الفنانة رقية سميلي تفاجئ أهل الفن بقراءة بديعة لِلَوحة الفنان رشيد إغلي ” حياة من أحرف “

متابعة سعيد الهياق

” لا يحتفي بالمبدع إلا المبدع”

يحترف الفنان رشيد إغلي الفن، ويفتح أبوابه على مصراعيها، ويحترق بجمر الحروفية، ويكتوي بلهيب عشقها، ويجتوي بالفناء فيها. ذاك ما يحسه زائر معرضه، الذي أقامه برواق باب جديد بمدينة تزنيت، وذاك ما يقوله العنوان الذي اختاره له ” حياة من أحرف “.
فكانت الحياة والحرف توأمان سياميان، تآنَسا في الكينونة والكون، وتواجدَا في الوجود والوَجد.
وتبرْعمَا في الاختلاق والخلق، وتفتّحا في السعي والسهد، وفاحا في الشفق والغسق.

لقد كانت الحياة حرفا، وكان خلقها سرا سرمديا، وأمرا إلهيا، يجمع بين الكاف والنون، أو يكمن بينهما. فكانت الحياة فعلا من أحرف، وكمونا بينها، ولذلك قيل عن أصل الوجود: “في البدء كانت الكلمة”، وقيل عن السيد المسيح: “كلمة الله وروحه”.

فالحرف روح، والروح ريح، والريح راح، والراح راحة، والراحة كتابة: منها وعليها وبها وفيها.
والحروف روح، والروح سر الحياة.

” حياة من أحرف ” جسر التواصل بين الفنانين

كانت لوحات الفنان المبدع رشيد إغلي تجتدب الروح بما خصصه من جِلد لأرضية لوحاته، وبما صبغه به من عصارة الحناء، وبما اعتمده من شكل دائري، ممتلئ وفارغ، يَحتوي ويُحتوى، من محتوى ومحو.
وكانت لوحاته أيضا حياة، تنبثق من عمق الدائرة، بكل ما تحمله من رمزية للكون والكينونة، وتنبع شامخة من عمق الدائرة، تخترقها، أو تستوي فيها، أو تتدلى منها. وفي أحوالها الثلاثة هاته ترفض أن تُحصَر داخلها، وأن تُقيَّد بمحيطها، لأن الحياة تأبى على الحصر، والحرف يعصى على التقييد.

فكلاهما طلق، يُشعرك أنه لك دون أن يكون لك، ويحسِّسك بأنه ينطلق منك من غير أن يبقى لك، فبمجرد ما تنبعث الحياة في كائن ما، يصبح مِلْكا للحياة.
وبمجرد ما تُنطق الكلمة أو الكلام أو مجرد الحرف أو الصوت حتى يفقد ناطقه السيطرة عليه، ويتحول إلى قوة كونية، يتردد صداها في الوجود، ويتكرر نطقها على كل لسان.

وجاءت لوحات رشيد إغلي بما فرضه عليها من كوكبات الطائفين الحروفية حول الدائرة، داخلها وخارجها، دون ترابط مقصود، فيما نمطته أعراف الدلالة، وطقوسية المعنى، تجسد صيرورة الحياة، وقوافل العبور، عبر محطات الوجود، التي وإن اختلفت في مظهرها، إلا أنها تماثلت في جوهرها.
حياة من أحرف، وأحرف من حياة، سمفونية اللغة واللون، وحلقية الدائرة، وشطحات الوجد، تُنشد وتَنشد أسرار الكون.

فتحية لمن وقَّع الحرف، وهو يتغنى بالحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد