في ذكرى رحيله : هوى النجم الساطع، الصديق الحسين الملكي

بقلم الحسن كحمو*//
لقد فارقنا الصديق العزيز في المدة الأخيرة، الأستاذ الكبير الحسين الملكي. بكيناه بحرقة. أحست الساحة النضالية الأمازيغية والحقوقية والعمل الاجتماعي الرزين والهادف بمرارة فقدانه.
ولا يسعنا في هذه المناسبة الأليمة إلا أن نترحم على روحه، وأن نتقدم بتعازينا إلى أهله كافة، وعلى رأسهم أخيه الأكبر السيد محمد الملكي، وزوجة المرحوم السيدة بشرى بربيش، و إلى عموم أصدقائه ومحبيه.
تشرفت بمعرفة الفقيد العزيز لأول مرة سنة 1994، بمعية عضواي جمعية لخصاص السيدين المرحوم الحسن جوان والحاج الهادي الحسن رئيس الجمعية. وكان يربط هذه الجمعية بجمعية الجامعة الصيفية، التي كنت أترأسها إذ ذاك، السعي المشترك لخدمة المنطقة الجنوبية، ثقافيا واجتماعيا على وجه الخصوص، توالت اللقاءات بيننا في كل من أكادير والرباط بعد تسلمي رئاسة الجمعية الصيفية من جديد ابتداء من 2009 إلى حين وفاته. لم أكن على علم بمرضه المفاجئ، رحمه الله، كما أنني لم أتمكن من الحضور في جنازته، تغمده الله بواسع رحمته، ونسأله جل وعلا أن يجعل كفاحه وتضحياته مع المستضعفين، في ميزان حسناته.
المقال التالي يتوخى استدراك كل تقصير غير مقصود في حق الفقيد العزيز، ويتمحور على خمسة جوانب : 1 التعريف بجذوره العائلية، 2 انخراطه في النضال الأمازيغي، 3 إسهامه في التنمية الاجتماعية والصحية والتعليمية، 4 اجتهاده في فهم وتوظيف الجوانب المشرقة للعرف الأمازيغي لدعم ومناصرة نضال الحركة النسائية المغربية، 5 اجتهاده المتميز في فهم وتوظيف المنظومة القانونية التي فرضتها الحماية الفرنسية على الشعب المغربي فيما يتعلق بالعقار، والتي لا يزال الشعب المغربي يعاني إلى اليوم من تبعاتها.
1. الجذور العائلية ومساره الدراسي
تم الاعتماد كليا في ما يرد من معلومات في هذا الفصل على أخيه الأكبر محمد الملكي، المدرس بالتعليم الابتدائي، والذي لعب دورا رئيسيا في رسم مستقبل الفقيد، وهو حوار أجريته معه في نهاية شهر غشت 2018، بمدينة آيت ملول قال : “تنتمي أسرة آل الملكي إلى دور (لْمْشْرْكْ) المحسوب على تجمع دواوير إد (غْزالْ) بقبيلة لخصاص، فالوالد يشتعل بالفلاحة وتربية المواشي، وكان منزله مقصدا للأضياف على مدار السنة ، ونظرا لطيبوبته وحبه للخير، كان يُقصد لفك المنازعات بين المتخاصمين، أما مسار أخي المرحوم الأستاذ الحسين الدراسي، فيتلخص في ما يلي، تابع دراسته بمستي بآيت بعمران، حيث عينت معلما للعربية في السنة الدراسية 1961 ـ 1962، قضى بجانبي سنتين في قسمي التحضيري والابتدائي الأول، رافقني مجددا بعد انتقالي إلى مدرسة (إيمْعيزْنْ) بقبيلة إيلالنْ، كان التلاميذ قليلي العدد بالمؤسسة، ولم يكن بها قسم أعلى لمتابعة دراسته، فقررت أن يلتحق بفرع المعهد الإسلامي بآيت باها، حيث قضى سنة واحدة، وإثر نجاحه انتقل إلى تارودانت ليتابع دراسته بنفس المؤسسة إلى أن حصل على شهادة الباكالوريا سنة 1975، التحق بكلية الحقوق بالرباط حصل فيها على الإجازة، بعد ثلاث سنوات، أدى الخدمة المدنية لمدة سنتين بوزارة العدل بالرباط، تلاهما وسنتان أخريان في التدريب والتكوين على المحاماة في مكتب الأستاذين : إدريس المراكشي وعبد الحفيظ كلزيم بالعاصمة بالرباط، فتح بعد ذلك مكتبه الخاص في نفس المدينة.
وخلال هذا المشوار الطويل كنت أدعمه وأوجهه، وإني لأشكر الله تعالى على توفيقه، فا الأستاذ إدريس الملكي ابني، هو الذب خلف عمه المرحوم الحسين الملكي في مكتبه”.
2. انخراطه في النضال الأمازيغي
يتمثل ذلك في محطات كثيرة أهمها :
ـ عمله بفعالية في الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي بالرباط (منظمة تامينوت لاحقا).
ــ مرافعته الوازنة بجانب زملائه الآخرين، في محاكمة الراشدية دفاعا عن معتقلي جمعية (تيليلي) ـ الحرية ـ والتي انتهت بإطلاق سراحهم واعتبارهم معتقلين سياسيين، بفضل تجند الحركة الأمازيغية، وطنيا ودوليا، وبدعم من منظمة العفو الدولية التي عممت خبر الاعتقال على نطاق واسع.
وعلى إثر إطلاق سراحهم، ألقى المرحوم الحسن الثاني خطابه بمناسبة 20 غشت 1994 صرح فيه لأول مرة بضرورة تدريس اللهجات (البربرية).
ــ الحضور كمشارك وازن ومتميز لعدة مرات في أنشطة الجامعة الصيفية بأكادير والمساهمة سنة 2013، في صياغة وثيقة نداء أكادير التي تعد المبادرة الأولى المبلورة لمشروع تطبيق ترسيم الأمازيغية في عدة مجالات.
ــ سبقه إلى وضع مشروع أرضية فكرية حول القانون المنظم للمجلس الوطني للغات والثقافة الأمازيغية، عمل النشطاء الأمازيغيون وغيرهم على استلهامه.
هذه الأفكار وهذا الإشعاع الفكري يحرص الفقيد على إيصاله إلى عموم الشعب المغربي بإيمان صادق، وبحجج دامغة، في المنتديات الفكرية والحقوقية، وفي الصحافة المكتوبة، ويتعامل بانفتاح ومهنية مع الجميع، ومن مميزاته في هذا المجال التعالي على التعصب والانتماء الحزبي أو المهني الضيق.
3 مشاركته في التنمية الاجتماعية
يتجلى ذلك في إسهام الفقيد في تأسيس جمعيتين :
الأولى جمعية لخصاص للتنمية
فبالنسبة لجمعية لخصاص كان من مؤسسيها وعضوا في مكتبها الإداري، منذ تأسيسها سنة 1994، إلى وفاته 2018، وأهم منجزاته بالتتابع ما يلي :
– شق وتعبيد أربع محاور طرقية لفك العزلة عن كثير من لدواوير القبيلة.
– إحداث مركز نسوي لنسج الزرابي سنة 1995.
– بناء مؤسسة النور للتعليم الأولي.
– تمويل مشروعي الخزانة والمخبزة بهدف توفير الموارد المالية لمؤسسة دار الطالب بجماعة لخصاص
– إحداث مركز المعلوميات بمقر الجمعية.
– تأسيس تعاونية نسوية فلاحية تهتم باستخراج زيت أركان ومشتقاته وبيعها.
دون أن ننسى إقبال الجمعية على تأسيس لجن خاصة تشتغل على الجانب الاجتماعي والرياضي والثقافي والفني.
الثانية جمعية باني
تأسست جمعية باني بتاريخ 8 مارس 1998، بمبادرة من جمعية لخصاص، وجمعية تامونت للساحل، ستشتغل الجمعية على أوراش جديدة تهم الجانب الصحي والتعليمي، في إقليمي تيزنيت وسيدي إفني، وسيدعم التوجه الجديد للجمعية كل الفاعلين المؤسساتيين، ومن القطاع الخاص على الصعيد الوطني بالأساس وبدعم وازن من الخارج، وللجمعية ممثلية بباريس، تشتغل على عموم أوربا، خاصة في ما يتعلق بالصحة الإنجابية للمرأة والاهتمام بالطفل في الإقليمين المذكورين اللذين تشكل الساكنة القروية نسبة كبيرة فيهما.
وتعكس النشرة التواصلية التي أصدرتها الجمعية بمناسبة احتفالها بعشرين سنة على تأسيسها غنى وتنوعا في عملها الاستراتيجي الذي يهدف إلى الاهتمام بالتنمية البشرية في شموليتها، يتمثل ذلك في :
1. صحيا
أ‌. بناء مركز باني لتصفية الدم، وتجهيزه لتقديم الخدمالت الطبية لمرضى القصور الكلوي. ولإعطاء صورة عن تطور نشاط الجمعية في هذا المجال، نشير فقط إلى رقمين : بلغت حصص التصفية سنة 2000، 1138 حصة، بينما وصل سقفها سنة 2012 على ما مجموعه 9120 حصة، وقد تأتى إنجاح هذا الورش بالتعاون مع المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بتيزنيت، الذي احتضنت مستشفى الحسن الأول.
ب‌. بناء دار إيواء الأم للصحة والاستقبال لتحسيين مؤشرات صحة الأم والطفل بالإقليمين، بشراكات مع جهات متعددة داخلية وخارجية، نذكر من بينها المجلس الجهوي لسوس ماسة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ت‌. تدبير وتسيير الوحدة الصحية المتنقلة لعلاج وإسعاف النساء المعزولات في دواوير الإقليمين.
ث‌. تسيير دار الأمومة.
ج‌. تنظيم حملات طبية وأنشطة توعوية في عموم الإقليمين.
ح‌. بناء الطابقين الثاني والثالث بدار الأمومة بنيزنيت.
2. تربويا
اقتنت جمعية باني سنة 2011 بقعة أرضية بحي السلام بمدينة أكادير، وهي بناية غير مكتملة متكونة من طابق أرضي وثلاث طوابق علوية، تمت تهيئتها لتكون إقامة جامعية لفائدة الطالبات القادمات من إقليم تيزنيت وأقاليم أخرى، لتوفير الظروف الملائمة للطالبات ليتفرغن للتحصيل، وتتكون الإقامة من 48 غرفة مساحة كل غرفة ما بين 25 و 30 متر مربع، وبطاقة استعابية قدرها 156 سريرا.
علاوة على مرافق إدارية ومكتبة، وقاعة للمطالعة وقاعة الإعلاميات، وقاعة للأكل والمطبخ.
تنظم الإقامة الجامعية العديد من الأنشطة الموازية لفائدة الطالبات المقيمات، منها ما هو طبي نفسي، ومنها ما هو تكويني في التنمية الذاتية واستغلال الوقت، بالإضافة إلى فحوص طبية دورية.
ولإعطاء صورة عن الإقبال على هذه الإقامة، نقدم من النشرة المذكورة رقمين، ارتادتها عشر طالبات (10) في السنة الجامعية 2015 ـ 2016، وبعد ثلاث سنوات سيرتفع عدد المقيمات بها 100 طالبة خلال السنة الدراسية 2017 ـ 2018.

• لحسن كحمو، اطار متقاعد في التعليم، وناشط أمازيغي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد