مصبي واد سوس ومصب واد ماسة).
  • عدم إعداد المخطط الجهوي لتدبير الساحل، كما تنص عليه المادة 6 من القانون 12/81 المتعلق بالساحل، والذي تعده “الإدارة المعنية، بمبادرة منها أو بطلب من مجلس الجهة المعني” (3). كما ان المادة 7 من نفس القانون تشير إلى أن التصميم الجهوي للساحل يمكن أن يراعي أهداف التصميم الوطني للساحل(4) إن وجد وفي حال عدم وجوده يمكن أن “يأخذ بعين الاعتبار تدابير تهيئة الساحل وحمايته واستصلاحه والمحافظة عليه المعمول بها ، تطبيقا لمقتضيات هذا القانون” .
  • عدم إعداد المخطط الجهوي للمقالع، كما تنص عليه المادة 4 من القانون 13/27 المتعلق بالمقالع: “يجب وضع مخططات لتدبير المقالع على صعيد كل جهة من جهات المملكة…”، كما ان المادة 6 من نفس القانون تقول: “تعد المخططات الجهوية لتدبير المقالع من طرف الإدارة بمبادرة منها أو باقتراح من الجماعات الترابية وذلك لمدة عشرين سنة” …
  • عدم إعداد المخطط الجهوي للرعي والترحال وفق ما مقتضيات المادة 19 من القانون 13/113 المتعلق بالرعي والترحال، لما لهذا المخطط من أهمية للحفاظ على مجال الأركان وحماية التنوع البيولوجي بالجهة، خصوصا إذا علمنا أن أزيد من 135 نوع حيواني ونباتي مهددين بالانقراض من جراء الرعي الجائر والعشوائية التي يعرفها الترحال.
  • غياب لخرائط تبين المجال الغابوي والخرائط الجيولوجية التي تبين الترواث المعدنية بالمجال الترابي للجهة، والتي ستكون ادوات للتشخيص الترابي بخصوص المخططات الترابية للجهة وللأقاليم ولباقي الجماعات الترابية.

وهنا نتساءل، لماذا لم يبادر المجلس الجهوي لجهة سوس ماسة بطلب انجاز هذه المخططات الجهوية لتكون نموذجا لالتقائية فعلية للسياسات القطاعية مع السياسة الترابية للجهة، ما دام أن القانون يسمح بذلك؟؟؟

وأمام غياب هده الوثائق، وخصوصا المخططات القطاعية، لتنزيل الاستراتيجيات القطاعية على المستوى الترابي والتي ستكون سندا قويا للمجالس الجماعية والإقليمية والجهوية لإعداد مخططاتها، فلا نجد الالتلقائية المطلوبة بين المخططات القطاعية والمخطط الترابي. وفي هذا الشأن نتسائل عن كيفية الأخذ بعين الاعتبار ببعد التغيرات المناخية وصيانة التنوع البيولوجي بجهتنا والتي يتوخى منها هذا المخطط ما يلي:

  • جعل جهة سوس ماسة القطب الأول للفلاحة التصديرية في أفق 2046؟ فكيف سيتم ذلك والجهة تعاني من توالي سنوات الجفاف وان وكالة الحوض المائي دقت ناقوس الخطر منذ عقدين من الزمن وذلك بتواجدنا تحت الخط الأحمر بخصوص مواردنا المائية، ورغم التوجه إلى تصفية مياه البحر واستعمالها في الفلاحة العصرية ما زال رهانا يتطلب المزيد من التفكير والتشاور المتعدد الأطراف، للتأكد من مدى استدامة هذه الحلول، ومدى تأثير الفلاحة العصرية على التنوع البيولوجي بالمنطقة. كما أن محمية المحيط الحيوي للأركان تتطلب نوعا من الحكامة يرتكز على مقاربة ترابية تدمج المخططات القطاعية في مخطط ترابي يراعي توجهات الدولة بخصوص التنمية المستدامة والتدبير العقلاني للموارد الطبيعية، من خلال اعتماد اقتصاد اجتماعي وتضامني يثمن الموروث الثقافي بمجال الأركان، وخصوصا الآليات التدبيرية للمجال والتي تكون غالبا محلية وتسودها قيم التضامن والحكامة الجيدة من خلال أعراف و آليات محلية متوافق عليها على المستوى الترابي.
  • جعل مدن اكادير وانزكان وايت ملول مراكز اقتصادية ومنطقة جدب للاستثمارات ونمو ديمغرافي، في حين أن المناطق المحيطة بالمركز (تيزنيت وتارودانت وطاطا) مناطق ذات نمو ديموغرافي سلبي بسب تمركز كل البنيات الاجتماعية والاقتصادية ذات القيمة المضافة في مدن المركز. هذا التوجه غير ملائم تماما مع توجهات الدولة للحفاظ على التنوع البيولوجي والالتزامات الدولية لمكافحة التغيرات المناخية، خصوصا أن هناك ارتباط وثيق بين التنوع البيولوجي والتنوع الثقافي وعلاقتهما بالتغيرات المناخية، بحيث أن الموروث الثقافي يندثر بسبب الهجرة القروية وبالتالي ضياع المعارف التقليدية وتراجع الفلاحة المعاشية والعائلية مما يؤدي حتما إلى تزايد تدهور التنوع البيولوجي، وعلى رأسها شجرة الأركان كتراث عالمي.
  • مواصلة الاستغلال المفرط للفرشة المائية، بحيث سيصل العجز المائي إلى 187 مليون م3 (في أفق 2046)، رغم استغلال تصفية ماء البحر واستعمال مياه الصرف الصحي المعالجة؟ وهذا يتنافى مع مبادئ التنمية المستدامة.

كل ما نتمناه ونتوخاه هو تعميق التشاور متعدد الأطراف وفتح حوار ترابي بين مختلف المكونات والفاعلين المحليين من اجل وضع تصور ترابي يراعي كل المخططات القطاعية الحكومية وإرادة الفاعلين الترابيين، من خلال التقائية فعلية للمخططات الجهوية للسياسات الحكومية القطاعية وتصورات المجلس الجهوي من خلال توسيع قاعدة التشاور المدني.

عبد الله أحجام

عضو المجلس الإقليمي لعمالة إقليم تيزنيت

المراجع:

(1): دليل وزارة الداخلية (المديرية العامة للجماعات الترابية)  ووزارة إعداد التراب الوطني و التعمير و الإسكان و سياسة المدينة( قطاع إعداد التراب الوطني و التعمير) التوضيحي لمسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه الصادر سنة 2021

(2): نفس المرجع اعلاه (1)

(3): المادة 6 من القانون 12-« /81 المتعلق بالساحل

(4): صادق مجلس الحكومة، المنعقد يوم 05/05/2022 برئاسة السيد رئيس الحكومة، على مشروع المرسوم رقم 2.21.965 يصادق بموجبه على المخطط الوطني للساحل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد