العَـــــَرنْســــــية

       numérisation0353لم تتردد “نجاة فالود بلقاسم”، وزير التربية الوطنية في الحكومة الفرنسية في قصف النائبة البرلمانية Annie GENEVARD غداة مُسَاءَلَة الوزيرة في جلسة 25 ماي 2016 الخصصة للأسئلة الشفهية، حيث دقت النائبة ناقوس الخطر بشأن إدخال اللغة العربية في البرامج التعليمية الفرنسية، في الوقت الذي تنكمش فيه لغات أوربية كالألمانية وأخرى قديمة “هي بمثابة جذورنا” – تقول النائبة-، مما سيسهم في تقسيم فرنسا وتشجيع الطائفية.

       إنبنى رد “ن.ف.بلقاسم”  على أن سؤال النائبة “محكوم بخدمة نزعة رهاب الأجانب xénophobie، وبأن الفكر الهوياتي الذي يعانق الإقصاء والانطواء على الذات بالاتكاء على الشعبوية والديماغوجية، لا ينتج إلا التناول الأداتي لمدرسة الجمهورية خدمة لغايات إيديولوجية مضمرة“.(1)   

      بيد أن النقاش بصدد مسألة إدخال اللغة العربية في البرامج التعليمية الفرنسية امتد ليثير مزيدا من الأسئلة والتعقيبات، أهمها ما صدر من الكاتبة الصحفية Anne- Aël DURAND ضمن مقالها “هل العربية لغة طائفية؟ أم مادة منسية في المدرسة”.(2)

        اِجْلُوَّذٌت الكاتبة في تبني مقاصد وزير التربية الوطنية  الفرنسية في إدخال العربية في البرامج التعليمية الفرنسية محاولة تبيان أن ” العربية ليست فقط لهجة بسيطة وأقلية، بل هي اللغة الرسمية لأكثر من 26 بلدا في إفريقيا وشبه الجزيرة العربية … وأن هاته اللغة تدرس في فرنسا بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية INALCO منذ 1795“.(3)

      وتسترسل الكاتبة في محاولة لتبرير السياسة اللغوية الجديدة للحكومة الفرنسية، بقولها أن ” تصفية الاستعمار ووصول أعداد وفيرة من المغاربيين لفرنسا مطلع الستينيات، ساهم في تغيير بروفايلات المتكلمين، فأصبحت العربية لغة المهاجرين مثلها مثل البرتغالية والإيطالية، مما استدعى إدماجها في نظام تدريس لغة وثاقفة البلد الأصل ELCO“(4) 

        إن اِجْلُوَّاذٌ الكاتبة دوراند في اللحاق بركب الوزيرة ن.ف. بلقاسم الساعي إلى مغازلة أنظمة البرترودولار المشرقية، وفرض لغة القرآن على أبناء المهاجرين الأمازيغ بالخصوص، دفعها إلى القفز على جملة من الحقائق الغائبة/المغيبة.

         ليست اللهجة شيئا آخر غير اللغة وقد عضدتها القوة. فهل محاولة دوراند الخلط بين اللغة واللهجة إحدى مساعيها لإلصاق “وصمة” اللهجة بلغات الشعوب المَسُودة، علما أن هذا السلوك اخترع لجبر الشعوب على الخنوع وقبول الإقصاء.

         فإذا كان Claude HAGEGE(*) يؤكد أن “لا وجود للغة متعالية. وأن اللغة الفرنسية لم تستطع فرض نفسها على البروتون والكاسكون لخصائصها اللسنية، بل لكونها لغة الملك.. ولأنها لغة الجمهورية بعد ذلك”(5)، فلا مندوحة من تذكير دوراند بأن هذا حال اللغة العربية التي أصبحت لغة شعب أمازيغي بالحديد والنار، وهو امتثال صرف للناموس التاريخي الذي يقضي بأن لهجات الأنظمة السائدة تقتل لهجات الدول الشعوب المَسُودة، مثلما قتلت اليونانية الفريجية ومثلما قتلت اللاتينية اللغة الغالية والإيبيرية.

         وكيما نستطيع عرضحال اللغة الأمازيغية والإنسان الأمازيغي، ضحيتي استيلاب الفكر  العربي، يجب التوغل عميقا إلى حدود كتاب ” ضد الفكر الوحيد”(**)، حيث يخلص الكاتب إلى أن اللغة تُبَنْيِنُ الفكر.. وأن فرض لغة ما هو فرض نمط في التفكير.

        وتكاد دوراند تطمئن إلى كون العربية لغة المغاربيين القادمين إلى فرنسا، متناسية أن هؤلاء لم يأتوا طوعا إلى فرنسا بداية القرن الماضي، بل اقتيدوا إليها ليشكلوا جبهات الحربية العالميتين، وأن هؤلاء أيضا لم يكونوا سوى أمازيغ القبايل والشاوية بالجزائر، وشلوح وأمازيغ وريفيو المغرب الذين لم يتحدثوا سوى الأمازيغية. ولأن لغة الحكم والحكام السائدون في شمال إفريقيا ذوو المرجعية العربية الإسلامية  كانت اللغة العربية، فقد تم فرضها في نظام تدريس لغة وثقافة البلد الأصل ELCO.

        إذا ما صرفنا نظرا عن المسكوت عنه في تعبئة فرانسوا هولاند لوزرائه ذوو الأصول البرانية للقيام بالمهام القذرة في الحكومة الفرنسية، فهل تكون هاته الحكومة بصدد بناء تحالفات مع دول البترودولار المشرقية ومحاباة الأنظمة الإسلامية بفرض العَـَرنْسية على حساب اللغة والثقافة الأمازيغية، أم أن الأنظمة المصدرة للمهاجرين، إِنْ بشمال إفريقيا أو بالشرق الأوسط، تريد تصدير سياسة التعريب لدول المِتْرُوبول بعد أن نجحت في محق هوية البلدان الأصل؟.

الحسين أبليح

————————————

  • تصريح وزير التربية الوطنية ن.ف. بلقاسم لجريدة le journal du dimanche ليوم 29 ماي 2016.
  • أن أيل دوراند: هل العربية لغة طائفية؟ أم مادة منسية في المدرسة. جريدة لوموند بتاريخ 27 ماي 2016.
  • م.س.
  • م.س.

(*) أستاذ اللسانيات بكوليج دو فرانس منذ سنة 1988.

(5) حوار معC. HAGEGE  أجراه يان راباريي. جريدة ليكسبريس ليوم 28 مارس 2012 

(**) Claude HAGEGE : contre la pensée unique. Edition odile jacob . 2012

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد