البيجيدي وخطورة ضياع المعالم

FB_IMG_1472996916044
رشيد الحاحي //
لا شك أن بعض مستجدات الحياة السياسية والحزبية في المغرب أصبحت تثير أسئلة كبرى حول سلامة واتزان الأطر والنخب وحول خطاباتها وطبيعة مشاريعها، كما تثير أسئلة مقلقة حول الوضع السياسي العام ومسار البناء الديمقراطي وصيانة الحقوق ومستقبل العيش المشترك، كما يطرح سؤال حضور الحد المطلوب من الضوابط السياسية والعقلانية والأخلاقية لدى بعض فرقاء الطيف السياسي المغربي والممارسات الساعية إلى ضياع المعالم La perte des repères.
حزب “العدالة والتنمية” الذي يترأس الحكومة الحالية والمرشح للتنافس حول الفوز بإحدى المراتب الأولى في الانتخابات التي ستجري يوم 7 أكتوبر، وبعد تهديده ووعيده وسعيه المعلن لحسم نتيجة الاستحقاق الانتخابي القادم حتى قبل إجراء عملية الاقتراع، أقدم على رزمة إجراءات تثير الكثير من الاستفهام وتتطلب بعض التوضيح.
ترشيح نجيب الوزاني، رئيس حزب “العهد الديمقراطي” وكيلا للائحة حزب العدالة والتنمية بدائرة الحسيمة التي يجهل عبد الإله بنكبيران موقعها في خريطة المغرب الذي يترأس حكومته، يعتبر سابقة مخجلة في الحياة السياسية والتجارب الديمقراطية في العالم، وإذا أضفنا لشكل النازلة وتناقضاتها السياسية والأخلاقية المبررات والذرائع التي ساقها الوزاني دفاعا عن هذا الخيار الكاريكاتوري، خاصة قوله بأن ترشحه باسم البيجيدي هو في صالح حزبه الأصلي حيث سيحسب له مقعده البرلماني في حالة فوزه ! يعتبر استهتارا بأخلاق الممارسة السياسية والمسؤولية الحزبية والمؤسسات وتمييعا لها واحتقار لذكاء المواطنين والناخبين.
فابتلاع “العدالة والتنمية” لرئيس حزب قائم مهما كان حجمه، دون استقالته ودون أي اندماج أو التحاق قانوني بين الحزبين، هو ممارسة سياسية غير مسؤولة وقفز على قواعد اللعبة الديمقراطية وأخلاقياتها، وسعي إلى التمييع وهدم معالم الممارسة والحياة السياسية، مما يثير أسئلة محرجة حول المرامي الفعلية لمثل هذا الخلط وأثار ذلك على الحياة الديمقراطية مستقبلا.
تزكية محماد القباج، الناشط السلفي بالجمعيات الموالية للشيخ المغراوي وتنسيقياته، وكيلا للائحة حزب العدالة والتنمية بمراكش المنارة ليس حدثا بسيطا كما قد يعتقد، بل هو اختيار حزبي وجماعاتي يساءل الممارسة الديمقراطية وتطورات الحياة الحزبية والسياسية على غرار سابقه. فحماد القباج مجال نشاطه هو المجال الدعوي وليس السياسي، وسبق له أن أدلى بتصريحات وقدم عروضا تتضمن افادات دعوية تحريضية على العنف ونبذ الآخر، وتتنافى ومبادئ حقوق الانسان والأسس الديمقراطية، ومنها بالخصوص نشر الكراهية ضد مكون ديني معين والدعوة لإبادته، وتثمين الفتوى الشهيرة لشيخه المغراوي بالجواز الشرعي لتزويج الطفلة بنت التاسعة من عمرها!
فهل يمكن اعتبار ترشح القباج للانتخابات البرلمانية حقا شخصيا، وترشيح حزب العدالة والتنمية إياه إجراءا تنظيميا وأمرا عاديا في اطار التنافس الحزبي والديمقراطي؟ الأمر ليس كذلك لأنه لا وجود للديمقراطية بدون ديمقراطيين، بما هي مبادئ وبناء متكامل يتأسس على احترام حقوق الإنسان وأسس المواطنة والعيش المشترك وتبني الفكر الديمقراطي تداولا وتنظيرا وممارسة، وعدم استغلال النشاط الديني والدعوي في المجال السياسي. إلا أنه كان المطلوب أن يكون موضوع رفض أو قبول الترشيح من اختصاص القضاء بناء على الأدلة واستنادا إلى مبادئ ومقتضيات الدستور.
فبينما كان المنتظر حدوث تطور في خطاب وممارسة حزب “العدالة والتنمية” في اتجاه فصل الدعوي عن السياسي، والالتزام بشروط الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة في تطور بنائه التنظيمي وخطابه الايديولوجي وممارسته السياسية، خاصة بعد تجربة الحكم وسن وتدبير السياسات العمومية، إذ به يؤكد طابعه الديني المتصلب بشكل يؤكد رهانه مستقبلا على تكريس خطابه الدعوي السلفي والإمعان في استغلال الدين في الصراع على السلطة.
أفليس الهدف من العمل على دخول القباج إلى مؤسسة البرلمان، سواء كواعظ يحمل أفكارا تحث على الكراهية، أو كممثل تيار سلفي يعبر عن مواقف رجعية في العديد من القضايا الاجتماعية والحقوقية والديمقراطية، التحضير لتغليب الدعوي سواء من موقع الحكومة أو المعارضة، والمزايدة بالدين واستغلاله الخطير في العمل السياسي والمؤسساتي مستقبلا؟
بتزامن مع كل هذا، وفي ظل التهرب التام من تقديم جرد لحصيلة التدبير الحكومي لخمس سنوات العجاف الماضية وتقديم إجابات واضحة ومقنعة للرأي العام، صعد الحزب الذي يترأس الحكومة، مؤازرا في ذالك بحليفه “التقدمي”، من حروبه الكلامية و”الفيسيوكية” بما ينطوي عليه الأمر من مزالق استدراج جميع الأطراف للعبة غاية في الخطورة عنوانها الإجهاز على ما تبقى من مصداقية للعملية السياسية والتشكيك في كل المؤسسات بدون استثناء عبر خلط وتمييع قيمتها وضياع معالم الحياة السياسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد