إعدام ظهير “بربري” وإحياء الظهائر المخزنية…ما أشبه اليوم بالأمس!

 تحل ذكرى ظهيرملكي16 ماي 1936 خنقته أصوات “الفتنة” من حراس دار المخزن وصداها في حزب أهل فاس وفقهاء السلطان ، ولم يكن سوى تعبير تشريعي عن مطالب لتطبيق قوانين ديموقراطية أنتجها الهامش الذي ينعته دار المخزن بدار السيبا ودارالبربر

الحقيقة أن الهامش كان أكثر حداثة من المخزن السلطاني، وقوانين الهامش المسماة أعرافا، أو القوانين العرفية بتعبير نجيب بودربالة، تشرعها الجماعة كأسمى تعبير عن إرادتها العامة، تنشر في ألواح على أبواب المساجد التي كانت تقوم بدور الأمانة العامة للحكومة في نشرها بالجريدة الرسمية، تطبقها محاكم ( ظهير المحاكم العرفية المكنى “الظهير البربري “16 ماي 19366)في دولة المدينة المدنية الأشبه بدولة المدينة الأثينية القديمة، التي لا تزال تلهم الفكر الديمقراطي الحديث في الغرب ( انظر على سبيل المثال الفيلسوفة الألمانية حنا ارندت وقوانين ساحة الأكورا اليونانية…) و يستوحي عمقها التاريخي و قوتها الطبيعية العفوية فيما نستدركه اليوم في قوانينا باسم الديمقراطية المباشرة أو الحوارية

الهامش كان بحق” سيبا” بمعنى حداثي، ديمقراطي و ليس انفصالي، كان متقدما على التقاليد السلطانية المخزية، كان في دول مدينة مستقلة، فيما يدعو إليه البعض بلغة معاصرة دولة الجهات….طالب بحفظ أيقونته الديمقراطية، بحداثة مغربية ذات عمق وفرادة حضارية شمال افريقية، وذات بعد ديني جماعي، من التراجيديا أن يقوم فقهاء الفتنة من دار المخزن وساسته بوأد هذه التجربة الديمقراطية الفريدة، ولم يجدوا سوى الدعاء المخزني البئيس : يالطيف يالطيف لا تفرق بيننا وبين اخواننا البرابر

بفقه المخزن وتقاليده المخزية ومصالحه الجشعة أعدم الهامش ، ووأدت تجربة حديثة فريدة في توافق القيم الدينية و المدنية ، بفقه المخزن ومصالحه لا تزال ظهائرتلك المرحلة حية بيننا تطوق المطالب الحقوقية للهامش ( ظهير عسكرة الريف ..ظهير كلما من شانه ان يمس بالنظام العام و الاحترام الواجب للسلطة 1935..) وتطال ثرواته بظهائر تفويت أراضي ومعادن الهامش و استغلالها من طرف المخزن ( ظهائر الملك الغابوي و أراضي الجموع 1917 و 1919 ، المكاتب الشريفة و المندوبيات السامية……)

ظهائر المخزن لا تزال على قيح الحياة، مقابل ظهير يتيم للهامش وئد في مهده …هكذا انطلق سهم الانفصال و التفرقة بظهير ضد قوس ديمقراطية الهامش و السيبا، ماذا لو انطلق سهم المخزن من قوس الهامش ، ألن يكون حال الدولة الأمة أفضل،يكون فيه نصل المركز مشدودا بديمقراطية القاعدة العريضة لقوس الهامش؟

ليس غريبا أن يستمر الهامش في الاحتجاجات و المطالبات بالديمقراطية ، وأن يستمر في شد أوتار قوسه ، مادامت الخطيئة الأولى ، وما تناسل عنها …. لم تتداركها تصحيحات بمثابة عمليات جراحية في دار المخزن ، وفقهائه الدينين و السياسيين و الاقتصاديين …لتعيد لأجيال الهامش حقوقه،وتفهم دعوات و مطالب قوس “السيبا و التهميش ” كمطالب ديمقراطية و ليست انفصالية وتعتذر عن أساطير وأوهام ، وسهام مسمومة ، فرقت بين أوصال الوطن الواحد ، ولا تزال تفرق حتى تسود و تحكم .

د. رشيد كديرة، أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد