تارودانت: الزلزال يدك قرية الفقيد علي صدقي أزايكو في ذكرى وفاته..

  • بقلم : الحسن باكريم //

ضمن فعاليات القافلة الثالثة “تيويزي” للتضامن مع منكوبي زلزال 8 شتنبر، والمنظمة من طرف عدد من فعاليات المجتمع المدني وأصدقاء المقهى الثقافي بأكادير، (جمعية أمان، جمعية الطفولة المعاقة، الاتحاد العمل النسائي، جمعية إزوران، منتدى الصحافة والإعلام، الائتلاف المدني من أجل الجبل) بالإضافة إلى ممثلين عن الصحافة وعدد من المواطنات والمواطنين قادمين من خارج جهة سوس.

كانت الوجهة دوار “ءيكران ن توينخت” بجماعة تافنكولت بإقليم تارودانت، مسقط رأس ومكان ذفن المؤرخ والباحث والشاعر الفقيد الدكتور “علي صدقي أزايكو”.

البيت الذي ولد به أزايكو اصبح خربا.

“توينخت” تجمع لأربع دواوير مجاورة ، دكها زلزال 8 شتنبر وأخفى الكثير من معالمها، منها المسالك الطرقية التي تربط بينها، إلى درجة يصعب زيارتها بوسيلة نقل عادية، أصلا، بدون كارثة الزلزال، لصعوبة الولوج إليها بسبب تواجدها على قمم الأطلس الكبير الغربي وعدم تعبيد الطريق المؤدية إليها.

ويشكل دوار “إيكران” عاصمة هذه الدواوير، الذي لا يتعدى عدد سكانه 120 فردا (القاطنين)، بسبب الهجرة، الدوار لم يسلم من أضرار الزلزال الذي أتى على كل البيوت والمسجد، وفقدوا معه 11 شهيدا، وأصيب آخرون بجروح مختلفة، مع سقوط عدد كبير من البنايات، وتشقق أخرى، مما اضطر معه السكان للمبيت في خيام الوقاية المدنية، ومساعدات الحملات التضامنية الوطنية. وكانت تبعات الكارثة الطبيعية ظاهرة للعيان على وجوه ونفوس الساكنة، ضمنهم من فقد والديه وزوجته وأولاده.

لكن المشاركين في هذه القافلة، خاصة النساء، أحسنوا صنعا حين فكروا في إعداد أطباق من الكسكس مع ساكنة الدوار على شكل “المعروف”، التقليد المغربي العريق، اقتسمه الجميع خلال وجبة الغذاء، وكان لحظة لمواساة المتضررين ودعمهم على المستوى النفسي. ( فيديو : شهادة من عين المكان):

تصريح محمد العماري من الإئتلاف المدني من أجل الجبل ..

دعوة لتشريع قوانين لتنمية المناطق الجبلية..

وقد تزامنت هذه القافلة التضامنية، التي حملت لساكنة المنطقة عدد من مسلزمات العيش والحياة، من المواد الغذائية والملابس والأغطية الواقية من البرد،  مع إحياء ذكرى وفاة المرحوم علي صدقي أزايكو ( (توفي يوم 10 شتنبر 2004) التي نظمت يوم الاحد  24 شتنبر 2023، فكانت الزيارة مناسبتين، للتضامن مع المنكوبين من الزلزال، وللحديث عن المرحوم وتاريخه وإنجازاته في المجال العلمي والجمعوي والأدبي وارتباطه بهذه القرية التي أنجبته وعلاقته بمنطقة الأطلس الكبير التي تضم قريته.

ومما الزيارة أهمية ذات جدوة عميقة حضور أخيه ابراهيم وابنه زيري وعدد من ساكنة الدوار الذين يعرفونه حق المعرفة خاصة الحاج “دامبارك” (97سنة) الذي أخبرنا أنه كان يحمل المرحوم في أحضانه حين كان طفلا، ويعرف عنه أنه كان مدافعا عن “تاشلحيت”، وأنه اعتقل من أجل ذلك، وهو أيضا من تكفل بغسله وذفنه بعد وفاته، كما قدمت عدة شهادات من طرف الحضور الكريم.

بالمناسبة أيضا عقدت ندوة تلقائية تحت أحد الخيام ، المعد لتجمع الساكنة خاصة الشباب منهم  في اطار  “جمعية شباب توينخت للتنمية والرياضة” بمشاركة مختلطة من الزوار وأبناء المنطقة ومن إعداد موقعي “أكادير اليوم” و “أزول بريس”.

قبل مغادرة القرية، كانت لنا زيارة لقبر المرحوم، في مكان اختاره بنفسه قبل وفاته، حسب ما أخبرنا به أخوه.

ويتعلق الأمر بقطعة أرضية في ملك العائلة، بجانبها شجرة أركان حيث كانت والدته، المرحومة فاضمة، تجلس يوميا حسب إفادة ابنه زيري.

ويطل هذا المكان على منخفض كبير تحيط به سلاسل جبلية. وقد دفنت والدته أيضا بجانبه حين وافتها المنية سنة 2008. وإذا كان المرحوم أزايكو قد اختار مكان ذفنه فكان مع اختياره أيضا شكل وهندسة قبره والعبارات التي كتبت على قبره.

قبر أزايكو على قمة فوق القرية المنكوبة

 

وحسب  الحسين بويعقوبي (الاستاذ الباحث بجامعة ابن زهر) الذي كان مرافقا للقافلة، واحد الذين التقى عدة مرات بالمرحوم أزايكو، حين وقف على هذه الربوة تذكر شخصية المرحوم الذي أكد أنه جالسه ثلاث مرات كما تعرف عليه خلال كتاباته.

والأكيد يقول بويعقوبي أن بيئة ولادته قد أثرت بشكل كبير في شخصيته وفي طبيعة الأفكار التي دافع عنها وهذا ما تجلى في سياق هول زلزال الأطلس الكبير، لأن المرحوم أزايكو كان بالفعل محامي هذا الجبل، المحيط به من كل الجوانب، وكان يؤمن أن تاريخ المغرب لا يمكن فهمه إلا بفهم تاريخ جباله وبواديه وخاصة “أدرار ن درن”.

وأضاف بويعقوبي، في تصريحه للموقع، أنه لا زال يتذكر أن المرحوم كان يوقع بعض مقالاته الأولى في بداية سنوات السبعينيات بذكر اسم قريته “ءيكران ن توينخت”، ردا على توقيع محاوره في مجلة الكلمة لمقالاته بذكر اسم إحدى المدن الكبرى، وفي ذلك اعتزاز بالبلدة والجبل.

وأكد بويعقوبي أن المرحوم علي صدقي أزايكو اضطر للانتقال لمراكش ثم الرباط ثم فرنسا لإتمام دراسته الجامعية، والعودة للتدريس بعاصمة المملكة، لم يكن تنكرا لبلدته وجبله، بل لكي يمتلك الأدوات العلمية والمنهجية للدفاع عن الجبل الذي أعطاه كل شيء، بكل ما يحمل من ثقافة وحضارة وقيم هي التي شكلت عبر التاريخ صلب الحضارة المغربية، ولذلك كان عنوان مقاله “من أجل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية” ملخصا لرؤيته لما يجب أن يكون عليه المغرب الثقافي.

لقد أدى المرحوم غاليا ثمن جرأته، ومجيئه قبل زمانه، يضيف بويعقوبي، لكن أنصفه التاريخ فيما بعد ولم تذهب تضحياته سدا، حيث أصبح المغرب الرسمي اليوم يسير في خطى تتبنى نفس أفكاره.

ويكفي أن المرحوم عايش  السنوات الأولى من زمن الاعتراف، لكن لم يسعفه الأجل ليرى أن الأمازيغية التي أسدى حياته في خذمتها أصبحت لغة رسمية في دستور بلاده، يؤكد.

وأجمل ما نختم به هذه الشهادة، على قافلة تيويزي إلى بلدة أزايكو “بعد هذا الاعتراف الدستوري باللغة، جاء زلزال الأطلس الكبير ليذكر الجميع أن الجبل يحتاج لبرنامج تنموي شامل يضمن لساكنته العيش الكريم ويحفظ حقوقهم في كل المجالات لكي يستمر هذا الجبل في لعب أدواره التاريخية كما سعى لذلك المرحوم علي صدقي أزايكو.”

فمن يكون علي صدقي أزايكو الذي ولد بهذه القرية المنكوبة اليوم؟

أزايكو شابا

هو من مواليد 1942 بقرية ”إكَران ن تْوينْغْت” بالأطلس الكبير، جماعة تافنكولت دائرة أولاد برّحيل بإقليم تارودانت، بدأ دراسته الابتدائية بقرية تافنكَولت، ( تافنكولت المركز)، فقد أباه في حادثة سير وقعت لحافلة مسافرين على الطريق الرابطة بين مراكش وتارودانت عبر تيزي ن تاست، ما بين ”تينمل” وفج ”تيزي ن تاست”، سنة 1952أو 1953، إذ لم يتوفى من بين المسافرين إلا هو وامرأة، من نفس القرية، تركت هي بنتا لازالت اليوم تعيش بنفس القرية، أكمل الدراسة الابتدائية بالمدرسة الحسنية بمراكش، والإعدادية بثانوية محمد الخامس، التحق بمدرسة المعلمين الإقليمية بمراكش (السنة الدراسية: 1961 – 1962)، وعين بإمنتانوت في السنوات الدراسية: 1962 – 1963 و1963 – 1964، وحصل على شهادة الباكالوريا سنة 1964، ثم التحق سنة 1964 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط (النظام القديم: حيث كان يتابع في نفس الوقت التكوين في المدرسة العليا للأساتذة).

التحق  بجامعة السربون بباريس في الفترة ما بين 1970 و1972، حيث بدأ تهيئ دكتوراة السلك الثالث في التاريخ الاجتماعي بإشراف العالم الاجتماعي الأستاذ ”جاك بيرك”، والتحق سنة 1972 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، في إطار مغربة أطر التعليم الجامعي، واشتغل بالتدريس والبحث في مجال تاريخ المغرب، ناقش دبلوم الدراسات العليا (السلك الثالث) في موضوع ”رحلة الوافد، تقديم وتحقيق”، إشراف المرحوم الدكتور محمد زنيبر، وذلك يوم 13 يوليوز 1988، ونال دبلوم الدراسات العليا في التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1988 بميزة حسن جدا.

نشر عدة مقالات ودراسات وأبحاث، في عدة منابر إعلامية وثقافية وأكاديمية، لها علاقة بالأمازيغية أو التاريخ، كما نشر ديوانين شعريين: ”تيميتار” و ”إزمولن” باللغة الأمازيغية، وله مؤلفات في مجالات التاريخ والأمازيغية.

أزايكو اواخر عمره

يعد الراحل أزايكو  من مؤسسي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، نونبر 1967 بالرباط، ومن مؤسسي دورية ”أرّاتن” (الوثائق) كدورية داخلية للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (AMREC)، حصل سنة 1968 على شهادة الإجازة في التاريخ من كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وتخرج في نفس الوقت من المدرسة العليا للأساتذة كأستاذ للتعليم الثانوي، و عين بمعهد المغرب الكبير بالرباط سنة 1968 حيث درس مادة التاريخ في الفترة ما بين 1968 و1970.

هو أيضا من مؤسسي الجمعية المغربية معارف وثقافة، بالرباط، سنة 1972، التي أصدرت مجلة ”تييدرين” حيث سينشر لأول مرة مقال: ”في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية”؛ المقال الذي سيحاكم من أجله بعد أن أعيد نشرة للمرة الثانية في مجلة أمازيغ(بالعربية)، العدد 1، السنة 1، 1981. ومن مؤسسي جمعية ”أمازيغ”، 1979، مع كل من الأستاذ محمد شفيق والسيد عبد الحميد الزموري الذي كان رئيسا للجمعية وآخرين وكان المرحوم يشغل منصب الكاتب العام للجمعية،

اعتقل الدكتور علي صدقي أزايكو  في شهر يوليوز 1982 وحوكم وسجن لمدة تزيد عن سنة بعد نشر مقال يدافع عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين بعنوان: ”في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية”، وهو مقال نشر أول مرة في مجلة “تييدرين”، العدد الأول،  ونشر مرة ثانية في مجلة أمازيغ(1)، العدد 1، السنة 1، 1981؛ وأعيد نشره في دفاتر مركز طارق بن زياد العدد 2 ”معارك فكرية حول الأمازيغية”، الطبعة الأولى، شتنبر 2002، مركز طارق بن زياد. وحُرم من استئناف عمله لمدة سنة كاملة بعد خروجه من السجن.

كان المرحوم من المدعوين للحضور في مراسيم خطاب أجدير، كما كان عضوا بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وباحث بذات بالمعهد عضوا بمركز الدراسات التاريخية والبيئية.

وتوفى المرحوم أزايكو  يوم 10 شتنبر 2004، ودفن في نفس اليوم بمسقط رأسه، تنفيذا لرغبة أوصى بها أفراد عائلته.

  • ءيكران ن توينخت: الحسن باكريم
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد