بعد الحكومة.. تعديل الدستور والقوانين

منذ الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة، والعديد من الشبكات والائتلافات والهيئات تتوجه برسائل إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، من أجل الأخذ بالاعتبار مطالباتها، التي تتطلب كلها إعادة النظر وتعديلات في القوانين، فهناك رسالة الجمعيات النسائية والحقوقية والأمازيغية والتنموية والتحالفات والشبكات والمراصد، التي تطالب ببرنامج حكومي للمساواة وإنصاف النساء، وهناك “الائتلاف الجمعوي للقضاء على استغلال القاصرات في العمل المنزلي”، الذي يطالب بمراجعة القانون 19.12، في اتجاه الحد من “استغلال الأشخاص القاصرين في العمل المنزلي، الذي يعد ممارسة مشينة ووصمة عار”. هناك أيضا المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، الذي راسل رئيس الحكومة ومعه أحزاب الأغلبية، للمطالبة بتضمين البرنامج الحكومي التزام الحكومة باستكمال تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وجميع نتائج تسوية الهيئة، فضلا عن الرسائل، التي وجهت إلى العثماني من قبل كل من “الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان”، و”فدرالية رابطة حقوق النساء”، و”معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان”، و”منتدى الشباب المغربي للألفية الثالثة”…

وقبل ذلك، كان البام طالب بإجراء تعديلات دستورية، وأخرى تتعلق بالمسلسل الانتخابي، انطلاقا مما أبرزته الممارسة من حدود بعض المقتضيات الدستورية عند إعمالها، ومن الحاجة إلى تأطير دستوري لجوانب من الممارسة السياسية تفاديا لبعض حالات الفراغ المعياري، وهي الدعوة، التي اعتبرها خالد الناصري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بمثابة “مجازفة سياسية، وقد يؤدي ذلك الى أزمة سياسية”…

والحال أن التجربة كشفت، أن هناك فعلا فراغا معياريا، كما هو الحال في صياغة الفصل 47 من الدستور، الذي كان سببا في البلوكاج، وسببا في خلق أزمة حكومية أرخت بسدولها على مختلف مناحي الحياة، خصوصا الاستثمارية والاقتصادية والاجتماعية، كما شكل أداة في يد الحزب الأغلبي للانحراف عن الممارسة الديمقراطية السليمة والطبيعية إلى محاولات التحكم في الحقل السياسي وممارسة الديكتاتورية الحزبية على باقي الفرقاء الحزبيين، مما يكشف عن نزهة استئصالية مكينة ومتأصلة…

هذا الوضع يتطلب من كافة الديمقراطيين، سواء كانوا داخل الأغلبية أو في المعارضة، تكثيف النضال لمواجهة النزعات الظلامية الموجودة داخل الحكومة الجديدة، وللتخلص من التسللات الرجعية والظلامية للحكومة السابقة، خصوصا على مستوى حقوق الإنسان…

فالحكومة الرجعية السابقة كادت، في ظرف خمس سنوات، أن تجهز على كل المكتسبات التي حققتها بلادنا، بفضل تضحيات أفواج من المناضلين والشهداء، الذين جدوا واجتهدوا وسهروا وبادروا من أجل إحداث ما يشبه ثورات سياسية واجتماعية، في القوانين، ابتداء من المسطرة الجنائية، إلى موضوع الهجرة، إلى قضايا الأسرة والجنسية، فضلا عن الثورة الكبرى بوضع أسس صلبة لتصفية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتحقيق أهدافها الجوهرية المتعلقة بالعدالة التصالحية، من إجلاء الحقيقة، وتحديد المسؤوليات المؤسساتية، وتعويض الضحايا، وجبر الضرر الجماعي، إلى صياغة مقترحات للإصلاح كفيلة بضمان عدم تكرار مثل تلك الانتهاكات.

الدستور نفسه، تغير سنة 1992، وفي ظرف 4 سنوات تغير من جديد، سنة 1996، وبعد 5 سنوات أخرى، سيتغير مع رياح الربيع المغربي في 2011.

ماذا يعني هذا؟

الجواب بسيط جدا، ومخالف جوهريا لتوجسات خالد الناصري، وهو التأسيس لتقليد تشريعي وسياسي مهم، لا نجده إلا في البلدان المتقدمة، حيث تُعدًّل القوانين كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك، وفرضتها التحولات المجتمعية العامة…

في السابق، كان إذا صدر قانون معين، فإن الحديث عنه يُطوى نهائيا، ولا يمكن مراجعته إلا بعد عقود من الزمن. واليوم، يفترض أن يُحدث المغرب قطيعة مع هذه المرحلة.

أكثر من ذلك، وقع تكريس قاعدة أخرى لا تقل أهمية، وهي أن القوانين أضحت تُعدّل إلى الأمام لا إلى الخلف، بخلاف ما كان يحدث لأزيد من ثلاثة عقود، وما أصبح يحدث منذ خمس سنوات، إذ أصبحت التعديلات، التي تلحق المنظومة القانونية، تعديلات تراجعية، وأحيانا رجعية، تعصف بحقوق وتتراجع عن مكتسبات…

عموما، يمكن القول، إن المغرب يفترض أن يكون تخلص من عقدته المزمنة مع التشريع القانوني، ولم يعد أحد يجد حرجا في المبادرة إلى اقتراح تغيير أو تعديل قانون ما، باستثناء الأصوات المرتبطة بالرجعية والظلامية، التي لا يعلم أحد كيف انضاف إليها خالد الناصري، في سياق جر حزب يعتة إلى دهاليز الإخوان المسلمين…

إن الانغلاق في وجه رياح التغيير، في الواقع وفي القوانين، هو الذي يجر إلى ما عاشته بلادنا من أزمة خانقة طوال أزيد من 5 شهور من العبث البنكيراني، وهو الذي ورط بلادنا في تشكيلة حكومية بجيش عرمرم من الوزراء، الذين سينكدون على المغاربة حيواتهم، ويزيدون في معيشتهم من منسوب القهر و”الحكرة” والإحباط والاكتئاب والتعاسة…

نريد أن نحلم بدستور جديد لا وجود فيه لأسباب البلوكاج ولا فصول لتكريس هيمنة حزبية لاديمقراطية ولاشعبية، نريد أن نحلم بقوانين جديدة، تواكب التحولات المجتمعية، قوانين جديرة بمغرب اليوم، تترابط فيها النصوص والمقتضيات، بالممارسة والسلوكات، وتساهم في تغيير العقليات، وتعبئ عموم المغاربة للانخراط في مواجهة تحديات بناء مشروع المجتمع المغربي الحداثي الديمقراطي، الذي تهدده ظلامية الإخوان المسلمين بالمغرب… ومن أجل ذلك، لا خيار أمام عموم الديمقراطيين المغاربة إلا مواجهة العناصر الظلامية في الحكومة العثمانية…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد