د.الحسين بويعقوبي: لا ديمقراطية بدون الأمازيغية
//حاوره الحسين ابليح
ظل موضوع التنظيم الأمازيغي، في مستوياته المدنية والسياسية هاجسا ملأ الدنيا وشغل الأمازيغ بالنظر للانتكاسات العديدة التي واجهها الفاعل الأمازيغي، حد ممانعة غول التنظيم عن الترويض. وفي ظل التدافعات التي ما زالت تنغل بها الساحة الأمازيغية، تفتح جريدة نبض المجتمع ملف التنظيمات الأمازيغية عبر بوابة “جمعية الجامعة الصيفية” في حوار / مرافعة يقارب فيها نائب رئيس الجامعة الصيفية لأكادير د. الحسين بويعقوبي بدايات التأسيس ومجمل الملفات التي اشتغلت عليها الجمعية معرجا على أسئلة التنظيم لدى الفاعل الأمازيغي.
أولا: كيف نشأت جمعية الجامعة الصيفية لأكادير، وماهي منطلقاتها منذ البداية؟
فكرة إنشاء جمعية الجامعة الصيفية كانت نتيجة نقاش عميق بين نخبة من المثقفين المنحدرين من المناطق الناطقة بالأمازيغية وخاصة منطقة سوس، والذين تمكنوا من الوصول لمستويات عليا من التعليم، سمح لهم بطرح العديد من الأسئلة حول التعدد اللغوي والثقافي بالمغرب ومكانة اللغة الأمازيغية وسبل إقرار ديمقراطية حقيقية بالمغرب بعد مرور 20 سنة من الاستقلال.
تأسست الجامعة الصيفية سنة 1979، وهي نفس السنة التي تم فيها تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان وسنة بعد تأسيس،الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية (منظمة تاماينوت حاليا) و12 سنة بعد تأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي. فتأسيس الجامعة الصيفية جاء في إطار دينامية عامة عرفها المجتمع المغربي وساهم فيها الشباب المتعلم خلال العشريتين بعد الاستقلال. وكان لأعضاء الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي إلى جانب مناضلين على مستوى أكادير والدارالبيضاء الدور الأساسي في إخراج هذا الإطار الجمعوي إلى الوجود.
كما أن اختيار مدينة أكادير كمقر لهذه الجمعية يعكس ارتباط النخبة المؤسسة بمنطقتها الأصلية سوس.
أما اختيار اسم “الجامعة” فقد كان احتجاجا ضمنيا على غياب نواة جامعية بسوس، الشيء الذي تحقق بعد بضع سنوات، لكن يبقى الهدف الأساسي من خلق الجامعة الصيفية هو توفير فضاء للنقاش الجاد والمسؤول والهادئ حول قضايا التعدد اللغوي والثقافي بالمغرب وضرورة الاهتمام بالأمازيغية، هذا الإطار أسس ليشرك كل المعنيين بهذا الموضوع باختلاف مشاربهم الفكرية والايديولوجية والسياسية.
ولكم أن تعودوا للأسماء المشاركة في الدورات الأولى كمحمد كسوس، عبد الكبير الخطيبي، محمد شفيق، محمد ابزيكا، علي صدقي أزايكو، قاضي قدور، عباس الجراري…لتكتشفوا استراتيجية الجامعة الصيفية ورغبتها في جعل موضوع الأمازيغية موضوع نقاش وطني، وداخل هذه اللقاءات ظهرت أهم شعارات الحركة الأمازيغية ك” الأمازيغية مسؤولية وطنية” أو” الوحدة في التنوع”…
ساهمت الجامعة الصيفية بشكل كبير في تشكل خطاب الحركة الأمازيغية وأثرت بشكل كبير في خطاب كل الفرقاء السياسيين حول هذا الموضوع.
ثانيا: كيف استطاع إطار الجامعة الصيفية لأكادير أن يعمل في ظل العواصف التنيظيمية التي عصفت بالكثير من الإطارات المشتغلة على ملف الأمازيغية؟
لم يكن سياق تأسيس الجامعة الصيفية بالهين، كما أن الملف الذي تشتغل عليه (ملف الأمازيغية) كان يثير حساسيات وردود فعل كثيرة، أغلبها سلبية بالنظر لطبيعة التمثلات المرتبطة بالأمازيغية الموروثة عن فترة الحماية الفرنسية والصراعات المرافقة لتأسيس الدولة الوطنية.
كما أن الجامعة الصيفية تأسست في عز سنوات الرصاص وذاقت نصيبها من ذلك. فباستثناء تنظيم الدورة الأولى سنة 1980، والتي دامت خمسة عشر يوما من النقاش، اعتبره البعض زلزالا ثقافيا، منعت السلطات الدورة الثانية التي كان من المزمع تنظيمها سنة 1982 واستمر المنع إلى سنة 1988 حيث تمكنت الجامعة الصيفية من تنظيم دورتها الثالثة.
وطيلة هذه السنوات كان مناضلو الجامعة الصيفية يتأقلمون مع الأوضاع بحنكة كبيرة اضطروا في غالب الأحيان لتنظيم لقاءات سرية ضمانا لاستمرار الفكرة التي أنشأت من أجلها الجامعة الصيفية.
وأكيد أن حنكة الجيل المؤسس وإيمانهم العميق بعدالة قضيتهم هو الذي ضمن لهذا الإطار الاستمرار إلى أن تغيرت الظروف وخاصة سنة 1991، حيث تمكنت الجامعة الصيفية من تنظيم دورتها الرابعة التي توجت بإصدار ”ميثاق أكادير” التاريخي والذي يعتبر أول نص جماعي يعلن ميلاد الحركة الثقافية الأمازيغية. وكان ذلك قفزة نوعية حيث بدأت بوادر ميلاد تنسيق وطني بل وعالمي حول الأمازيغية سيؤثر على مسار هذه الحركة في القادم من السنوات.
كما أن اتخاذ الجامعة الصيفية للمسافة الضرورية مع بعض الصراعات التي تخترق الحركة الأمازيغية جعل دوراتها مجالا يتسع للجميع وفضاء للنقاش العلمي والحوار الجاد، ساهم بشكل أو بآخر في تبديد بعض الخلافات وسمح بظهور مشاريع جديدة تتحد حولها مكونات الحركة الأمازيغية محليا ودوليا. فدورات الجامعة الصيفية سمحت ولأول مرة بلقاء ناطقين بالأمازيغية من مناطق مختلفة من شمال افريقية، كمنطقة القبائل، والطوارق وأمازيغ ليبيا، كما سمحت للباحثين في مختلف المجالات المرتبطة بالأمازيغية (مغاربة وأجانب) باللقاء والتشاور وربط علاقات ساهمت في تطوير البحث الأكاديمي في مجال الأمازيغية.
ثالثا: فتحتم ملفات عديدة على مدى الدورات المتواترة للجامعة الصيفية لأكادير ذات الصلة بالأمازيغية. ما هي الجوانب التي قتلت بحثا والتي يمكن اعتبارها مستهلكة، و ما هي في المقابل الجوانب التي ظلت مغيبة وطي النسيان؟.
منذ تأسيسها، عملت الجامعة الصيفية على اختيار مواضيع كانت تعتبرها ضرورية وذات أولوية للدفع بموضوع الأمازيغية إلى الأمام وإطلالة بسيطة على هذه المواضيع يسمح لنا بتتبع تطور خطاب الحركة الأمازيغية في ارتباط مع السياق التاريخي والسياسي للمغرب.
فأولى الدورات خصصت لمناقشة الثقافة الشعبية والوحدة في التنوع لأن السياق لم يكن يسمح بطرح موضوع الأمازيغية بشكل مباشر فكانت الحاجة ملحة لطرح موضوع يسمح أولا بقبول فكرة التعدد والاختلاف .
وابتداء من 1991 بدأت الأمازيغية تظهر بوضوح وطرحت مواضيع جريئة من قبيل تاريخ الأمازيغ وضرورة إعادة كتابة تاريخ المغرب وأيضا تم ربط الأمازيغية بالتنمية والحضارة الأمازيغية ثم القوانين التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بعد دستور 2011، دون نسيان فتح النقاش حول الموسيقى الأمازيغية والأدب الأمازيغي وتدريس اللغة الأمازيغية.
في كل دورة تحاول الجامعة الصيفية إيجاد محور يستجيب للسياق السياسي والتاريخي الذي تمر منه القضية الأمازيغية وتعمل بالدفع للأمام بالقضية الأمازيغية.
واختيار هذه السنة لموضوع الأرض والمجال والموارد الطبيعية تفرضه عوامل متعددة.
1- مشكل الأرض يطرح بشكل كبير في مناطق المغرب وتجريد السكان من أراضيهم يؤثر أيضا على مصير اللغة الأمازيغية؛
2- نقاش الجهوية المفتوح في المغرب له علاقة مباشرة بمعايير تحديد المجال والجهات وعلاقة ذلك بالثقافة الأمازيغية؛
3- الموارد الطبيعية تطرح أيضا بحدة وخاصة حق السكان في الاستفادة من الموارد الطبيعية لأراضيهم
رابعا: بالنظر للمنجز الذي راكمته الجامعة الصيفية لأكادير، ما هي المهام المستقبلية على أجندة الجامعة؟
أعتقد أن الأساس النظري والفكري الذي أسست عليه ومن أجله الجامعة الصيفية سيظل صالحا لمدة طويلة. فالجامعة الصيفية كفضاء للنقاش العلمي الأكاديمي حول القضايا المرتبطة بالأمازيغية والديمقراطية سيظل مفتوحا لكل الفاعلين. وكما لعبت الجامعة الصيفية دورا محوريا في بلورة خطاب الحركة الأمازيغية والتأثير إيجابا في مسار هذه الحركة ستعمل مستقبلا على تقوية النقاش والحوار حول مختلف القضايا المرتبطة بالديمقراطية ببلادنا وجعل الأمازيغية في صلب هذا النقاش. فالجامعة الصيفية مدعوة للتأثير والمساهمة في الأوراش الكبرى المفتوحة في المغرب بعد دستور 2011 كالملكية البرلمانية والمساواة بين الرجال والنساء والجهوية الموسعة والتوزيع العادل للثروة ثم مواكبة مختلف مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وهذا الأمر لن يتأتى إلا بالانفتاح على كل الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمدنيين والمؤمنين بقيم التعدد والديمقراطية والحداثة. كما أن الجامعة الصيفية مدعوة لتلعب دورها في توحيد جهود كل فعاليات وتيارات الحركة الامازيغية في أفق تأسس جبهة موحدة قادرة على الدفع بالديمقراطية إلى الأمام وتحقيق المطالب العادلة والمشروعة للحركة الأمازيغية.
خامسا: في الجمع العام الأخير للجامعة الصيفية، قبل أكثر من سنة، لوحظ توجه عام نحو الرغبة في إدخال وجوه شابة للمكتب المسير ورغبة في الانفتاح على جامعة ابن زهر. كيف تفسرون هذا التوجه؟
بعد أكثر من ثلاثين سنة من النضال المستمر والجدي اقتنع الجميع بدءا بالمؤسسين بضرورة ضخ دماء جديدة في المكتب المسير للجمعية بشكل يضمن لها الاستمرار وتجديد آليات العمل دون الدخول في صراع الأجيال، فكان الانتقال سلسا وعقلانيا يعكس روح الجامعة الصيفية منذ التأسيس. لذلك يلاحظ أنه لا أحد من الأعضاء المسيرين الحاليين عايش لحظة التأسيس، لكن في نفس الوقت ليسوا بغرباء عن الجامعة الصيفية فبعضهم كان في المكاتب السابقة والآخرون كانوا يتابعون عن كثب كل أنشطتها. وبالتالي فدخولهم للجامعة الصيفية ليس قطيعة مع الماضي بقدر ما يعبر عن الاستمرار لكن بأساليب جديدة تتناسب والسياق الحالي الذي يعيشه المغرب والقضية الأمازيغية على الخصوص، فلكل جيل أسلوبه في العمل ولكل سياق تحدياته وإكراهاته.
أما بخصوص الانفتاح على جامعة ابن زهر فهذا ليس بجديد فمنذ تأسيسها كانت الجامعة الصيفية فضاء للنقاش الأكاديمي بين متخصصين في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية، بل إن من بين مؤسسي الجامعة الصيفية أساتذة جامعيون كثر مما جعل من إصدارات الجامعة الصيفية مرجعا علميا رصينا لكل باحث عن المعرفة حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين. وخلال الجمع العام الأخير تحمل ثلاثة أساتذة جامعيون المسؤولية داخل المكتب الحالي كما أن جزءا من برنامج هذه الدورة ستحتضنه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بتنسيق مع شعبة الدراسات الأمازيغية. وإلى جانب الأساتذة الجامعيين يضم المكتب الحالي أساتذة باحثين وأدباء وفاعلين جمعويين بفضلهم جميعا تسعى الجامعة الصيفية لتكون فاعلة أساسية في الساحة الثقافية بجهتنا وببلدنا عموما.
وفي هذا الإطار لا يسعني إلا أن أشكر كل الأجيال التي تعاقبت على تسيير الجامعة الصيفية منذ تأسيسها وأترحم على الذين غادرونا لدار البقاء وأدعوا بالشفاء لمن يعانون من متاعب صحية وبالصحة العافية وطول العمر للذين ما زالوا يناضلون معنا. وأتنمى أن نكون عند حسن ظن الجميع وفي مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا.
سادسا: كيف هي علاقتكم بالأحزاب السياسية بما في ذلك المعادية للأمازيغية؟
الجامعة الصيفية إطار مدني مستقل عن الدولة والأحزاب السياسية وتعتبر من مسؤولياتها فتح قنوات النقاش والحوار مع كل المعنيين من أجل الإقرار بالحقوق اللغوية والثقافية الامازيغية في مغرب ديمقراطي. بعد دستور 2011 الذي يعترف بالأمازيغية لغة رسمية أيضا إلى جانب اللغة العربية لا يوجد حزب واحد يصرح علانية وبشكل رسمي أنه ضد الأمازيغية ولكن تأخر إصدار القوانين التنظيمية والمتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بعد أربع سنوات من التصويت على الدستور والعراقيل الموجودة أمام تدريس الأمازيغية وضعف الدعم المقدم للإعلام الأمازيغي واستمرار حالات منع الأسماء الشخصية الأمازيغية وتصريحات بعض الوزراء بالإضافة إلى ما يروج في دهاليز المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي يجعلنا نحس بأن هناك من يسعى لعرقلة كل تقدم بخصوص ملف الأمازيغية بعد أن فشل في الحيلولة دون الاعتراف بها كلغة رسمية. ويبقى منهج الجامعة الصيفية في النضال هو الاستمرار في النقاش المبني على قوة الحجة والمرافعة البناءة بكل الطرق القانونية إلى أن تتحقق جميع المطالب المرتبطة باللغة والثقافة الأمازيغيتين.
إن إيماننا بشعارنا ”الأمازيغية مسؤولية وطنية” هو الذي جعلنا نؤمن بأن الأمازيغية يجب أن تكون فوق الصراعات السياسية وأن لا تستغل في الحسابات الضيقة بين الأغلبية والمعارضة ولا أن تستثمر فقط في الحملات الانتخابية.
على الجميع أن يؤمن أنه ”لا ديمقراطية بدون الأمازيغية” وأن الأمازيغية حل وليست إشكالا.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.