لماذا تأخر رد الفاسي الفهري حول مشروع القانون/ الفضيحة لمجلس اللغات والثقافة!؟ 6

 

رشيد الحاحي

اطلعت على المقال الذي كتبه السيد عبد القادر الفاسي الفهري حول مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي أعدته لجنة هو عضو فيها، ترأسها السيد إدريس خروز، المنشور على موقع هسبريس الإلكتروني، حيث توقف الكاتب عند العديد من اختلالات مشروع هذا القانون التنظيمي، والمنهجية الخاطئة واللا حكاماتية التي اعتمدت في وضع تصوره اللغوي والثقافي على المستوين المؤسساتي والقانوني، ونفى أن تكون اللجنة قد وافقت خلال نقاشاتها وقراراتها على عدة مقتضيات وردت في نص مشروع القانون ومنها تذويب وتفكيك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأكاديمية محمد السادس للغة العربية ونسخ ظهيري إحداثهما، والفصول المتعلقة بإعادة تنظيم المؤسستين وبتركيبة المجلس التي لا تسمح بالاضطلاع بمهامه، بل أنه اعتبر هذا المشروع ميزي يبخس سيادة وهوية المغرب، وأكد على ضرورة مراجعة المشروع وإعادة النظر في هذه المقتضيات غير المتفق عليها داخل اللجنة تجنبا للتبعات السياسية والثقافية السلبية للحكامة العمودية-التفكيكية التي تبنتها، على حد تعبيره.
طيب، من الواضح أن انتقادات وملاحظات السيد الفاسي الفهري هي عين العقل، وكل ما ذكره خلال مقاله المنشور هذا الأسبوع من توضيحات حول مسار لجنة إعداد مشروع القانون والمكانة التي ينبغي أن تحظى بها اللغتين الرسميتين ومؤسساتهما، وخطورة تذويب وتفكيك مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية …وغيرها، فقد أكدنا عليه مند 17 نونبر 2015 بعد تشكل لجنة سي خروز الملتبسة، وبعد اطلاعنا على مشروعي القانونين التنظيميين المسربين وإطلاق ثلاثة إطارات مدنية أمازيغية كبرى في المغرب، وهي منظمة تماينوت العتيدة التي تأسست عام 1978 والشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة والتنسيق الوطني الأمازيغي، لدينامية مدنية تحمل هذا التاريخ كعنوان، وعملت على امتداد شهور من أجل إبراز خطورة مضمون هذا القانون النكوصي والميزي، كما عملت بعض إطاراتها ومكوناتها من حقوقيين وخبراء وباحثين وتربويين من أجل صياغة تعديلات على نص مشروعي القانونين قصد تعديلهما خلال تداولهما بالمجلس الوزاري، وحاليا يتم إعداد مذكرات ترافعية ترمي إلى تعديلهما خلال النقاش التشريعي بالبرلمان بعد أن صودق عليهما وعرضا على لجنة التعليم والإعلام والثقافة يوم 6 أكتوبر 2016، أي ساعات قبل نهاية الولاية الحكومية والتشريعية وحلول يوم الانتخابات التشريعية الأخيرة!
انطلاقا مما سبق، يتضح أن موضوع مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وكذا مشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ومقال السيد الفاسي الفهري، يطرحان سؤالين أساسيين. السؤال الكبير الأول هو لماذا لم يتحدث السيد الفاسي الفهري عند تسريب مشروع القانون الذي ساهم في إعداده وبطريقة مهينة ومحتقرة للجنة التي أعدته، حيث لم يقدم بشكل رسمي ومسؤول يشرف اللجنة خاصة أن أعضاؤها يحاولون تأكيد صفتها الملكية، بقدر ما تم تسريبه من الأمانة العامة للحكومة بعد تقديمه للأحزاب؟ ولماذا لم يبد رأيه ولم يخبرنا بما جرى عندما تم عرضه على المجلس الحكومي وإحاطة أعضاء الوزراء علما به وبعرضه على المجلس الوزاري؟ ولماذا بقي سي عبد القادر صامتا عندما عرض مشروع هذا القانون على المجلس الوزاري وتمت المصادقة عليه كما هو دون أدنى تعديل؟ ولماذا لم يتحدث عندما تمت إحالته على البرلمان؟
ألم يطلع سي عبد القادر على مشروع هذا القانون التنظيمي الذي أعدته لجنة هو عضو فيها سوى هذا الأسبوع ليفاجئنا بمقاله التفصيلي والنقدي الهام الذي وظف فيه كل دعامات الانتقاد الموضوعي التي قدمنها ووضحنها في العديد من الندوات واللقاءات الإعلامية مند 17 نوفومبر 2015، أي بعد تشكل لجنة إعداد قانون المجلس الوطني للغات والثقافة الملتبسة في طبيعتها ومنهجيتها وصلاحياتها، ثم بعد إطلاعنا على مشروعي القانونين المسربين؟
لا نطرح هذه الأسئلة حول نوايا الرجل، بل حول فعل النقد وإبداء الرأي كممارسة في الزمن والمكان، خاصة عندما يتحمل المعني المسؤولية فيما يحصل، لكن لن يفوتني تثمين مجمل مضامين مقال السيد الفاسي الفهري، الموظف والمثمن بدوره لمجمل انتقاداتنا وتوجساتنا ودعامات رفضنا لهذا القانون الميزي والنكوصي، والتي أبدينها وحاضرنا حولها وترافعنا بشأنها على امتداد سنة ونصف الماضية.
السؤال العريض الثاني الذي يطرحه هذا الموضوع الفضيحة هو من أعد القانونين التنظيميين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغيبة وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، فعلا؟ أتذكر أنه خلال نشري لعدة مقالات نقدية تطرح اللبس والتوجسات المحيطة بمنهجية إحداث لجنة إعداد المشروع، وبعد انخراط العديد من الجمعيات والإطارات المدنية والباحثين في دينامية تصحيحية لتقويم مسار إعداد هذا القانون التنظيمي، وبعد تأخر إعلان منتوج /مشروع اللجنة عن التاريخ الذي كان منتظرا، وبعد استفسار أحد أعضاء اللجنة العجيبة أجابني بأن المشروع المعد يتداول بين الأمانة العامة للحكومة والمجلس الدستوري لحسم مقتضياته وصياغته! فذكرته حينها بأنه إن صح ما يقول، فالأمر يرتبط بإخلال دستوري خطير، لأن مهام المجلس الدستور هي قضائية وليست تدبيرية وإدارية، وإن صح ذلك فالأمر يتعلق بكل اختصار بانخراط بعض أفراد دوائر القرار في خطة لتحايل مفضوح عن مقتضيات الدستور وترسيم اللغة الأمازيغية.
فمن المؤكد أن السيد بنكيران رئيس الحكومة الذي أخبرنا أو بالأحرى احتقرنا واحتقر هذا القانون التنظيمي المكمل للدستور، بمنهجية بريده الإلكتروني، وبمساعدة مستشاره أو عضو ديوانه الذي انبرى يخبرنا بإعداده، -هذا بغض النظر عن مسؤوليته السياسية والحكومية- ليس هما من أعد المشروع الأول! وبعد تأكيد السيد الفاسي الفهري وبعض الأمازيغ من أعضاء لجنة سي خروز أن المشروع المقدم مخالف للمسودة المعدة في اللجنة ويخالف قرارات اللجنة ورأيها في عدة مقتضيات، فمن أعده بدوره؟ فالمؤكد أن السيد إدريس خروز ليس وحده من أعده وبكل الدهاء والتحايل الذي يتخلله شكلا ومضمونا!
نتمنى أن يكتسب كل الديمقراطيين وكل المثقفين والباحثين والملمين بأهمية وحساسية الموضوع، الجرأة والنزاهة الكافية ليخبرونا بتفاصيل ما جرى، وأن يفطن بعض أفراد المقاومة والحرس القديم بانفضاح الأمر وبخطورة لعبهم بالنار، حتى يقتنع الجميع بأن مآل هذين المشروعين النكوصيين، وبدل الاستمرار في هذا المسار التحايلي المفضوح الذي لم يعد ينطلي على أحد، مكانهما يجب أن يكون هو سلة المهملات، لإعادة النظر كليا في المقاربة الخاطئة والمنهجية الاستيعابية والاستفرادية والملتبسة التي اعتمدت في إعدادهما، كما نبهنا إلى ذلك حينه، وذلك بالعمل على تصحيح كل هذه الأخطاء القاتلة التي تؤجج الصراع واليأس وعدم الثقة بل واللعب بالنار في قضايا كبرى، وذلك من أجل التعاطي الجاد مع ملف تدبير ودمقرطة الشأن اللغوي والثقافي والهوياتي الوطني، عبر الإرساء لتصور تعددي وتشاركي ومنصف يؤسس للتملك الديمقراطي والجماعي لهذا الورش الاستراتيجي الوطني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد