المرأة بين التنكيت والتبكيت أو الاغتيال الرمزي

حسن السحاقي

حملات مستمرّة تستهدف المرأة، تتخذ طابع الطرائف والنكت، لكن في عمقها، تحامل كبير على المرأة، تكرّس عقلية شيطنة المرأة وترسيخ فكرة أنها مصدر كل الشرور. إنها حملات بخلفية ثقافية ذكورية تعمل على تكريس الصورة النمطية عن المرأة في المجتمع المغربي؛ صورة دونية المرأة بكونها قاصر ومواطنة من الدرجة الثانية.

أقول إنها حملات، بحيث يتم تداولها على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وليس مصادفة أن تتزامن مع مطالب الحركات النسائية خاصة فيما يتعلق بإضافة تعديلات على مدونة الأسرة.

طبعا هذه “الطرائف والنكت” هي أدوات من ضمن أخرى تسخّرها قوى الرجعية والاستبداد السياسي في كذا حملات تكريسا لتطبيع المجتمع مع هذه الصورة النمطية للمرأة المغربية.

لقد أصبح من البديهي أن حصول تطور ديمقراطي مرتبط بإقرار حقوق المرأة كإنسان لها الحق في المساواة والمواطنة. ولذلك فقضية المرأة المغربية أخذت طريقها ويستحيل معاكسة سُنّة التطور رغم كل العراقيل لإبطاء التطور والتقليل من وتيرة التقدم.

ومما يدعو إلى الغرابة هو وجود مجموعات منا – المحسوبين – على أنصار المرأة، حيث ناضلنا إلى جانبها للحصول على حقوقها وتحصين مكتسباتها والذود عن كرامتها، لأن كرامتنا من كرامة المرأة، ننساق بدون وعي إلى المشاركة في ترويج هذه «النكت والطرائف” وإعادة إنتاج الصورة النمطية للمرأة المغربية.
كيف نفسر إذاً هذا “الاختراق” الخطير؟ ألَا تُطرَح مسألة المناعة الفكرية والحصانة العقلية؟

إن قضية المرأة شكلت وما زالت واجهة من واجهات الصراع بين إرادتين مختلفتين، إحداهما تجذب المغرب إلى الأمام ليلتحق بنادي الديمقراطية، وثانيتهما تشده إلى الوراء ليجتر إعاقاته التاريخية.

وعودة بذاكرتنا إلى العقود الماضية – التي يجب ألاّ تكون قصيرة – فمجال هذا الصراع المرير تجلى بوضوح في مسلسل طويل ما زالت حلقاته متواصلة على مستويين: مدونة الأسرة والدستور.

*مدونة الأسرة:

منذ 1957 مع مدونة الأحوال الشخصية باءت كل محاولات الإصلاح بالفشل (1970- 1974- 1979-1981) والذي يُعْزَى إلى غياب إجماع وطني بين مختلف مكونات الحقل السياسي وفعاليات الحقل الفقهي بالمغرب وإلى تهميش دور فعاليات المجتمع المدني في الإصلاحات، واستمر العمل بهذه المدونة إلى 1993.
وبلغ الصراع أوجه مع صدور “مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” سنة 1999، حيث انقسم المجتمع المغربي بمختلف فئاته التنظيمية والجمعوية بل وحتى الرسمية منها بين مؤيد (جبهة الدفاع عن حقوق المرأة والنهوض بها) ومعارض (مسيرة الدار البيضاء المليونية).

وفي 2003 تم الحسم بإخراج المدونة الجديدة “مدونة الأسرة” التي شكلت في حينها منعطفا تاريخيا.

ورغم كل ما جاءت به هذه المدونة الجديدة من مكتسبات فمازالت الحركات النسائية وتنظيمات المجتمع عموما تواصل نضالها من أجل تحقيق تعديلات أصبح يفرضها الواقع الأسري والمجتمعي.

*الدستور:

كان لصدور “مدونة الأسرة” أثر وازن في دسترة الأسرة (الفصل 32 من الدستور):
“الأسرة القائمة على الزواج الشرعي الخلية الأساسية للمجتمع المغربي.”
“وتعمل الدولة على ضمان الحماية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.”
ويلا حظ أن هذا الفصل ينسجم مع ما جاء في المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنصان على أن الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

إن كل هذه التراكمات خلال الصراع المرير، أدت إلى خطوة جبارة تمثلت في الإقرار صراحة بالمساواة بين الرجل والمرأة في كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية الواردة في الفصل 19 من الدستور وأيضا الواردة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليه المغرب.

إلا أن هذه المكاسب لم تكتمل بعد، لأن المساواة بين الجنسين ما زالت تحتاج إلى تعديلات دقيقة في مدونة الأسرة حتى تنسجم مع الوثيقة الدستورية، وهذا ما يعطي شرعية لمطالب الحركات النسائية.

إن التضحيات الجسيمة للمناضلات والمناضلين، عبر زمن تجاوز ستة عقود، تستدعي منا حرصا كبيرا على صون هذه المكاسب التي هي نتاج معركة قانونية.

وإن تحصين هذه المكاسب القانونية وتنميتها، لإحقاق المواطنة الكاملة للمرأة المغربية، تستوجب الانخراط الواعي في تعزيز اهتمام المجتمع المغربي بقضايا المرأة، كما تستلزم مواجهة كل أشكال التمييز ضد المرأة بالممارسة الفعلية بسلوكيات تنسجم مع هذه القوانين على أرض الواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد