الأديب والناقد محمد البحتوري: البادية شكلت مخياله الأدبي والسياسة خذلته…

الناقد مجد الدين سعودي

استهلال

المرحوم محمد البحتوري، كتب الشعر قبل القصة القصيرة والرواية، ثم انتقل الى حضن النقد التشكيلي.
ويعتبر أن الإبداع الأدبي له قوة التأثير في المجتمع وعلى إحداث التغيير في البنية الذهنية.1
توفي سنة 2011 بعد تهميشه رغم الخدمات التي قدمها للثقافة المغربية.
تقول الدكتورة الأديبة فاتحة شعنافي، عنه: (الأستاذ محمد البحتري أكبر من شهادة، أبقى من حبر على ورق قابل للزوال في كل حين ولحظة، الأستاذ محمد البحتري لا تفي الحروف والكلمات لتسطير ما يخالج معارفه ذوي وذوات الأقلام، اتجاهه، كيف لا وهو الذي كان يسعى إلى الجمع بين كل من استشعرتْ نفسُه أنه يحمل الهم الذي كان يحمله، همّ الحرف والكلمة من أهل المدينة التي كبر وترعرع في أحضانها مدينة وادي زم المحاطة بالحقول الحبلى بنبتة بوزغيبة التي استرعت اهتمامه، ووثق لها في كتاباته كرمز وغاية أبعد مما يتصور القارئ…
الأستاذ محمد البحتري الكاتب والناقد الذي كان بمثابة المرشد لكل من ضاعت الطريق من قدمه، وصادفه في سيره، وكان لي الشرف العظيم أني كنت واحدة من هؤلاء وهم كثر، لن تموت أستاذي، وأبي الروحي، فأنت حي في كل حروفي لأن لولاك لما كان قلمي، ولما شققت مسربا علميا أهديتك نهايته، وها أنا اعترافا وعرفانا أهديك بداية بوح، أوصيتني ألا أكتمه…)

1 أسباب كتابته رواية (شجرة النجد – وادي زم ثمة رأس الهم)
اعتمد في كتابة روايته على الجد الذي عاش 150 سنة وعاصر خمسة ملوك علويين وكان حكاء، ويقول عنه: (حكاياته كانت قد شحنت فكري وربما هي التي جعلتني حكاء وراويا بالفعل …. كان قد جعل لي مخيالا كبيرا عن المنطقة، التي كانت بها معارك تعتبر بمثابة ملاحم.)1
وعن تحول قصته الى رواية، يعترف قائلا:( في الأصل، كتبت الرواية قصة قصيرة، وحين هممت بدفعها إلى النشر راجعتها فأصبحت نصا من ثلاث حلقات …لكنني فوجئت بتدفقها في الكتابة. … أن يكون عالم النص يتشكل وفق جريان أحداث سيرة الأسرة وسيرة الشخصية وسيرة القبيلة وسيرة مدينة (وادي زم) انطلاقا من الانتفاضة …هكذا وقع استرسال الحلقات فاحتضنتها رواية (شجرة النجد) …) 1
وعن دواعي كتابة روايته اليتيمة هذه:(من أهم هذه الدواعي هو ما تشهده الآن الرواية المغربية، في لحظة تحولها الجديدة …في توجهاتها العميقة المرتكزة على ذاكرة التاريخ والفرد والمجتمع … من هنا، يتم اللجوء إلي ذاكرة المقاومة الشعبية لمقاومة الإحباطات والانتكاسات المتوالية …. ومن جهة أخرى، أثناء التركيز على استثمار هذه الذاكرة يقع استنطاق واستقراء الهنيهات المشرقة في وعي ماضي مجتمعنا. …بواسطة تسليط الضوء على قضايا ومفارقات لم يتعرض لها التاريخ أو عالجها بتشوه أو همشها أو طمسها أو نسيها …. الماضي … هو مِلك للشعوب، والتعاطي معه إبداعيا يساهم في بلورة نوع من الوعي النقدي …كما في حالة انتفاضة “وادي زم” (إبان مرحلة الاستعمار الفرنسي للمغرب) التي اشتغلت عليها في…) 2
2 البحتوري والقصة
كتب أول قصة بعنوان (العصا محل تقبيل اليد) عن سوق في دكالة والواقع المعقد، ثم قصة (وجوه متعددة في مرآة متكسرة) التي استثمر فيها لوحة تشكيلية لرسام مغربي، كانت اللوحة عبارة عن مرآة متشققة. كل الشقوق كانت منبعثة من نقطة المركز، وفيها نقطة دم، وحين تنتظر إلى اللوحة تفاجأ أنت بوجهك متشققا ومتعددا وكل جزء منه لا يشبه الجزء الآخر. بعدها كتب قصة أخرى (الحاج غيداش تحت سكين الرباع) عن فضاء طريق مدينة الوالدية … الذي سيتحول جزء كبير منه إلى مكان يعرف اليوم باحتضان منشآت ميناء الجرف الأصفر، تدور حول استغلال الفلاح الاقطاعي الكبير الفلاحين الصغار وأسرهم وأبنائهم… وبعد هذا سيكتب قصصا أخرى كثيرة ستكون في مجموعته القصصية (أزهار الجمرة) استعارة لانتفاضة مدينة وادي زم. والجمرة نوارة توجد بالمنطقة … لونها يشبه لون الجمر المشتعل… ثم قصة طويلة أخرى تحت عنوان (بوابة الزلزال).
ويقول المصطفى اجماهري عن قصصه: (تندرج متونه القصصية في تيار الواقعية الذي ساد وقتها، تقريبا، بشكل مطلق)3
3 البحتوري والنقد الفني
يقول الغربي الطويل: (يزاوج الأديب المغربي محمد البحتوري بين الكتابة النقدية والإبداع الأدبي، فهو حريص على تتبع التجارب التشكيلية المعاصرة ومقاربتها برؤية موضوعية وشمولية…) 2
بينما يقول التشكيلي المغربي مبارك بليلي: (إن النقد التشكيلي بدأ بطرق عقلانية وعلمية انطلاقا من بدايات كتابات محمد البحتوري منذ منتصف الثمانينات).
وقال له التشكيلي محمد شبعة: (إنك أنت الوحيد في معالجتك لتجربتي التشكيلية الذي استطعت أن تنفذ إلي صميم عالمي الفني، بعدما تمكنت من المسك بالعناصر المادية والطبيعية والحياتية التي يتشكل منها عالمي النفسي، وبالتالي هي الفاعلة في تكوين عالمي الفني. ولذا أراك بحق تكتب النقد التشكيلي الحقيقي…).
وقال له نجيب العوفي: (إنك تنهمك على الدوام لإنجاز حفريات في حقول وفنون التشكيل المغربي).
كما قال له المرحوم الشاعر محمد الخمار الكنوني: (أرى قد يكون لك مستقبل في النقد التشكيلي المغربي، إن واصلت بجدية ورزانة، ما دمت تخترق تخوم اللوحة إلي ما هو أعمق، حيث يترسب عالم طوية وسريرة الفنان).
وبعبارة فنان الكاريكاتير من وادي زم مصطفي بوسلامة: (إنني كلما عدت لأقرأ من جديد ما كتبه عني محمد البحتوري تظهر لي اكتشافات تصورات وإضاءات جديدة لم تخطر ببالي من قبل، وتريني طرقا أخري لأسلكها) 2
4 نبتة بوزغيبة ومحمد البحتوري
يقول رزاق عبد الرزاق:(… وبفعل بوزغيبة، تحول البحتوري الناقد إلى … (عالم نباتات) متمرس، يصف الأشياء بدقة، ويقلب جدع هذه النبتة الغرائبية تحت مجهره. تارة يصفها بشاعرية أخاذة، وتارة يتحدث عنها كعالم فيزيولوجي… … يعرف حق المعرفة ما تسببه نبتة بوزغيبة للمزارعين من خراب… محن..) 4
يقول صلاح هشام: (حملت أستاذي همك وهم بوزغيبة، وهم الطبقات الهشة المهمشة، المغبونة، المأزومة، في أوطاننا المهمومة من البحر إلى البحر، ما تزال بوزغيبة تعيش غربتها بين النباتات … ماتزال تعيش الغربة كغربتك بفكرك وأفكارك، في أرض غير أرض الفكر والأدب، وفي زمن تستهويه من قرع الدفوف الضروب٠..)5

خاتمة
مجدالدين سعودي. المغرب
كان المرحوم محمد البحتوري ينوي طبع الأجزاء المتبقية من روايته (شجرة النجد) ومجموعتين قصصيتين)، وكتاب عن التشكيل وآخر عن النقد، لكن الموت لم يهمله لتتمة نشر كتبه.
وأجمل ما نختم به ما كتبه الأديب عبد العزيز برعود عنه:( محمد البحتوري عراب الثقافة والتواصل
كان محمد البحتوري رحمة الله عليه رجلا استثنائيا يحب الحياة يدمن القراءة ويعشق السفر.. كان كاتبا متمرسا متعدد المشارب والمواهب غزير العطاء ومبدعا أخلاقيا من عيار الكبار. يكتب في القصة والسرد والنقد الادبي والفني.
عرفته في مرحلة ما بعد الألفية.. في زمن ما قبل الفيسبوك والتويتر والانستغرام، يوم كانت منابر العلم والاتحاد والمنعطف وأنوال منارات مضيئة في سماء الثقافة و الأدب والابداع، قبل أن تتأكسد الأفكار والمبادئ و ينقلب كل شيء.
أتذكره وهو يعبر غمام مخيلتي بجسده النحيف ووجهه الأسمر المستدير وبسمته الماطرة بالحب والصفاء كقديس قادم من دير قصي مبلل بندى الأبجدية يحمل في كفيه تباشير الفرح المكنون، قد يكون خبرا أو كتابا أو أمسية..!!).

إحالات:
1 بورتوري: البادية شكلت مخيالي وشغفي بحب الكتابة: حاوره عبد العزيز جدير من الرباط
2 الأديب والتشكيلي المغربي محمد البحتوري: القارئ يتجاوب مع الكتب التي تمس وجدانه في الصميم نصحني شاعر بالحيطة من مضرمي الحروب الصغيرة. الرباط: الطاهر طويل. موقع القدس العربي.
3 محمد البحتوري: تفاصيل صغيرة المصطفى اجماهري
4 محمد البحتوري وفيزيولوجية النقد البناء رزاق عبد الرزاق. موقع الاتحاد الاشتراكي
5 صالح هشام:خاطرة من وجع الخاصرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد