تارودانت .. بين نفاق الساسة وأصوات الجماهير
أزول بريس-الناقد منيري المنيري في قراءة للمشهد السياسي
تارودانت اليوم هي تارودانت الأمس، فبجولة واحدة بين أزقتها وشوارعها، تلمح أن لا شيء تغير أو بالكاد تغير الكثير ولكن لما هو أدنى وأسوء، فلا هي مدينة احتفظت بمسحة أصالتها ولا هي جددت من بنياتها وانسلخت من هويتها لتلتحق بالمدن ذات الطابع الأروبي الحديث.
هل نملك مدينة؟ ربما… ولكنها مدينة بلا رجال، بلا ساسة حقيقيين يستطيعون تجاوز ذواتهم وأحزابهم إلى الانخراط في صنع تاريخ يعظم أسماءهم وإنجازاتهم بعدما يشيعون إلى المقبرة الكبرى بالمدينة أو ما يصطلح عليها بلسان العوام”باب الخميس”…وما يثبت هذا بالدليل والبرهان في رأينا هو المعطيات الاتية:
المعطى الأول: تعمير بعض الساسة على رأس هرم الأحزاب وتوليهم القيادة مع تقديمهم للمراتب الشرفية في اللوائح الانتخابية, وبالتالي تولي المناصب السياسية وللمسؤوليات الجماعية والإقليمية، الأمر الذي يولد مفارقة سياسية ذات منحى وجودي وأخلاقي، وهي الاعتراف الضمني بفشل العمل الحزبي الذي يتولاه هؤلاء الساسة، لأن العمل الحزبي القوي هو القائم على التناوب في أخذ المسؤوليات وتكوين قيادات جديدة قادرة على إضفاء روح العصر والاجتهادات الفردية على القواعد العامة للعمل السياسي.
المعطى الثاني: الانتقالات الممنهجة وغير الممنهجة بين الأحزاب، ونقصد بالممنهجة، تلك الانتقالات الجماعية من حزب إلى آخر، والتي يحركها في الغالب البحث عن الحضوة السياسة في الحزب المستقبل/ الجديد، ومن الجلي للمتابع أن هذه الانتقالات تمت مؤخرا وفق زمالات وعلاقات عائلية أو توجهات هوائية تجمع بين المنتقلين. ونقصد بغير الممنهجة تلك الانتقالات الفردية التي يحركها هاجس الحضوة كسابقتها أو التي تأتي كردة فعل على تهميش وتراجع شعبية المنتقل في حزبه الأصلي.
المعطى الثالث: الهيمنة الذكورية على مناصب القرار وعلى القيادات الحزبية، وهذا واضح وجلي من هياكل الأحزاب ورئاسة المجلس الجماعي لعقود خلت وكذلك رئاسة المجلس الإقليمي، بالإضافة إلى وكلاء لوائح الانتخابات.
المعطى الرابع: ويتجلى في ضعف المنجزات الجماعية التي أشرف عليها هؤلاء الساسة، فبعيدا عن خطاب المؤامرة والعرقلة وضعف الميزانيات وغيرها من الأعذار، فما الذي يمكن الافتخار به وعده إنجازا: هل إعادة تأهيل حديقة ابراهيم الروداني التي تستغيت وتموت عطشا يوما بعد يوم، أو ساحة باب الحجر أو ما يسمى بالجفنة؟ أو قنوات الصرف الصحي المنعدمة والمهترئة في كثير من أحياء المدينة أم هندسة مباني سطاح المدينة الذي تحول إلى فسيفساء مبعثرة، أم المحطة الطريقية بباب الزركان؟ أم سوق السمك الذي أصبح ضره أكثر من نفعه؟ أم التوسع العمراني الذي قضى على الفضاء الغابوي بكل اتجاهات المدينة؟ أم السوق الأسبوعي المختلط؟ أم ترميمات وترقيعات سور تارودانت العظيم؟ أم براد ساحة السادس من نونبر؟ أم فضاءات ألعاب الأطفال التي تحولت إلى أطلال حديدية وباحات للرمال والنفايات؟
ولكنه ربما لهؤلاء الساسة حديث آخر مع موعد كل انتخابات أو في كل ندوة يعقدونها، فهم يتفننون في استنباط الصواب من الخطأ والمنجزات من الفراغ، والحديث عن المشاريع المنجزة والمتوقع إنجازها فتؤمن فعلا بأنهم ذوو شان عظيم في السياسة والاجتماع، ولكن ما إن يتقادم الزمن قليلا حتى تكتشف أن إنجازاتهم كانت أوهى من بيت العنكبوت، وأن حديثهم كذب ووعدهم خلف وائتمانهم على مصالح الناس خيانة، وأي خيانة، والأغرب من هذا ولك ألا تستغرب!! فستجد من يطبل لهم ويزمر وقد يرقص، ويزكي هذا وذاك، والرودانيون في هذا على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: يصوت مأخوذا بنزعته العاطفية وبتربيته الإديولوجية، كما لاحظنا في آخر انتخابات جماعية وبرلمانية، فحزب العدالة والتنمية، قد استطاع حصد ما زرعه منذ سنوات طويلة من خلال قنوات عمله الحزبي والنقابي وحركة التوحيد والإصلاح التابعة له، ويتمظهر ذلك في الشباب خريجي الحزب والذي كانت لهم قابلية في الدفاع عن الحزب ونسف الأحزاب الأخرى بدلائل أقرب إلى حديث العوام من كونها دلائل صادرة عن فئة مثقفة تتبنى الطرح الواقعي في الدفاع عن مشروعية الحزب في الفوز بالرئاسة والأغلبية.
الصنف الثاني: يصوت بالنظر إلى قرابته العائلية أو المهنية أو الحزبية للمترشحين، وقد لامسنا هذا من خلال الفئة التي تعاطفت مع حزب الاتحاد الاشتراكي في الحملات الانتخابية، فالكثير من المتعاطفين كانوا بصفة أو بأخرى يتصلون بأحد الأعضاء من الحزب، إما برابطة دموية، أو زمالة مهنية، أو انخراط حزبي قديم أو حديث.
الصنف الثالث: يصوت طبقا للاستفادة الشخصية أو الجماع…
التعليقات مغلقة.