تحقيق : قصص من معاناة المغربيات مع العنف في زمن كورونا (معه شريط فيديو)
تأثير كوفيد-19 على أوضاع النساء بالمغرب
أو عندما لا تكون البيوت آمنة للنساء.. بسبب العنف
أزول بريس – الحسن باكريم //
“إننا نحبس المرأة في المطبخ أو في المخدع، وبعد ذلك ندهش إذ نرى أفقها محدودا، نقص جناحيها ثم نشكو من أنها لا تعرف التحليق.”
سيمون دي بوفوار
في زمن كورونا، وفي فترة الحجر الصحي، وفي الوقت الذي احتمى الجميع في المنازل خوفا من خطر فيروس كورونا، أصبحت البيوت غير آمنة على المئات من النساء والفتيات.. حقائق كثيرة ومثيرة وغريبة تجسد معاناة نصف المجتمع من العنف من ذوي القربى.
أولا : انتشار كوفيد-19 واستهداف الحلقات الضعيفة في المجتمع
- في العالم : عودة السلطوية إلى المجتمع وإلى البيوت
أعلنت منظمة الصحة العالمية، مند 11 مارس من العام 2020، أن تفشّي مرض “كوفيد-19” الناتج عن فيروس “كورونا” المستجد – الذي ظهر للمرة الأولى في ديسمبر 2019 بمدينة ووهان الصينية – قد بلغ مستوى الجائحة، أو الوباء العالمي.
ومند ذلك التاريخ دعت المنظمة الحكومات إلى اتخاذ خطوات عاجلة وأكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس، معللة ذلك بمخاوف بشأن “المستويات المقلقة للانتشار وشدّته”.
كما أكد عدد من الخبراء من داخل منظمة الصحة العالمية ومن خارجها أنه من الواضح أنّ وباء كوفيد-19، بمدى اتساعه وخطورته، يرقى إلى مستوى تهديد للصحة العامة ويمكن أن يبرّر فرض قيود على بعض الحقوق، مثل تلك التي تنجم عن فرض الحجر الصحي أو العزل الذي يحدّ من حرية التنقل، كما سيسمح بعودة السلطوية في عدد من البلدان، سواء كانت سلطة سياسية (الاستبداد) أو اقتصادية (البطالة والاستغلال) أو اجتماعية ( الذكورية) .
ومباشرة بعد تفشي الوباء في العالم تحركت المنظمات والهيئات الحقوقية مؤكدة أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل لكل شخص الحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، ويُلزِم الدول باتخاذ تدابير لمنع تهديد الصحة العامة، وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجها، وحماية حقوق الإنسان.
كما أكدت هذه المنظمات والهيئات أن قانون حقوق الإنسان يقر أيضا بأنّ القيود التي تُفرَض على بعض الحقوق، في سياق التهديدات الخطيرة للصحة العامة وحالات الطوارئ العامة التي تهدّد حياة الناس، يُمكِن تبريرها عندما يكون لها أساس قانوني، وتكون ضرورية للغاية، بناءً على أدلة علمية، ولا يكون تطبيقها تعسفيا ولا تمييزيا، ولفترة زمنية محددة، وتحترم كرامة الإنسان، وتكون قابلة للمراجعة ومتناسبة من أجل تحقيق الهدف المنشود.
كما نبه عدد من الحقوقيين إلى أن كوفيد-19 ، يمكنه في الوقت نفسه من الحد من حقوق الإنسان، وهنا يمكنه المس مثلا بحق عدم التمييز(الذكور والإناث، الحواضر الأرياف الخ) كما يمكنه المس مثلا بالشفافية وعدم احترام الكرامة الإنسانية، بسبب الاضطراب الحتمي الذي يحصل في أوقات الأزمات (أزمة كورونا)، وبسبب الأضرار التي قد تنجر عن فرض التدابير الفضفاضة التي لا تُراعي المعايير المذكورة أعلاه( الحجر المفروض – فرض قيود على التنقل – منع أنشطة – الخ).
وهكذا عرفت عدة دول العالم تراجع الديمقراطية وعودة السلطوية، وعادت التجاوزات في الشوارع وحتى داخل البيوت حيث يتعرض النساء لأكبر حالات الاستغلال والعنف المادي والمعنوي.
- في المغرب : حدر وارتباك على مستوى القرارات الحكومية
تم تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا في المغرب بتاريخ 2 مارس 2020، لمواطن عاد من مكان إقامته في إيطاليا، وبعد عدة أيام من تسجيل هذه الحالة، وبالضبط في يوم 20 مارس، أعلنت الحكومة المغربية حالة الطوارئ الصحية في البلاد، وقامت بسلسلة من الإجراءات الوقائية الصارمة الهادفة إلى الوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد، ومن ضمنها تقييد الحركة ونشر القوات الأمنية لضمان الالتزام بهذه الإجراءات، وسبق أن قامت يوم 17 من الشهر نفسه، بإغلاق المدارس والمقاهي والمطاعم والمساجد، وإلغاء التجمعات الكبيرة، ويوم 22 مارس تم تسجيل حوالي 104 حالة مؤكدة مصابة بالفيروس، ومند ذلك اليوم بدأت الحصيلة تتخذ مسارات من الارتفاع وظهور بؤر كثيرة، وأصبحت المدن الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وفاس وطنجة تسجل أعداد كبيرة من الإصابات.
وقد تميز تواصل الحكومة بأسلوب مختلف عن السابق، حيث عملت السلطات الرسمية على التواصل بشكل مستمر ومكثف من خلال مختلف قنوات التواصل الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي، وقامت وزارة الصحة بنشر بيانات وتوضيحات قصد وضع المواطنات والمواطنين في صورة الوضع الوبائي في البلد، كما اشتغلت وسائل الاعلام العمومية والخاصة على مدار الساعة من خلال برامج خاصة للتحسيس بمخاطر هذا الفيروس، ومتابعة بعض التجاوزات التي تمس الحريات وحقوق الناس.
واستنادا إلى دراسات علمية، عبارة عن استطلاعات للرأي، أنجزها “المعهد المغربي لتحليل السياسات” وهو مؤسسة مستقلة عن الحكومة المغربية، حيث تقدم هذه الدراسات تقييم المواطنات والمواطنين المغاربة للإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة خلال فترة الحجر الصحي الذي تم تطبيقه يوم 20 مارس 2020 واستمر لثلاثة أشهر كاملة.
وتظهر هذه الدراسات نوع من الاستقرار على مستوى الثقة في قدرة الحكومة على مواجهة الفيروس. حيث لم تتغير النسبة كثيرا بين فترة مارس ويوليوز. ففي شهر مارس قال 58 في المائة من المغاربة بأنهم يثقون في قدرة الحكومة على مواجهة فيروس كورونا المستجد (15 في المائة يثقون تماما و43 يثقون فقط) مقابل 42 في المائة لا يثقون (33 في المائة لا يثقون و9 في المائة أنهم لا يثقون بتاتا في قدرتها لمواجهة فيروس كورونا).
أما في شهر يوليوز فقد قال 61 في المائة من المغاربة بأنهم يثقون في قدرة الحكومة على مواجهة فيروس كورونا المستجد في المستقبل. (14 في المائة يثقون تماما، و47 في المائة يثقون) وقال 39 في المائة بأنهم لا يثقون في قدرة الحكومة على رفع هذا التحدي (9 في المائة لا يثقون بتاتا و29 في المائة لا يثقون).
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن هذه الدراسة أنجزت قبل فترة عيد الأضحى، والتي عرفت ارتفاعا كبيرا في عدد الحالات المسجلة، رافقها ارتباك على مستوى القرارات الحكومية التي عملت على منع السفر بين عدد من المدن، أياما قبل عيد الأضحى، الأمر الذي خلق قلقا لدى المواطنين وتشكيكا في قدرات السلطات على التحكم في انتشار الوباء.
ولكن بالرغم من ذلك يمكن القول بأن هذه النتائج تعبر بشكل عام عن تفاؤل حذر للمواطنين تجاه قدرة الحكومة في مواجهة التداعيات الشاملة للفيروس على المغرب، فبالرغم من رضاهم على أغلب الإجراءات المتخذة إلى حد الآن إلا أنهم يتشككون في القدرة على الاستمرار في التحكم في الوضعية الوبائية في البلاد.
ويظهر أن هناك تقارب بين الجنسين الذكور والاناث فيما يتعلق بثقتهم في قدرة الحكومة في مواجهة فيروس كورونا خلال الأشهر القادمة، ما عدا فيما يتعلق بمن قالوا أنهم لا يثقون في قدرتها على ذلك حيث استقرت النسبة عند 33 في المائة في صفوف الذكور بينما سجلت 24 في المائة في صفوف النساء.
ثانيا : أزمة كورونا وتداعياتها على تعنيف النساء
تصاعدت موجة العنف ضد النساء بالتزامن مع جائحة كورونا، بسبب تطبيق إجراءات الحجر الصحي الذي فرضته جل دول العالم، ومع انشغال الدول بمواجهة الوباء أصبحت المنظومة الصحية والأمنية وملاجئ الإيواء منشغلة بالتصدي للوباء وتبعاته، وأصبح من الصعب على النساء اللجوء إلى طلب الدعم الرسمي أو الشخصي في حال تعرضهن للإساءة.
- نماذج من حالات العنف عبر العالم
توالت التقارير التي تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أماكن مختلفة من العالم، وذلك مع اتساع رقعة إجراءات الإغلاق التي اتخذتها دول عدة للحد من انتشار فيروس كورونا.
ففي الولايات المتحدة، أبلغت عدة مدن عن تزايد عدد حالات العنف المنزلي. وفي الصين أعلنت جمعية مناهضة العنف الأسري عن ارتفاع مهول في نسبة الاعتداءات على النساء، وفي تركيا أفادت جمعيات حقوقية عن ارتفاع معدلات جرائم القتل التي استهدفت النساء منذ فرض الحجر الصحي. وفي أستراليا ارتفعت نسبة العنف الأسري بزيادة 6.6 في المائة خلال فترة الحجر الصحي، وفي الهند، صرحت اللجنة الوطنية للمرأة عن تضاعف عدد حالات الاعتداء على النساء خلال الأسبوع الأول من تقييد التنقلات، وفي إسبانيا تم الإبلاغ عن أضعاف الحالات طلبا للمساعدة بنسبة زيادة تقدر بـ18٪ في الأسبوعين الأولين من بداية الحجر الصحي، في حين ازداد العنف المنزلي في فرنسا بنسبة 03٪ في الأسبوع الأول من الحجر الصحي.
كما تسبب الحجر الصحي المفروض للحد من تفشي جائحة فيروس كورونا إلى زيادة حالات العنف داخل المنازل، في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ففي تونس صرحت وزيرة العدل عن تسجيل أكثر من 4 آلاف حالة عنف ضد المرأة والطفل، خلال فترة الحجر الصحي بالبلاد منذ أقل من شهرين، بسبب جائحة فيروس كورونا، وتراوحت زيادة العنف في العراق بين 30- 50 في المائة، كما تعاظم مشكل العنف المنزلي في لبنان على ضوء تفشي فيروس كورونا، وفي جنوب إفريقيا نتج عن تقييد حركة التنقل ما يقارب 90 ألف شكوى من العنف.
- الأمم المتحدة تحدر من تصاعد العنف ضد النساء
و لحماية النساء من العنف المنزلي، أطلق الأمين العام الأممي نداء عالميا من أجل حماية النساء من العنف المنزلي في العالم كله، كما دعا فيه إلى اتخاذ تدابير لمعالجة الطفرة العالمية في العنف المنزلي ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي فرضتها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كوفيد19 ، وأيضا من أجل “السلام المنزلي والأسري، في جميع أنحاء العالم “، الشيء الذي يلزم الدول الموقعة على الإعلان بجعل الوقاية من العنف المنزلي وجبر الضرر الناجم عنه عنصرا أساسيا ومن أولويات هذه الدول في إطار التدابير التي اتخذتها لمواجهة جائحة كورونا، بوضع سياسة تقوم على عدم التسامح إطلاقا مع العنف المنزلي”، وأيضا دعا الأمين العام إلى إنشاء “أنظمة إنذار الطوارئ في الصيدليات والمتاجر الكبرى” بكونها المرافق الوحيدة التي تظل مفتوحة في العديد من البلدان، والتي تضمن طلب المساعدة بطريقة أمنة للنساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري في العالم نتيجة للحجر الصحي.
- المجتمع المدني يناهض العنف ضد النساء
وتماشيا مع الإجراءات التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة قامت عدد من الجمعيات النسائية وكذا بعض القطاعات والمؤسسات العمومية المختصة في هذا المجال باتخاذ مجموعة من المبادرات الايجابية في الحجر الصحي، لتوفير خدمات الاستماع عن بعد ومرافقة النساء وتوجيههن قانونيا ودعمهن نفسيا والتضامن معهن، وتم إطلاق حملات تحسيسية توعوية على شبكات التواصل الاجتماعي لمناهضة العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي.
كما قامت وسائل الإعلام بتوعية عامة الناس بالظرفية الصعبة التي يمر منها العالم بشكل عام، وبشكل خاص التي يعاني منها ضحايا العنف المنزلي والأسري، وفي ظل هذه المرحلة العصيبة وضعت عدد من الدول خطوات استثنائية في هذه الحالة الاستثنائية المرتبطة بتفشي فيروس كورونا لتمكين ضحايا العنف المنزلي من طلب المساعدة في فترة الحجر الصحي.
وفي نفس السياق أطلقت عدد من الحملات التحسيسية لمناهضة العنف ضد النساء، في تونس أعلنت السلطات إطلاق خط ساخن مجاني يعمل على مدار الساعة لتلقي الشكاوى حول العنف الأسري خلال فترة العزل الصحي، وروجت لهذا الخط عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي إسبانيا، ثم وضع تدابير استثنائية من أجل مناهضة العنف الأسري، ومنها خدمة الرسائل الفورية مع تحديد الموقع الجغرافي وكذلك خدمة الدردشة الفورية مع فرق الدعم النفسي. وفي فرنسا وضعت الحكومة مجموعة كاملة من التدابير التي تهدف إلى حماية النساء ضحايا العنف المنزلي وتم إنشاء نظام داخل الصيدليات لتنبيه قوات النظام بحالات العنف الممارس وأيضا من أجل تسهيل المهمة على النساء ضحايا العنف لطلب المساعدة، وفي دولة الأرجنتين، تم اتخاذ عدة خطوات لدعم النساء اللواتي يتعرضن للعنف من خلال الاتصال بالرقم 144، لتقديم شكوى على الإساءة.
- خطر تزايد العنف في المغرب بسبب كورونا
حذرت منظمة الأمم المتحدة من تداعيات وباء فيروس كورونا على النساء والفتيات في المغرب، خصوصا على مستوى انعكاس الوضع الوبائي على نفاد الموارد والفرص الاقتصادية للنساء والرعاية الصحية، خاصة صحة الأم والصحة الإنجابية، إلى جانب مخاطر تزايد العنف ضد النساء والفتيات.
وعرف المغرب كباقي دول العالم تأثير الوباء على أوضاع النساء والفتيات حيث ازدادت المعاناة داخل البيوت في الحجر الصحي، وزادت حالات العنف ضد النساء منذ بداية الطوارئ والالتزام بالحجر الصحي، وطالبت ثلاثون جمعية مغربية من السلطات تقديم استجابة طارئة لمواجهة العنف ضد النساء خلال الحجر الصحي.
ومند بداية الحجر الصحي المفروض في المغرب، بتاريخ 20 مارس الماضي، تم تسجيل ارتفاع عدد حالات العنف ضد المغربيات، فحسب تقرير صادر عن الاتحاد العمل النسائي، ثم رصد “أكثر من ألف حالة عنف في صفوف النساء استقبلها 13 مركزا تابعا للهيئة عبر المكالمات الهاتفية والتسجيلات الصوتية وعبر رسائل نصية بالوتساب”.
والتزاما منه بإجراءات الحجر الصحي وحالة الطوارئ، انخرط المغرب رسميا بشكل فعال في دعم هذه المبادرة عبر القيام بحملات توعوية وتحسيسية بمخاطر العنف ضد النساء، وتقديم الدعم والمساعدة للنساء ممن يتعرضن للعنف داخل المنزل، ووضعت عناوين إلكترونية و أرقاما هاتفية رهن إشارة النساء المعنفات للتبليغ عن حالات العنف الذي تعرضن له داخل بيت الزوجية، خلال فترة الحجر الصحي.
وأظهر تقرير اتحاد العمل النسائي، أن “ثلاثة أرباع حالات العنف ضد النساء تمارس في إطار بيت الزوجية الذي يفترض أن يكون فضاء للمودة والأمان، فقد تصدر ممارسو العنف في مواجهة النساء، الأزواج بنسبة 76 في المائة، ثم أهل الزوج بنسبة 6 في المائة، فالأخ بنسبة 5 في المائة، ثم الطليق بنسبة 4 في المائة، في حين بلغت معدلات المعنفين الآخرين، الابن (2.6 في المائة) والجار (3.8 في المائة) والأب (1.3) في المائة.
وكشف تقرير رابطة فيدرالية حقوق النساء تسجيل ما مجموعه 1007 فعل عنف مورس على النساء خلال فترة الحجر الصحي، حيث شكل العنف النفسي أعلى نسبة بـ49 في المائة، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 27,3 في المائة، ثم العنف الجسدي بنسبة 16,5 في المائة، ناهيك عن بعض حالات العنف الجنسي، والاغتصاب، وحالات الطرد من بيت الزوجية.
ثالثا : قصص معاناة النساء المغربيات بسبب العنف في زمن كورونا[1]
رصدت دورية رئاسة النيابة العامة بالمغرب، في الفترة ما بين 20 مارس إلى 20 أبريل 2020 ما مجموعه 892 شكاية، تتعلق بمختلف أنواع العنف ضد النِّساء، وتم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية فقط من هذا النّوع.
وأبرزت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة المصلي، التدابير التي قامت بها الحكومة المغربية في ظل الجائحة على مستوى حماية المرأة من العنف، مشيرة بالخصوص إلى إحداث منصة رقمية “كلنا معك” المخصصة للاستماع والدعم والتوجيه للنساء والفتيات في وضعية هشة، وكذا إطلاق حملة رقمية توعوية وتحسيسية انخرط فيها عدد من الفنانين والإعلاميين.
كما أكدت المسؤولة الحكومية أن هذه الحملة ساهمت في بث رسائل تساعد في التغلب على الإكراهات النفسية، والوعي بضرورة استثمار السياق الحالي لتعزيز قيم العيش المشترك، والمسؤولية المشتركة بين الزوجين ونشر ثقافة السلم والمودة والتواصل والتفاهم داخل الأسرة، وأيضا التذكير بأن العنف تجاه النساء والفتيات مجرّم وليس له مبرر في مختلف السياقات.
من جهته، نبّه المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) إلى احتمال تزايد العنف، بمختلف أنواعه، ضد النساء بسبب الظروف المرتبطة بالحجر الصحي والحد من التنقل والولوج إلى المساعدة والحماية.
وأعلن اتحاد العمل النسائي ( جمعية مدنية مستقلة) أن كل التدابير التي أقدمت عليها الحكومة غير كافية، وأن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير مما ذكرته الدوائر الرسمية، وأن العنف ضد أن النساء تضاعف بشكل ملحوظ بمناسبة انتشار جائحة كورونا، وظلت المرأة المغربية الحلقة الضعيفة التي انعكست عليها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها جائحة فيروس كورونا.
وقال الاتحاد المذكور أنه وضع أرقام هواتف مراكز التابعة لها لتقديم المساعدة والمواكبة النفسية للنساء ضحايا العنف الأسري على خلفية الحجر الصحي والبقاء في المنازل لمكافحة كوفيد 19، ودعت رئيسة مركز للنجدة التابع لهذه الجمعية في الرباط إلى أن يكون البيت مكانا للمودة والتضامن بين الأزواج ضد فيروس كورونا العدو للجميع.
وقالت فاطمة المغناوي، رئيسة مركز النجدة في الرباط لعدد من وسائل الإعلام :”بدأنا في اتحاد العمل النسائي، منذ بداية الحجر الصحي، نتوقع تزايد وتصاعد حالات العنف ضد النساء أولا بالنظر إلى عدد الحالات التي كنا نتابعها بمراكز النجدة على الصعيد الوطني ، وبالنظر للشكايات المعروضة على أنظار المحاكم والشرطة والدرك”.
وأكدت المغناوي، أن ارتفاع حالات العنف سيكون مرتبطا أيضا بسبب “الضغوطات النفسية المصاحبة للحجر الصحي الذي يجري في بيوت مزدحمة وغير لائقة في أغلب الأحيان حسب ما ورد علينا من حالات، وأيضا حسب ما نعرفه من أوضاع الفقر والهشاشة التي تعيشها النساء بصفة عامة في المغرب”.
وأفادت المغناوي، إلى أنه كان على وزارة التضامن والأسرة أن تدمج موضوع العنف ضد النساء ضمن الخطة العامة التي وضعتها الدولة في مواجهة فيروس كورونا باتخاذ عدد من التدابير على مستوى الإيواء لحماية النساء من العنف، وعلى مستوى الشرطة بالتدخل السريع في حالة وقوع عنف منزلي او طرد النساء من بيت الزوجية، أو على مستوى الإعلام بوضع شعار يشير إلى أن البيت الزوجية ينبغي أن يكون مكانا المودة والرحمة والتضامن والتسامح وليس مكانا للعنف ” وان عدونا الأساسي الان والمشترك هو هذا الفيروس القاتل”.
ويذكر أن اتحاد العمل النسائي، حسب ما صرحت بها مناضلات الجمعية باكادير، أعلن عن وضع أرقام هواتف مراكز النجدة التابعة للاتحاد، والتي يبلغ عددها 13 مركزا على الصعيد الوطني، حيث تعمل خلية من المستمعات والمتخصصات في المجال النفسي، على التواصل مع النساء ضحايا العنف قصد الإجابة عن استفساراتهن والاستماع اليهن ودعمهن قانونيا ونفسيا، مع إمكانية التوجيه للحصول على إمكانية التدخل لمنع استمرار العنف واتخاذ الإجراءات المناسبة.
وفي هذا الصدد تابعنا عمل فرع اتحاد العمل النسائي، ومركز النجدة التابع له، لمساعدة ضحايا العنف بمدينة أكادير، واكتشفنا من خلال الحديث مع مناضلات الفرع والاطلاع على التقارير التي انجزنها، ارتفاع في نسب العنف الأسري خلال فترة الحجر الصحي وحالة الطوارئ بالمغرب، بسبب انتشار فيروس كورونا، الذي نتج عنه مجموعة من الاضطرابات النفسية ومشاكل مادية التي يتم تفريغها عن طريق تعنيف النساء.
فقد استقبل مركز النجدة بمدينة أكادير، في ظل جائحة كورونا، حسب مديرة المركز السيدة السعدية الباهي، خلال الفترة الممتدة من 13 أبريل 2020 إلى 27 يوليوز 2020، حوالي 422 مكالمة هاتفية وتسجيلات صوتية أو عبر رسائل نصية بالوتساب لنساء يطلبن النجدة والمساعدة، وتمت متابعة 120 حالة فقط، بسبب ضعف إمكانية التواصل أو قيام المعنف بالاستيلاء على هاتف المعنفة، ولهذا الغرض قام المركز بوضع رقمين للإستماع، ورقمين للدعم النفسي.
وأظهر تقرير اتحاد العمل النسائي بأن العنف الذي تتعرض له النساء يختلف نوعه من امرأة إلى أخرى، حيث نجد العنف النفسي يحتل المرتبة الأولى بـ 120 حالة، بعد ذلك يأتي العنف الجسدي في المرتبة الثانية بـ 51 حالة، ثم عدم النفقة بـ 48 حالة، والتهديد بالقتل والعنف الجنسي في المرتبة الرابعة بـ 15 حالات.
ومن بين النساء المعنفات خلال الحجر الصحي، استطعنا، حسب ظروف عملنا وظروف المعنفات، الاستماع إلى 5 حالات عانين الويلات من جراء العنف المادي والنفسي طيلة فترة الحجر الصحي الذي دام أكثر من 90 يوم.
الحالة الأولى أمينة :
ربة بيت، متزوجة عمرها 34 سنة وأم لطفلين، مستواها التعليمي ابتدائي. مارس عليها الزوج العنف النفسي والجسدي، وعاملها “كخادمة” على حد تعبيرها، وكان من المعتاد أن تتعرض للعنف قبل اجتياح كورونا بشكل روتيني.
في فترة الحجر الصحي ازدادت حدة العنف وأصبح بصفة دائمة، حيث يلجأ الزوج إلى العنف من أجل الضغط على الزوجة للمطالبة بالطلاق، وتنصله من إعطائها حقوقها، وكل هذا من أجل حصوله على حريته والزواج بأجنبية كان على علاقة بها، وقد اضطرت المعنفة الخروج من البيت بسب الخيانة الزوجية، والتجأت إلى جمعية اتحاد العمل النسائي لمساعدتها.
الحالة الثانية فاطمة :
ربة بيت متزوجة، بدون أطفال، المستوى الدراسي إعدادي، عمرها 18 سنة، تتعرض باستمرار للعنف الجنسي والنفسي. قصتها أنها تعرفت على المعنف لمدة 15 يوما، وبعد ذلك تم الزواج منه، لتكتشف أنه مدمن على جميع أنواع المخدرات، وكان يعرضها للإهانة والتعذيب، حصرها في المنزل في عزلة تامة عن الخارج، وحرمها من زيارة أقاربها، ولما تركها عدة أيام عند أسرته لرعاية والديه قامت باستغلال الفرصة والهروب من مدينتها باتجاه أكادير، فتم تدليلها على الجمعية للحصول على مساعدة. وتم الاستماع إليها من طرف مناضلة، وقامت بفتح ملف لها بالمركز، وتكلفت رئيسة مركز النجدة بتقديم الدعم النفسي والتوجيه والإرشاد لها، وحسب الاتحاد فقد حصلت المعنفة على الطلاق.
الحالة الثالثة خديجة :
عازبة، مستواها الدراسي الجامعة عمرها 23 سنة، تعرضت للعنف النفسي من خليلها ووالدته من خلال اغتصابها وحملها والضغط عليها لإنزال الحمل. ربطت خديجة علاقة حميمية خارج إطار الزواج مع خليلها دامت مدة 6 سنوات، لتبدأ قصتها مع العنف، بعد حملها، انكر المعنف مسؤوليته على الحمل، بعدما كان يعاشرها معاشرة الأزواج بعلم من والدته، فعرضها المعنف لسلسلة من الاهانات والضغوطات النفسية لإسقاط الجنين بمساندة من والدته، فتم ابتزازها مقابل توقيع إشهاد والوعد بالزواج، إلا أنها رفضت بعد تدخل والدتها لمساعدتها، فقامت بتقديم شكاية ضد المعنف والتوجه إلى مركز النجدة من أجل الحصول على مساعدة.
في البداية حاول مركز النجدة الصلح بإرضاء الطرفين، إلا أن المعنف ووالدته رفضا كل الحلول، فقامت المعنفة برفع شكاية بمساعدة مركز النجدة بعد حصولها على شهادة طبية بأمر من وكيل الملك، والقضية لاتزال إلى حدود يوم اللقاء معها، في المحكمة يتابعها محامي من منتدب من طرف مركز النجدة.
الحالة الرابعة سعاد :
متزوجة وربة بيت، أم لـ 3 أطفال، دون مستوى دراسي، عمرها 35 سنة، معاناتها معها العنف النفسي والجسدي مزدوجة فهو عنف ضدها وضد بنتها البكر. قصة معاناة سعاد عنوانها “الضرب والجرح” على الدوام، وارتفعا مع الحجر الصحي، بسبب انكار “الزوج” المعنف بنوة البنت الكبرى مما انعكس سلبا على نفسية البنت، شكوك الزوج سبب لها ولابنتها الكثير من الإهانة، وزادها بامتناعه عن النفقة على البيت.
المعنف كان “زوجا صوريا” بعدما اكتشفت سعاد أن عقد الزواج تم الغاؤه منذ مدة دون أن تعرف كيف تم ذلك، رغم أنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج.
بعد الاستماع إليها من طرف مركز النجدة بأكادير تم فتح ملف لها وتم تقديم شكاية لدى وكيل الملك، القضية لم تحسم بعد في المحكمة.
الحالة الخامسة ثريا:
عازبة حاصلة على شهادة البكالوريا عمرها 19 سنة، عانت ثريا من العنف النفسي من طرف الأب. قصة ثريا مع الأب المدمن على جميع أنواع المخدرات، ويرفض الإنفاق ومهمل لبيت الأسرة، يقوم بتعنيف الأم نفسيا وجسديا أمامها، يرفض البحث عن العمل، ويمنع الزوجة من العمل.
في ظل جائحة كورونا قام في أحد الأيام بتكسير جميع أثاث المنزل، وحمل السلح الأبيض في وجه البنت مما جعلها تطلب النجدة من المركز في فترة الحجر الصحي من خلال الإتصال عبر الهاتف، والدتها كانت خارج البيت بحثا عن العمل وعن لقمة العيش.
قام مركز النجدة بالتدخل للصلح بينهما، لكن الأب رفض ذلك، ولأن الأمر يحدث بالعالم القروي فقام مركز النجدة بالاتصال برجال الدراك لإنقاذ ثريا من والدها المعنف.
خلاصة اللقاءات مع المعنفات :
أجمل اتحاد العمل النسائي بأكادير الصعوبات التي واجهتها المعنفات في قضايا تهم عدم توفر بعض النساء على تقنية التواصل عبر الواتساب مثلا من أجل إرسال رسائل صوتية من أجل التوجيه والإرشاد، رفض أغلبية الأزواج عمل الوساطة العائلية، صعوبة التوجيه والإرشاد في حالة الحجر الصحي خصوصا بعد قرار النيابة العامة بإغلاق المحاكم، عدم تمكن مجموعة من النساء من الإدلاء بالمعلومات الخاصة بها كرقم البطاقة الوطنية لعدم قدرتهن على القراءة والكتابة، تعذر الإتصال ومتابعة بعض الحالات بسب استلاء المعنف على الهاتف.
رابعا : احصائيات وبيانات حول العنف ضد النساء :
- قبل كورونا كان العنف ضد النساء وفي زمن كورونا اشتد عليهن العنف.
عبر العالم يؤكد العديد من الخبراء والمحللين وجود علاقة بين الضغط الاقتصادي والإيذاء المنزلي. وفي الوقت الراهن يتزايد العنف المنزلي تزامنًا مع سياسات الإغلاق والحجر الصحي، وما يترتب عليه من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الأسر.
وهنا بعض الأرقام والتواريخ التي تدل على تزايد العنف ضد المرأة في أوقات الأزمات، فخلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009 والكوارث الطبيعية مثل زلزال كرايستشيرش، تضاعف العنف الأسري المستهدف للمرأة والفتاة.
وكشف مسح أُجري في مايو 2009، وتضمن أكثر من 600 ملجأ للعنف المنزلي في الولايات المتحدة، أن 75 في المائة أبلغوا عن زيادة في النساء اللواتي يطلبن المساعدة منذ سبتمبر 2008، أي تزامنًا مع بداية الشعور بالانكماش الاقتصادي.
وخلال الانهيار المالي في اليونان، أبلغت الشرطة اليونانية عن زيادة بنسبة 53.9 في المائة من العنف العائلي في عام 2011.
وكشفت عدة دراسات حديثة في العالم عن تصاعد موجات العنف ضد النساء بالتزامن مع جائحة كورونا، حيث أشارت الى أن الأمم المتحدة رصدت بالفعل هذه الظاهرة، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة للخروج في بيان دعا فيه الحكومات والدول إلى حماية النساء والفتيات من العنف الأسري، ونبه قائلا : “على مدى الأسابيع الماضية، من اجتياح فيروس كورونا العالم، ومع تزايد الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية وتنامي المخاوف، شهدنا “طفرة” عالميّة مروعة في العنف المنزلي”.
لقد أدى الوباء إلى تباطؤ عالمي، وتفكك اقتصادي هائل، وإغلاق العديد من المشروعات والأعمال التجارية، مما جعل شبح البطالة يخيم على أعداد هائلة من البشر، وهو ما سينعكس بصورة حتمية في تزايد معدلات العنف داخل المنزل، وخاصة العنف الموجه ضد النساء.
- تزايد العنف ضد النساء في العالم بسبب كورونا:
- العنف ضد النساء قبل جائحة كورونا :
من المؤكد أن العنف ضد النساء والفتيات كان منتشرا بنسب متفاوتة بين بلدان العالم قبل اجتياح فيروس كورزنا للكرة الأرضية.
في البلدان المغاربية ( المغرب والجزائر وتونس ) كان العنف حاضرا بقوة ضد المرأة، فحسب احصائيات رسمية من الأمن الوطني بالمغرب وبالجزائر ووزارة العدل بتونس ، سجلت هذه البلدان ما بين سنة 2014 و2016، أرقاما مزعجة، 15800 شكاية ضد العنف في المغرب و8500 شكاية في الجزائر و6000 شكاية بتونس . الجدول
كما عرف العنف ضد النساء والعنف الأسري عموما بعدد من بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط نسبا كبيرة، والجدول يبين نسب العنف الأسري مقابل العنف ضد المرأة في هذه البلدان ( احصائيات الموسم 2018 -2019)، حيث تتصدر اليمين هذه الدول في العنف الاسري بنسبة 26 في المائة، بينما تتصدر لبنان العنف ضد المرأة بنسبة عالية جدا تصل إلى 82 في المائة.
- العنف ضد النساء في المغرب قبل كورونا :
في المغرب قبل جائحة كورونا كانت نسب العنف كبيرة حيث سجلت نسبا مخيفة تهم نسب أشكال العنف وعدد المعنفات، وحسب نتائج البحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء بالمغرب، ( بحث رسمي أشرفت عليه وزارة التضامن والأسرة والمرأة) الذي تم إنجازه على مستوى جهات المملكة الـ 12، خلال الفترة الممتدة ما بين 2 يناير و10 مارس 2019، فإن نسبة انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة على الصعيد الوطني تصل إلى 54.4 بالمائة، وتقدر هذه النسبة في المجال الحضري بـ55,8 في المئة، بينما لا تتعدى في المجال القروي 51,6 بالمئة.
وسجلت الوثيقة أن 3.2 بالمئة من النساء ما بين 18 و64 سنة، أي 349 ألف و688 امرأة، تعرضن لجميع أشكال العنف، و12.4 في المئة من مجموع النساء المغربيات تعرضن للعنف في الأماكن العامة، بنسبة 66.5 بالمئة بالنسبة للعنف الجنسي، و49.1 في المئة بالنسبة للعنف النفسي، و33.2 في المئة بالنسبة للعنف الجسدي.
ويقدم الجدول أسفله ، وهو يرجع للمندوبية السامية للتخطيط بالمغرب، قطاع رسمي شبه مستقل، يقدم مجمل أشكال العنف ضد المرأة ونسب انتشاره وعدد المعنفات خلال بحث وطني أجري سنة 2011 ، ويستنتج من خلال المقارنة بين بحث سنة 2019 وهذا الأخير أن نسب العنف ضد المرأة إما بقيت على حالها او ازدادت وهذا دليل على أن كل القطاعات الرسمية والحكومية لم تقدم الشيء الكثير للتصدي لظاهرة مجتمعية تزداد استفحالا مع مرور الوقت، وهذا ما سيتضح من خلال “طفرة” العنف في زمن كورونا .
- العنف ضد النساء في المغرب في زمن كورونا: تزايد واستفحال
سجلت جمعية اتحاد العمل النسائي ( فاعل مدني مستقل) نسبا مرتفعة في استفحال ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات خلال اجتياح وباء كورونا للمغرب، خاصة خلال الحجر الصحي، ويبين الجدول أسفله هذه النسب بين شهري يناير وابريل من العام 2020، ( يناير وفبراير قبل كورونا ومارس وابريل خلال الحجر الصحي) في بعض المدن المغربية، وتبين الأرقام بملا لا يمكن الشك تزايد حالات العنف خلال فترة الحجر الصحي وانتشار الوباء في المغرب.
وأوضحت جمعية اتحاد العمل النسائي من خلال تقريرها حول العنف ضد النساء والفتيات في زمن كورونا من خلال قراءة في وضع الحالات التي تم استقبالها في 13 مركز، اما عبر المكالمات الهاتفية والتسجيلات الصوتية أو عبر رسائل نصية بالوتساب والتي بلغ عدد 764 اتصال يتعلق بأكثر من 1000 حالة عنف كانت مواصفاتها كما يبين الجدول أسفله.
أما بخصوص من يمارس العنف ضد النساء والفتيات فقد أوضح تقرير الجمعية المذكورة أن الأزواج في مقدمة المعنفين ضد زوجاتهم بنسبة عالية تفوق كل التوقعات حيث بلغت 76 في المائة، تليها نسبة العنف الصادرة عن عائلة الزوج بـ 6 في المائة ثم العنف من الأخ بنسبة 5 في المائة ثم الطليق بنسبة 4 في المائة.( الجدول أسفله).
ويتصدر العنف النفسي اشكال العنف ضد المغربيات، حسب نفس الجمعية، ويبين الجدول أسفله أن نسبة العنف النفسي تفوق 60 في المائة متبوعا بالعنف الاقتصادي بأكثر من 50 في المائة، ويلاحظ ان العنف الاقتصادي استفحل كثيرا في زمن كورونا، ويأتي العنف الجسدي في المرتبة الثالثة بنسبة تقترب من 40 في المائة.
خامسا : كفاح النساء والمجتمع المدني لمواجهة العنف
قادت الحركة النسائية المغربية والمجتمع المدني المؤمن بحقوق النساء كفاحا مزودجا خلال جائحة كورونا، من جهة مكافحة الوباء بحماية الأسر والانخراط في الاحتراز من فيروس قاتل ومن جهة أخرى مكافحة العنف ضد النساء والفتيات.
وهكذا انخرطت المنظمات النسائية والمجتمع المدني المؤمن بقضية النساء في المُساهمة في حملات التوعية والتحسيس من أجل الالتزام بإجراءات الحجر الصحي، والمساهمة في حملات تضامنية مع النساء والأسر في أوضاع صعبة، إلى جانب التبرع لصندوق تدبير مُواجهة وباء كورونا، وإطلاق حملات عبر مُختلف شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي.
وإطلاق عدد من الأرقام الهاتفية للاغاثة والمساعدة، ونظمت مراكز النجدة العديد من جلسات الاستماع بشكل مباشر او عن بعد، كما نشرت المنظمات والجمعيات تقارير تفضح المستور من حالات العنف والطرد من البيوت.
وشملت عمليات وحملات التحسيس والتوعية، الالتزام بالحجر الصحي والتقيد بشروط الوقاية من انتقال الفيروس، واقتسام أعباء البيت بين الرجال والنساء داخل الأسر، ومُناشدة الشباب والرجال جعل الأزمة فرصة لتقوية رابطة التضامن، مع تثمين الذكورية الإيجابية، وتجنب العنف والتمييز ضدّ النساء، ودعوة الدولة الحاكمين لاحتضان المجتمع بكل مكوناته.
- ما العمل بعد كورونا لمواجهة العنف ضد النساء؟
أجمع عدد هام من الخبراء والمهتمون والفاعلون، نساء وذكورا، في مجال حماية حقوق النساء المعنفات على أن هناك إجراءات يتعين على الحكومة المغربية والمسؤولين اتخاذها لمعالجة استفحال العنف ضد النساء، بشكل مستدام وخلال الأزمات مثل جائحة كورونا.
منها ضرورة التأكد من أن عملية إتاحة التواصل والخدمات لجميع ضحايا العنف المنزلي تعتبر “خدمات أساسية” وأن تظل مفتوحة وأن يتم توعية المسؤولين والمسؤولات عن تطبيق القانون بضرورة الاستجابة للمكالمات الواردة من الضحايا، وتحديد أماكن محددة مثل الصيدليات لتقديم الشكايات. والأمر يستجيب كذلك انشاء ملاجئ للنساء المعنفات.
كما يلزم توفير تدابير الحماية الاجتماعية التي تعكس فهمًا للظروف الخاصة للمرأة والاعتراف باقتصاد الرعاية مع ضمان مزايا التأمين الصحي لمن هن في أمس الحاجة إليها وإجازة مدفوعة أو إجازة مرضية للائي لا يستطعن القدوم إلى العمل لأنهن يقومن برعاية الأطفال أو كبار السن في المنزل.
وبالنسبة للعاملات في القطاع غير الرسمي، اللائي يشكلن الغالبية العظمى من القوى العاملة النسائية في الاقتصادات النامية بالمغرب، ينبغي تقديم تعويضات مالية لظروفهن الخاصة بالبلد..
ويجب إشراك النساء في صنع القرار سواء على المستوى المحلي أو الوطني وفي الجماعات الترابية المحلية، لأن إدراج أصوات النساء في صنع القرار سيؤدي إلى نتائج أفضل.
- خلاصة :
إن العنف ضد المرأة لن يتوقف فقط من خلال الإعلام أو من خلال تحديد يوم عالمي للقضاء عليه أو تشريع قوانين ضد العنف، بل لا بد من تعزيز الجهود، والآليات الاستعجالية، والملائمة للتخفيف من حدة العنف ضد النساء، وحمايتهن خلال الظروف العصيبة، والتفكير في اقلاع العنف من المجتمع من خلال الثقافة والتربية والتعليم.
وأخيرًا، يجب على صناع السياسات الانتباه إلى ما يحدث في المنازل ويلزم دعم المشاركة المتساوية في تحمل عبء الرعاية بين النساء والرجال..بالمساواة والمناصفة.
وهل هناك أفضل من تقديم إجراءات سياسية من شأنها بناء عالم أكثر عدلًا وإنصافًا تكريمًا لإنسانيتنا المشتركة؟
المراجع :
- تقارير مراكز النجدة التابعة لجمعية اتحاد العمل النسائي
- موقع الأمم المتحد : https://www.un.org/ar
- موقع المندوبية السامية للتخطيط المغربية : https://www.hcp.ma
- موقع المعهد المغربي لتحليل السياسات : https://mipa.institute/author/mipa
- مقابلات مباشرة مع حالات العنف وفاعلات مدنية لحماية النساء
- موقع منظمة الصحة العالمية : https://www.who.int/ar
[1] أسماء النساء المعنفات أسماء مستعارة حفاظا على خصوصياتهن
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.