حول كلمة “الفتنة”واستعمالاتها السياسية في مغرب اليوم .. تأملات على ضوء النقاش الدائر حول مقتل بائع السمك محسن فكري

 

anir
الحسين بويعقوبي *

 

بقلم الحسين بويعقوبي*//

     تحيل كلمة الفتنة من الناحية اللغوية على الصراع و التطاحن والاضطراب والتهور واللعب بالنار فيقال “نشر الفتنة بين الناس” أي سبب لهم التطاحن و الصراع. لذلك تحيل عبارة “الفتنة الكبرى” على الصراع السياسي الدموي والانشقاقات السياسية الكبرى التي عرفها المسلمون خلال فترة ثالث الخلفاء عثمان بن عفان. أما فتنة الصدر فتعني الوسواس. وقد ترددت هذه الكلمة بشكل كبير في القرآن وفي سياقات مختلفة وتحيل على الابتلاء والمحنة و الاختبار مما جعل منها “مفهوما” دينيا يستعمل حتى لمنع إظهار المرأة لجمالها المسمى “مفاتن” مخافة أن يؤدي ذلك للفتنة فأصبحت كلمة “الفتنة” اليوم أكثر استعمالا في القاموس السياسي المغربي بفعل حمولتها الدينية ووقعها على النفوس مزيحة بذلك كلمات كالثورة و الانقلاب والانتفاضة…

والملاحظ أن هذه الكلمة تستعمل إن بشكل واضح أو إيحاء مند بداية الربيع الديمقراطي في 2011 وإسقاط أنظمة سياسية في تونس و مصر وليبيا واليمن واستمرار الصراع في سوريا وما خلفه من تشريد للشعب السوري جعل أفراده ، رجالا ونساء وأطفالا، يهربون من ويلات الحرب قاطعين آلاف الكيلومترات  ليتسولوا في مدارات مدننا إلى جانب القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء . وبدل أن يكون ذلك وصمة عار في جبين الأنظمة الديكتاتورية بالشرق وفي سجل ناهبي ثروات الشعوب يتحول المشهد الذي أصبح روتينيا بفعل الزمن إلى تهمة توجه للشعب نفسه لكونه كان سبب “الفتنة” حين ثار ضد الظلم وطالب بأبسط الحقوق التي تضمن له العيش الكريم وكأننا نقول له “حري بهك أن تقبل وضع الذل وترضى “بالمكتوب”. فمند 2011 أًصبح المغاربة لايبحثون عن الوصول لمستوى فرنسا أو سويسرا بل كان همهم وبفعل الخوف من “الفتنة” هو تجنب السقوط في “الوضع السوري” وظل هذا الهاجس يؤطر الخطاب السياسي للحكومة المنبثقة عن انتخابات ما بعد دستور 2011 بزعامة حزب العدالة و التنمية الذي استفاد من السياق العام الذي وفره الربيع الديمقراطي ونسخته المغربية 20 فبراير لدرجة أن مبرر وجوده في الحكومة ليس تطبيق برنامج يضمن للمغاربة العيش الكريم بل فقط تجنيبهم “الفتنة” النائمة والتي “لعن الله من يوقضها”. وليس غريبا أن تعود هذه الكلمة إن بشكل مباشر أو غير مباشر في الحملات الانتخابية للسابع من أكتوبر 2016 لبعض الأحزاب السياسية سواء المشاركة في الحكومة أو المعارضة. فالسيد عبد الاله بن كيران لا يتوانى في التهديد بالنزول للشارع في حالة عدم فوز حزبه بالرتبة الأولى أما زعيما الاتحاد الاشتراكي و الأصالة و المعاصرة فقد حذرا مرارا و تكرارا و أحيانا بيقينية من إمكانية السقوط في الوضع السوري في حالة فوز حزب العدالة و التنمية مما يعني أن أحلى الاختيارين مر. بعد مرور الانتخابات بسلام وظهور النتائج اتضح للجميع أن التخويف من الوضع السوري و”الفتنة” لم يكن إلا خطابا للاستهلاك السياسي يسمح فيما بعد بتحالف العدالة و التنمية والاتحاد الاشتراكي.

في خضم المفاوضات العلنية و السرية لتشكيل الحكومة سيقع حادت مأساوي بكل المقاييس بالحسيمة يوم الأحد 30 نونبر 2016. في ظروف لازال البحث جاريا حول حيثياتها سيقتل الشاب محسن فكري بائع السمك بطريقة بشعة حيث ثم طحنه داخل شاحنة لحمل الأزبال حين كان يسعى لانقاد سلعته المكونة من أسماك ممنوعة الصيد خلال فترة الراحة البيولوجية. اهتز الوطن لهذا الحدث الأليم فخرج الآلاف من المشيعين في الحسيمة وتضامن المئات من المغاربة في مختلف المدن المغربية بشكل ذكر الجميع بمسيرات 20 فبراير 2011 حيث كثرت الدعوات للمسيرات والاعتصامات وبدأت دائرة التضامن تتسع وطنيا ودوليا فأصبح للموضوع بعد سياسي واضح.

فلم يعد مقتل محسن فكري حادثا مأساويا بشعا يستلزم تضامن الجميع بغض النظر عن الانتماءات السياسية بل فرصة سانحة يحاول الجميع كل من موقعه استثمارها لتحقيق مآربه. هنا ستعود من جديد كلمة “الفتنة” لتستثمر سياسيا. فرئيس الحكومة المعين لولاية ثانية بعد أن هدد بالخروج للتظاهر أثناء الحملة الانتخابية ملوحا ب”الفتنة” سيدعوا أتباعه درءا “للفتنة” لعدم الخروج في أية تظاهرة منددة بمقتل محسن فكري كما ظهرت حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحذر من الفتنة وتدعوا للوحدة خاصة و أن محسن فكري أمازيغي من الريف مما جعل الحادث يأخذ أبعاد أخرى جهوية ريفية أحيانا، مع استحضار ثقل التاريخ في هذه المنطقة (ترسبات مشروع جمهورية محمد بن عبد الكريم الخطابي, أحداث الريف في بداية الاستقلال، زلزال الحسيمة، الإحساس بالتهميش و الحكرة…) هوياتية أمازيغية عامة  أحيانا أخرى (تضامن الحركة الأمازيغية على مستوى شمال إفريقيا و المهجر) وهو ما يجعل الحادث يذكر بتعدد مكونات المجتمع المغربي وضرورة الالتحام تجنبا “للفتنة”.

من كل ما سبق يتضح أن كلمة “الفتنة” أصبحت من أكثر الكلمات استعمالا في الخطاب السياسي المغربي لكنها كلمة مطاطية تستعمل في كل الاتجاهات إما لتبرير الوضع القائم أو التخويف من وضع ما أو للضغط من أجل الحصول على مكاسب سياسية  والأكيد أن لا أحد من الشعب يتمنى لبلده سوءا بل يريد فقط العيش الكريم والاقتسام العادل لثروات بلاده.

*دكتور في علم الاجتماع واستاذ بجامعة ابن زهر                

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد