الدكتور عبد الغاني بوشوار: رأفة باللغة الأم وغيرها
لا بد من الاعتراف بالحقائق العلمية التي توصلت اليها البشرية والتي لا ينكرها إلا جاهل ومتخلف.من بين هذه الحقائق محورية اللغة الأم في تكوين وانفتاح الفرد على العالم للمساهمة في إنمائه ورقيه كمواطن وكمواطنة في مجتمعه الذي ينطلق منه لبناء الصرح الانساني الذي يحظى فيه بخصوصيته وكرامته الانسانية. بالنسبة للامازيغية، لا بد قبل كل شيء من وضع خطة ومنهجية علمية لدراسة المسألة برمتها من جميع الجوانب من قبل الباحثين الأكفاء والمؤهلين لتحديد الاشكالية والمنهجية والبيانات المطلوبة والتحاليل الاحصائية المناسبة لعل ذالك يقود الى نتائج مفيدة يمكن تبني تطبيقها في النظام التعليمي المغربي. فمثلا لا يمكن علميا اثبات جدوى الكتابة بحرف تيفناغ بصيغتها المفروضة بغض النضر عن الشعور الوجداني والرصيد التراثي المجيد. هل كان هناك شبه اجماع من الذين يهمهم الامر؟ ما هي الدراسة التي اعتمدت لاتخاذ مثل هذا القرار وجعله رسميا بالرغم من تساؤلات كثيرة تطرح في الساحة وتتخبط فيها الآراء والمبررات التي لا يمكن أن تحوي الماء، كما يقال بالانجليزية لحجة لا سندا علميا يدعمها ;. ثم بأي مبرر ومنهج علمي يعير الكلام؟ أليست اللغة المعيارية عبثا وموتا للغة الحية المتداولة؟ أليس ذالك اخلالا وتنكيلا باللغة الأم؟ حق اشلحي في التعلم بلغة بيته يذهب في مهب الريح علاوة عن ابعاده شيئا فشيئا عن محيطه الثقافي، تماما كما يحصل للعربية في المدرسة شيء وفي البيت شيء آخر. من ذا الذي في الحقيقة يقبل هذا؟ العاطفة لا تجدي في المسائل التي يقطع فيها العلم. ولقد استمرت اللغة في حيويتها وتجاوزت قيود إيركام فكتبها أهلها كما يشاءون بالعربي واللاتيني وأتوقع الدارسين في الصين أن يبدعوا بالخط الصيني لتسهيل تعليمها للصينيين، مثلا.
عبقرية المغاربة اللغوية كبيرة ما شاء الله حتى الصين يدرسون بها ولم تشكل اللغة يوما عائقا لدى المغاربة لان الله سهل تعليمها علينا.ولا نحتاج إلى التذكير بنعمة التعدد علينا وعلى غيرنا من البشر الموضوع هو أن فاقد الشيء لا يعطيه حتى لو كان من ذوي المواهب. الذي لا يتكلم الأمازيغية معذور أن يراها لهجة غير مفيدة لكن ذلك يخصه ولا يلزم موقفه الذين ينطقون بها. ظهر هدا الموقف من عدد من الذين أدلوا بدلوهم في مسألة اللغة والتعليم في مغربنا الغالي والغني. الأستاذ العروي بعبقريته وثقافته والسيد عيوش بثقافته وشهرته وغيرهما لا يظهر أنهم استوعبوا ما هو جار في العالم من مطالب لتفعيل القوانين للمحافطة على حقوق الانسان بشتى أطيافها ومنها اللغوية. أتساءل كيف سيستقبل الأستاذ العروي “إبا مامسة” التي قد تدبر نفسها بالكاد في الدارجة. بالنسبة اليها “تشلحيت أوكان أيوي” : هي الشلحة أو باس يا ابني. فالرؤيا تضل رؤيا ولا تلزم غير صاحبها.
هناك مخاوف من البعض في استعمال ما يسمى بالحروف اللاتينية التي أخذت من تيفناغ والفينقية وووو…هل ندرك كمغاربة بأن العلوم قد تطورت وتلجأ الدول ألى أساليبها لمعالجة القضايا التي تواجهها؟ البث في أي شيء لا يمكن أن يتم إلا عن طريق دراسة مستفيضة لجميع حيثيات الموضوع الذي يراد اتخاذ قرارات حوله. ويتناسى كثير من الناس أن أصل مشكل التربية وتحديها الأكبر هو سرعة التعلم وفعاليته في تغيير السلوك. اليسر مقرر حتى في الدين ومن منا لا يريد أن يجد طريقا سهلا ليتعلم أطفالنا بسهولة المهارات التي يتطلبها تكوينهم الأكاديمي والمهني؟ ألجواب على هذا التساؤل طبعا بديهي لكن لدى الكثيرين تحفظات عندما يتعلق الامر بما لا يفقهون. ثروة المغرب كبيرة في بشره وطبيعته وثقافاته. الذين يشوشون على الوحدة الوطنية ويثيرون اللغة لحاجة في نفس يعقوب واهمون وما زالوا متشبثين بثقافة “بوعو”. ،نحن في القرن الواحد والعشرين والعالم في طريقه قريبا ألى المريخ وانطلقت الصين الى القمر مطية لاكتشاف والاستفادة من بقية الكواكب والعالم أجمع. ومن يمنعها؟ اللغة؟ أما الهند؟ أما كينيا؟ وجنوب افريقيا والسويد؟ فرنسا تمنح شهادات جامعية باللغة الانجليزية، والسويد؟ والمملكة المتحدة هل استحضرنا تطورها اللغوي لما كان ممارسو مهنة المحاماة يعتمدون في الدفاع أمام المحاكم على اللغة الانجلو ساكسونية الدخيلة عليهم بينما كانت الاحكام تدون باللاتينية؟ اللغة حي يرزق والحرية والكرامة الانسانية والقوانين المغربية تضمن للجميع التعلم والتربية وما رضع من أمه يعتبر جوهر كينونته لا يجب أن يسلبه منه أحد وفي المقابل لا يجب عليه أن يسلبه من أحد أيضا. اللغات نعم ومواهب وهي من خصوصيات البشر وطوبى لمن حظي ببعض منها وتفتق بها لسانه فهو مما لا شك فيه أنه يتفوق على غيره ممن هو محروم من متعة عبقرية الألسن المختلفة وسر وجودها وفنونها ووظيفتها.
ربما يكون الطريق السريع والأنجع للانطلاق الى وضع ا العملية التربوية في مسارها الصحيح هو تطبيق الجهوية الموسعة وتبني المنهجية العلمية والمهنية وإبعاد الاحزاب السياسية من الوزارات وتقليص صلاحياتها لتهتم المجتمعات المحلية بجميع شئونها التربوية وتخف المسئولية عن الحكومات. لا مناص من ثورة علمية للقيام بمثل هكذا سياسة؟ وتحتم قدسية المواطنة مراعاة تكافأ الفرص باعتماد مبدأ:’الدرهم يتبع الطالب’. وهل يضرنا الاستفادة من تجارب غيرنا؟ وهل من متعظ؟
د. عبد الغاني بوشوار
باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.