ليبيا الماضي والحاضر
بقلم : محمد شنيب من ليبيا
هذا المقال يتعرض إلى بعض من تاريخ ليبيا الحديث ، وبشكل مختصر جدآ، يتناول الفترة الفترة التي عاشتها ليبيا (اليوم) منذ نهايات عهد الخلافة العثمانية الإسلامية يتطرق بالدرجة الأولى إلى فترة التململ ضد إستمرار وجود الخلافة العثمانية ثم إلى النضال ضد الطليان وإقامة أول جمهورية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط والتي لم تعش سوى أربع سنوات. ونكران وجودها من طرف النظام الملكي السنوسي وكذلك نظام الديكتاتور القذافي لدرجة أن الليبيون اليوم لا يعرفون أن أجدادهم قد أسسوا أول جمهورية في البحر الأبيض المتوسط .
تم عرض أربع موضوعات مختصرة جد آ كالتالي:
النضال ضد الطليان والجمهورية الطرابلسية
الحركة السنوسية ومن أنشأها
نظام القذافي الديكتاتوري الهمجي
أمازيغ ليبيا.
أولا : النضال ضد الطليان دولة الجمهورية الطرابلسي سليمان باشا الباروني
عاشت ليبيا منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين فترة تململ وكانت عبارة عن بوادر تشير إلى الرغبة في التخلص من الحكم العثماني المستبد (الخلافة الإسلامية) .
وبلغت الولاية العثمانية الثانية في طرابلس الغرب من فوضى الحكم العثماني من إضطهاد وفرض الضرائب والأثوات على السكان في الدواخل حدآ لم يتمكن السكان من تحمله ،وخاصة مع تزايد سنين الجفاف وقلة الأمطار وكثرة الأوبئة في منطقة طرابلس الغرب. وظهر هذا التململ في كثرة إحتجاج ورفض السكان لتماثل ما كانت السلطات العثمانية تفرضه وتطالب به السكان من تنفيذه؛ زِد على هذا دخول الإستعمار الفرنسي إلى تونس وإيستيلائه على بعض الأراضي التي كانت تعتبر أراضي طرابلسية ولم تتحرك الخلافة العثمانية في ولاية طرابلس الغرب بأي عمل ضد هذا الإستعمار الفرنسي.
وكان سليمان الباروني إبن مدينة “جادو” المولود في مدينة “كاباو”التي لاتبتعد عن مدينة “جادو” وكلاهما من مدن جبل نفوسة الأمازيغية،قد أتم دراسته في جامع “الزيتونة” في “تونس” ومنطقة “وادي إمزاب”الجزائرية التي تربطها روابط تاريخية مع منطقة جبل نفوسة ترجع إلى أيام الدولة الرستمية ؛وبعد قضاء سليمان باشا الباروني ثلاث سنوات في التعلم في وادي مزاب إنتقل إلى “تيهرت” عاصمة الدولة الرستمية حيث تعرف وإحتك ببعض الإتجاهات السياسية والأمازيغية هناك ثم عاد إلى جبل نفوسة وكانت هناك مفاجئة تنتظره ،فبعد عودته إتهمته السلطات العثمانية بالعمل والنشاط السري لخلق تنظيم ضد الوجود العثماني والعمل على إستقلال ولاية طرابلس الغرب من سيطرة الحكم العثماني.
وكانت تهمة تم تلفيقها من شخصيات حكومية أمثال قائمقام فساطو السيد محمد بك الأسير الشامي والذي كان قريبآ من والي طرابلس حافظ باشا.وحكمت المحكمة بسجنه لمدة شهرين ونصف ، وإحتج السكان وتظاهر سكان جبل نفوسة برمتهم مطالبين إطلاق سراحه.وأطلق سراحه بكفالة وذلك بعد أن برأه مجلس الإستئناف بالأغلبية. غير أن حقد الوشاة أعدائه وعلى رأسهم قائمقام فساطو والمفتي لم يرضوا بإخراجه من السجن وتآمروا مرة ثانية وتم القبض عليه مرة ثانية وقدم للمحاكمة المستعجلة لتحكم عليه بالنفي والسجن لمدة خمس سنوات.ومرة ثانية كان لتمرد وإحتجاجات سكان جبل نفوسة والمناطق الأخرى في طرابلس الغرب الأمر الذي جعل السلطات العثمانية في إسطنبول تقوم بتنقيص مدة الحكم لمدة سنة واحدة يقوم بتنفيذها منفيآ وعلى أن يكون تحت المراقبة وأطلق سراحه بكفالة
غير أن وفد ولاية طرابلس الغرب في عام 1902 إستفاد أثناء تواجده في مدينة إسطنبول لتقديم الولاء للخليفة العثماني عبدالحميد الثاني وأثار الحكم الصادر على سليمان الباروني مع الخليفة عبدالحميد الثاني وتمكن من الحصول على تبرئة له ومنها تمكن سليمان الباروني من الرجوع إلى الوطن.
واصل نضاله الوطني والإجتماعي والثقافي بهمة وأسلوب تكتيكي مهادنآ النظام العثماني شاكرآ السلطان العثماني عبدالحميد الثاني في تدخله لإطلاق سراحه، حتى أنه فلح في تكوين علاقة شخصية ربطته مع والي ولاية طرابلس الغرب.وقام في هذا الفترة بكتاب كتابه “الأزهار الرياضية”؛ كما قام بمساعدة والده في إنشاء المدرسة البارونية في قرية “البخابخة” في مدينة يفرن في سنة 1904.وفي سنة 1906 توجه شرقآ إلى مصر
وكانت في مصر نهضة فكرية وحركة تنويرية قائمة وإخطلت سليمان الباروني مع المجموعات التي كانت تتولى هذه التيارات الأدبية والتنويرية من أمثال رفاعة الطنطاوي ومصطفى المنفلوطي وزينب فواز وبرنس القبطي وغيرهم ومن الأحزاب السياسية التي كانت تناضل من أجل تحرير والدفع بالتيار التنويري
وفي هذا المجال لابد من ذكر تأثره بالمصلح المصري التنويري الشيخ محمد عبده الذي كان متأثرآ بما حققته النهضة الأوروپية وخاصة بعد أن عاش في پاريس .
قام بعدها السيد سليمان الباروني بإنشاء مطبعته المسماة “مطبعة الأزهار البارونية” التي طبع فيها مجموعة من الكتب الخاصة به ولغيره. وأسس في تلك الفترة(1907) جريدته المسماة “الأسد الإسلامي” التي فيها نعى وفاة المناضل المصري المناصر والمطالب بحقوق المرأة المعروف “مصطفى كامل” وقد وصفه ب”صاحب الخطب الشهيرة والمقالات المؤثرة”؛ وإعتبر في نعيه هذا أن موته كان “مصاب عظيم” للحركة التنويرية في مصر.
رجع من مصر إلى طرابلس في عام 1908 ليترشح وينجح في إنتخابات مجلس المبعوثين ( في إسطنبول) كممثل عن جبل نفوسة في ولاية طرابلس الغرب.قام بعد ذلك بالسفر إلى إسطنبول ،وتمكن خلال وجوده هناك من التعرف وربط علاقاته مع رجال السياسة بمختلف مشاربهم السياسية. وكان متتبعآ لما يحدث في أوروپا وبالذات إيطاليا وما كانت تخطت له في ليبيا وخاصة من إزدياد وجود الجالية الإيطالية وفتح فرع خاص ل “بانكو دي روما” حتى أنه أعد تقريرآ ل “مجلس المبعوثين” عن نوايا إيطاليا الإستعمارية لإحتلال ولاية طرابلس الغرب مطالبآ دولة الخلافة بالإستعداد للوقوف إلى جانب الولاية ضد هذا الغزو المرتقب.
قبل بدء الغزو الطلياني بشهور وعند وفاة والدته في عام 1911عاد سليمان باشا الباروني إلى طرابلس وتصادفت هذه العودة مع بداية غزو الطليان طرابلس وشارك في قيادة وتنظيم المناضلين وقام أيضآ بالإتصال بوسائل الإعلام العالمية (نتيجة لمعرفته الشخصية بالكثير من وسائل ورجال الإعلام والصحافة الموجودة في تلك الفترة وقام بإعلامهم بآخر تطورات الغزو الطلياني لطرابلس ومقاومة المناضلين الطرابلسيين له موضحآ الجرائم البشعة التي كان يقوم بها الغزات الطليان) . وكان دوره نضاليآ ومشاركته الفعلية متجلية وواضحة في المقاومة في المعارك ومن أهمها معركة الهاني وعين زارة ومعركة سيدي سعيد ومعركة جندوبة المشهورة في منطقة الأصابعة في غريان والتي جرح فيها المناضل سليمان باشا الباروني..
لم يقتصر نضاله على المشاركة في المعارك بل قام بالكتابة والإتصال بالأعلام العالمي والتغطية الإعلامية والتعبئة العامة.وكان خلال هذه الفترة من النضال مع رفيقه المناضل “محمد فرحات” الزاوي والذي تعرف عليه أثناء تواجدهما في “مجلس المبعوثين”(2) في إسطنبول.
بدأت تتبلور لدى المناضل سليمان باشا الباروني فكرة تسييس النضال ضد الطليان وتحويله إلى نضال منظم وبشكل دولة ضد العدو الغازي?????،نشأت عنده فكرة تكوين حكومة ولو بشكل صغير ونضجت هذه الفكرة لتخرج في منطقة جبل نفوسة وإتخد مدينة يفرن مقرآ إداريآ لهذه الحكومة والتي سميت “الحكومة الوطنية بطرابلس”؛ولكن قامت القوات الطليانية الغازية بمحاربة هذه الحكومة كما ذٌكر في كتاب الطاهر الزاوي “جهاد الأبطال “(3) ؛كان هذا في عام 1913 ,وخاصة بعد أن توصل الطليان والترك إلى توقيع صلح بينهما في مفاوضات “أوشي” في نهاية 1912,وتمت في هذه السنة المعركة الشهيرة أي معركة “جندوبة” في منطقة الأصابعة بغريان التي أبلى فيه المناضلون الليبيون بقيادة سليمان باشا الباروني بلاء يشهد له الطليان وجرح فيه سليمان باشا الباروني.
وكان لهذه المعركة ونتائجها أثار سلبية أدت إلى هجرة الكثير من المناضلين إلى تونس وكان سليمان باشا الباروني أحد المهاجرين وهذا أدى إلى سقوط الحكومة .وبعد بقائه في تونس لمدة وفشل المفاوضات التي تمت بين السيد “سڤورزا” ممثلا للحكومة الطليانية و المناضل سليمان باشا الباروني لإيجاد حل للوضع في ليبيا مع إيطاليا؛ توجه إلى لندن ومنها إلى إسطنبول ورٌحب به كثيرآ عند وصوله إلى هناك وتم الإتفاق معه لمحاولة إيجاد حل مع “أحمد الشريف ” السنوسي لتنسيق القتال ضد الطليان؛غير أنه عند وصوله إلى الإسكندرية لم يتوصل إلى حل معه بل قام السنوسيون “أحمد الشريف” بإعتقاله لمدة سنة وبعد إطلاق سراحه رجع إلى إسطنبول….وهنا تم تعيينه واليآ على طرابلس الغرب وأعطي لقب الباشا.رجع إل مصراته في غواصة ألمانية في عام 1916 وبداء في حل الخلاف الذي كان بين المناضل رمضان السويحلي في مصراته وعبدالنبي بالخير في ورفلة.
بدأت فكرة إنشاء جمهورية طرابلسية تختمر عند المناضلين الليبين في طرابلس الغرب وخاصة وبعد إستمرار الحرب العالمية الأولى والمؤشرات التي بدأت تظهر مشيرة إلى إنهزام تحالف ألمانيا وتركيا في هذه الحرب .
إجتمع المناضلون في مدينة مسلاتة في جامع (المجابرة) وأعلنوا قيام جمهوريتهم “جمهورية طرابلس” لتكون أول جمهورية في العالم الإسلام وعلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط،كان تاريخ تأسيس هذه الجمهورية يوم 16 نوڤمبر1918,وتم إنتخاب مجلس رئاسي من أربع مناضلين هم:
⁃ سليمان باشا الباروني
⁃ بشير السويحلي
⁃ عبدالنبي بالخير
⁃ أحمد المريض
كما تم إنتخاب مجلس شورى للجمهورية به ممثلين من جميع أنحاء البلاد متكونآ من
-محمد سوف بك رئيس أول وهو من مدينة الزاوية الساحلية
-يحيى الباروني رئيس ثاني من أمازيغ جبل نفوسة
ويرافقهما 22 عضوآ يمثلون مختلف مناطق الغرب من مدينة سرت حتى الحدود التونسية والجنوب الليبي بما ذلك مدن غدامس ومرزق والشاطئ.
وتم أيضآ إنتخاب مجلس شرعي مكونآ من أربع أشخاص هم:
⁃ الشيخ الميساوي
⁃ الشيخ الزورق بورخيص
⁃ الشيخ محمدالإمام
⁃ الشيخ مختار الشكشوكي
وقامت هذه المجالس الثلاثة بالإجتماع الفوري معآ وإرسال بلاغ ليبلغ الشعب الطرابلسي بإنشاء هذه الجمهورية الفتية لتقود البلاد نحو الحرية والإستقلال من الهيمنة الطليانية.وقام المجلس الرباعي الرئاسي بإبلاغ في بلاغ خاص بالحكومة الطليانية بإنشاء الجمهورية الطرابلسية مطالبة الإعتراف بها كممثل للشعب الطرابلسي وألحق ملحق لهذا البلاغ يُبين شروط وحقوق حكومة الجمهورية الطرابلسية.
كما قام المجلس الرئاسي بمخاطبة الدول الكبيرة منها الولايات المتحدة الأمريكية في شخص رئيسها السيد ولسن ورئيس الوزراء الإنغليزي ورئيس الحكومة الفرنسية.
وكان رد فعل الحكومة الطليانية في منتهى التعجرف والغطرسة الإستعمارية رافضآ الإعتراف بهذه الجمهورية وحكومتها ومجالسها الثلاث.
غير أن الشعب قدم كل التأييد المطلوب لحكومة الجمهورية وبين إستعداده الدفاع عن هذا المكتسب الذي رأى فيه الطريق إلى طرد الطليان وإستقلال ليبيا الوطن الحداثي.
وبالرغم أن مجلس الدولة لم يكن له رئيسآ فعليآ وبحكم أن سليمان باشا الباروني كان قد تم تنصيبه واليآ لولاية طرابلس فقد تم توليه وقيامه بشؤن الرئاسة. ولقد قام بإستخدام العملة العثمانية بإسم الجمهورية حتى أن سكان طرابلس الغرب كانوا يسمونها العملة
البارونية. حتى أنه وفي أيام المملكة كان الكثير من الليبيين الذين عاشوا أيام الجمهورية الطرابلسية كانوا يرددون عبارة “دفعت فيها بارونيات”.
هذه الجمهورية التي ظهرت في تلك الآونة في منطقة الشمال الإفريقي الذي لم يألف سوى نظام الخلافة منذ مجيئ العرب ،كان لها أن تكون نواة وأساس لتأسيس الحداثة والعلمانية الديمقراطية في الشمال الأفريقي وجنوب البحر الأبيض المتوسط.
وما كان من النظام السنوسي المتخلف والنظام العسكري البدوي القذافي سوى نكران وجودها وعدم إعطائها حقها التاريخي والتغطية الكاملة لأبطالها والتركيز على أشخاص بسطاء لم يتفهموا حتى مفهوم الوطن وإظهارهم كأبطال وربط تسمية النضال الليبي الحقيقي بهم فقط …
بينما إستمرت بعض مظاهر المقاومة وبشكل بدائي وبسيط في بعض مناطق من برقة وبطريقة مايسمى بالليبي (الفلاقة) الغير فعالة والتي إتخدت عدة سمات منها السمة الدينية ضد الغازي “المسيحي والنصراني” وأحيانآ أخرى طابع السرقة والإستيلاء على المواد التموينية لسد حاجتهم الماسة لها.وإستمرت هذه المقاومة متقطعة ولفترات زمنية قصيرة ،ولم تتخد طابع النضال الوطني وبالذات وخاصة وأنه كانت تنقصها القيادة الوطنية وهروب قيادات الحركة الدينية السنوسية الى دولة مصر وعلى رأسها السيد إدريس السنوسي والذي كان زعيم الحركة السنوسية.وكان كل همه هو حصوله على إمارة برقة وتوليه أميرآ لها
ومن المعروف لاحقآ محاولات السيد إدريس السنوسي بعد أن أصبح ملكآ على كل ليبيا تضخيم تلك المقاومة وإعطائها زخمآ ودورآ أكبر من حجمها الحقيقي ،وإبراز الدور التاريخي والبطولي المبالغ في إبرازه لشخص “عمر المختار” والذي لم يكن سوى رجل دين ومعلم قرآن “فَقِيه” يعلم القرآن للأطفال في زاوية للحركة السنوسية والتي كما ذكرت كانت مبادئها الدينية هي إمتداد للتعاليم الوهابية والمهدوية، وهاتين الحركتان هما حركات سلفية وجدتا أصلا للوقوف في وجه ومقاومة التيار المتنامي والذي بداء يظهر في منطقة الشرق الأوسط وإلى حد ما في الشمال الأفريقي.
وبالنسبة ل “عمر المختار”لم يكن له أن يستوعب النضال الوطني بمفهومه الحديث حيث أن مفهوم الوطن له لم يكن يتعدى منطقته الجهوية القبلية وإلى حد ما مقاومة “النصرانية” عدو الإسلام. هذا الأمر بالنسبة له كان أمرآ طبيعيآ من خلال إمكانياته ووعيه والتي كانت متأثرة بالفكر والوعي السلفي والقبلي الجهوي والذي تم نشره من طرف الدعوة السنوسية الدينية هذه الحركة التي تمكنت من بسط سيطرتها على جزء كبير من الشرق الليبي.وكذلك يتضح الدور الذي لعبه إدريس محمد السنوسي عند قيامه ليلة الإستقلال بطرد المناضل التاريخي السيد بشير السعداوي ،والذي كان يعرف في كل طرابلس الغرب بالزعيم وكان رئيس حزب المؤتمر الوطني والذي كان دائمآ مناديآ بإستقلال ليبيا الوطن
، ونفيه خارج الوطن ولم يمكنه حتى يرى ثمرة نضاله ورؤية ليبيا المستقلة…وقد قام بهذا العمل اللاوطني بالإتفاق مع المخابرات الوطنية.
مقابل هذه الحالة والواقع الإجتماعي في شرق ليبيا ،نجد أن واقع طرابلس الغرب في الغرب الليبي مختلفآ عما كان عليه في الشرق الليبي فالحركة السنوسية لم تتمكن دخول منطقة طرابلس الغرب ولم تتمكن من بسط أفكارها السلفية ومن ثم لم يكن لها أي تأثير ديني أو إجتماعي على سكان طرابلس الغرب.وكان سكان طرابلس الغرب تحكمهم علاقات هي أقرب إلى المجتمع الزراعي المستقر وبشكل متفاوت؛ فطرابلس كانت معروفة بزراعة الحمضيات والكروم والزيتون والفواكه بشكل عام وكانت مدن مثل طرابلس ومصراتة وزوارة معروفة بصيد السمك وتصدير الملح ولإسفنج البحري.وكانت تربط هذه المدن علاقات ومعاملات تجارية مع مالطا والعديد من المدن الأوروپية مثل ڤينيسا وليڤورنو وفيرينسا منذ قرون.
ثانيا : السنوسية وإدريس. ..
بدأت تظهر ظاهرة الإسلام السياسي في ليبيا مع إبتداء الحركة السنوسية في القرن التاسع عشر عنمدما أسس محمد بن علي السنوسي وهو جزائري من مدينة مستغانم إختار ليبيا كبلد إقامة بعد عودته من القيام بمناسك الحج من السعودية في طريق عودته إلى الجزائر؛ وإختار البقاء في منطقة برقة ( الجزء الشرقي من ليبيا اليوم”4″)، وإختار واحة الجغبوب القريبة من الحدود المصرية وقربها من الشمال الغربي للسودان؛ وأقام فيها الزاوية الأولى للحركة السنوسية،وكانت الحركة السنوسية حركة دينية إسلامية على غرار طريقة الحركة الوهابية السلفية المتطورفة في المملكة السعودية.وإستطاعت هذه الحركة السنوسية أن تكوًن لها أتباع في منطقة برقة وبالذات في البيضا بالجبل الأخضر وَمِمَّا ساعدها في ذلك التركيبة الإجتماعية الرعوية والقبلية في مناطق الشرق الليبي (برقة). ولاشك أنه كانت هناك للسيد محمد بن علي السنوسي أطماع وأحلام بالسيطرة على كامل المنطقة وبالتوسع بنشر دعوته في الشمال الأفريقي وبالذات في الشرق الليبي وكذلك في غرب مصر والشمال الغربي للسودان وكذلك بقية المغرب الكبير وخاصة وأنه يأتي من مدينة مستغانم الجزائرية وأنه عاش في المغرب الأقصى قبل أن يذهب إلى الوهابية السعودية ويرجع إلى الشمال الأفريقي..غير أنه تمكن من الحصول على أنصار له حتى وإن كانوا بسيطي العدد في الشرق الليبي . وبالأكيد أيضآ لم يتمكن من الوصول إلى طرابلس الغرب و كان ذلك لإختلاف التركيبة الإجتماعية بها ولربما أيضآ لبعد المسافة الفاصلة بين الجغبوب والبيضا من جهة وطرابلس الغرب (التي كان يغلب عليه الطابع الصحراوي الذي تصحب فيهالحركة) من جهة أخرى وبذا لم يتمكن له من نشر دعوته والحصول على أتباع في الغرب الليبي بشكل عام .
وبدأت هذه الحركة بأتباعها القليلين الذين تحصلت عليهم في منطقة الجبل الأخضر ببرقة حيث تتواجد بعض بقايا القبائل العربية بها في بت أفكارها الدينية وتعميق الترابط القبلي وبهذا بدأت سيطرتها على الشرق الليبي.وحتى الآن مازال علاقات بعض الناس الذين يؤمنون بالقيادة السنوسية وإعطائها إسم السيادة سيدي والشيخ ومولاي (سيدي إدريس، سيدي عمر المختار أو الشيخ عمر وغير المقصود بها فقط الكبر في السن بل المكانة والتبجيل وأحيانآ أخرى مولاي محمد والمقصود به محمد بن علي السنوسي مؤسس الحركة السنوسية).
جاء الغزو الطليان في عام 1911 إلى ليبيا وقوبل بمقاومة عنيفة في (طرابلس الغرب ) ،ولكن الأمر في الشرق الليبي إختلف نوعآ ما ، فبالرغم من وجود مقاومة للغزو الطلياني ووجود قيادات من الحركة السنوسية التي أيدت ووقفت مع المقاومة (بطابع ديني) من غير حفيد السيد محمد بن علي السنوسي (إدريس محمد السنوسي)وريث زعامة الحركة والذي كانت له كانت له أطماع أخرى لتحقيقها للحركة السنوسية وله شخصيآ ولم يكن همه في ذاك الوقت وبالدرجة الأولى إلا الحصول على إمارة برقة وتولية ( إدريس السنوسي)أميرا لها “5”.
في هذا الوقت كان النضال على أشٌده في طرابلس الغرب وكان هذا النضال منبعث من أساسات النضال الوطني العصري وكانت قيادات النضال الطرابلسية تٌخطِت لتكوين وإنشاء “الجمهورية الطرابلسية” لتقود المقاومة وبطريقة عصرية وحداثية والتي كان ممكنآ أن توصل ليبيا إلى وطن الحداثة العصرية والديمقراطية العلمانية. وتمت إقامة الجمهورية الفتية منذ إعلانها في مدينة مسلاتة بتاريخ 16.11.1918 بمجلس رئاسي من أربع مناضلين هم سليمان باشا الباروني ورمضان السويحلي وعبدالنبي بالخير وأحمد المريض؛ وحاولت إيطاليا بكل جهودها إسقاط هذه الجمهورية حتى تم لها ذلك في عام 1922,السنة التي تم فيها إرغام المناضل سليمان باشا الباروني ونفيه من بلاده من قبل الطليان، وهكذا سقطت تلك الجمهورية التي كانت أول جمهورية في البلدان التي كانت تابعة للخلافة العثمانية أو الخلافة الإسلامية ،هذه الجمهورية التي كان ممكن أن تكون لبنة أساسية في بداية دخول ليبيا في عصر الحداثة والديمقراطية العلمانية أي بمعنى إدخال ليبيا حتى في مرحلة الوطن والمواطنة العصرية.
ونجد أنه حتى في أوروپا بلدان مثل إيطاليا وأسپانيا والنمسا والعديد من البلدان الأخرى كانت مازالت ممالك ولم تتأثر بما كانت تطرحه الثورة الفرنسية وما أنجبته الجمهورية الفرنسية…بينما نجد أن ما كانت تقوم به الحركة السنوسية الدينية من تعميق المفهوم القبلي الضيق الأفق وما تلاه من نشر للأفكار الدينية السلفية الوهابية البعيدة كل البعد عن التنوير والحداثة؛ وخاصة وأن مفهوم الوطن بمفهومه العصري الحديث ، وبشكل عام،لم يكن مستوعبآ في منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي حيث أن الوطن بالمفهوم الحديث لم يكن متداولآ في منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي…وبينما بدأت هذه الفكرة تنمو في بدايات النمو التنويري في منطقة طرابلس الغرب كانت الحركة الدينية السنوسية تنمو بإطروحاتها الدينية وبقيادتها الإسلامية وعلى رأسها إدريس محمد السنوسي والذي كان يسعى بكل همة للحصول على إعتراف من الغازي الإيطالي بإمارته على إمارة برقة وكذلك الحصول على إعتراف البريطانيين به كأمير لبرقة والذي تحصل عليه كما هو وارد في إتفاق “الزويتينة” الموقع بينه وبين الغزاة الطليان في عام 1917 بتاريخ 17 أپريل والموّقع من طرف الأميرال دويتا والكومندانتو ليوجي بنتور من طرف الغزاة الطليان ومن طرف الحركة.
السنوسية السيد محمد إدريس المهدي السنوسي (الختم) ،وإتفاق “الرجمة” الموقع في 25.10.1920 الموافق 13 من شهر صفر 1329 هجري، والموقع بين “محمد إدريس المهدي السنوسي من طرف الحركة السنوسية ….
وقبل أن أورد بعض المقتطفات من هاتين الإتفاقين أريد الإشارة إلى أنهما موجدتان في كتيب تم إصداره عام 1949 من قبل اللجنة الطرابلسية بعنوان ” الكتاب الأبيض في وحدة طرابلس وبرقة” وتمت طباعته في مصر؛ إورد الآن بعض مقتطفات ما ورد في هاتيين الإتفاقاتين ” أولا في إتفاق “الزويتينة” والذي بداء في أواخر عام 1916 وإستمر في أخد ورد بين السيد إدريس محمد إدريس السنوسي ممثلا للحركة السنوسية وبين الطليان والإنغليز حتى أپريل 1917 والذي جاء فيه حرفيآ:
البند الأول-مستعدون لعمل الترتيب في الكف عن المحاربة في قطر برقة (سيرنايكا)) وذلك بمنع التعديات سواء كان عن الطليان والعرب الموجودين معهم والتجار بحيث يصير التعامل بين عرب الداخل والعرب تحت النقط الإيطالية بكل حرية في المستقبل.
البند الثاني “ونظرآ لوجود الفتن فطرق التجارة بيننا تكون منحصرة مؤقتآ في ثلاث نقاط : وهي بنغازي ودرنة وطبرق بحيث يمكن لنا حصر التجارة في الجهات المذكورة حتى لا تتعدى لغيرنا. وعند إنتهاء الفتن تطلق التجارة من جميع النقاط حسب الإتفاق الذي يكون. والمحافظة على أمن البلاد تكون عائدة إلى حكومة إيطاليا في المناطق التي هي محتلة بها وإلى السيد إدريس في المناطق الغير محتلة بها الطليان………
البند الثالث- وأن السيد محمد إدريس يتعهدبإنه عندما يصير الإتفاق معمولآ يحيط علم الحكومة الإيطالية بمواقع قوات أدواره ، وإذا تألفت قوات مسلحة سواها بدون مسوغ فيكون للحكومة الإيطالية كمال الحق في مهاجمتها”.
البند السادس-وبما أنه لا سبيل الآن لحمل الناس على تسليم السلاح خصوصآ في هذه الحوادث والفتن الي يلزم فيها زيادة على أن ينزع منهم إجباريآ في المستقبل ويترك عندي. وبشرط أن نترك للعائلات الذي لابد منه للمدافعة من اللصوص. ويتعهد السيد إدريس بعدم معرضة الحكومة في نزعها السلاح من الناس. كما أن الحكومة يكون لها الحق في نزع السلاح قهرآ من العائلات المعتدية على النقط والمراكز الإيطالية أو على المستسليمين للطليان.”
البند العاشر-نتعهد بأن نبعد عن قطر برقة كل مسبب للفساد أو ساع في إيجاد الفتن بيننا والحكومة الإيطالية وغيرها من أصدقائنا وأصدقائها.
البند الثاني عشر-لا لزوم للتكلم في شيئ في شيئ مما يخص مرتبات وخلافه للعائلة السنوسية الآن بل الغرض راحة الوطن وخدمة الأمن.
وبهذا تحصلت الحركة السنوسية على أرضية لبث ما سمي بالهدوء والراحة اللذان سيمكنها من نشر أفكارها الدينية السنوسية والغير بعيدة عن تلك التي كانت تقوم بها الحركة الوهابية في الجزيرة العربية.وكان هم هذه الحركة هو نشر أفكارها وسيطرة إمارتها على برقةوتوجيه سكان برقة إلى إعتناق مبادئ الحركة السنوسية والحصول على “الشرعية” لهذه الحركة في بث أفكارها في المنطقة.ويلاحظ في إتفاق “الرجمة” المذكور لاحقآ أن واحة الجغبوب تم القبول بها على أساس جزء من مصر وليس برقة.
ثانيآ في إتفاق “الرجمة” أرفق المقتطفات التالية والتي تركز على الإعتراف من قبل السلطات الإيطالية ب “محمد إدريس السنوسي” أميرآ على إمارة برقة كما هو مبين
“بما أن الحكومة الإيطالية قد عرفت بالتجربة أثناء الحرب العمومية عناية السيد محمد إدريس المهدي السنوسي في السعي معها وراء راحة البلاد ورفاهية أهلها وإنتظام شغلها ورقيها ستمنحه رتبة الأمير السنوسي وقد تقرر ما يأتي:
(أ) الحكومة تفوض إلى الأمير السنوسي رياسة وإدارة واحات أوجلة وجالو والكفرة والجغبوب المستقلة داخليآ وله أن يتخد إجدابيا لأجل إدارة الواحات المذكورة.
(ب) يكون له الحق بأن يقدم للحكومة عددا من نواب أهالي الواحات المذكورة بنسبة سكانها يقبلون في مجلس النواب لا فرق بينهم وبين النواب الآخرين ودرجتهم كدرجتهم وصفتهم كصفتهم.
المادة الأولى-ليس عند الحكومة الإيطالية مايحملها على مخالفة السيد إدريس في رغبته في أن تكون رتبة الأمير السنوسي من بعده تنتقل بالوراثة إلى أولاده وأنساله الأكبر فالأكبر ….الخ
وكما ذكرت سابقآ يحال القارئ إلى “الكتاب الأبيض في وحدة طرابلس وبرقة” المذكور سابقآ والذي يتضح منه مايلي:
أولا. أن كل هم إدريس السنوسي كان منصبآ على تثبيته وتزكيته من الطليان وكذلك البريطانيين (بعد هجرته إلى مصر) لأن يصبح أمير برقة والإعتراف بإمارة برقة تحت راية الحركة السلفية الدينية السنوسية
ثانيا. تعميق الفكر الديني السنوسي المماثل والمستقى من الفكر الوهابي الذي إنتشر في تلك الفترة الزمنية في شبه جزيرة العرب(6)؛وبهذا يكون إدريس السنوسي زعيمآ دينيآ لحركة دينية في منطقة الشمال الأفريقي وأميرآ لإمارة برقة.
وفي مساره السياسي نجد أن طموح هذا الرجل متناسقآ مع هذا فنجده يوقع على هاذين الاتفاقين ويتعهد للغزات الطليان بإستتباث النظام والهدوء لهم في برقة ويتنكر للمقاومة التي كانت تدور في طرابلس بينما كان المناضلين في طرابلس الغرب يقومون ،إلى جانب نضالهم ومقاومتهم بالسلاح للغزو الإيطالي،كانوا يٌختطون لإعلان قيام الجمهورية في طرابلس الغرب وإنشاء أول جمهورية في العالم الإسلامي الذي كان يتبع الخلافة العثمانية(7.*******) .
–الفكر الديني الحركة السنوسية
كان فكر الحركة السنوسية متمثلآ في أفكار السيد محمد بن علي السنوسي مؤسس هذه الحركة فكرآ دينيآ متزمتآ في أساسه كباقي الحركات الدينية والصوفية التي ظهرت في القرن التاسع عشر في البلدان الإسلامية في مواجهة محاولات التنويريين في طرح الأفكار التنويرية والتي كانت تحاول طرح أفكار تنتقد الحكم الخلافي العثماني وليس بعيدآ عن الفكر الوهابي والحنبلي المتزمت.وتم إستقاء هذا الفكر من طرف مؤسس الحركة السنوسية محمد بن علي السنوسي إبن مدينة مستغانم الجزائرية والذي عرف ليبيا في طريقه إلى الحج في بلاد الحجاز بالجزيرة العربية .واختار محمد بن على السنوسي مؤسس هذه الحركة الدينية المتزمتة ،والتي لم تكن ببعيدة في تعاليمها عن تعاليم الوهابية والتي سيطرت على مملكة العربية السعودية، إختار منطقة برقة الليبية وبالذات واحة الجغبوب التي أسس فيها في عام 1856 أول زاوية سنوسية لتكون مركزآ دينيا لنشر أفكاره الدينية المتزمتة(8**).
وكان إختياره لهذه الواحة إسترتيجيآ من الناحية الجغرافية لوجودها في جنوب برقة وموقعها على المناطق الحدودية الغربية من مصر وليس بالبعيد عن الحدودالشمالية الغربية من السودان والشمالية من التشاد؛ثم توسع في مشروع زواياه وأنشأ في عام 1895 زاوية أخرى في واحة الكفرة جنوب واحة الجغبوب.وبالرغم من الخلافات مع الخلافة العثمانية لفكر الحركة السنوسية الديني المتزمت، إلا أن الحركة تمكنت ،نوعآ ما من نشر أفكارها ودعوتها إلى السلفية والعودة إلى ما تسميه “الدين الإسلامي في أصوله القديمة” وبهذا لم يتم الوئام بين الحركة السنوسية والخلافة العثمانية بشكل ودي كامل،وبالذات لإعتبارهم أن الخلافة كانت تقارب وتجاري الدول المسيحية في بعض عاداتها وتقاليدها والتي كانت الحركة تراها منافئه للإسلام. ولكن هذا في ذاته أيضآ لم يمنع وجود تقارب وإتفاق ضمني بين الحركة السنوسية من جهة والعثمانيين من جهة أخرى في مواجهة “الخطر” المشترك للطرفين ألا وهو ما يبدو آن ذاك من نية أوروپا وبالذات فرنسا خاصة بعد إستعمارها للجزائر (عام 1830) من التوجه شرقآ لإحتواء ليبيا، وعلى هذا الأساس لم تكن الحركة السنوسية عقبة في وجه الخلافة العثمانية،بل تركت الخلافة العثمانية مطلق الحرية للحركة السنوسية لنشر أفكارها الدينية المتزمتة والتوسع في ذلك دون أي مانع لها من ذلك.
وعند إنتقاله إلى مصر ،بداء السيد محمد إدريس المهدي السنوسي الإتصالات للحصول على المساعدة من طرف بريطانيا في تكوين إمارة برقة وتنصيبه أميرآ لها ، وأدت هذه الإتصالات مع قوات الإستعمار البريطانية إلى إرتباطه وتقوية علاقته مع القوات البريطانية وإتفاقه معهم للدخول إلى برقة بعد نشوب الحرب العالمية الثانية والتي إتفق فيها معهم مرة أخرى على تكوين “إمارة برقة” والإعتراف بها ككيان مستقل بعد دخولها بفرقة من المهاجرين الليبيين في مصر والذين سماهم الجيش السنوسي والذي إدعى تأسيسه في 09.08. 1943(9***)
وبعد أن إنتهت الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في نهاية عام 1947 تم ألإعتراف من قبل بريطانيا بالسيد محمد إدريس المهدي السنوسي أميرآ لإمارة برقة وفي مارس 1949 تم الإعلان عن قيام إمارة برقة وكان علمها أسود اللون يتوسطه الهلال والنجمة البيضاء، علم دولة إ سلامية متبنية للفكر السنوسي على نفس الطريقة التي تم بها إعداد علم السعودية الوهابية باللون الأخضر ووسطه عبارة “لاإله إلا الله محمد رسول الله”
لاشك أن أثر الحركة السنوسية السلفي المتخلف كان من أهم الجذور التي أدت إلى إنتشار وتوسع وبقاء الفكر الديني في الشرق الليبي (برقة) وبالذات في الجبل الأخضر؛ هذا بالرغم من أن الحركة لم تتمكن من الإنتشار نهائيآ في الغرب الليبي (طرابلس الغرب) ولا في الجنوب (فزان).
ونجد أن الحركة النضالية الوطنية في طرابلس الغرب أخدت طابعآ نضاليآ عصري وحداثي حيث تكونت بعد الحرب العالمية الثانية تسعة أحزاب سياسية مختلفة المشارب السياسية ذات الطابع اليميني واليساري والوسطي ويربطها المناداة بإستقلال كل ليبيا كدولة واحدة.وكان من أهم هذه الأحزاب ذات القوة الجماهيرية حزب المؤتمر الوطني ذو الطابع السياسي الوسطي بقيادة رئيس الحزب المناضل بشير السعداوي والمسمى بالزعيم وحزب الكتلة والذي يمكن إعتباره يساريا وكانت قيادته عند الأخوين المناضلين محمد وعلى الفقيه حسن وحزب الإستقلال اليميني بقيادة محمود المنتصر والذي كانت له علاقات مع الطليان.وكانت هذه الأحزاب كلها تنادي بإستقلال ووحدة ليبيا كلها كوطن واحد كما سبق وأن ذكرت؛وكان حزب الكتلة بقيادة محمد وعلي الفقي حسن أكثرهم حداثة وقربآ للعلمانية؛ بينما كان حزب المؤتمر الوطني أكثر الأحزاب جماهيرية وكانت كاريزما زعيمه بشير السعداوي ذات تأثير على سكان طرابلس الغرب بينما كان حزب الإستقلال ذو طابع سياسي إنتهازي وكان حتى في عام 1948 لم يمانع مشروع (بيڤن سفورزا) (10****) الذي طالب بتقسيم ليبيا وعلى أساس تبعية طرابلس الغرب لإيطاليا وبرقة لبريطانيا وفزان لفرنسا(11*****)
وبعد فشل مرور هذا المشروع في مجلس الأمن،قامت الحركة الوطنية بإرسال وفد للدول المتحدة ومن ضمنهم المناضل بشير السعداوي في محاولة لشرح القضية الليبية والمطالبة بمساعدة الليبيين في الحصول على إستقلال كل ليبيا دولة تضم أقاليمها الثلاث (طرابلس الغرب وبرقة وفزان).وفي هذه الآونة كانت بريطانيا تتفاوض مع أمير برقة لقبول هذا الحل وعلى أساس أن يصبح ملكآ لهذه المملكة الإتحادية،وكانت أحزاب طرابلس الغرب وبشكل عام ترفض تولية أمير برقة ملكآ على ليبيا سوى حزب الإستقلال الذي تمكن من الإرتباط بالحركة السنوسية وأمير برقة وكذلك بشير السعداوي زعيم حزب المؤتمر الذي قام بتغيير موقفه من تولي محمد إدريس السنوسي ملكآ على ليبيا الإتحادية (وقد يكون هذا الموقف من حزب المؤتمر أكثر الأخطاء التكتيكية في تاريخ ليبيا الحديث بالرغم من تبريره في تلك الآونة بهذف الحصول على إستقلال كل ليبيا).وقامت بريطانيا في أروقة الدول المتحدة بالترويج لهذا المشروع مع حلفائها وصدر قرار الجمعية العمومية في نوڤمبر عام 1949 بإعطاء ليبيا الإستقلال على أن :
-يعلن إستقلال المملكة المتحدة الليبية يوم 24.12.1951
-محمد إدريس السنوسي الأول ملكآ لليبيا
-تكون مملكة متحدة بثلاث ولايات هي ولاية طرابلس الغرب،ولاية فزان وولاية برقة
-يكون لكل ولاية وال يعينه الملك
-لكل ولاية مجلس تشريعي (برلمان ) ويتم إنتخابه من سكان الولاية
-لكل ولاية مجلس تنفيذي (حكومة) ويتم تعيينها من الوالي وإعتماد الملك
يتم إنتخاب البرلمان الإتحادي لكل المملكة وتعين الوزارة الإتحادية لكل المملكة وتقوم الوزارة بتمثيل ليبيا خارجيآ.
-تم تعيين السيد “أدريان بلت” كممثل لسكرتير الدول المتحدة في ليبيا ل”مساعدة” الليبيين في صياغة دستور المملكة .
قام محمد إدريس السنوسي بالإتفاق مع البريطانيين بمنع وجود الأحزاب السياسية في هذه المملكة، وبناء على هذا الإتفاق قام محمد إدريس السنوسي بطرد زعيم حزب المؤتمر ونفيه ليلة إعلان (23.12.1951) بعد الإتفاق مع البريطانيين على هذا الإجراء.
محمد إدريس السنوسي تمكن من وضع علم الحركة الدينية السنوسية (اللون الأسود والهلال والنجمة) وسط العلم الليبي ورفض وضع علم الجمهوري
ة الطرابلسية (ذو اللون السماوي الزرقة تتوسطه الشجرة النخيل).بل تنكر نهائيآ لذكر دور تلك الجمهورية ،وقادتها وعلى رأسهم المناضل سليمان باشا الباروني، في نضال الليبيين ضد الغزاة الطليان.وفي نفس الوقت نجده قام بتمجيد نضال الحركة الدينية السنوسية ومركزآ بدور الفقيه “عمر المختار” وإعطائهما زخما غير واقعي في مرحلة النضال ضد الغزو الطلياني.
الغريب في الأمر نجد أن هذا الدور تم تضخيمه وبشكل عروبي بعد قيام الديكتاتور معمر القذافي بالإنقلاب على الملك وتولي حكم البلاد.
كان معمر القذافي في بداياته السياسية يدعي إنتمائه الإسلامي المتطرف وكان يكرر دائمآ وعلنيآ أنه يفضّل التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية على التعامل مع الإتحاد السوڤياتي وعلى إعتبار أن الولايات المتحدة دولة مسيحية تؤمن بالله أما الإتحاد السوڤياتي فهي دولة ملحدة غير مؤمنة بالله.ومن المثير للضحك أن أول عمل قام به ليبيا كلها هو إغلاق البارات والملاهي الليلية وإعتبارها .
مخالفة للإسلام وكان يعلق شعار “القرآن شريعة المجتمع” في الأماكن العامة وكان من الذين يمنعون وجود دستور للبلاد ويؤمنون بهذا الشعار أي أن القرآن هو دستور البلاد.
هكذا عاش الليبيون تحت نظام الملك محمدإدريس السنوسي الذي سلبهم تاريخهم وشخصيتهم الحقيقية الشمال أفريقية والمتوسطية ونشر بينهم بدايات السلفية السنوسية الوهابية وتحت ديكتاتورية القذافي إبتداء من العروبية الكاذبة وألا دستورية و”القرآن شريعة المجتمع” والفوضوية الجماهيرية .
إستغل إنتهازيوا إنتفاضة فبراير 2011 هذا الخلط الإجتماعي والفراغ الفكري ليستهوا وليستدرجوا الشباب الفارغ ثقافيآ وسياسيآ ويزجوا بهم في متاهات الإرتباطات العقائدية المتخلفة ومن تم إدخالهم في الصراعات الدينية الكاذبة والغير حقيقية وبدلا من أن يتجهوا نحوالحداثة والديمقراطية وقبول الإختلاف في التفكير والإعتراف وإحترام الآخر ومناقشته بدلا من مقاتلته وإتهامه بشتى الإتهامات وظهور الفكر الإسلاموي المتطرف والمشوب بروح العروبية ونسيان ليبيا نهائيآ.
إن مناضلي طرابلس الغرب ضد الطليان وتأسيسهم للجمهورية الطرابلسية كان يدل، في تلك الفترة،على مدى وعيهم وطموحهم الحداثي المتجه نحو بناء الديمقراطية كخلف للنظام الخلافي العثماني.
الغريب أن كلا من الملك محمد إدريس السنوسي وكما سنرى لاحقآ الديكتاتور القذافي كانا مقيدان بأنانيتهم الذاتية والنرجسية؛ إدريس السنوسي كان حريصآ على سيطرة خطه السنوسي من خلال ولاية برقة
وسيطرة طائفته السنوسية وميولهم الدينية الغير بعيدة عن الوهابيه هما أساس منعه لوجود الأحزاب والتنظيمات الديمقراطية أثناء حكمه وهما أيضآ السبب الذي أدى إلى عدم إعترافه بالنضال الذي قام في طرابلس الغرب ضد الإستعمار الطلياني ومن تم نكران حتى الجمهورية الطرابلسية.
ثالثا : عسكرية وديكتاتورية القذافي
بعد ظهور النفط بكميات تجارية كبيرة ووضوح كبر إحطياتات المكامن النفطية في ليبيا وبدء تصديرالنفط وتهافت الشركات وبالذات الشركات الكبرى الأمريكية والأوروپية في التنافس بينها على مد وفرض سيطرتها على النفط الليبين ونذكر من هذه الشركات التالية:
-بريتشپتروليوم وبنكرهنت
-مجموعة أوزيس
-إسو ستاندارد
-أ وكسيدنتال
-أجيب الإيطالية
-موبيل أويل
-أماكو(شيڤرون)
-تكساكو
ولا شك أن موقع ليبيا على جنوب البحر الأبيض المتوسط وقربها إلى الأسواق الأوروپية زاد من أهمية ليبيا وبالذات وصول النفط الليبي وتوفره في ساعات.وكذلك نوعية النفط المنتج من الحقول الصحراوية الليبية ذو الصفات العالية الجودة جدا مما يسهل تكريره في المصافي.
وكان الغليان المتنامي والشعور الوطني المتزايد بين الشباب الليبي ضد النظام الملكي والذي تجلى في المظاهرات والتي كانت تعم المدن الليبية وبالذات ضد وجود القواعد الأجنبية الأمريكية والإنكليزية والتي لم يعد تبرير وجودها لدعم البلاداقتصاديا بعد ظهور النفط كمصدر أساسي في الإقتصاد الليبي . وكان لابد من مص التيارات المتزايدة والآتية من الشرق وبالذات من مصر وسوريا والعراق سواء حزب البعث وتنظيم القوميون العرب وكذلك ضعف النظام الملكي في مواجهة. تياراتها القومية العروبية.
ونتيجة لوجود أيضآ خلاف بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية كيف يتم معالجة هذا الخلاف بينهما وبشكل يخدم مصلحتهما في آن واحد؛إتفقتا على الدفع بمجموعة من صغار ضباط الجيش الليبي للإنقلاب والسيطرة على الحكم على غرار ماكان يجري في في العراق وسوريا.وإتفقت مخابرات الدول الكبرى بالدفع بمجموعة الملازم “معمر القذافي” إلى حكم ليبيا بدلآ من كفة العقيد المحنك عسكريآ “عبدالعزيز الشلحي” حليف بريطانيا وقريب العائلة المالكة عائلة إدريس محمد السنوسي.وكانت مجموعة الملازم القذافي مجموعة من ملازمين صغار وحديثي التخرج من الكلية العسكرية وليس لهم خبرة لا في العسكرية ولا في الشؤون السياسية.
أما شخص معمر القذافي فكان شخصآ غير معروف سوى أنه كان من أسرة بدوية فقيرة جدآ تأتي من مدينة سرت ولم يكن من الشباب المعروفين ذوي الإنتماء السياسي وكل ما عرف عنه عرف عنه مشاركته أثناء تواجده في ثانوية مدينة سبها قيادة مظاهرة عفوية وقيادتها إلى بار كان موجودآ في وسط مدينة سبها وقيامه بإلحاق بعض الضرر بالبار وكان كثيرآ ما يتقمص شخص جمال عبدالناصر رئيس مصر آنذاك وقيامه بدور تمثيلي ولكنه مثير للسخرية مقلدآ إياه بإلقاء بعض خطاباته ولم يكن يشارك في النشاطات الثقافية والسياسية التي كانت تنظمها المجموعات ذات الميول الثقافية والسياسية المختلف.ولم يكن كثير الأصدقاء.. ولم يكن معروفآ بأي إنتماء أو نشاط سياسي سوى تقليد عبد الناصر.
بينما كان العقيد عبدالعزيز الشلحي رجل عسكري بمعنى الكلمة متخرجآ من الكية العسكرية العراقية التي كانت من الأكاديميات العسكرية المبنية على النظام العسكري البريطاني؛علاوة عَل إنتمائه للعائلة المالكة.
جائت هذه المجموعة لتتولى الحكم في ليبيا وأول ما طرحته في بيانها الإنقلابي الشعار القومجي العروبي الذي كان مطروحآ في إنقلابات الدول المشرقية ( حرية وإشتراكية ووحدة) وكانت بياناتها الأولي ذات نغمات إسلامية متخلفة.وكان أول ما قام به ليبين ميوله الإسلامية هو قفل البارات ومنع تداول الخمر حتى ذلك الذي يٌنتج في مصانع محلية ويعاقب كل من يٌكتشف بأنه لا يقوم بصيام شهر رمضان من الليبيين والتشهير به وسجنه.وقام بتعطيل الدستور وإلغاء علم البلاد وإستبداله بعلم عربي مشرقي كما ألغى النشيد الوطني وإستبداله بنشيد مصري إستخدم أثناء حرب مصر في حرب السويس عام 1956 وكان لا يرضى بإخطلات الذكور مع الإناث في الحفلات العامة. وكان يكرر دائمآ عدائه للفكر اليساري ويقول أنه يفضّل التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية المسيحية بدلا من التعامل مع الإتحاد السوڤياتي الملحد…!!! وبداء يرفع شعار القرآن شريعة المجتمع.
في بداية 1973 إزداد ظهور خطه السياسي في الإتجاه نحو الديكتاتورية الفردية فخرج للخطاب مدينة زوارة بنقاطه الخمس المشؤم على النحو التالي:
-تعطيل كافة القوانين المعمول بها،
-القضاء على الحزبيين وأعداء الثورة،
-بدء الثورة الثقافية،
-إعلان الثورة الإدارية والقضاء على البيروقراطية،
-إعلان الثورة الشعبية.
وقام بتنفيذ هذه الحالة من الفوضى في ربوع ليبيا على النحو التالي:
- سجن كل المثقفين في ربوع البلاد من اليسار واليمين وكل من يتحدث عن الديمقراطية وحقوقها،
- حرق الكتب اليمينية واليسارية والتي إعتبرها تحوي أفكار مستوردة ،
- عطل القوانين المعمول بها وأضحت البلاد تحكم بقانونه العسكري المتخلف.3
- سلّط غوغائيين مما سماهم اللجان الشعبية للسيطرة على إدارة المؤسسات والجامعات
- قام بتحطيم التعليم على كل المستويات وللذكر ما قام به في كلية الحقوق في جامعة بنغازي من إنجاح وتخريج الطلبة في السنة النهائية وبدون القيام بالإمتحانات النهائية في عام 1973…!!!!!
وإستمر في همجيته وإصراره على تهميش المكونات الأساسية والأصلية وإصراره بل وإعلانه مرارآ على أن الأمازيغ هم عرب وأصلهم من قبائل بني حميّر وإصراره عَل نطق الكلمة وبدون شدة فوق حرف الياء وبطريقة إستهزائية.ومنعهم من التحدث بلغتهم خارج مساكنهم كما منعهم من تسمية المواليد الجدد بالأسماء الأمازيغية.
وكان مهووسآ بما يسمى ب “الوحدة العربية”ودخل في مشاريع وحدوية مع مصر ومع السودان ومع سوريا وحتى مع تونس ولم يكن لهذه المشاريع سوى الفشل لإعتمادها أسس غير علمية ورصينة وكلها كانت مبنية على العروبية الأحادية وتجاهل العلمية في التسمية لهذه المنطقة بل الإصرار عَل تسميتها الوطن العربي وعلى أساس أن سكان المنطقة الممتدة من الخليج الفاصل بين إيران والجزيرة العربية إلى ضفاف المحيط الأطلسي المغربية كلهم عرب…!!وفي واقع الأمر كان وراء كل هذا الهراء محاولات لخلق سيطرته الكاملة على هذه المنطقة. كان يحتقر الشعب الليبي وقال في العديد من المناسبات “إن تعداد الشعب الليبي لا يساوي تعداد سكان حي “شبرًا” أي حي من أحياء مدينة القاهرة في مصر؛وكان يصرح لبعض الصحف بالذات أثناء خلافاته مع الرئيس السادات المصري “أنا رئيس بدون شعب وفي مصر هناك شعب بدون رئيس” ويوم مقتل السادات في مصر ،من طرف متطرف إسلامي خرجت (لجانه (الشعبية والأكثر همجية المسماة اللجان الثورية)الغوغائية مهلهلة ومباركة لهذا الحدث .بل قام هو شٌخصيآ بتمزيق العلم العروبي المشرقي وإستبداله بقطعة قماش خضراء اللون يوم أن أعلنت مصر إعترافها بدولة إسرائيل…
كان كل همه الخروج في التلڤزيون بشكل مثير للشفقة والضحك ناسيآ القيام بما عليه كرئيس لليبيا الوطن بل وصل به الإستهتار إلى عدم الإعتراف بليبيا الوطن والزج به في حروب لا طائل منها في أفريقيا لتحقيق مآربه الشخصية ؛فثارة يؤيد مسخرة العالم وأفريقيا ديكتاتور أوغندا (الديكتاتور عيدي أمين) وإقحام المجندين الليبيين في حروب ليس لهم أي شيئ،وثارة أخرى يشعل الحرب في التشاد البلد المجاور لليبيا ليتدخل ويحاول إحتلالها مستخدمآ السلاح الذي يقوم بشرائه من الدول المصنعة بأموال النفط وبالجيش الليبي الذي يقدمه قربانآ لتحقيق أحلام رجل مريض وليسمي نفسه بعد كل هذا “ملك ملوك أفريقيا”.يقوم بكل هذا والبنية التحتية في كل ليبيا مهدمة وأزمة السكن متفاقمة ولا مستقبل للشباب الذين لا يحصلون على عمل بعد الإنتهاء من دراساتهم.
وبلغت قمة الهمجية في عل م 1977 حين أعلن قيام جماهيريته التي عمت البلاد قمة الديكتاتورية والفوضوية التي تمكن من خلالها الإستيلاء على كل أجهزة الحكم وتسييرها كيفما يشاء ويعلن أنه ليس بالحاكم وإنما الحكم في يد “المؤتمرات الشعبية” ومؤتمر الشعب العام والذي كانت تأتيهم القرارات جاهزة للتنفيذ بعد “مناقشتها” وتبنيها ظاهريآ من “المؤتمرات الشعبية” و”مؤتمر الشعب العام”.
بعد هذا توجه وجهته إلى أفريقيا وبداءيدعي بأن أفريقيا بها عرب أكثر من آسيا والجزيرة العربية وأن على العرب في أفريقيا أن يلعبوا دورآ أساسيآ يقود إلى وحدة أفريقيا وكثرت رحلاته وعلاقاته المشبوهة مع الحكام الأفارقة العملأء الذين غرتهم دولارات الشعب الليبي الذي كان يتصرف بها هذا الديكتاتور كما يشاء وسمى نفسه ملك ملوك أفرقيا. وفي هذا الخضم كانت ليبيا تعاني من مشاكل البطالة وغلاء تكاليف المعيشة نسبة إلى الدخل المحدود الذي كان الشعب الليبي يتحصل عليه.
وأخيرآ جائت إنتفاضة الشعب الليبي في 17فبراير من عام 2011,وأنهت الإنتفاضة الديكتاتور القذافي؛ولكن الصراعات بين الدول الكبرى عكست بل حتى فرضت نفسها على هذه الإنتفاضة وكان هذا نتيجة:
-النفط والغاز الليبي والذي تم ربطه مباشرة مع جزيرة سيشيليا (صيقلية) والدراسات التي أجرتها مراكز الأبحاث الأوروپية والأمريكية التي بينت زيادة إحتياطات المواد الهيدروكربونية من النفط والغاز، وقامت الدول الكبرى بتحريك بعض الجماعات من الإسلاميين وجماعات منافسة لها من المتغطين بالغطاء العروبي ومرتبطين بالعسكرتريا وأشعلت حرب أهلية وبهذا أدخلت معها دول الخليج النفطية (دولة السعودية الوهابية والإمارات) ودولة مصر والأردن من جهة ودولة قطر وتركيا من جهة أخرى لتزويد نار هذه الحرب .
وكانت السداجة السياسية عند بعض الليبيين هي من زاد لهيب هذه الحرب الشعبية والتي مازالت تهدد بإنقسام ليبياحتى اليوم .
رابعا : موقع الأمازيغ:
ليبيا هو الإسم الذي عرف به الشمال الأفريقي، قديمآ قبل مجيئ العرب من الجزيرة العربية، إبتداء من واحة سيوة في الجنوب الغربي للأراضي المصرية حتى الضفاف الغربية على المحيط الأطلسي لبلاد المغرب المعروف اليوم.
ولم يستعمل إسم ليبيا بعد الغزو العربي وحتى أيام قيام الدول الأمازيغية الإسلامية المختلفة. بعد مجيئ الإستعمار الحديث وبالذات بعد الغزو الطلياني في ليبيا وتحديدا في عام 1934 عندما سيطرة إيطاليا على طرابلس الغرب وبرقة وفزان أطلق الطليان هذا الإ سم على ليبيا التي نعرفها اليوم.
الأمازيغ الذين مازالوا يحتفظون بالتحدث باللغة الأمازيغية يتواجدون في مناطق مختلفة ؛ ففي طرابلس الغرب يتواجدون في معظم مدن جبل نفوسة وفي مدينة زوارة الساحلية،وفي برقة يتواجدون في واحة أوجلة،أما في فزان فيتواجدون في مناطق مختلفة منها واحة غدامس وفي منطقة واحات الجفرة (وبالذات في واحة سوكنة ) والمناطق المتاخمة للحدود الجزائرية (غات وأوباري).وهناك أيضا من يسمون أنفسهم أمازيغ لايتحدثون الأمازيغية من الهواريين (هوارة) وبالذات في منطقة زنزور المحادية لمدينة طرابلس من الغرب وبعض قرى مدينة العزيزية والمائة التي تقع جنوب طرابلس.إلا أنه نتيجة للتاريخ الإسلامي الذي إبتداء بالغزوات العربية في القرن السابع ميلادي ونتيجة للخلافات المذهبيةالتي صاحبت هذا التاريخ تمت عمليات التعريب وإستعرب الكثير من السكان الليبيين ونجد أن مناطقهم مازالت تحافظ على أسماء مناطقهم الأمازيغية (كمثال على ذلك أرفلله (ورفلة) التي تعني بالأمازيغية أجبني أو رد علي، تاجورا والتي تعني بالأمازيغي المشي بالنطق الغليظ لحرف ال ج، تغرنة …الخ).
كذلك الكتب التي كتبت من أوروپيين في القرن التاسع عشر تشير إلى سكان المناطق الليبية بالسكان الأمازيغ أو (البربر).
قام الأمازيغ في ليبيا بدورهم الوطني الذي دل على إنتمائهم إلى ليبيا الوطن في جميع حقبات التاريخ؛ نهضوا ضد الإضطهاد أثناء الخلافة العثمانية وقاوموا الغزو الطلياني ومن قادتهم الذين يشهد لهم التاريخ سليمان باشا الباروني وخليفة بن عسكر وكان لهم دور أساسي وكبير في قيام الجمهورية الطرابلسية وقاوم الأمازيغ الإنصياع لديكتاتورية القذافي الرهيبة وكان من أكثر مفكريهم العلامة الدكتور عمر النامي. وكان دورهم في إنتفاضة 17.فبراير 2011 التي أطاحت بالديكتاتور القذافي دورآ أساسيآ في هذه الإنتفاضة.
ولكن بالرغم من كل هذا لم يعترف بهم الملك إدريس محمد السنوسي ولم يذكر دورهم النضالي،وأنكر وجودهم حتى تاريخيآ وبطش بهم الديكتاتور القذافي وأصر على أنهم عرب. والآن بعد إنتفاضة فبراير2017 ما زالوا مهمشين .يحاربهم الإتجاه الإسلامي من جهة والإتجاه العروبي من الجهة الثانية..فحتى في مشروع الدستور لم يتم الإعترأف بلغتهم ولا بوجودهم كمكون إجتماعي ولم يتعرض هذا المشروع حتى للتعرض لوجودهم وحقوقهم الوطنية التي تفرضها أي دولة مواطنة مبنية على :
-الديمقراطية المبنية على الحداثة التي تتبنى التعددية وترفض الأحادية العروبية
-الديمقراطية التي تتبنى حقوق الإنسان
-الديمقراطية التي تعترف بكل مواطنيها على مختلف مكوناتهم الإجتماعية والإثنية ولا تفرق بي الذكر والأنثى….
الخاتمة:
سواء نظام المملكة السنوسية أو جماهرية القذافي لم يسمحابوجود تجربة لممارسة الحزبية في ليبيا بل نجد أن كلاهما يصر على بث الفكر الأحادي وكلاهما منَع التعددية الحزبية وكلاهما لم يعترف بالتعددية اللإثنية والدينية وكلاهما منع الديمقراطية التي تعترف بحرية الإنتماء الثقافي والسياسي والإعتراف بالآخر والإختلاف معه ؛ بل إن إستمرار العقلية الأحادية العروبية والعسكرية والمنبعثة من خليط مضطرب من الإسلام السياسي والقومجي العروبي والتي إرتبطت بعمالة مع الجهات الأجنبية لتحقيق مآربها الذاتية الضيقة مستغلة ماسمحت به الظروف التي أحاطت بإنتفاضة 17 فبراير 2011 كلها وقفت ضد العلمانية وإعتبرت أن تطبيق العلمانية هو موقف ضد الدين بينما العلمانيين في حقيقتها تؤمن بحرية الفرد ليؤمن أو لا يؤمن بأي دين ولأن الدين شيئ يخص الفرد كانت أنثى أم ذكر والعلمانية كل ما تقوله في الدين هو أن يبعد الدين عن السياسة والدولة…
لما وصلت ليبيا إلى هذه الحالة من التخلف والتعفن الأحادي والعسكري والإسلامي متمثلآ في هذه الشخصيات الإنتهازية والبدوية القبلية والتي تدعي شرعية وجودها ديمقراطيآ وهي لا تفهم حتى معنى الديمقراطية. فمنهم المتسلطون على البرلمان ومنهم من يسمون نفسهم جيشآ عربيا فاتحا للبلاد ومنهم أصحاب وقيادات الميليشيات ومنهم سراق أموال شعبنا الليبي وبدون أي حيا ومنهم الجهويين القبليين ومنهم أيضآ من يدعو إلى عودة النظام الملكي ومنهم من ينتظر عودة نظام ديكتاتورية القذافي في شخص إبنه أو عائلته متناسين تلك الأيام السوداء التي عاشتها ليبياحتى حكم القذافي .كلهم يلتقون في شيئ واحد إسمه العمالة للخارج.كلهمجميعآ يلتقون في صف واحدآ ضد تطبيق العلمانية عدوهم الأوحد وبناء ليبيا الوطن،وطن جميع الليبيين
بقلم : محمد شنيب – طرابلس يونيو / عام 2021 .
الهوامش :
- .هذا مؤشر واضح عن نضج المناضل سليمان باشا الباروني ومعارضته للوجود العثماني في ولاية طرابلس الغرب حتى قبل مجيئ الغزات الطليان.
- المناضل محمد فرحات الزاوي هو أول ليبي يدخل جامعة السرپون الفرنسية في پاريس.كان مناضلا ورفيقآ سليمان بشا الباروني في مجلس الأعيان في إسطنبول وكان مناصرآ وداعيآ للجمهورية الطرابلسية.
- .كتاب “جهاد الأبطال في طرابلس الغرب” من تأليف الشيخ الطاهر الزاوي ،في طبعته الأولى سنة 1950,مطبعة الفجالة الجديدة.
- أٌٌطلق إسم ليبيا تاريخيا من قبل اليونان (الإغريق) على المنطقة الممتدة من واحة سيوا الواقعة في الجنوب الغربي من مصر حتى المحيط الأطلسي.وإختفى هذا الإسم بعد مجيئ العرب والإسلام في القرن السابع،وتمت إعادته في عام 1934 بعد أن سيطرت إيطاليا على كل ليبيا الحالية
- راجع الإتفاقيات التي أبرمها محمد إدريس السنوسي مع الطليان للحصول على إعترافهم به كأمير برقة (إتفاقية عكرمة وإتفاقية الرجمة)
- عندما قام محمد بن علي السنوسي بأداء فريضة الحج تعرف على هذا الفكر الوهابي وإعتزم إنشاء الحركة السنوسية عند عودته وأختار برقة لتكون قاعدته للدعوة للفكر السنوسي.
- يتضح أن النضال في طرابلس الغرب أخد منحى الحداثة الوطنية والإتجاه نحو العلمانية بدلا من أخد منحى اهوية والدينية؛ففي ذاك الوقت لم تتواجد أي جمهورية في الدول الإسلامية وهكذا كانت طرابلس أول جمهورية
- 8.يتضح من إختيار منطقة الجغبوب لإنشاء أول زاوية سنوسية تخطيط محمد بن علي السنوسي بنشر وتوسيع دعوته السنوسية ليس في بريقة فقط بل في الشمال الأفريقي حيث أن هذه الواحة تتواجد على الحدود الغربية لمصر وقربها من الشمال الغربي من السودان وأيضآ التشاد .
- بالإتفاق مع القوات البريطانية المتواجدة في مصر وصل إدريس السنوسي،تحصل إدريس السنوسي على تكوين فرقة من البرقاوييين الذين كانوا مؤيدين له والذين كانوا يعيشون في مصر للدخول ،مع القوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى برقة وتم تسمية هذه الفرقة بالجيش السنوسي . وقام النظام الملكي بعد تولية إدريس السنوسي ملكآ على ليبي بتسمية هذه الفرقة الجيش الليبي ويعتبر يوم 09.08.1943 عيدآ تأسيس الجيش الليبي.بينما واقع الأمر هو عيد تأسيس الجيش السنوسي لتحرير إمارة برقة تحت إشراف بريطانيا.
- كما أشرت فإن حزب الإستقلال ورئيسه محمود المنتصر كانوا يميلون إلى اليمين وكانت كذلك قد بدأت تتكون علاقات بينهم وبين الحكومة الطليانية وكانوا يؤيدون حتى تكوين في طرابلس الغرب يكون تحت الوصاية الإيطالية.
- مشروع بيڤن سفورزا هو مشروع مقدم من وزير خارجية بريطاني ووزير خارجية إيطاليا إلى مجلس الأمن (1948). وطرح فكرة إنشاء ثلاث كيانات مستقلة في ليبيا هي طرابلس الغرب وتشرف عليها إيطاليا وكيان فزان وتشرف عليه فرنسا وكيان برقة وتشرف عليه بريطانيا ولكن هذا المشروع لم يلق النجاح نتيجة لإستخدام الإتحاد السوڤياتي الڤيتو ضده وذلك لأن الإتحاد السوڤياتي كان يريد الحصول على موقع له في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.