الأمازيغية واستمرار التنافس بين المغرب والجزائر

الحسين بويعقوبي//

      إن المتتبع لمسار العلاقات المغربية الجزائرية طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين سيلاحظ نوعا من التوازي في التعاطي مع العديد من القضايا لدرجة أن المؤرخ بنجامان ستورا، المتخصص في تاريخ المغارب، عنون أحد كتبه ب”المغرب والجزائر : تاريخ متواز ومصير مشترك”. وتعتبر القضية الأمازيغية إحدى القضايا المطروحة بقوة في البلدين وأصبحت موضوع تنافس كبير خاصة مند أن احتدم الصراع بين البلدين بسبب قضية الصحراء المغربية. فمند السياق الكولونيالي (1830-1962) لا يمكن فهم تاريخ البلدين الجارين إلا بربطهما بفعل تأثر الواحد بتطور الأحداث في الآخر. في هذا الاتجاه، فبعد 19 سنة على صدور ظهير 16 مايو 1930 ، المعروف إعلاميا ب”الظهير البربري”، كانت الجزائر على موعد مع أزمة سياسية كبيرة عرفت في الأدبيات التاريخية ب”الأزمة البربرية” والتي لخصت الصراع القوي داخل الحركة الوطنية الجزائرية بين أنصار تيار “الجزائر جزائرية” بزعامة عبان رمضان و كريم بلقاسم المدافعين عن التعدد وحق الأمازيغية في الوجود وبين تيار “الجزائر عربية إسلامية” بزعامة مصالي الحاج الذي يقصي كل حق للأمازيغية في الوجود. وهذا التيار هو الذي فرض تصوره لهوية الجزائر المستقلة مثلما فرض حزب الاستقلال تصوره على المضمون الذي يجب أن يعطى لهوية المغرب المستقل. ولذلك كانت الأمازيغية مقصية في البلدين مباشرة بعد استقلالهما فاقترح حزب الاستقلال أن يسمى المغرب في دستور 1962 “المملكة العربية المغربية” وصرخ الرئيس أحمد بن بلا في الجزائر “نحن عرب عرب  عرب”. ونتيجة لهذا التوجه المهيمن في البلدين حوصرت الأمازيغية في كل المجالات بل وظهرت دعوات لإبادتها نهائيا.

      بعد عقدين من استقلال البلدين ستطرح القضية الأمازيغية من جديد وسيعمل كل بلد على التعامل معها بطريقته الخاصة مع توجيه الأنظار بكثير من الترقب لتعامل البلد الجار في نوع من المنافسة. في سنة 1980 ستخرج مظاهرات عارمة في منطقة القبائل في ما يعرف ب”الربيع الأمازيغي” بعد منع محاضرة للباحث مولود معمري، المنتمي لعائلة معمري المعروفة في القصر الملكي بالرباط، حيث قضى جزءا من طفولته في ضيافة عمه الذي كان يشتغل بديوان السلطان محمد الخامس. كانت أحداث القبائل دامية وتعامل معها النظام الجزائري بكثير من القسوة وفي المقابل، في نفس السنة، سمحت السلطات المغربية بتنظيم الدورة الأولى لجمعية الجامعة الصيفية لأكادير لمدة 16 يوما بل وصرح الملك المرحوم الحسن الثاني في رده على سؤال صحفي “لا وجود لقضية أمازيغية لدينا، فقد حل المغاربة هذا المشكل مند 1930 حين اجتمعوا ضد الظهير البربري”، لكن ما لبث أن تبين أن القضية مطروحة بالفعل في المغرب أيضا ومنعت الأنشطة الأمازيغية طيلة عشرية الثمانينات من القرن الماضي خاصة الدورة الثانية للجامعة الصيفية التي كانت ستنظم سنة 1982. لكن في المقابل تم التسامح النسبي مع البحث العلمي في مجال الأمازيغية في حين منع هذا المجال بشكل شبه نهائي في الجزائر.

    سيكون السبق للمغرب بإعلان الملك الراحل في خطاب 20 غشت 1994 على ضرورة تدريس اللهجات المغربية بعد أحداث اعتقال مناضلي كولميمة وستقرر الجزائر سنة بعد ذلك عن فتح شعبة للدراسات الأمازيغية بتيزي ووزو سنة 1995 وتأسيس المفوضية السامية للأمازيغية كأول مؤسسة رسمية تعنى بالأمازيغية. في سنة 2001 ستعود المظاهرات من جديد بمنطقة القبائل الجزائرية في ما يعرف ب”الربيع الأسود” بعد مقتل الشاب ماسينيسا كرماح وسيصادف ذلك النقاش الدائر في المغرب حول “بيان بشأن ضرورة الاعتراف بأمازيغية المغرب” الذي نتج عنه القرار الملكي بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. واذا كانت المفوضية السامية للأمازيغية تابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية الجزائرية فالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية دو طابع استشاري للمؤسسة الملكية بالمغرب وقد تبع ذلك إنشاء القناة الأمازيغية في البلدين وتأسيس مسالك وماسترات وشعب للدراسات الأمازيغية بالمغرب ابتداء من 2006.

    بعد هذه المكاسب المرتبطة بتطور الموضوع في كلا البلدين وبالمنافسة بينهما وأيضا بالسياق الدولي ستطرح المسألة الدستورية وضرورة الاعتراف برسمية اللغة الأمازيغية في البلدين. في هذا السياق وبعد اندلاع ثورات الربيع الديمقراطي في 2011 وظهور صيغته المغربية في حركة 20 فبراير ستستفيد الأمازيغية من الأحداث المتتالية وسيعترف دستور 2011 بالأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية. هذا الاعتراف أعطى للمغرب السبق في هذا المجال وأصبح الجميع، خاصة أمازيغ الجزائر، ينظرون للمغرب بعين الرضا وهو ما أحرج الدولة الجزائرية التي اضطرت لتعترف هي أيضا بالأمازيغية لغة رسمية سنة 2016 واستنسخت تقريبا نفس كلمات الدستور المغربي واشترطت هي أيضا إصدار قوانين تنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية تماما كما ينص على ذلك الدستور المغربي.

    إن هذا الاعتراف الدستوري بالأمازيغية في البلدين لم يمنع من اتخاذ قرارات وإصدار مواقف حكومية ضد الأمازيغية وهو ما جعل البرلمان الجزائري يصوت ضد تعميم تدريس الأمازيغية في إحدى جلساته في دجنبر 2017 وهو ما سبب في اندلاع مظاهرات عارمة في مناطق مختلفة من الجزائر وفي المغرب تقرر منع الأمازيغية بالمحاكم رغم كونها لغة رسمية للدولة كما أن وزيرا حكوميا مغربيا لمح في جوابه على سؤال لبرلماني من الأغلبية لرفضه الاعتراف بالسنة الأمازيغية عيدا وطنيا وهو ما استغله الرئيس الجزائري وتحت ضغط الشارع الجزائري ليعلن يوم 12 يناير (فاتح السنة الأمازيغية) عيدا وطنيا ويوم عطلة مؤدى عنه بالجزائر وهو المطلب الذي لازالت الحركة الأمازيغية تنتظر تحقيقه بالمغرب.  

 لكن تأسيس أكاديمية للغة الأمازيغية وتعميم تدريس هذه اللغة بالجزائر سيجعل المغرب الذي تعيش فيه تدريس الأمازيغية تراجعا كبيرا ويسير في اتجاه الحد من صلاحيات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لصالح المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية في وضع حرج ما لم يتخذ إجراءات أكثر جرأة من جاره الشرقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد