بات من المؤكد أن تأجيل الزيارة الملكية لمدينة الانبعات خلف نقاشا قويا وحادا في أوساط الشارع السوسي منذ ليلة الخميس الماضي، بين متدمر ومتفائل بعد حالة الاستنفار القصوى، والترقيعات التي باشرتها السلطات الاقليمية والمحلية والمجالس المنتخبة،حيث تشهد جل الطرقات، و الشوارع الكبيرة، و مداخل المدينة حالة استنفار، و أشغالا للتهيئة تمتد حتى ساعات متأخرة من الليل، وتحولت المدارات إلى أوراش كبرى، حيث نزلت الولاية، و الجماعات الترابية بكل ثقلهما لإعادة صباغة الأرصفة، و تنظيم الحدائق وجلب الاغراس خارج المدينة، والحواجز الحديدية، وآليات لم نرى مثيلا لها ولم نسمع بها قط من قبل… فالتأجيل يخدم مصلحة المواطن البسيط، أملا في أن تتحول اكادير و النواحي إلى ورش مفتوح لاصلاح البنيات التحتية وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين في المؤسسات العمومية واصلاح ما افسده رموز الفساد السياسي والمالي والاداري بالجهة.
الزيارة الملكية في المقابل حكمت على المتقاعسين والعابثين بمصالح البلاد والعباد قضاء الليل بطوله في متابعة الاشغال مند أيام تحت الضغط النفسي والاكراه وقد بانت على الاكثرية علامات الارهاق والاجهاد ومنهم من ظهرت على وجهه بثور الحمى خصوصا رؤساء الاقسام الاقتصادية والاجتماعية بعمالات الاقاليم التابعة لولاية الجهة والذين عشعشو في مكاتبهم تحت المكيفات وكؤوس الشاي والمشروبات في ظل تدهور مرافق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتوقف الخدمات بجلها، ونقص حاد في التجهيزات الاساسية والبنيات التحتية، وهذه من أسباب تخلف جهة سوس ماسة في جميع مناحي الحياة وتراجع بريقها وتنافسيتها للجهات الاخرى، ويضع رهان الجهوية المتقدمة في المجهر.
الزيارة الملكية الميمونة أيضا خلفت نوعا من الارتجاج في صفوف المنتخبين بالجماعات الترابية حيث أكدت لنا مصادر داخلية عن اجتماعات موسعة و مكثفة تعقد وتمتد حتى ساعات متأخرة من ليلة كل يوم، وأضافت أن الجماعات جندت كل آلياتها، و عناصرها البشرية لتأهيل المدينة، ضربا عرض الحائط خطاباتها السابقة عن الازمة المالية التي عصفت بموارد الجماعات، المادية منها والبشرية، وبلوكاج صندوق دعم مشاريع المبادرة والتي تعهد في صرفها للامر بالصرف (رئيس الجماعة الترابية )، بسبب عدم صرف الاعتمادات منذ 2014.
تأجيل الزيارة الملكية يعطينا مؤشرات قوية على ضعف التجهيزات الاساسية وعدم مقدرة مسؤولي الولاية على اختلاف المهمات المنوطة بهم من إنجاز ورش الاستقبال في مستوى تطلعات ملك المغرب ومستوى الحدث التاريخي الذي سيعيد لا محالة ترتيب الاولويات في بنية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية والرياضية بمنطقة تعاني الاكرهات مند سنوات نتيجة توغل وتجدر قوى الفساد أمام ضعف المراقبة والمحاسبة، وأمام انتظار غضبة ملكية تعصف بكبار مسؤولي الجهة وتنقيلات عقابية لما آلت إليه الأوضاع بالجهة، جعلت الشارع السوسي يتوهج ويشتعل بوقفات احتجاجية واعتصامات مفتوحة ومسيرات سلمية أمام المؤسسات الدستورية دون استجابة لمطالبهم المشروعة والتي لا تتعدى العيش الكريم.
تأجيل الزيارة الملكية إشارة قوية عن عدم رضا المحيط الملكي، بعمليات البرنقة والتجهيز والاصلاح والتزفيت التي تطال شوارع المدينة، وكذا المشاريع المتوقفة: وللذكر لا الحصر، محطة تحلية مياه البحر (كاب تيكرت)، التي بدأت فيها الأشغال منذ ثلاث سنوات، وبلغت درجات متقدمة، وصرفت فيها أموال طائلة، وتوقفت بشكل مفاجئ، أيضا مشروع أكادير لاند، الذي تم توقيفه وخلف موجة غضب عارم في صفوق السوسيين، ومشروع تغازوت السياحي … والعديد العديد من المشاريع المتعترة بسبب الحسابات الضيقة، والنزعة الاصولية، واستغلال النفوذ والسلطة، وتغليب منطقة على أخرى.
تأجيل الزيارة الملكية فيه فوائد كثيرة ايضا تخص استفادة عاصمة سوس من العديد من الاصلاحات على مستوى البنية الطرقية المهترئة وكذا تطهير المدينة من ركام الازبال وإعادة تشجير الشوارع والازقة وتنويرها وصباغة المؤسسات العمومية وتحرير الملك العمومي وكهربة الشوارع وصباغة الارصفة والاعمدة وإعادة ترتيب التشوير الافقي والعمودي، وتحريك الآلة الامنية للحفاظ على سلامة وأمن المواطنين.
أما المسؤولين فلسان حالهم يقول أن التأجيل
سيعيدهم لنقطة الصفر وسيكبدهم عناء إعادة المدينة الى سباتها العميق، فكل الأعلام سوف تعود أدراجها والنخل قبل أن يثمر ، ورجال الامن، والحواجز الحديدية …عوض التفكير في الحلول الممكنة وتعويض الفرصة الذهبية أمامهم لتجنب الغضبة الملكية التي لا محال تنتظرهم في كل الاحوال.
حقيقة مرة نستشفها من هذه الزيارة الملكية فأغلبية المسؤولين للأسف الشديد، بعيدون كل البعد عن المهنية والتدبير الجيد للموارد ولا يتقنون سوى الصراخ والعويل واستنفار بعض الجمعيات الكرطونية لتمارس فعل التجييش وضرب ( البندير) وتأتيث المشهد العام بالصور الفلكلورية وطلقات البارود وتنقيل حشود مهمة من المواطنين كرها لاستقبال الموكب الملكي، وهذه العمليات تصرف عليها الملايين القادرة فعلا على بناء مراكز صحية ومدارس، وكذا مرافق اجتماعية تحارب الهدر المدرسي وسط الفتيات والحد من الامية في صفوف النساء ومقاومة الاقصاء الاجتماعي والهشاشة والتهميش لدى الشباب عن طريق مشاريع مدرة للدخل تقيهم شر التطرف الفكري، تجاوبا مع خطابات أعلى سلطة في البلاد.
بقلم: عبد الرحمان سناج
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.