عمر المختار الأسطورة الكاذبة .. مقابل المقاومة والجمهورية الطرابلسية

أزول بريس – محمد شنيب //

عُرف القرن التاسع عشر بظهور حركات دينية إسلامية في عموم البلدان الإسلامية وكان هذفها الرئيسي تحقيق ما كانت تسميه “الصحوة” الإسلامية والتمسك بالإسلام والجماعة  وتثبيت وتعميق النظرة الأحادية وإصرارها على الوقوف  في وجه الحداثة والنهضة العلمانية الديمقراطية والمنادية بالتعددية وحرية الفرد  تلك النظرة التي بدأت تنتعش وتنشط في دول أورپا والتي بدأت تأخد مسارات الحداثة الديمقراطية العلمانية؛بينما  كان خلفاء وسلاطين دولة الخلافة العثمانية مازالوا منغمسين يغرقون في  ملذات الحياة ونسوا أمور الدولة التي هدّتها  الضرائب المسلطة على رقاب  شعوب البلدان التي تستعمرها وتتبع خلافتها،هذه البلدان التي كانت قد فرض عليها  العيش في ظلام الجهل والفقر والإنحطاط.

وكان من أهم هذه الحركات التي ظهرت في المغرب الكبير  وبالذات في شرق ليبيا هي الحركة السنوسية.وقد أسسها محمد بن علي السنوسي الذي كان جزائريآ من مدينة مستغانم التي إنتقل منها ليعيش في مدينة فاس بالمغرب الأقصى حيث تواجدت الكثير من الحركات الدينية ذات الطابع الصوفي؛بعدها إنتقل إلى الحجاز في دولة السعوديين الوهابية حيث تكونت عنده فكرة تآسيس حركته السنوسية وترك السعودية بعد ذلك ليستقر في برقة بليبيا اليوم وكان مقره في قرية البيضا بالجبل الآخضر وقام من هناك بتأسيس أول زاوية دينية للحركة السنوسية  في واحة الجغبوب التي تقع قرابة الحدود المصرية وفي الطريق الصحراوي المؤدي إلى الشمال الغربي للسودان، وإستخدم هذه الزاوية كنقطة إنتشار لنشر حركته في برقة  والشمال الغربي للسودان .

وبدأت الحركة في نمو بالذات مستفيدة من التركيب القبلي والرعوي الذي كان يسود برقة.وكانت ليبيا كما نعرفها اليوم لم تتواجد بعد فكانت أقاليم ليبيا الثلات التي هي برقة في الشرق وفزان في الجنوب وطرابلس الغرب في الغرب تعيش كل على حدة بالرغم من تبعيتها جميعآ إلى الخلافة العثمانية عن طريق ولاية طرابلس الغرب .

تمكنت الحركة السنوسية من تكوين أرضية لها في الشرق الليبي وبالذات بين القبائل المتواجدة بالخصوص في الجبل الأخضر في برقة وفي بعض الواحات الجنوبية كواحة جالو والكفرة والجغبوب مقر الزاوية السنوسية.

بعد موت محمد بن علي السنوسي وآيضآ بعد موت إبنه وصلت قيادة الحركة إلى محمد إدريس السنوسي حفيد محمد بن علي السنوسي.

الغرض من هذا التقديم هو تبيان  وجود هذه الحركة في شرق ليبيا بالذات حيث أنها لم تتمكن من وجود أي أتباع لهابالذات في طرابلس الغرب وتمكنها من الإنتشارالقليل الناذر في فزان .كان هذا واقعآ ملموسآ بالرغم من كل من طرابلس الغرب وفزان كانتا تعيشان الأجواء الإسلامية التقليدية مثل بقية الأماكن الأخرى من بلدان المغرب الكبير ولكن التركيبة الإجتماعية  في طرابلس الغرب لم يكن بها النظام القبلي العميق مثل ذلك الذي تواجد في برقة والذي ساعد على تعمق الحركة الدينية السنوسية بفكرها الديني الأحادي.

في هذا الجو ولد عمر المختار  في برقة وبالتحديد في قبيلة العواقير التي تقع شرق بنغازي ،ولم يكن يعرف تاريخ ميلاده، إلا أنه من المحتمل. أن يكون في نهاية خمسينات القرن التاسع عشر، وهذا يجعله في سن الخمسينات عند بدء الغزو الطلياني لليبيا،وكان بطبيعة الحال محدود العلم والمعرفة إلا من تعلمه للقرآن وبالذات في زاوية الجغبوب السنوسية وعند كبره  جعل من تعلمه للقرآن  مصدر رزقه حيث بداء يعلم القرآن للأطفال في كتاب الجامع. بعد  إرتباطه بالحركة السنوسية تم تعيينه معلمآ للقرآن “فَقِيه” في عدة زوايا سنوسية.

كان عمر المختار ،كما ذكرت سابقآ، عبارة عن فَقِيه، أي معلم قرآن للأطفال في جامع معتمدآ بالدرجة الأولى على حفظ القرآن عن ظهر قلب وكانت معلوماته عن العالم الذي يعيش فيه وبالذات خارج حدود برقة محدودة بحدود قبيلته الرعوية وكان على إرتباط بالحركة الدينية في ليبيا أي الحركة السنوسية بالذات في زاوية الجغبوب ثم مؤخرآ في قرية “البيضا” وسط الجبل الأخضر.ولاشك أن منطلقه في مقاومة الطليان كان منطلقآ دينيآ ضد النصرانية في حربها للإسلام،ولم يكن منطلقآ من منطلقات وطنية بمفهوم الحداثة والعلمانية الوطنية، عكس ما سنراه في طرابلس والتي تكونت بها الجمهورية الطرابلسية من قيادات المقاومة في طرابلس الغرب والتي تم إعلانها في مدينة مسلاتة وكان على رأس هذه القيادات المناضل سليمان باشا الباروني الذي كان والي ولاية طرابلس الغرب ومن هذا الموقع كان يرأس المجلس الرئاسي للجمهورية والمتكون من أربع أعضاء.غير أنه يجب التذكيرهنا أن القيادات النضالية في طرابلس الغرب لم تكن قيادات دينية بالرغم من أنها كانت مسلمة كبقية مسلمي المنطقة.

جاء مؤسس الحركة السنوسية محمد بن علي السنوسي  من الجزائر من مدينة مستغانم كما ذكرت سابقآ وإستقر في قرية البيضا في الجبل الأخضر شرق بنغا زي بعد قضائه فترة زمنية في بلاد الحجاز في الجزيرة العربية وإحتكاكه بالحركة الوهابية وهناك تكونت عنده القناعة بتكوين الحركة السنوسية؛ وعند عودته إلى بلاد المغرب الكبير إستقر في برقة (من الشرق الليبي اليوم) وبدأت حركته الدينية هناك وكان يهذف إلى نشر دعوته في برقة والشمال الغربي من السودان. وليحقق ذلك أنشاء أول زاوية دينية للحركة في واحة الجغبوب ليتمكن من نشر دعوة حركته في برقة والسودان بحكم موقع هذه الواحة الجغرافي في الصحراء الليبية التي تمتد حتى الشمال الشرقي للسودان.

كان إرتباط  هذا الشخص (عمر المختار)،الذي ولد في ظروف هذه الأجواء،إرتباطآ دينيآ تشوبه الصوفية؛وكان شخصآ ذو سمات بدويآ بدوية/رعوية  الطبع ولم يكن له إدراك أو إطلاع  على المفهوم الوطني الحديث، ولا غرابة في ذلك الوقت من تاريخ برقة التي كانت تتغلب عليها ظاهرة البداوة  الجهوية والقبلية الرعوية الضيقة الحدود في الفكر الإنساني.حيث كانت بها قبائل مثل العبيدات والبراعصة والعواقير وغيرها التي تتواجد من بنغازي حتى طبرق على الحدود الشرقية مع مصر فيما يسمى برقة الحمرا ؛أما في الغرب فكانت القبائل الموجودة هي المغاربة والزوي والمجابرة وكانت متركزة بالذات فيما يسمى برقة البيضا وبالذات في المنطقة الممتدة في جدابيا والبريقة وبشر غربآ حتى تتاخم منطقة راس لانوف التي تحاد الحدود الشرقية الإدارية والجغرافية لطرابلس الغرب.

وعندما غزا ليبيا الطليان مفعمين بحلمهم بإسترجاع الشاطئ الرابع لروما والمقابل لها في جنوب البحر الأبيض المتوسط؛ كان ما حدث في  ،برقة، شرق ليبيا اليوم عكس ما حدث في طرابلس الغرب، غرب ليبيا اليوم؛ وكان مرد هذا الإختلاف هو إختلاف التركيبة الإجتماعية والتاريخية في المنطقتين .فبينما كانت التركيبة الإجتماعية في برقة يغلب عليها الطابع القبلي والرعوي الذي أدى إلى وجود إنعدام الإنتماء إلى الوطن الحديث والأرض بل كان الإنتماء إلى ما تمليه الجماعة مما أدى إلى ظهور وتبني المقاومة على أساس ديني والنداء لمقاومة الأجنبي النصراني الذي ينوي تجديد الحرب الصليبية ليحاصر وليهزم الدين الإسلامي وخاصة وأنه في برقة لم تتواجد الدولة العثمانية بشكلها الحكومي (بالرغم من أنه أحيانآ كان هنًاك بعض الإرتباط الإداري بالولاية في طرابلس الغرب، زِد على هذا إزدياد التأثير لحركة السنوسييون في برقة في الفترة التي سبقت الغزو الإيطالي ونهاية الحكم العثماني).

بينما عُرفت طرابلس الغرب من الناحية الاجتماعية والتاريخية ،بوجود دولة لها ،حتى وإن كانت ضعيفة، تربطها علاقات مع الكثير من الدول وكان  لها  مع هذه الدول  تمثيل دبلوماسي على مستوى السفارات والقنصليات  والمعاهدات والإتفاقيات المختلفة من الناحية السياسية والإقتصادية والعسكرية.كانت هناك القنصلية الإنغليزية والقنصلية الفرنسية والأسپانية والهولندية  وكانت هناك علاقات تجارية مع حكومات ڤينيسا وليڤورنو وناپولي(1)  كذلك كانت هناك جالية إيطالية في مدينة طرابلس.كما دخل قراصنة طرابلس في معارك في البحر الأبيض المتوسط مع السفن الأوروپية المختلفة وحتى الأمريكية التي إنتهت بهزيمة الأمريكان في معركة سفينة فيلاديلفيا.

لا شك أن الواقع الإجتماعي والتاريخي إختلف  بين المنطقتين مما أثر هذا الإختلاف في تركيبة كل من المجتمعيّن الطرابلسي والبرقاوي ولا شك كانت نظرة وتقييم سكان طرابلس الغرب للغزو الإيطالي تختلف عن تلك لسكان برقة؛ ولا شك أيضآ أنه كان هناك التقييم الديني الإسلامي في طرابلس الغرب ،إلا أنه لم يكن بما كان عليه في برقة الذي سيطر عليه المنطلق القبلي الرعوي؛ وذلك أن المجتمع في طرابلس الغرب كان يغلب عليه الطابع المدني الريفي بشكل عام أما في مدينة طرابلس فكان مدني تجاري لا يمث إلى البداوة والقبلية وكذلك كان الحال مع مدينة مصراته والزاوية،وفي جبل نفوسة فمعظم سكانه الأمازيغ كانوا يمارسون الزراعة ولهم منتجاتهم الزراعية كالزيتون والكروم والفواكه الأخرى وكانوا أيضآ  يقومون بالزراعة الموسمية للحبوب مثل القمح والشعير والتي كانوا يزرعونها في موسم الخريف في سهل الجفارة ليعودوا إلى حصدها في فصل الربيع وكان أمازيغ سكان جبل نفوسة أيضآ يقومون بزراعة البقوليات كالحمص والفول والحلبة والعدس  (المواد الأساسية لطبق البسيسة “أطمين” أما  أمازيغ مدينة زوارة الساحلية فكانوا معروفين بصيد السمك علاوة على مزاولتهم الزراعة أيضآ.والحبوب لدى الأمازيغ بالذات لها قيمة خاصة ويتضح هذاحتى في الأكلات الليبيةالأمازيغية مثل البزّين المعتمد على دقيق الشعير والسّويكة التي تصنع منها الزميطة “تعبودت” والطبق الأمازيغي المشهور “كسكسو” بالأمازيغي وبالعامية الليبية “إلكوسكسي” والمعمول من دقيق القمح المسمى بالعامية الليبية دقيق الطعام،واللفتات والمعمول من الدقيق المعجون مع الماء بالملح ويصنع منه خبز الفطيرة فوق الحمًّاس أو الفرن الطيني ليصبح فطائر رقيقة جدآ وتقطع الفطيرة إلى قطع صغيرة وتقدم مع طبيخ باللحم والبصل والحمص والبهارات.

ما وددت ذكره هنا هو وجود بعض الإختلاف  في كثير من العادات والتقاليد  بين  منطقتي طرابلس الغرب وبرقة والمتجلي بالذات في:

1-وجود حكومة أو دولة مركزية أيام الحكم العثماني وبالذات أثناء الحكم القرمانلي والذي أعلن الإنفصال عن دولة الخلافة العثمانية،بينما كانت برقة ونتيجة لتركيبتها القبلية متذبذبة في تبعيتها الإدارية لولاية طرابلس الغرب.مما أدى  وجود هذه الحكومات إلى وجودتبادل دبلوماسي مع العديد من دول البحر الأبيض المتوسط وشمال أوروپا والتعرف والإحتكاك بدول أوروپا الذي أدى إلى وجود تبادل تجاري وحتى ثقافي معها.

2-عادات الزراعة في طرابلس الغرب التي كانت ذات طابع زراعي للمنتجات المختلفة وكذلك صيدالأسماك المختلفة.ولاشك تأثير هذه الزراعة في عادات الأكل المختلفة والغير موجودة بالذات في برقة .

3-وجود الأمازيغ في طرابلس الغرب وبالذات في غدامس وجبل نفوسة  وزوارة كان له دور أساسي في التأثير عَل التركيبة الإجتماعية في طرابلس الغرب.بينما في برقة لا يتواجد الأمازيغ إلا في واحة أوجلة

ولاشك أن هذا أثر في وقفة الطرابلسيين ضد الغزو الطلياني؛حيث أن مقاومتهم كانت مشوبة  بطابع أقرب إلى النضال العصري الذي لم يكن ذو طابع مقاومة الصليبيين  فقط كما كان في برقة.بل كان نضالآ ذو طابع وطني يصبو إلى إنشاء وطن حديث كما هو واضح من إعلان الجمهورية الطرابلسية والتي كانت أول جمهورية في البلدان التي كانت تتبع دولة السلطان العثمانية.

بعد إنتهاء المقاومة في برقة ولجوء محمد إدريس السنوسي إلى دولة مصر،إرتبط محمد إدريس السنوسي أثناء وجوده في مصر مع بريطانيا، ورأت بريطانيا في شخص محمد إدريس السنوسي الحليف المناسب للدخول إلى برقة أثناء لحرب العالمية الثانية ووعدوه بتنصيبه أميرآ لبرقة وقاموا بتشكيل ما يسمى   الجيش السنوسي  بالذات من الليبيين البرقاوييين  الموجودين في مصر ودخل هذا الجيش  بعد هزيمة المحور وطرد الطليان من برقة في عام 1943.وكان حلم محمد إدريس السنوسي هو حصوله على إمارة برقة فقط.

عاد محمد إدريس السنوسي من القاهرة في أكتوبر عام 1947 إلى برقة بعد الإتفاق مع القوات الإنغليزية كما يتضح من البرقية المرفقة باللغة الإنغليزية وترجمتها باللغة العربي(2) وهي صادرة من رئاسة القوات البرية بالشرق الأوسط إلى وزارة الحربية البريطانية.هذه البرقية هي دليل واضح على إرتباط محمد إدريس السنوسي بالقوات البريطانية في سبيل تنصيبه أميرآ على برقة وعمالته لبريطانيا.

في تلك الفترة كانت طرابلس الغرب تزخر بالأحزاب الوطنية المناضلة والتي وصل عددها تسعة أحزاب تناضل من أجل إستقلال ليبيا ككل وليس طرابلس الغرب  وحدها ولم تكن تنادي بوجود ملكي في ليبيا وكان هناك زعماء سياسيون لهم إنتمآت سياسية مختلفة؛كأمثال بشير السعداوي الملقب ب الزعيم وكان رئيس حزب المؤتمر وكانت لديه شعبية وإسعه في عامة ليبيا وكذلك المناضل محمد زارم والأخوين محمد وعلي الفقيه حسن زعيما حزب الكتلة الوطنية.

حاول البريطانيين بالتحالف مع الطليان في عام 1948  وقدما عن طريق وزيرا خارجيتهما مشروع “بيڤن سفورزا” إلى مجلس الأمن المنادي بتكوين ثلات ولايات هي “طرابلس الغرب” وتكون تحت الحماية الإيطالية وبرقة وتكون تحت الحماية البريطانية وفزان وتكون تحت الحماية الفرنسية؛ وفشل هذا المشروع عندما إستخدم الإتحاد السوڤياتي ألڤيتو ضده .

أرسلت القوى الوطنية والمكونة من الأحزاب السياسية بما في ذلك جمعية عمر المختار التي  كانت في مدينة درنة في برقة وفدا إلى الجمعية العمومية في “الأوطان المتحدة” “United Nation”وأقنعت الكثير من الدول بأن الإستقلال يجب أن يشمل كل ليبيا؛وفي نوڤمبر 1949 تم إعتماد إعلان الإستقلال على أن يكون يوم 24ديسمبر 1951 وهنا تدخلت بريطانيا بإيقناع القوى الوطنية  بالقبول  ب محمد إدريس السنوسي ملكآ على ليبيا وبحيث يكون النظام ملكي إتحادي متكونآ من ثلات ولايات هي طرابلس الغرب وبرقة وفزان ويكون هناك ثلات حكومات “مجالس تنفيذية” وثلات برلمانات”مجالس تشريعية” وحكومة إتحادية مركزية وبرلمان إتحادي ؛وألغيت كل الأحزاب.

المناضل الكبير والملقب بالزعيم بشير السعداوي فقد قام الملك محمد إدريس السنوسي بالإتفاق مع البريطانيين بطرده في طائرة من ليبيا ليلة إعلان الإستقلال ونفيه إألى المملكة السعودية الوهابية وحرمانه ومنعه من رؤية ما حققته مجهوداته من إستقلال لكل ليبيا وهاجر الكثير من رفاقه في النضال من أمثال محمد زارم إل تونس هروبآ من بطش نظام إدريس وتطبيقه للأحادية السياسية اللاديمقراطية التي هي سمة قومجية عروبية.

بدأت مباشرة مرحلة تغيير التاريخ تمشيآ مع مقولة التاريخ يكتبه “المنتصرون” حتى لو كانوا عملاء .فأُنكر وهمّش تاريخ المقاومة في طرابلس الغرب وطمست أسماء المناضلين الذي زخرت بهم المقاومة الليبية أثناء النضال ضد الطليان. ومسحوا من تاريخ ليبيا إسم أول جمهورية في ضفاف البحر الأبيض المتوسط  والتي كان من أول المنادين بهاالمناضل سليمان باشا الباروني ولم يذكروا دوره الأساسي في النضال ضد الطليان وإنشاء الجمهورية الطرابلسية تلك التي الجمهورية التي كانت أول جمهورية تقوم في العالم الإسلامي بعد إنتهاء حكم الخلافة العثمانية من المنطقة؛ وقد قام بها المناضلون الليبين لمقاومة الغزو الطلياني في نضالهم الحداثي لإنشاء وطن كان يمكن أن يكون له دورآ أساسيا ليس في ليبيا فحسب بل في كل منطقة جنوب البحر المتوسط؛ همشت هذه الجمهورية ولم يتم إعطائها دورها التاريخي في نضال الليبيين ضد الغزات الطليان لا بل أن الأبطال الذين أنشأوها لم يعرفهم أحفادهم لم يذكر المناضلون من أمثال رمضان السويحلي وعبدالنبي بلخير والمريض ومحمد فرحات وخليفة بن عسكر وتم التذكير بدور شخص واحد وبشكل أسطوري وأحادي فقط هو شخص عمر المختار، حتى أن نضال الليبيين حجم وقلص في شخص واحد هو هذا الفقيه…!!!

والغريب أن هذا الأمر أعيد مرة أخرى أيام  الديكتاتور القذافي الذي عظم من دور عمر المختار متجاهلآ دور المقاومة الطرابلسية ولم يذكر أبدآ حتى إسم الجمهورية الطرابلسية تحاشيآ منه لوجود جمهورية سبقته في التاريخ الليبي؛ وقام بطبع الأوراق النقدية حاملة صور عمر المختار وقام بإنتاج فيلم وبإخراج المخرج الهوليودي السوري الأصل العقاد وإسناد دور عمر المختار للمثل العالمي أنتوني كوِن.وكان هذف القذافي من هذا الفيلم هو:

1-إظفاء الأسطورة والقبلية على النضال الليبي ضد الغزو الطلياني بالتركيز على شخص فَقِيه وبسيط لم يكن مستوعبآ لفكرة ليبيا الوطن في مقاومته للطليان

2-التركيز على عروبية النضال والتشديد على بداوته ومحاولة إبرازها في شخص عمر المختار،هذه البداوة “النقية”،حسب إدعائته،التي أنجبت القذافي.

3-التجاهل الكامل للنضال الليبي الذي أنجب الجمهورية الطرابلسية والتي كانت رمز دخول إلى عالم الحداثة. هذه الجمهورية والدور الذي كان ممكنآ أن تؤسسه وتلعبه في منطقة جنوب البحر الآبيض المتوسط والشمال الأفريقي.

كتب في طرابلس، ديسمبر 2020 .

هوامش : 

(1)كانت لهذه المدن حكومات خاصة بها حيث أن الدولة الإيطالية لم تكن قد تكونت بعد

(2)البرقية المرفقة تشهد على عمالة محمد إدريس السنوسي  للقوات الأنجليزية (نص البرقية)

On Saturday, December 19, 2020, Salma Shinnib <sshimil77@gmail.com> wrote:

19 أكتوبر 1947م – من رئاسة أركان القوات البرية في الشرق الأوسط إلى وزارة الحربية البريطانية

عاجل  وسري للغاية (OET/22610)

من العميد كامينغ الى اللواء اندرسون

أولا. الأمير يستعد لمغادرة القاهرة إلى برقة في 26 أكتوبر، لكنه طلب تسوية المواضيع التالية قبل المغادرة:

(أ) دفعة مقدمة على حساب مخصصاته السنوية قدرها 2500 جنيه

(ب) هبة بمبلغ 8 الاف جنيه لتسوية ديونه في مصر

(ج) توفير الأثاث لمكتبه و سكنه في بنغازي

ثانيا. مبلغ ال2500 جنيه لتغطية بعض مصاريف الانتقال و مصاريف الضيافة بعض وصوله. في كل رحلاته السابقة إلى برقة كنا دائما نعطيه مبلغ كهذا متناسب مع قيمة مرتبه.

ثالثا. فيما يتعلق بدين ال8 ألاف جنيه فإن الأمير يتلكأ في تقديم تفاصيل الدين التي طلبتموها في برقيتكم رقم (94838CA2) المؤرخة في الأول من أغسطس، و هو لم يتحدث في الموضوع منذ ذلك الحين إلا هذا الأسبوع. (بيني) ناقش الموضوع مع الأمير و هو يشك في قصة الدين، لكنه يرى أنه من غير الحكمة الضغط عليه للحصول على تفاصيل إضافية. وإنه من غير الائق ان يغادر مصر بدون تسديد ديونه، لذا فإنني أوصي بالموافقة على هبة بقيمة 8 الاف جنيه.

رابعا. فيما يتعلق بالأثاث، لا يخفي عليكم أن إقامة الأمير يجب أن تكون ملائمة للمنصب الذي سنعطيه له. و قد بذلنا جهد كبير في الحصول على أثاث مناسب بتكلفة اقتصادية قدر الإمكان، لكن الأسعار عالية و البضاعة شحيحة. لذلك أوصي بالموافقة على صرف 3 الاف جنيه.

خامسا. من الضروري جدا الاستعجال في تحقيق هذه التوصيات، فهي تكتسي أهمية قصوى على ضوء الإجلاء المقترح للجنود من فلسطين إلى برقة، و على ضوء الوصول الوشيك للجنة التحقيق الرباعية. فعلاقتنا بسكان برقة تتحدد بشكل كبير بموقف الأمير، و هي الآن في نقطة تحول. إذا لم تتم الموافقة على المصروفات المقترحة فإنه لا يمكننا ضمان عودة الأمير  في 26 أكتوبر، و إذا فشل في العودة فإن التبعات ستكون وخيمة، و لكي يتم الانتهاء من الترتيبات الازمة لانتقال الأمير فإن الموافقة يجب أن تصلنا قبل الساعة 1800 بتوقيت جرينتش يوم 22 أكتوبر.

سادسا. حيث أن وزارة الخارجية تواصل الإلحاح على أهمية تأمين عودة الأمير إلى برقة فإنه ليس من الضروري الاستفاضة في شرح أسباب هذه التوصيات. لقد قمت بدراسة الموضوع بالتفصيل مع السيد (بيني) و هو موافق تماما على النقاط الواردة في هذه البرقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد