أحداث غرداية …دروس للنظام الجزائري

…عبد العزيز السلامي*…

كل الأسباب التي حاول النظام السياسي الجزائري أن يبرر بها فشله في تدبير ملف أحدث غرداية الجزائرية تبدو غير مقنعة، دون أدنى مجهود فكري،فمن الحديث على أن الأمر يتعلق بنزاعات عرقية ،بين العرب المالكيين (سنة) والأمازيغيين الأباضيين (خوارج)، إلى الحديث عن مؤامرة خارجية، تسقط الأقنعة عن نظام دموي يحكم البلاد بالحديد والنار والتضليل…فالإدعاء بكون الطائفية هي وقود هذه الأحداث يفنده أن الميزابيين والشعانبة عاشوا جنبا إلى جنب في غرداية على مدار مئات السنين.والزعم بأن المغرب له يد في ماجرى يجانب الحقيقة والصواب، فمن جهة يسائل قوة النظام الجزائري،فكيف يمكن إختراق الترسانة العسكرية والإستخباراتية للجزائر بهذه السهولة من طرف نظام دولة أجنبية،والقول بذلك بمثابة إعلان عن تفكك جهاز نظام الدولة الجزائرية وإنهياره أو على الأقل ضعفه أمام دولة جارة لا يكن لها ودا ولا تقديرا،ومن جهة أخرى لأن المغرب لم يضع يوما ضمن أجندته خلق قلاقل لدول أخرى،لأنه سخر كل إمكانياته لتحصين جبهته الداخلية، بصرف النظر عن ملاحظاتنا بخصوص طرق المغرب لتحصين هذه الجبهة الداخلية.

اعتبر أحد السياسيين الجزائريين أن السبب الجوهري في ما حدث ، يكمن في طبيعة النظام السياسي الجزائري الذي “لم يستطع أن يكون دكتاتوريا فيمارس أساليب قمعية ويحكم قبضته على البلاد بقوة الحديد والنار، ولم يستطع أن يكون ديمقراطيا فيوفر فرص التعايش بين مختلف الحساسيات والفئات المجتمعية بقوة القانون”.

وفعلا،إن الذي يتحمل مسؤولية أحداث غرداية المؤلمة هو نظام بوتفليقة،الذي كانت نتيجة إدارته لشؤون البلاد،تعميق للفوارق الطبقية والإجهاز على الحريات السياسية والمدنية وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتكريس لإستبداد السلطة وشرعنة القمع وغياب المساواة والعدالة الإجتماعية بين سكان البلاد…وهذا الوضع كان منذ سنوات ينذر بأزمة على طول البلاد قد تؤدي بالجزائر إلى التفكك وتغدية النزوعات الانفصالية.

إن أحداث غرداية لقنت للنظام الجزائري درسا لا ينسى وبثمن غال، ووضعتها أما خيارين، إما الإستمرار في تغذية الفكر الانفصالي بالمنطقة المغاربية وتشجيعه وإذكاء مسبباته أو الإنخراط في مسلسل بناء ديمقراطي حقيقي من أجل جزائر قوية والتخلي عن أوهام الهيمنة الاقليمية من خلال دعم كيانات انفصالية وهمية كجبهة البوليساريو، وبالتالي المساهمة البناءة في مشروع بناء إتحاد مغاربي كبير يتسع لأحلامنا جميعا….وما دون ذلك رهانات خاسرة !

*رئيس تحرير موقع “الجمهور”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد