في ذكرى ال22 لاستشهاد سعيد سيفاو المحروق : الطائر الفينيق

indexريناس///

لما نرثيك وأنت الحي فينا نحن الفانين أيها الطائر الفينيق كلما ازداد احتراقك ازددت انبعاثا

المأساة  

في 21.02.1979 – يتعرض كاتبنا الشاب إلى حادث خسيس مريب – وتحديدا في طريق قرجى أمام صيدلية قرجى بطرابلس حيث صدمته سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس للطريق لتتجه إليه مباشرة عند ترجله من السيارة قاصداً الصيدلية لشراء الدواء لأبنه … وتدهسه بكل وحشية … … يفقد ” سعيد المحروق ” وعيه لأيام – ولا يستعيده إلا وهو في إحدى مصحات إيطاليا الاستشفائية و بعد شهر كامل من الفادعة.. حيث يفيق على حقيقة أنه اصبح ربع أدمي .

كسر في العمود الفقري – نتج عنه شلل نصفي مع عدم التمكن من السيطرة على البول – وكسر في الرأس ، وتهشم في ذراع اليد اليسرى – ثم تجيره بمعدن يصل بين الذراع والكتف . وتهشم آخر في الفخذ اليسرى وكذلك المضاعفات والآلام المبرحة التي ظل يعاني منها على مدى 14 عشر عاما تقريبا …

و تتداخل الأسطورة بالواقع — الحق بالباطل — النور بالظلام ..

فهاهو بونفيص الوحيد .. يصارع .. الغوله و بناتها السبع و عشيرتها السبعون.. !…

سجلات التحقيقات ومحاضر الحادثة … … … … تتضارب… تتناقض… السيارة مسروقة..؟

السائق تونسي الجنسية – مخمور – يختفي في ظروف غامضة .

 

بصمات الفاعل لا تحتاج الي خبير بصمات لكشفها… فمخرج الحبكة المخابراتية التقليدية معروف واسلوبه هذا مكرر ومعاد حتي مع رموزة، و على مدار الزمن — المقريف.. البكار .. البشاري.. والحبل علي الجرار …

 

ويدرك ( سعيد المحروق ) بأنه دخل مرحلة الاحتراق بعد مرحلة النور = Sifaw تعني بالامازيغية النور – الشعلة – وهي في نفس الوقت فعل أمر للإضاء – بمعنى أضئ – أنر الشمعة … مثلا …

فيذكر ( سعيد سيفاو المحروق ) في أعلى المحافل الرسمية بأسوأ الذكر ، واسقط النعوت والتهكمات والسخريات … ويزج اسمه وهو حبيس مستشفيات إيطاليا وألمانيا في أحداث 1980 – وما يسمى ” بالرابطة الإسلامية المغاربية ” ، حيث اعتقل عشرات الشباب الليبيين الامازيغ ظلما وبهتانا … واستنادا إلى وشايات كاذبة من طرف العروبيين البعثين والإسلاميين .

وتبداء سياسة ” اضربه بيده ” الوقحة … مع أديبنا المقعد المحروق … فها هم الأقارب والمقربين والأصدقاء والزملاء – يتسلقون على أكتافه العاجزة – فتطمس قضية الحادثة – ويتم التدخل فيها والعبث بمحاضرها … بما لا يدع مجال لمتابعتها وتداولها …

تخطف زوجته وأطفاله الأبرياء – نكاية به وانتقاما .. وهو العليل المريض المقعد وتعاني زوجته المخلصة الويلات – والويلات وكذلك أولاده .

ويبتعد عنه كل من كان بالأمس من المقربين … مرغمين أو راغبين ، وتفرض الحراسات حول مكان إقامته … ويمنع الشباب من زيارته وتقديم يد العون ولو الإنساني له .

وتتكرر محاولات الاغتيال – اغتيال تلك الروح المتبقية في بقايا ذلك الجسد الممدد بلا حراك .

ويحرم من كل حقوقه المدنية بل ومن ابسط الخدمات الطبية والاجتماعية في مختلف المؤسسات الحكومية ، ويلاقي أصناف التعقيدات والعراقيل في قضاء جميع متطلبات معيشته الوحيدة – الانفرادية في المستشفيات ، في مراكز الرعاية ، في مراكز الشرطة ، في الإدارات… وكتب في مذكراته معلقا حول كل هذا … بأنه بات يظن بأنه سيلقي بتوصية ضده حتى عند عزرائيل حينما سيأتي ليقبض روحه … ؟

إلا أن الحبر لم يجف …و الدواة لم تصداء … وبحثه الحثيث عن ذاك الشيء الذي يهمه لم يخبو و لم يقل

قد يكون سطرًا هاربا في دفتر كتاب أو قد يكون ما يكون في أحشاء بحرنا و برنا اليباب …؟.

فبالرغم من الآلام المبرحة التي لم تفارقه طيلة 14 عشر عاما بعد الحادث المشؤوم – واضطراب وظائف الجسد والأرق والإرهاق وكل المنغصات …

إلا أن الإبداع كثر وكثر وزاد – فكانت إبداعات ( المحروق ) الشعرية الليبية الامازيغية تلك القصائد التي تلقاها الشارع الليبي الامازيغي – بكل حب وعشق ورددها في أفراحه وأتراحه فكتب AMSNAW -عارف – TALA عين –GHERI AGHRABU خراجي وغيرها ، والتي ستبقى في ذاكرتنا الشفوية قبل المدونة إلى الأبد .

وثق العشرات من القصص والأساطير الليبية القديمة بالامازيغية – وحاول نشرها – ولم يقبلها له أحد للنشر – فترجم البعض منها إلى الدارجة الليبية – حتى يتم نشرها – وهذا ما تم بالفعل – فكانت مجموعة ” أصوات منتصف الليل “، وكان شغفه باللغة الامازيغية اكبر مما يتصور – واهم إبداعاته في اللغويات – هو وضعه لأساسيات قواعد اللغة الامازيغية TAJRUMT NTMAZIGHT وكذلك الترجمة والمسرح …

وكتب الكثير من المقالات والقصص القصيرة الامازيغية الخاصة به .

وبالرغم من الحصار والإقامة الشبه جبرية المضروبة حول الأديب ( المحروق ) إلا أن الكثير من الشباب الليبي ظل يتواصل معه ويتصل – وقد وجههم الراحل ( المحروق ) بما يمكن أن يخدم الثقافة الليبية الأصيلة والحفاظ عليها وتطويرها …

هذا .. وكثرت كذلك إبداعاته الأدبية والفكرية باللغة العربية ، فإلى جانب العشرات من مقالاته الأدبية والسياسية والثقافية التي نشرت في مختلف الصحف المحلية وكذلك الإقليمية والدولية نشرت كذلك له الكثير من القصص القصيرة والقصائد الشعرية ، فكان ديوانه الأول ” أشعار كاتمة للصوت ” ، وديوان ” سقوط آل التعريف ” بجزئه الأول و الثـاني ، ومؤلف ” بقايا النسخة الرملية ” … وغيرها الكثير مما هو تحت الطبع الآن وسينشر في القريب .

 

فلإجادته للإنجليزية والفرنسية والإيطالية – وبطبيعة الحال اللغة الأم الامازيغية واللغة (الرسمية ) العربية – ترجم ( المحروق ) الكثير من الدراسات الهامة حول الثقافة واللغة والتاريخ الليبي الامازيغي – وقد اختلس بعض دعاة العلم والمعرفة أبواق الجماهيرية العروبية … كاالتابعة علي فهمي خشيم بعض أعمال ( المحروق ) لغرض الإطلاع والدراسة .. ثم نسبها إلى نفسه في مؤلفاته اله مصر العربية – رحلة الكلمات – سفر العرب الامازيغ …

ورغم إلحاح المحروق في استرجاع وثائقه وأبحاثه – إلا انه كان مقعد قعيد .. وغشيم قادر على أن يلهث راكضاً هاربا على قدميه و يديه…

ولكن عين السماء لا تنام – فجميع أعمال الأديب الراحل سعيد سيفاو المحروق – لا تزال موجودة ومحفوظة ولم تطالها يد العبث والفساد والاختلاس – وستنشر في اقرب الآجال حتى تعيد الأجيال الليبية الحالية اكتشاف رموزها الفكرية والأدبية الوطنية.

وهكذا عاش الليبي سعيد سيفاو المحروق – مكتويا – محروقا بنار التعصب والجهل والعنصرية الحمقاء .عاش معاناته في عناد وجلد – بدون آهات ولا توسلات … أربعة عشر عاما .

وهكذا وفي إحدى مصحات مدينة سفاقس التونسية – والتي توجه إليها بعد أن لاقى من الإهمال المتعمد في مصحات طرابلس – ما يندي له جبين التاريخ تجاه أبناءه – توجه إلى مصحات الخارج متكلفا جهدا ومادة من قوته وقوت أولاده الصغار الضعفاء. و بعد محاولات علاجية أتت في وقتها الضائع، كما هو الحال مع جل محاولاتنا العلاجية باختلافها في حياتنا البئيسة التعسة …

اسلم الروح هناك يوم 27.7.1994 .. و هو يردد وفي آخر لحظات روحه … وبشفتيه الذابلتين : ” تمازيغت .. تمازغا ..تمازيغت .. تـمـ ………………

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد