مبارك بولگيد : مناضل عتيد

أزول بريس – عبد الله  بوشطارت //

ازداد الاستاذ مبارك بولگيد سنة 1952 بدوار ادبرشيل بقبيلة آيت علي اتحادية لخصاص بالاطلس الصغير جنوب مدينة تزنيت. والده كان فقيها وعدلا تنقل بين العديد من المدارس العتيقة التي اشترط فيها للتدريس خاصة في سهل أشتوكن، حيث كان فقيها بإحدى المدارس بمنطقة آيت باها ثم بمنطقة ماست. وهي القبائل التي ترعرع فيها مبارك الطفل وتعلم بها الحروف الأولى من حياته المدرسية.

الاستاذ مبارك بولگيد ينتمي إلى فضاء تاريخي وجغرافي يتميز بالحيوية والعراقة والتفرد، وهو مجال قبيلة/ اتحادية لخصاص، فهي تكتل قبلي جبلي قديم لا يعرف أوله وطريقة تشكله، ويعاني تاريخ هذا التكتل الامازيغي من نقص كبير في الكتابة التاريخية والانثروبولوجية، (الاكراري، السوسي، ألحيان..) لذلك نجد اشكالات كثيرة في فهم مسار تشكل هذا الحلف، حتى التسمية تعاني من حيف وتصحيف، فهي تنطق محليا لخصاص lakhsas وتكتب في الوثائق الإدارية ب الأخصاص وتارة ب الخصاص، ولاخصاص.. وحتى لا نتيه في متاهات التأويلات التي يعطيها بعض الباحثين لتسمية لخصاص، من الأفضل أن نترك ذلك جانبا حتى تظهر أبحاث وتدقيقات حول المصطلح. مجال لخصاص قديما ينتمي الى فضاء لمطة وجزولة، وقد يستوعب تيارات من صنهاجة/ايزناگن. كانت جزء من اللف السياسي الكبير تاگيزولت الذي ساند حركة المرابطين والسعدين وامارة تازروالت.

لا استطيع الجزم أن ما ذكره ابن خلدون حين تحدث عن قبائل سوس الأقصى وبداية الصحراء كلمطة وجزولة، حين أورد قبيلة اسمها “لخص” هل كان يقصد لخصاص أم قبيلة أخرى التي لا نعثر على تسميتها بالصيغة التي ذكرها بها ابن خلدون في المصادر التي جاءت بعده.

كيفما كان الحال، لخصاص هو اتحاد او لف امازيغي قوي رسم بصمته في تاريخ المجموعات البشرية التي تقع بين ازغار تزنيت والصحراء. ساهمت بانتاج شخصيات بارزة من إيمغارن وعلماء وصلحاء وشيوخ وقياد، نذكر على سبيل المثال العالم محمد بن سعيد المرغتي دفين مراكش الذي تحدث عنه السوسي في المعسول، ومنهم القايد المدني لخصاصي والناجم لخصاصي وآخرون كثر. ولابد أن نذكر أيضا ان من تربة لخصاص خرج المرحوم الخبير القانوني والحكيم الامازيغي الملكي الحسين، وكذلك احمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حاليا.

فالحياة العلمية والفكرية كانت نشيطة في مجال لخصاص، بفعل وجود مدارس عتيقة على غرار بلاد جزولة، لذلك نشأ مبارك بولكيد من أسرة عالمة مارست التدريس ومهنة العدول.
مبارك بولكيد ولج مهنة التدريس في سن مبكرة وهو لا يتجاوز السنة 18 من عمره حيث كان يشتغل معلما، وزاوج بين التدريس والدراسة حيث تابع دراسته الجامعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، كما تخرج أيضا من مدرسة تكوين الأساتذة تخصص اللغة العربية، وزاول أيضا مهنة التفتيش في نفس المادة إلى أن تقاعد.

الاستاذ مبارك بولكيد شاعر حكيم وموهوب، يمتلك قدرات هائلة في النظم الشعري، يسبك اللغة ويحبك الأسلوب ببلاغة الشعراء العظماء، متمكن جدا من اللغة العربية باعتراف كتاب وشعراء وادباء مغاربة وغيرهم. صدر له ديوان شعري منذ سنة 1981 تحت عنوان “العطش في الماء”. كما ينظم الشعر باللغة الأمازيغية وله قصائد كثيرة، بلغة رصينة وأسلوب شعري بديع. نشرت له قصائد في دواوين جماعية اهمها ديوان اسنفلول الذي اصدرته الجامعة الصيفية سنة 1994، والذي يضم قصيدة للأستاذ بولكيد تحت عنوان “تاضسا ن بزيز” taDsa n bzziz. كما شارك بقصائد كثيرة في ملتقيات ثقافية وأدبية كثيرة.

الاستاذ مبارك بولگيد، قارئ نهم، وشاعر حكيم، وكاتب ذكي، اقتحم ميدان الصحافة الامازيغية والنشر منذ سنة 1994 حيث نشر مجلته “تامگيت” / الهوية، حاملا الرسالة والقضية والدفاع عن الهوية الأمازيغية، وتحمل عبئ الطبع ومشقة النشر في الحقل الامازيغي بمفرده، في وقت كانت فيه شروط وظروف الصحافة الأمازيغية قاسية ومتعبة بسبب الهيمنة الثقافية وسيادة أيديولوجيا القومية والعروبة على ميدان النشر والكتابة والفكر بشكل عام. كانت مجلة “تامگيت” تجربة مميزة جدا في تاريخ الصحافة بالمغرب، بالرغم من أنها توقفت عن الصدور في العدد رقم 15 إلا أنها نجحت في خلخلة الكثير من المفاهيم السياسية والثقافية، وشاركت بكل جرأة في المعارك الفكرية التي قادها النخب الامازيغ خلال عقد التسعينات في مواجهة الخصوم السياسيين والايديولوجين للقضية الأمازيغية. ولاتزال أعداد مجلة تامگيت إلى حد الآن بمثابة مراجع اساسية في أدبيات الحركة الأمازيغية، لاسيما العدد 15 الصادر في يونيو 2002، الذي تضمن كتاب المؤرخ الامازيغي صدقي علي ازايكو الموسوم بعنوان “الامازيغ والاسلام” سلسلة بحوث الهوية، وهو عبارة عن دراسات ومقالات كتبها المرحوم ازايكو حول البدايات الأولى لدخول الإسلام إلى شمال إفريقيا.
الاستاذ بولگيد مناضل أمازيغي صادق، مفكر وشاعر نبيه، لا ينافق ولا يتملق، معروف بجرأته في التعبير عن مواقفه وأفكاره، من بين القلة القليلة من النخب الأمازيغية التي لم تتزلف، الاستاذ بولگيد لا يسعى للكسب على ظهر القضية الأمازيغية، بالرغم من عطائه ونضاله وتضحياته الجليلة في سبيل الأمازيغية طيلة عقود، فلم يطلب مقعدا ولا كرسيا ولا مكتبا داخل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حين تم تأسيسه سنة 2001، كما هرول أغلبية النشطاء الامازيغ في ذلك الوقت. كما أنه لا يلهث وراء البروز الاعلامي ولا يمارس البروبكاندا، مع العلم أنه مفكر ومثقف رزين، الذين يعرفون مبارك بولگيد عن قرب، يعرفون جيدا ما أعنيه بهذا الكلام، فقبل ان يكون شاعرا وكاتبا ومثقفا، فإنه قارئ يقظ، يقرأ كثيرا ولكن قليل الكلام.

بالرغم من توقف مجلته تامگيت عن الصدور، استمر سي بولكيد في الكتابة والمواكبة والتحليل السياسي والفكري، فقد واظب على نشر المقالات حول قضايا كثيرة وعلى رأسها الأمازيغية في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، ولازال مستمرا في ذلك إلى اليوم، ولابد من الإشارة إلى أن كتابات سي بولكيد لها طعم خاص، تتميز بالدقة في التحليل والتفكيك، ويكتب بلغة فصيحة ورصينة.

من بين المواقف والأفكار الثابتة التي يدافع عنها سي مبارك بولگيد داخل الحركة الامازيغية، هي قضية اللغات الأمازيغية ورفضه للغة المعيار، وينادي بالعناية باللغات الأمازيغية المحلية لكي تحتفظ على حيويتها واستمراريتها في محيطها وفضائها السيوسيو_مجالي.

الاستاذ مبارك بولگيد، رمز من رموز الحركة الامازيغية، والنضال النظيف، والوقوف على المبدأ، يستحق منا كل التقدير والاعتراف. وعلى الأجيال الحالية والقادمة أن تتعرف وتعرف الأعمال الجليلة التي انجزها رموز الحركة ومن بينهم سي بولكيد.

عبدالله بوشطارت..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد