رحلة في عالم الروايس ..أنطولوجيا جديدة لفن أمازيغي مغربي أصيل

أزول بريس – الحسين بويعقوبي

صدر في شهر دجنبر 2020 أنطولوجيا لفن الروايس تحت إشراف الفاعل الثقافي والفني ابراهيم المزند، المدير الفني لمهرجان تيميتار بأكادير ومؤسس المهرجان الدولي “فيزا فور موزيك” بالرباط. ويعد هذا العمل ثاني أنطولوجيا تخصص لهذا الفن بعد تلك التي أصدرتها وزارة الثقافة المغربية سنة 1991. وتتميز الأنطولوجيا الجديدة بالعمل الأكاديمي الجبار الذي اعتمدته من خلال الاستعانة بمستشارين أكاديميين واستثمار 48 مرجعا علميا، بين الدراسات التي تعود لفترة الحماية الفرنسية وكذا تلك المنجزة بعد الاستقلال إلى اليوم، مما يجعل من هذا العمل، إلى جانب أهميته الفنية والتراثية في حفظ الذاكرة، مرجعا بيبليوغرافيا مهما للباحثين في هذا المجال. كما تظهر اللمسة الأكاديمية إلى جانب وجود لائحة المراجع المعتمدة في وجود جدول يضم لائحة الحروف المستعملة وفهرس وقائمة المصطلحات  الأمازيغية ومقابلها في العربية والفرنسية، بالإضافة لأرشيف غني من الصور ومصدرها ولائحة الموسيقيين المشاركين.

وقد استغرق العمل في هذه الأنطولوجيا أكثر من سنتين وساهم فيها ما يقارب80  فنانا يمثلون مختلف الأجيال، رجالا ونساء، وأكثر من 44 مشجعا  ضمنهم 9 مؤسسات داعمة، خاصة وعمومية، فكانت النتيجة علبة جميلة الإخراج تضم كتابين ( 144 صفحة لكل كتاب)، واحد بالعربية والثاني بالفرنسية مرفقين ب10 أقراص تضم100 أغنية من أشهر معزوفات وأغاني الروايس وتاروايسين، والسير الذاتية لمجموعة من رواد هذا الفن، في انتظار صدور النسخة الانجليزية, كما اختار المشرف على المشروع كتابة القصائد الأمازيغية بحروفها تيفيناغ، المعتمدة أبجدية رسمية للأمازيغية منذ 2003 وعززت القوانين التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية هذا الاختيار سنة 2019.

تعد هذه الأنطولوجيا المعنونة ب”رحلة في عالم الروايس” عملا جبارا يسهم في توثيق ذاكرة فن مغربي أمازيغي أصيل يعود تاريخه لقرن ونصف ويعكس التحولات التي عرفها الجنوب المغربي، خاصة بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، وكان لها تأثير على الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، عكستها أولى القصائد المغناة من طرف الروايس. لقد استمر هذا النمط الموسيقي في التطور، فاقتحمته النساء سنوات 1920، بعدما كان رجاليا في بداياته وكان لهن فيه باع طويل، بل ظهرت فيهن من تتقن اللعب على الآلات الموسيقية كالرباب.

وقد لعبت المدن المغربية خاصة تزنيت والدشيرة وانزكان ومراكش والدار البيضاء دورا محوريا في تطور هذا الفن، فكانت ساحة “جامع الفنا” الشهيرة ممرا أساسيا لكل رواد هذا اللون الموسيقي حيث وفرت بحكم موقعها وسط المغرب وخصوصياتها ظروف اللقاء والتأثير والتأثر بباقي الفنون المغربية.

وبحكم سياق الحماية فقد استفاد الروايس من التقنيات الحديثة حيث كانوا من أوائل من أخذت لهم الصور، كما كانوا السباقين لتسجيل أشرطتهم في بداية القرن العشرين واستفادوا كذلك من ظهور تقنية الفيديو فيما بعد, وفي بداية القرن الواحد والعشرين اقتحموا أيضا مجال التقنيات الحديثة في التواصل الاجتماعي واستثمروا الإمكانات التي توفرها. وهو السياق نفسه الذي فرض مع بداية الألفية الثالثة ظهور جيل من الشباب يمتاحون من الأرشيف الغني لفن الروايس ويخرجونه بأسلوب شبابي ينسجم ومتطلبات العصر.

يقول ابراهيم المزند في مقدمة الكتاب “وبفضل هذه الأنطولوجيا، يمكن لفن الروايس أن ينهض بشكل كبير بدوره التعبوي، المثير لشعورعميق بالانتماء إلى أرض ومنطقة وبلد وجماعة يصهرها نفس التاريخ والمصير المشترك، وهو ما يجعل نشر هذا التراث ذا أهمية بالغة، خصوصا بالنسبة للشباب الذي يعتبر حاملا لمشعل المستقبل”. وفي رسالة جوابية من الملك محمد السادس بعد توصله بهذا العمل يؤكد عاهل البلاد على أن هذا العمل “سيسهم في صيانة التراث الغنائي الأمازيغي، وإثراء الخزانة المغربية”.

لقد أتبث فن الروايس بعد قرن ونصف من التواجد والاستمرارية أنه فن أصيل وحي ومتجدد ومنفتح، وهو ما تؤكده الدراسات المنجزة حوله سواء من طرف المغاربة أو الأجانب، وتعد أنطولوجيا “رحلة في عالم الروايس” هذه خطوة جبارة لتوثيق ذاكرته والتفكير جديا في بدأ مسطرة تسجيله تراثا إنسانيا لدى منظمة اليونيسكو.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد