سعيد أهمان* //
الثاني من نوفمبر من كل عام، يصادف ذكرى اليوم العالمى لمكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب، وهو أيضا الذكرى السنوية لمقتل صحافيين فرنسيين فى مالى فى عام 2012، وذلك وفقا لقرار (الجمعية العامة للأمم المتحدة) فى العام 2013، وتكليف اليونسكو بوضع خطة لمناهضة هذة الظاهرة وكذلك العمل على رفع الوعى بها من خلال الإحتفال العالمى فى المؤتمرات والندوات وغرف الأخبار.
ولقد لفتت خطورة الظاهرة نظر تلك المؤسسات الأممية بعد قتل 34 صحافيا فى الفلبين فى عام 2009 وهو ما يعرف بمذبحة (ماجوينداناو) ورغم المحاكمة التى جرت فى البلاد للمتهمين بهذه المذبحة، فلم تتم في النهاية إدانة أى شخص.
من الجيد إذن أن يدرك الكافة أن غياب العدالة الناجزة وعدم تطبيق القانون فى تلك الجرائم الموجهة ضد الصحافيين، هو ليس فقط جرم شخصى بقتل نفس بشرية، ولكنه قتل للحقيقية وللحق الأساسى فى الوصول للمعلومة ومن ثم تقليص فرصة بناء مجتمعات المعرفة التى تستطيع أن تنهض وتواكب العصر الرقمى والتكنولوجى الذى نحن بصدد التحول له.
وفى المشهد المصرى، يجب أن نذكر العالم بإلتزاماته الأخلاقيه نحو ما تشهده “المحروسة” من إنتهاكات مستمرة منذ عقود، وليس بداية من عهد حسنى مبارك (1981-2011) الذى شهد ترسيخا لظاهرة الإفلات من العقاب تجاه جريمة قتل الصحافيين، وليس نهاية بتفشى الرقابة الذاتية ومطاردة وحبس كل صحافى أو إعلامى يحمل رأيا مخالفا أو معارضا للسياسات القائمة.
وفى الوقت الذى تتسارع فيه إجراءات القمع والحبس والتنكيل ضد الصحافيين، يخفت فيه صوت المجتمع الدولى وخاصة المجتمع المدنى وكأن كل تلك الأعداد للإنتهاكات داخل وخارج السجون وشبه اليوميه تحدث فى كوكب مغاير وفى زمن منسى.
هذا العام، لم يشهد وقائع قتل لصحافيين فى مصر، ولكنه شهد عددا كبيرا من الإنتهاكات حيث مازال يقبع فى السجون المصرية عددا كبيرا من الصحافيين ويطارد البعض بأحكام قاسية وغير منطقية تتعلق بأداء عملهم الصحفى.
لن أتعرض لتلميحات البعض التى تبرر كل ذلك القمع بحق صحافيين أو إعلاميين، بحجة إنتماءهم السياسى أو الفكرى، لكن من الطبيعى والمنطقى أن الصحافى جزء من المجتمع وخاصة فى اللحظات التاريخية الفارقة، ومن وجهة نظرى إدعاء الحياد فى هذة اللحظات الفارقة هو خيانة فى حق الوطن.
وثبت من التجربة أن المعيار لم يكن فقط فى إضطهاد وتعقب المخالفين فى الرأى والتوجه ولكنه أيضا ضد كل من يحاول أن يقوم بعمل مهنى يخدم الحق العام للمجتمع فى المعرفة والوصول للمعلومات الصحيحة.
وهذا العام، وفى ذكرى اليوم العالمى لمناهضة الإفلات من العقاب، لم يتم رصد حالات قتل للصحافيين فى مصر ولكنك بالإضافة للعدد الضخم من الإنتهاكات التى تتمثل كما سبق وذكرنا، يمكن رصد قتل من نوع آخر لمهنة الصحافة والإعلام..
فحين يصبح الجو الإعلامى العام اشبه بمنظومة الرأى الواحد (قديما حقبة الحزب الواحد)، تدرك أنك أمام رقيب ورئيس تحرير يقطن فى عقل كل كاتب وصحافى ويعمل له ألف حساب دون أن يراه وليتحول كل صحافى إلى رقيب على نفسه، واضعا خطوطه الحمراء الذاتيه قبل الخطوط الفعلية بمراحل، ولتصبح المهنة الجريحة فى كبوة عميقة، ويتصدر المشهد الإعلامى النماذج النمطية التى لا تملك سوى مشاعر الخوف والكراهية والتملق وليظهر من جديد مشهد الترويج للإنتصارات الزائفة.
فى ذات الوقت الذى يعلن فيه قلم عريق كالأستاذ فهمى هويدى تعرضه شخصيا لمقص الرقيب والتضييق، تجد أن المجال اصبح لا يتسع إلا لمروجى الأساطير والعقليات التى تستطيع أن تقدم مشاهد التحريض والكراهية، لتتلاءم مع حالة الحرب المعلنة، وليس مهما أن تكون ثمة حرب أو مساءلة عن إخفاقات أو محاسبة عن كوارث أمنية أو إقتصادية.
المطلوب أذن أصبح أن يتصدر المشهد الإعلامى أصحاب نظريات المؤامرة ومروجى الإنتصارات الزائفة وأن تستمر سيمفونيات التحريض والكراهية والخوف التى تتناسب مع حالة الحرب، لكي تقف هذه الحالة حائط صد أمام أى منطق لدى المجتمع فى البحث وراء معلومة صحيحة، أو إعمال منطق ناقد أو الإستفسار عن الإخفاقات، فقط يتاح للصحفي حدود الممكن والمتاح المتناسب مع رغبة الحكومة فى البوح المشروط بالظروف الإستثنائية ومقتضيات الأمن القومى، وعلى الصحفي أن يتطوع وقائيا إذن بالإلتزام بخطوطه الحمراء ومناطق الأمان، وهى تكمن دائما فى البعد عن كل ما يثير غضب الحكومة ويتناول بموضوعية ما يهم حياة الناس.
وعلى الرغم من إلتزام مصر نظريا بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى يلزم الدول بتأمين الحق فى الوصول للمعلومة والإنترنت، إلا أن الواقع يشهد تحولا رجعيا مخيفا إلى منظومة الستينيات من القرن الماضي في مصر، وتفشى ظاهرة الرقابة الذاتية.
جدير بالذكر أن مصر تصدرت قائمة الدول العربية الأكثر إنتهاكا للحريات الإعلامية العام الماضي، بحسب تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” حيث جاءت فى المرتبه 159 من أصل 180 دولة.
كما استمرت وتيرة الانتهاكات خلال عام 2016، حيث سجل مرصد صحفيون ضد التعذيب 222 حالة انتهاك ضد الصحفيين، خلال الربع الأول من العام، كما وثق 243 حالة انتهاك مختلفة خلال أبريل الماضي، وقعت في حق الصحفيين أثناء تأدية مهام عملهم، إلى جانب 80 انتهاكًا تم رصدهم خلال شهر مايو.
وفي رصد للجنة حريات الصحفيين بالنقابة المصرية للعام الجاري، تم القبض على 43 صحفيًا في يوم واحد، حيث أعلنت غرفة عمليات نقابة الصحفيين عن توقيف واحتجاز أكثر من 43 صحفيًا، أثناء قيامهم بعملهم في تغطية مظاهرات 25 إبريل الماضي، تعرض معظمهم إلى اعتداءات من قبل قوات الأمن أثناء الاحتجاز، أخلي سبيلهم فيما بعد.
وتخليدا لذكرى (شهداء الصحافة) وتلك الأرواح الحرة التى تستنهض في كل صاحب ضمير حى المطالبة بإنهاء الإفلات من العقاب ومحاسبة كل من تورط فى إراقة تلك الدماء البريئة وحفظ حقهم وحق ذويهم فى العدالة والقصاص، نضع بين أيادى القارئ الكريم اسماء هؤلاء الأبطال، شموع الحقيقة، الذين سقطوا غدرا في السنوات الأخيرة، ونتمنى على نقابة الصحفيين فى مصر تبنى عمل نصب تذكارى يحفظ للضحايا حقهم وللأجيال حقها فى توثيق تلك التضحيات ويليق بمن ضحوا بحياتهم من أجل الحقيقة ومن أجل بناء مجتمعات المعرفة :-
1- أحمد محمود – الأهرام – يناير 2011.
2- الحسيني ضيف – الفجر – ديسمبر 2012.
3- أحمد عاصم – الحرية والعدالة – 8 يوليو 2013.
4- صلاح الدين حسين- شعب مصر- 27 يونيو 2013.
5- أحمد عبد الجواد – الأخبار- خلال فض اعتصام رابعة أغسطس 2013.
6- حبيبة عبد العزيز- مراسلة اكسبريس- الإمارات- خلال فض رابعة.
7- مصعب الشامى- شبكة رصد – خلال فض رابعة.
8- تامر عبد الرؤوف – الأهرام – 20 اغسطس 2013.
9- محمد الديب – مصور التليفزيون المصرى- عربة ترحيلات ابو زعبل 2013.
10- ميادة اشرف – الدستور- 2014.
*مقال: اسطنبول – الأناضول
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.