إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية من يثبط الورش؟

  • الطيب أمگرود

بتاريخ 19 أبريل 2024، وجهت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى مديرتي ومديري الإدارة المركزية ومديرة ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديرة والمديرين الإقليميين للوزارة مذكرتها رقم 152X24 في شأن تنفيذ مخطط التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي، والتي تأسست على المذكرة الوزارية عدد 028X23 الصادرة بتاريخ 23 ماي 2023 في نفس الشأن.

وتسعى الوزارة حسب النص التنظيمي المذكور، إلى مواصلة تنزيل ورش التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة ولغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية. ولتحقيق ذلك أعدت مخطط عمل للموسمين الدراسيين المقبلين 2024/2025 و2025/2026 يستجيب لأهداف خارطة الطريق ولمقتضيات المذكرة الوزارية المشار إليها لا سيما في بلوغ الهدف المرحلي لمسار التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيغية إذ من المتوقع تحقيق نسبة تغطية تصل إلى 50٪.

فهل ستنجح وزارة التربية الوطنية بعد عشريتين من التعثر في إنجاح مشروع إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية الوطنية؟

وما هي الأسباب الحقيقية لإفشال كل المخططات السابقة، وكيف السبيل لتجاوز تلك الأسباب؟

منذ واحد وعشرين سنة شرعت وزارة التربية الوطنية في إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية الوطنية، وكانت الشهور الأولى من سنة 2003 إيذانا بصفحة جديدة تفتح أمام لغة أم لملايين المغاربة لتلج المؤسسات التعليمية بعد عقود من المنع، سُطّرَ المشروع وكان مأمولا أن يُعمم تدريس المادة أفقيا وعموديا بناء عليه على كل أسلاك التعليم المدرسي ومستوياته خلال الموسم الدراسي 2009/2010، إلا أن الحلم تبخر.

وقد تبخرت قبل المشروع جحافل من أساتذة التعليم الابتدائي، من مزدوجي التكوين ومعربيه، توافر فيهم الشرط الرئيسي أي إتقان أحد فروع اللغة الأمازيغية، وعبروا عن رغبتهم في تدريسها، فاستُدعوا من قبل الوزارة ومصالحها الإقليمية والجهوية خلال يوليوز 2003، واستفادوا من دورات تكوينية عدة امتدت لأسابيع غطت السنوات الممتدة من 2003 إلى 2008، رُصدت لها كل الإمكانات المادية والبشرية، واستهلكت مئات الساعات، وشملت كل جوانب اللغة الأمازيغية ومنهجية وطرائق تدريسها، إلا أن المُؤسف له أنه، وفي غياب أي تتبع أو إلزامية أو محاسبة، وما أن يستأنف أغلب المستفيدين والمستفيدات من دورات التكوين عملهم حتى يتنكروا للمشروع ويتنصلوا منه، معتبرين زمن التكوين عطلة وفسحة مدفوعة التكاليف للترويح عن النفس، ولم يلتزم بتدريس المادة إلا القليلون ممن ظلوا يرتبطون وجدانيا بالمشروع ويناضلون من أجل القضية الأمازيغية في شموليتها.

لقد راهنت الوزارة على ترسانة من النصوص التنظيمية لإثبات حسن نيتها، فأصدرت عددا من المذكرات الوزارية بشأن تدريس اللغة الأمازيغية ظلت حبيسة الورق ولم يعرف أي منها طريقه نحو التفعيل والتنزيل، وظلت تُشهَر الأرقام الخادعة من قبل المسؤولين للرد على من ظلوا يصفون الواقع وينتقدون تعثر الورش، وهي المعطيات التي انطُلقَ في استخلاصها من أعداد المستفيدين من التكوين والتلاميذ المسندين لهم رغم حقيقة عدم استفادتهم من دروس اللغة الأمازيغية، والتي استُقيَتْ من رؤساء للمؤسسات ظل أغلبهم يعتبر تدريس اللغة الأمازيغية شأنا لا يعنيه في ظل غياب أي إلزامية أو محاسبة، وهي أرقام يزود بها رؤساء المؤسسات مصالح الوزارة وتخص أساتذة يسارعون للتعبير عن رغبتهم في الاستفادة من التكوين/ الريع، وغالبا ما تنتهي علاقتهم بالمادة بانتهاء الدورات التكوينية، ولسان حالهم يقول، لمن يلتزم بتدريسها، اذهب أنت وأمازيغيتك وقاتلا إنا هاهنا قاعدون؛ فانحصر التدريس في بضعة أساتذة في كل جهة ظلوا أوفياء لالتزامهم الأخلاقي، واقتصرت الاستفادة من دروسها على تلاميذ أقسام معدودة على رؤوس الأصابع في كل مديرية عادة ما تنتهي صلتهم بها بانتقالهم للقسم الأعلى، بينما آلاف المستفيدين من التكوينات تخلصوا مما يعتبرونه عبئا زائدا يضاف لأعباء أساتذة التعليم الابتدائي، إن لم يكونوا يحاربون المشروع لأسباب سياسية وإيديولوجية ضيقة، يتخلصون منه ويتملصون دون أن يحاسبوا من قبل مسؤولين غير معنيين بالمشروع، بل يتفرجون، فالأمازيغية ليست قضيتهم.

حل الموسم الدراسي 2009/2010 وتبخر حلم التعميم الشامل للغة الأمازيغية على السلك الابتدائي، فما بالك بجميع أسلاك ومستويات التعليم المدرسي، وأُنهيَتْ تكليفات أساتذة أسند لهم تدريس اللغة الأمازيغية بحجة الخصاص في الموارد البشرية، ورُصدت بعد ذلك وطوال المواسم الموالية مناصب محدودة للأساتذة المتخصصين في المادة، انطلقت بثمانين منصبا خلال كل سنة، لتبلغ اليوم ستمائة منصب، وهو رقم لم ولا ولن يفي بالتغطية الشاملة للسلك الابتدائي، قبل التفكير في التوسيع نحو السلك الإعدادي فالثانوي، بل هو مكسب يبدو أن الوزارة تسعى للتراجع عنه بجعل مجزوءة اللغة الأمازيغية معممة على كل أساتذة التعليم الابتدائي عوض مواصلة تخصيص أساتذة للمادة.

إن تخصيص أساتذة للغة الأمازيغية كل سنة منذ عقد من الزمن مكسب يجب أن يصان، ويُترافع من أجل تحصينه وتجويده وزيادة العدد، وهو الكفيل باستمرارية تواجد مادة اللغة الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية، رغم عدم كفاية عدد المناصب المخصصة للتخصص، وما يؤاخذ عليه من فتح للمباراة في وجه القادمين من كل الشعب مهما بلغ بعدهم العلمي عن المادة ومجالاتها عوض حصرهم في حملة شهادة الإجازة في الدراسات الأمازيغية، وهو معطى يضمن على الأقل أطرا متخصصة يتفرغون لتدريسها، يعتبر أغلبهم ذلك واجبا أخلاقيا قبل أن يكون واجبا مهنيا، وهو ما ينتفي في باقي الأطر الذين سيتملصون مرة أخرى، لا محالة، من الواجب ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بإلزاميته.

فمنذ عقدين من الزمن لا يراوح مشروع إدماج اللغة الأمازيغية مكانه، فهو لا يتجاوز بالكاد بضعة أساتذة في كل مديرية، وتلاميذ لا تُضمن لهم استمرارية تلقي دروسها، أساتذة متخصصون لا يقلون مستوى ولا أهمية عن نظرائهم المزدوجين، ولكنهم يعانون من تمييز ومزاجية وعنجهية الزملاء والمسؤولين على السواء وشططهم في استعمال السلطة، كيف لا والأمازيغية في نظر عدد منهم، ولأسباب إيديولوجية أو براغماتية صرفة، مضيعة للوقت ومزاحمة لمواد تبدو أكثر أهمية لهم، فيعانون عند مستهل كل موسم دراسي من نفس المشاكل والتعقيدات التي يسببها رؤساؤهم وزملاؤهم، فمنذ أزيد من عشر سنوات، تتكرر معاناة ومخاض البداية لدى أساتذة اللغة الأمازيغية المتخصصين، والتي تظل أسبابها مزمنة ولا تحظى باهتمام أو التفاتة من أي مسؤول، منها توطين المادة على جداول الحصص الدراسية والإلزامية، فضلا عن الضغوط التي تمارس على عدد منهم لتدريس مواد غير مواد تخصصهم، وكأن الأمازيغية أقل شأنا من باقي المواد الدراسية.

وبافتراض حسن نية الوزارة في مبادرتها الجديدة، حيث يبدو أنها فطنت إلى أن استراتيجية الأستاذ المتخصص وحدها لن تستطيع تعميم تدريس مادة اللغة الأمازيغية على كل مستويات وأقسام السلك الابتدائي، فعادت إلى استراتيجيتها الأولى بجعلها مادة دراسية يسند تدريسها أيضا لأساتذة التعليم الابتدائي المزدوجي التكوين إلى جانب باقي المواد التي تسند لهم، متطلعة عبر مشروعها الجديد القديم إلى تغطية نسبة الخمسين بالمئة من التلاميذ بحلول الموسم الدراسي 2025/2026، وهو الهدف الذي سيسهم في الوصول إليه أطر هيئة التدريس الذين يعبرون عن رغبتهم في ذلك والمشترط فيهم إتقان فرع من فروع اللغة الأمازيغية، شريطة الاستفادة من دورات تكوين مرصودة لهذا الغرض، وهي استراتيجية سبق تجريبها خلال المواسم الدراسية الممتدة من 2003/2004 إلى 2011/2012 وأثبتت فشلها الذريع في ظل غياب شروط معينة يتوجب أن تتوافر قبل تكرارها.

إن ورشا من حجم إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، وكي ينجح على الأرض، يجب أن تؤطره جملة شروط في صلبها الإرادة السياسية والإلزامية والتتبع والمحاسبة والصدق وحسن النية لدى كل الأطراف المعنية بمن فيهم وأساسا المسؤولون عن القطاع مركزيا وجهويا إقليميا، والمتدخلون من أطر هيئة التفتيش والمراقبة التربوية ورؤساء المؤسسات التعليمية وخصوصا هيئة التدريس، قطب الرحى في العملية، فرغم الجهود التي بذلت وتبذل، ورغم المبادرات التي تسطر، وفي ظل غياب الشروط المذكورة سيتواصل دوران المشروع في دوامة لا تنتهي، وهي الدوامة التي لن تنتهي ما لم يلتزم كل المتدخلين في الحقل التربوي بإنجاح المشروع كل من موقعه، بوصف اللغة الأمازيغية لغة رسمية للمغرب، وملكا لجميع المغاربة، ورصيدا مشتركا ورافدا رئيسيا من روافد الهوية المغربية العريقة، يلزم صونه والحفاظ عليه، ولن تصان اللغة والثقافة الأمازيغيتان إلا بتعليمهما لأبناء المغاربة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد