اعمو يكسر صمت برلماني الجهة وينتفض بخصوص مشروع اكادير لاند: ألا تستحي إدارتنا من نفسها؟ وهل تستحق ساكنة أكادير والجهة هذا العقاب؟
عبد اللطيف اعمو //
إن المطلوب من أداء الإدارة أن ينبني على أساس المشروعية، وقد يتصف أحيانا بالشطط، وغالبا ما ينبع هذا السلوك من سوء تأويل. وأما أن يصل إلى درجة الاستخفاف بسمعة المستثمرين الذي قد لا يخلو من احتقار وإهانة (التلطيخ / bavure)، فهذا عمل طائش لا يقبله المنطق السليم.
وهو ما حصل تحديدا في تصرف الإدارة بأكادير، لما قررت إلغاء مشروعي “أكادير لاند” و “أكادير كامب”، اللذان تتجاوز قيمة استثماراتهما 322 مليون درهم، ومن المنتظر أن يخلقا في توقعاتهما أزيد من 1000 منصب شغل.
هذان المشروعان اللذان يندرجان ضمن المجهود الاستثماري للقطاع الخاص، في ظروف ما أحوج مدينة أكادير فيها، بالخصوص، و جهة سوس ماسة على وجه العموم إلى مثل هذه المشاريع.
تصوروا معي أن مستثمرا محليا أو أجنبيا تقدم بمشروع كامل ومتكامل بكل تصوراته وتصاميمه ومجسداته وبأدواته التواصلية والترويجية، مع كل المتطلبات والأغلفة الاستثمارية المرتبطة به، ويأخذه إلى المركز الجهوي للاستثمار، ليفحصه ويعطي رأيه فيه، ثم يتبناه، فتلتقطه جماعة أكادير بحماس، لأنها ترى فيه إنقاذ جزء مما يذوب بين يديها، كالزبد في عز الشمس، ضمن فرص الاستثمار الضائعة والانكماش المستمر للأنشطة التنموية وللبنيات الاقتصادية المهيكلة، رغم أن الجهة والمدينة ومحيطها حافلة بالموارد المتنوعة والمتعددة، ولا تحتاج إلا إلى مبادرات الخلق والابتكار، خصوصا في المجال السياحي.
ثم يعرض المستثمر مشروعه على مختلف اللجن المختصة، التي أعطت موافقتها، بما فيها لجنة الاستثناءات، وأن يرخص لصاحب المشروع بالقيام بالأشغال التهييئية، من طرق وتهيئة هندسية ودراسات تكميلية في الفضاء المخصص للمشروعين، بجانب دفعه إلى إبرام اتفاقيات وتوقيع التزامات مع عدة جهات وأطراف مقتنعة بأهمية المشروع وبجدواه، ثم يفاجئ في آخر المطاف بأن هناك موانع ذات طبيعة جيو فيزيائية، باعتبار المكان المحدد لإنجاز المشروع، قد يشكل “خطرا” باعتبار هشاشة الموقع.
والحال، أن الأمر لا يتعلق بتشييد بنايات صلبة وضخمة ولا ببناء عمارات أو فنادق، بل هو اجتهاد وابتكار من أجل تحويل الفضاءات الجبلية القاحلة إلى فضاءات قادرة على الجذب والرفع من مستوى التنشيط وخلق أنشطة سياحية جديدة لها موقعها في السوق السياحية، ألا وهي سياحة الترفيه وأنشطة الهواء الطلق: حيث تهيئ مرافق رياضية وترفيهية ومرافق الراحة بجانب بيوت متحركة mobile home) ( قابلة للتفكيك، وغالبا ما تستخدم مواد خفيفة في بناءها وتركيبها وتجهيزها.
وقد كان أحرى بالإدارة أن تجتهد وتستعمل جرأتها في فهم عمق الإبداع والابتكار الذي يحمله ويجسده المشروع، في مساهمته في تعزيز البنية السياحية للمدينة وتحريك دواليبها المحتضرة، وبذل أقصى جهد للانخراط في التحدي من أجل إنجاح المشروع، لما يحمله من إمكانيات تقنية لتطويع المجال، وضمان الانجاز وتحقيق السلامة والأمن، وإن اقتضى الحال وضع فضاء بديل ملائم رهن إشارة المشروع.
وكان أحرى بالإدارة أن تعمل جاهدة على تطوير نجاعة أداءها، والالتزام بممارسات سلوكية فضلى، تسمح بالأخذ بيد المستثمرين، وتكون في مستوى رهان مواكبة التغيير والتأقلم مع ما يحدث، والاستجابة للمتطلبات الطارئة والملحة والمتجددة، وتمتين عمـلها وأداءها نحو الأفضل من أجل مواكبة العولمة والشمولية والتنافسية.
لقد كان على الإدارة أن تتعامل بليونة ويسر وتساهم في تذويب الصعاب ومعالجة الإشكاليات القائمة أمام المستثمر الذي ينتمي إلى شريحة تساهم في خلق فرص الشغل وتنشيط المجال وجذب الاستثمارات الإضافية وأداء المستحقات الضريبية، التي بها تتقوى الإدارة نفسها وبها يتوطد بنيانها في آخر المطاف.
إن قيام الإدارة – وبجرة قلم – بعد انطلاق أشغال التهيئة والترويج للمشروع وانخراط جهات عدة في دعمه، ومن ضمنها جماعة أكادير، بإلغاءه، يعد تصرفا طائشا في منتهى التهور والاستخفاف، ويدخل ضمن خانة أخطاء الإدارة المزمنة، ويدل عن عماها الحاد، لكونها تنم عن اختلالات عميقة تقف عقبة أمام التنمية في شتى تجلياتها وتمس في الصميم صدق نوايا الإجراءات التحديثية للبنيات الإدارية القائمة.
هل يدرك من هم وراء إلغاء المشروع أنهم بتصرفهم هذا يمسون مصداقية الإدارة والدولة في الصميم؟ ويمسون بذلك مقومات دولة الحق والقانون؟ ويمسون كذلك في الصميم بناء دولة الثقة. وهم بذلك يبرهنون عن غياب الأمن الإداري والمجالي وعن ضعف حماية المستثمرين من كل أشكال الشطط.
أيدركون حقا أنهم يمسون بسمعة البلاد في عمقها في سوق الاستثمارات؟ في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة بمختلف أجهزتها، أقصى جهدها، لجذب الاستثمارات – بقلتها – وإغرائها باللجوء إلى بلادنا والاستقرار في جهاتنا.
هل تتصورون معي حجم الأسى والحسرة والندم لما ترون مثل هذه التصرفات الطائشة واللآمسؤولة، تستهدف المغاربة، الذين ضحوا من أجل تقوية ادخارهم بعملهم في المهجر لسنين طويلة من أجل المساهمة في بناء بلدهم ويعاملون بمثل هذه المعاملة المستخفة بالجهد والعطاء، كما حصل مع صاحب مشروعي “أكادير لاند” و”أكادير كامب”
إن في هذا انتكاسة للثقة وتعثر في ميكانيزمات اتخاذ القرار الإداري.
ألم يكن جلالة الملك محقا في خطابه عند افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان حين قال أنه “ما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسن؛ فإن تصنيف المغرب في هذا الميدان سيبقى ضمن دول العالم الثالث؛ إن لم أقل الرابع أو الخامس”.
إننا حقا في أكادير، وفي جهتها، نحس بأننا اليوم ننتمي إلى عالم رابع وخامس، لأننا بدل تلبية الطموح وتغذيته بشكل ايجابي، نطفئ شعلة الأمل في نفوس المستثمرين الطموحين، ونقول لهم ولغيرهم : “هنا أكادير، تحركوا لا شئ يستحق الاستثمار” ! أو بلغة أخرى:
“içi Agadir, circulez y’a rien à investir !”
وأنا كلي أسف وحسرة، يحضرني الآن مقال إميل زولا J’accuse » « ، لأن هذا القرار الطائش يبطن بين ثناياه عقابا جماعيا لأكادير ولجهة سوس ماسة. فهل تستحق ساكنة أكادير والجهة هذا العقاب؟
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.