تيمزكيد بأدرار : الطالب وتالعربات وأشياء أخرى

كحفي كل مدشر تقريبا بتلك البقعة المباركة من سوس العالمة، تجد مسلكا ظاهرا للعيان، يعرف حركة ودينامية يومية في قلب الدوار، يؤدي إلى المسيد ” تيمزكيد”، والتي غالب ما يتم تشيدها وبناءها وسط الدوار أو في مكان أقرب بكثير من الدوار من الحبل الوريد .  بناية تعكس نوع ومستوى البناء والعمران بالدوار، تتكون من قاعة للصلاة في جهة القبلة، على السطح حصائر من “أزماي” وعليها ما جادت به الساكنة من أفرشة غالبا ما تكون ” زربية” أو ” قطع من “الحمل” وعدد كبير من السجادات من جلد الخروف ” اليوش”، وبعض الأحجار تستعمل من طرف المسنين في التيمم، ومكان لوضع الشمعة للانارة قبل أن تحل محلها القنينة الغازية والتي ازاحتها خدمة الطاقة الشمسية بعد ذلك، وأعداد قليلة من المصاحف الحمراء من رواية ورش، وسلسلة من ” التفريق”، وبالقاعة التي تسمى محليا ” المقصورت” تستقبلك رائحة زكية وعاطرة تمتزج بين الروحانيات وبعض العطور المستوردة بالشرق تفتح شهية التدبر والخشوع والاستماع والتفقه في الدين.  وبالمسيد كذلك مكان للوضوء يتكون من مجرى مائي بالوسط، وكراسي خشبية للجلوس، وسطلات للوضوء، و ” تيخيبيت ” من الطين توفر الماء لكل غاية مفيدة، يسهر الجميع على نظافته .  وبالمدخل الرئيسي للمسيد، تجد فضاءا اجتماعيا، وبرلمان محلي، تتوسطه دائرة ترابية مكانا للحطب وإشعال النار، وفوقه سطل نحاسي معلق إلى السقف بإتقان، نوعه نحاسي، يكون مليا بالماء الخاص بالوضوء، ومغرفة كذلك نحاسية لمل السطلات عند سمع الأذان، يستقبل هذا المكان كل الوافدين على ” تيمزكيد”، يتم تبادل التحية والسلام، والكل يأخذ مكانه على شكل دائري، يتم الاستماع إلى أخبار الدوار كاملة ومستجدات السوق، إضافة إلى أخبار المدن والجالية، وكذا ما تم سماعه في الراديو لمن توفر لديه، ولا يبخل البعض بين الفينة والأخرى في دفع الحطب إلى النار لكي تجدد الاشتعال، أو يأخذ قليل من الماء في السطل النحاسي يختبر مدى غليانها، وما يميز هذا المكان أنه خاص بالحاضرين من ساكنة الدوار لأداء الصلوات والتي تعرف حضورا كبيرا في المغرب والعشاء والعصر بشكل أقل، بيننما الظهر يكون الجميع في مهام فلاحية او مهنية او حرفية ولا يحضر الجميع.  والطالب أو فقيه المسيد لا يحضر اجتماع ” أخربيش” ولا يحق له ذلك في احترام تام لخصوصية المكان ومكانه الفقيه في المنظومة الاجتماعية لدى ساكنة أدرار العالمة .  وعبر مدرجات تصل إلى السطح، حيث غرفة الطالب، تكون قريبا من المدرجات لتقريب إيصال ” تاوالا ن الطالب” من وجبات اليومية، ومراقبة لمدخل المسجد من كل غريب أو راغبا في فعل شنيع، وغرفة الفقيه حيث شقة في غرفة يضع فيها فراشه وممتلكاته وملابسه وكتبه ومستلزماته، إضافة إلى تناول الوجبات اليومية واستقبال الضيوف والزائرين، ولا يحق لأحد ولوجها الا بإذنه ويملك شخصيا مفاتحها.  وبقرب من غرفة الفقيه، تجد غرفة أخرى أكبر مساحة، بها حصائر من ” أزماي” ولوحات خشبية و” تيخيبيت” وموائد خشبية وصينية الشاي ومستلزمات إعداد الشاي، ولا تخلو من ايدام ( الزيت، أركان، السمن، الثمر، التين،ثمار الصبار الخ) يمكن تناولها في أوقات الوجبات ورهن إشارة الضيوف والزوار  وفي هذا المكان الجميل والرائع، والذي اشتقت إليه مثلكم، كنا نلتقي كل صباح باكر، بألبسة مستعملة وغير كاملة، نحمل معنا الآمل والتفاؤل وحب العلم والمعرفة، رغم برودة الطقس، وضعف الموارد، نتسابق على الماء لغسل اللوحات ونسرق لبعضنا البعض تلك القطع الحجرية لصنصار ، وننتظر نشفها على الألواح، لنقترب من الفقيه بلحيته، وسلهام أبيض، ووجه وقار، يجمع بين القوة والاحترام، ويبدأ جو الحفظ قبل الاستظهار الفردي والجماعي، من السابعة صباحا إلى ما بعد الضحى، ومن الظهر إلى العصر أيام الأسبوع باستثناء الخميس وصباح الجمعة، والذي لا يخلو من مبادرة أسبوعية تفرح الجميع وتذهب بغضب بعضنا ممن تعرضوا للعقاب في الأسبوع، حيث ” تالعربات” الكل يحمل إلى المسجد ما جادت به والدته أو دوييه، اضافة إلى بيضة أو ” البسيس” و الشاي والسكر ويتم الاحتفال مع الفقيه بنهاية الاسبوع بجلسة شا] تجمع بين الطالب و” ءيمحضارن” تحضره فيها الاحتفالية وتغيب قسوة التعليم والحفظ، يحضرها من استطعوا اليها سبيلا من رجالات الدوار، وتختتم بالدعاء من طرف الامام وءيمحضارن ومن يحضر يرددون ” أمين” بخشوع واطمئنان .  كانت العائلات تتباهى بأبنائها ومدى حفظهم للقران الكريم، وكان الطالب يرافق ءيمحضارن أو تلاميذ ته أيام السوق في صورة اجتماعية وإنسانية تبرز قوته وتمكنه وعمله الجاد وأداء لممته الإنسانية والعلمية، وهو مناضل ومجاهد، يلتزم المسجد إلا يوم الخميس وصباح الجمعة، وعطل الأعياد وعند الضرورة الملحة، ويتقضى راتبا محتشما سنويا، إضافة إلى بعض الصدقات من الساكنة والمحسنين، وتلك الوجبات اليومية حسب مستوى ومكانة الآسر الاجتماعية والمادية دون تكليف .  إنها تيموكيد التي أصبحت اليوم شبه مهجورة تحاكي ماض رائد ومزدهر، رغم قلة الإمكانيات المادية والاجتماعية، وواقع ببنايات مشيدة ومجهزة وغاية في الجمال والبهاء لكنها فارغة المحتوى العلمي والإنتاج القرآني الا ما رحم ربي وهي قليلة جدا، تستدعي إعادة النظر في الواقع والعمل على رد الاعتبار وإحياء مجد ” تيمزكيد”  والطالب وأشياء أخرى جميلة من الزمن الجميل .

الحسن بنضاوش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد