نحن والفنون : من أجل مصالحة وطنية

أزول بريس – الحسين بويعقوبي //
إضطرت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير لتأجيل الإجازة المهنية المسماة “تاريخ الفن” بعدما تقدم للتسجيل الإداري فيها سبعة(7)طلبة فقط. ويأتي هذا في سياق وجود توجه رسمي للدولة المغربية لجعل الفن والمهن المرتبطة به في قلب الدرس والتكوين الجامعيين وهو ما يؤكده خلق كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية في القطب الجامعي بأيت ملول التي أسست لجيل جديد من الكليات يسعى لتقديم عرض تكويني جديد يجعل الفن في قلب اهتماماته.
ورغم أن تاريخ وواقع المجتمع المغربي يتبثان تعدد الفنون والأشكال الثقافية المرتبطة بها وتشبت المغاربة بالإبداع الفني سواء في أشكاله المسماة “تقليدية” أو تلك الموصفة ب”العصرية”, إلا أن المجال الفني ظل لسنوات أقرب إلى اللهو منه إلى الجدية ولم يحظ بالإهتمام الكافي والإعتبار والتقدير اللازمين, مما شكل حوله تمثلات سلبية خاصة في الأوساط الشعبية رغم تمتعها به واستهلاكها له, وظلت بعض العائلات المتعلمة ضمن الطبقة الوسطى أو البرجوازية هي التي خلقت لنفسها تميزا على مستوى التعاطي مع بعض الفنون كالموسيقى والتشكيل والمسرح و السينما أو الرقص. وبموازاة قلة الإهتمام المؤسساتي بالفن وغيابه في فضاءات التنشئة الإجتماعية, إنتشر في المجتمع خطاب محافظ يتزعمه بعض الدعاة يدعوا لتحريم كل أشكال الفن ويعتبرها لهوا ولعبا ورجسا من عمل الشيطان وتم استثمار كل قنوات التواصل خاصة مواقع التواصل الإجتماعي التي تحولت لحلبة صراع بين الدعاة و الفنانين. ورغم المقاومة التي تبذيها بعض الأوساط المجتمعية خاصة المجتمع المدني فقد نجح الخطاب الدعوي نسبيا في إعطاء صورة سلبية عن الفن وأهله ونجح في القضاء على العديد من الأشكال الفنية في بعض المناطق خاصة غناء الفتيات وأهازيج الأعراس وبعض الأشكال الفرجوية وفنون الشارع ك”الرما”و”بيلماون”.
في ظل هذا الوضع تقلصت التربية الفنية لدى الناشئة وغاب معه الوعي بوجود “مهن الفن” وأهمية المهن المرتبطة بالثقافة عموما والإمكانات الواعدة التي توفرها في سوق الشغل خاصة مع الحاجة الملحة لأطر كفأة قادرة على تسيير المؤسسات الثقافية (مسارح, متاحف, مركبات ثقافية…) أو من خلال العمل في مختلف مراحل سلسلة الإنتاج الثقافي في ما يعرف ب “الصناعة الثقافية” وكذا خلق المقاولات الثقافية…
يبدو أن الحاجة اليوم ملحة لمصالحة وطنية مع الفن تبدأ بالتشجيع على التربية الفنية بدءا بالأسرة والإعلام فالمدرسة ثم الجامعة التي بدأت تقدم عرضا تكوينيا أكاديميا في مجال الفن يسمح من جهة بجعل الفن في قلب الدرس الأكاديمي ومن جهة أخرى يفتح آفآقا واعدة في سوق الشغل في مختلف المجالات المرتبطة بالفنون. ولن يتحقق هذا إلا بحملة إعلامية واسعة يساهم فيها الجميع لتغيير منظور المجتمع للفن والثقافة عموما.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد