انجاز المنتخب الوطني، رياضة وسياسة واشكالية الانتماء..

بقلم عبد السلام الرجواني

تأهل المنتخب الوطني المغربي لدور الربع للمونديال القطري، وما كان له من اصداء وردود افعال تعدت حدود المغرب وحدود الرياضة، يستدعي قراءات متعددة تتجاوز الرياضي الى الحضاري/ الثقافي والسياسي، مغربيا، عربيا وقاريا.

اولا: هو انجاز رياضي كبير لم يعشه جيل بكامله. فمنذ العبور الى الدور الثاني سنة 1986 لم ترق نتائج الفريق الوطني الى ما حققه الجيل الحالي، سواء على المستوى القاري او العالمي.

ومما اضفى على هذا الانجاز نكهة خاصة انه جاء في سياق نهضة كروية وطنية، من معالمها تفوق الفرق المغربية قاريا، وتطور كرة القدم النسوية وكرة الصالة، و التقدم الملحوظ على مستوى المنشآت الرياضية من ملاعب ومراكز التكوين، فضلا عن سن نظام الاحتراف واعتماد حكامة كروية متقدمة عما كانت عليه زمن التعيينات.

ولعل من اهم مظاهر الحكامة الجيدة استقطاب الكفاءات الوطنية واستقطاب ابناء الجالية المغربية في بلدان المهجر.

ومن المؤمل ان تنال باقي الرياضات الجماعية والعاب القوى نصيبها من الاهتمام حتى يخفق العلم الوطني في كل التظاهرات الرياضية القارية والعالمية…

ثانيا: هو حدث احتفالي اسعد شعبا بكامله، بل شعوبا عربية/ امازيغية وافريقية… ولأن لحظات الفرح، كما لحظات الاسى، عابرة ، وقد تكون نادرة، فمن الشقاوة والغباء الا نستثمرها حتى الثمالة…

وذاك ما فعله المغاربة ومن فرح لفرحهم في فلسطين والجزائر وتونس ومصر ودول الخليج وفي اي بقعة من بقع العالم.

ولذلك ليس من النضال في شيء ان نعز في شعبنا فرحا عارما وحالة وجدانية وحدث بين مشاعر اليساري واليميني والغني والفقير، مؤكدة بذلك وجود عمق وطني مغربي يسكن ذواتنا مهما حاول البعض ان يجعل من التنوع الثقافي والتعدد السياسي والتفاوت الطبقي عنصرا للتفرقة.

من الوارد ان يوظف الانجاز الكروي، على غرار كل الانجازات، سياسيا واعلاميا واديولوجيا حتى. ولا غرابة في ذلك ولا استغراب.

كل النظم السياسية ماضيا وحاضرا عملت وتعمل على تحسين صورتها لدى العامة من خلال عمل دعائي عبر وسائل الاتصال المتاحة؛ وهذا امر مشروع خاصة اذا كان الانجاز حقيقيا وكان تجاوب الشعب عفويا.

والجميل ان الفرح المغربي امتد الى اقطار واقطار شرقا وجنوبا متحديا الحدود السياسية والعقليات المحنطة، وصار المغرب امل الكرة الافريقية والعربية/ الامازيغية والعربية/العربية وكل الجاليات في مختلف القارات.

والاجمل ان الفرح اتخذ لنفسه اشكالا فنية وطقوسا دينية امتزج فيه “المقدس” ب”المدنس”.

غنى المغاربة ومعهم الفلسطينيون والخليجيون فابدعوا اغاني حماسية رائعة ذكرتني بالمسيرة الخضراء المظفرة، وتعالت الاهازيج في غزة والضفةكما في جامع الفنا وباب الاحد وحديقة الامراء، وعلت الزغاريد في الحارات ومن الشرفات فجرتها حناجر نساء منهن من لا يفقه شيئا في الكرة لكن اللحظة وحدتهن بامهات زياش وحكيمي ووليد اللواتي انجبتن من رحم المعاناة وقسوة الهجرة ابطالا واسهمن في صنع المجد.

والى جانب الغناء والرقص والجعة رفعت اكف المغاربة الى السماء حمدا لله على ما اتانا من نصر مبين…

ثالثا: وهو المثال الذي يجب ان يحتذى في مجال التنمية الشاملة والعادلة المسنودة بوعي شعبي وحكم ديمقراطي ونخب وطنية متنورة.

ان استدامة التفوق الكروي والرياضي عامة مشروطة بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. حينما نستحضر باقي الفرق العالمية التي هيمنت على بطولة كاس العالم، وكذلك الدول المتفوقة في الالعاب الاولمبية ندرك دون عناء ان هناك ارتباط وثيق بين التفوق الرياضي ومستوى التقدم الحضاري في مختلف تجلياته.

وهذه حقيقة ما زالت تتوطد وستتوطد اكثر مستقبلا لسبب واضح وبسيط يتمثل في التطور الهائل للعلوم الرياضية وملحقاتها( الطب الرياضي، علم النفس الرياضي التغذية الرياضي الخ…). ومما لا شك فيه ان قوى كروية جديدة قادمة مثل الولايات المتحدة الامريكية وكندا واليابان وكوريا…

عود على بدء:

ما حققه شبابنا مصدر فرح وفخر واعتزار…. انجاز يجب ان نستلهمه ونجعل منه نهجا في كل المجالات: نية صادقة، وعزم لا يلين، وعمل جيد، وروح وطنية عالية، وطموح يطاول الكبار في الرياضة والسياسة والمعرفة، والثقة في قدراتنا الذاتية.

ما ابداه المغاربة قاطبة اكد مرة اخرى وعلى نحو عفوي ان المغرب واحد وان المغاربة شعب واحد متعدد الاعراق والثقافات تعدد روافده وغنى تاريخه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد