تجربة النادي السينمائي نوعية ونقلة استثنائية في الفرجة السنيمائية
الجزء الاول
يكتبها الأستاذ أحمد إدوخراز (إنزكان)
1 ـ سحر الاكتشاف: النادي السينمائي بإنزكان(نادي الفن السابع للسينما إنزكان):
كنت ممن استحوذ عليهم سحر الفن السابع منذ الصغر، وأَسِـرَتْهم الصورة في حركتها على الشاشة الكبيرة بالقاعات السينمائية(كوليزي بإنزكان، سينما سلام ـ صحراء ـ ريالطو بأكادير ثم في سنة دراسية بكلية العلوم بمراكش في سينما الريف، الزهراء وبلاص ثم كوليزي بحي جليز. كان ذوقي الفرجوي تؤطره السينما الهوليودية(الويسترن أو الكاوبوي، الأفلام التاريخية أو أفلام الرومان كما كنا نسيمها، أفلام الإضحاك مع الظاهرة السينمائية شارلي شابلان، أفلام المغامرات والعنف عموما بما فيها البوليسية وأفلام الرعب..)، ثم ظهر الثنائي الذي صار طبقنا السينمائي المفضل والشهي وهو “الكاراطي والهندي” والذي ابتكرت له مخيلتنا اسم التاريخ والجغرافيا. كان هذا المنتوج الفيلمي التجاري هو كل ما تدركه حاستنا الفنية وعشنا به أحلامنا وأثر في تفكيرنا وتصورنا لأسلوب الحياة والذي يصطدم بواقع مر لا يسمح بمعانقة الآفاق التخييلية والوهمية التي نحملها معنا إلى جلساتنا مع الأقران وإلى فراشنا الليلي، فيُخلِّف لنا ذلك الوعي الشقي الذي يقتات من حرماننا.
أواخر سنة 1985 وبعد سنة من اشتغالي في ميدان التربية والتعليم ستتاح لي فرصة اكتشاف تجربة أخرى في الفرجة بفضل أستاذي وزميلي في العمل بمدرسة العرفان؛ وهو الاستاذ النشيط نقابيا مع المركزية النقابية العتيدة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وسياسيا مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثم ثقافيا وفنيا من خلال خدمة التسويق والإعلان والإبلاغ بأنشطة الهيئات الثقافية الموازية، إنه الأستاذ البشير مدعشا أطال الله في عمره عندما جاءني ببطاقة للانخراط في نادي الفن السابع للسينما بإنزكان، ولم أكن لأرفض دعوته وأنا أعيش لحظة مراجعة الذات والبحث عن معنى للحياة والرغبة في مغادرة ثقافة التفاهة والتنميط نحو ثقافة البناء العقلي والفكري والسلوكي. كانت محطة لأكتشف إبداعا سينمائيا مغيبا بروافده الفكرية والفنية الإبداعية الثرية. لا أنكر أن إيديولوجية معينة أو توجها فكريا أو حتى سياسيا كان يؤطر الكثير من ذلك الإبداع إلى جانب الخلفية الفنية الجمالية والإبداعية بدرجات تتفاوت بين مخرجيها ومنتجيها وحتى بين عارضيها ومروجيها، لكنه إبداع تخلص من تلك الحركة الجنونية الكثيفة بالعنف والرومانسية وأحلام اليقظة والتفاهة وتبليد الحس وتنميط طقوس المشاهدة ليعانق أشياء من واقعنا البئيس وليكشف أمامنا صورا من معاناة المقهورين في العالم كله وليشكل مهمازا يخز مناطق موجعة في بنيتنا الذهنية والنفسية. والطريف أن هذه الفرجة الجديدة كانت تتم في نفس القاعة السينمائية بإنزكان(كوليزي) صبيحة يوم الأحد لتمنح ذلك الفضاء شيئا جديدا مخالفا عما ألفناه من طعم الذوق الجمالي الفني بخلفيته الثقافية والإبداعية.
لقد شكلت تلك اللقاءات منعطفا في استهلاكي للإبداع السينمائي وغيرت نظرتي ورؤيتي وذوقي الفني على قلتها لكونها لم تتجاوز بالنسبة لي ثمان مشاهدات كان يؤطرها بالخصوص الأستاذ المتميز بوجمعة أزيعا أستاذ الفلسفة الذي شكل علامة بثانوية عبد الله بن ياسين سابقا، وهو الجذوة المتقدة بيداغوجيا وديداكتيكيا في الصف التعليمي(أفواج من التلاميذ بالأقسام الأخرى غير اقسامه تتوافد على حصصه وربما أدى ذلك إلى اكتظاظ من أجل الاستفادة من دروسه في مادة الفلسفة والفكر الاسلامي التي يقدمها بطريقة شيقة تبرز مدى تمكنه الفائق من المضمون والمحتوى، وتعكس مهاراته البيداغوجية)، وتوعويا وتأطيريا على مستوى أنشطة الحياة المدرسية ثم نضاليا في حياته العامة بواجهاتها المتعددة دون أن ننسى مستوى القيم الإنسانية الذي يتمتع به في علاقاته المفعمة بالتواضع والإنصات والحوار. كان تجربته فيها نوع وشيء من محاكاة تجربة الناقد السينمائي نورالدين الصايل أستاذ مادة الفلسفة بإحدى ثانويات مدينة الرباط. للأسف أن تجربة النادي السينمائي بإنزكان توقفت بعد أن عرفت أشكالا من التعثر من جنس عدم الانضباط في الحضور، عدم إنجاز التكليفات من قبيل إعداد البطاقات التقنية، عدم وصول الفيلم المبرمج بسبب خلل في الإرسال أو وسيلة النقل أو تهاون المكلف بإحضار الفيلم وإرجاعه، إضافة إلى شيء من ضعف التأطير بسبب عدم حضور أهل الاختصاص لتقديم أرضيات أو محاولات في القراءة الفيلمية أو المحاولات النقدية الرصينة. أكيد أن هناك إكراهات تنظيمية وهيكلية لدى النادي أجهلها، وهي التي أدت به إلى توقف التجربة، وللأسف الشديد قد لا نستطيع الحديث عن تجربة النادي السينمائي بمدينة إنزكان لغياب المعطيات التاريخية والتوثيقية، ولحد الساعة لم نعثر على محاولة لإخراج أرشيفات ووثائق تجارب النادي السينمائي بإنزكان، فباستثناء إشارة بالصورة وليس بالكتابة لناد سينمائي في السبعينيات تمَّ إدراجها في المؤلف “مدينة إنزكان، التاريخ والمجال والثقافة” من إعداد وتنسيق الدكتور عمر أفا والدكتور محمد الحاتمي، والصورة تجدونها رفقة المقال، فإننا لا نكاد نعثر ولو عن شذرات عن تجربة النادي السينمائي بإنزكان إلا ما تلتقطه الآذان هنا وهناك مما لا يمكن اعتباره ذاكرة شفهية في غياب التوثيق.
بالنسبة لي، فقد شكلت تلك الفترة القصيرة جدا تحولا في المتعة البصرية والإقبال على الأعمال السينمائية ذات القيمة الفكرية والفنية والجمالية، واكتشاف لغة جديدة اسمها اللغة السينمائية إلى جانب قاموس الشاشة، كما تعرفت معرفة أولية وبسيطة على بعض المدارس والاتجاهات والتجارب السينمائية كالواقعية الجديدة الإيطالية التي أثرت كثيرا على السينما العربية بالخصوص السينما المصرية مع روادها من طينة المخرج صلاح ابو سيف والمخرج محمد خان والمخرج عاطف الطيب.. . طبعا سمعنا عن مدارس أخرى مثل الواقعية الشعرية والموجة الجديدة في فرنسا. التعبيرية الألمانية. السينما الثالثة في أمريكا اللاتينية وبعدها دول أفريقيا.. الخ . ===يتبع===
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.