إعداد سعيد الهياق//
تتعدد المقاربات في قراء تداعيات إنتشار وباء كورونا حسب تخصص مجال الباحث.
و مع الأستاذة خديجة شاطر طالبة في سلك الدكتوراه ، شعبة الشريعة الإسلامية بمصر كان الحوار عن بعد حول هذه الظاهرة الفتاكة.
فما هي قراءتك الأستاذة خديجة شاطر لتداعيات إنتشار وباء كورونا…؟
” الدنيا دار البلاء.
جعل الله تعالى الدنيا دار ابتلاء و اختيار و ليست دار راحة و طمأنينة .فمهما عال شأن الناس في الدنيا علما و مالا و سرورا فذلك كله يبقى ابتلاء، ليعلم الله تعالى من يشكر النعم ممن يكفرها. حيث قال الله تعالى :هذا من فضل ربي ليبلوني أشكر أم أكفر .فمن شكر فإنما يشكر لنفسه و من كفر فإن ربي غني كريم ،و تبقى طبيعة الدنيا أنها دار امتحان إلى آخر يوم فيها. فمن عقل ذلك و أدركه ارتاح و اطمان ، لان ترك البحث عن الكمال في شؤونه لعلمه أنه ما كملت الدنيا لأحد ، بل إن الله تعالى يبتلي المؤمن على قدر إيمانه. فحين سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن أهل البلاء قال : الانبياء ثم الأمثل فالأمثل . يبتلى الرجل على حسب دينه . فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه. فما يربح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض و ما عليه خطيئة . فأشار النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث إلى أحد أهدافه يزيل البلاء على العباد، و هو تطهيرهم من الذنوب. يرفع الله البلاء جعل الله تعالى البلاء للإنسان كالدواء من داء الذنوب ،ليطهره و يرفعه و يربي سلوكه . فإذا نزل البلاء على المؤمن علم بأنه نعمة من الله تعالى ليحمده و يصبر عليها . وهناك عبادة تساعد المسلم على رفع البلاء عنه و بيان ذلك فيما يلي :
أولا تقوى الله تعالى : فهي عبادة مأمور بها المسلم حيث جعلها الله تعالى سببا للفرج بعد الشدة كشفا للكرب بعد الضيق ، حيث قال : و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكل على الله فهو حسبه ،إن الله بارع أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا . فجعل الله تعالى دفع البلاء و كشف الهم للأتقياء من عباده .
ثانيا الدعاء : حيث قال ابن القيم عن بركة الدعاء : الدعاء من انفع الادوية و هو عدو البلاء يدفعه و يعالجه و يرفعه و يمنع نزوله أو يخففه إذا نزل .
كثرة الاستغفار : حيث قال الله تعالى: و ما كان الله ليعذبهم و انت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون فكان الاستغفار أمان من وقوع العياء حتى بعد انعقاد أسبابه .
ثالثا الصلاة بخشوع و حضور: حيث أوصى الرسول صلى الله عليه و سلم المؤمنين إذا كسفت الشمس أو خسف القمر افزعوا الى الصلاة ليكشف الله تعالى عنهم ما أصابهم و عمهم ذلك على كل مكروه يصيب المؤمن حيث قال : فافزعوا للصلاة وورد في رواية اخرى فصلوا حتى يفرج الله عنكم .
الصدقة : و هي من أهم ما يرفع الله البلاء عن المسلم . فقال ابن القيم : إن الصدقة ترفع البلاء حتى عن الكافر و الفاجر . و أوصى النبي صلى الله عليه و سلم النساء أن يتصدقن ، و قرن ذلك بأن النساء من أكثر أهل النار .فكانت الصدقة سببا لدفع بلاء عظيم جدا و هو عذاب الآخرة .
حسن الظن بالله : إن أخطر ما يصيب الانسان عند وقوع البلاء أن يسيئ الظن بالله تعالى ، فييأس و يقنط و يعتقد أن هذا البلاء حل عليه دون حكمة و سبب أو انه سيلازمه طيلة حياته و الحقيقة أن العبد يتقلب في معية الله و لطفه كل حين حتى وقت اشتداد البلاء .فموسى عليه السلام و قومه حينما ظنوا أن البحر من أمامهم و فرعون من خلفهم فيئس بعضهم و قال : قال أصحاب موسى إنا لا مدركون ، فقال موسى عليه السلام و هو في غاية الثقة بالله تعالى و حسن الظن به قال: كلا إن معي ربي فيهديه. فنجى الله تعالى برحمته موسى و قومه من فرعون و جنوده عندما لجأوا اليه و استعانوا به .
و نوح عليه السلام بعد الامتحان الذي عاشه بتكذيب قومه و استهزائهم به لم يكن يقطع الرجاء و لم يبتعد عن التضرع بالله تعالى بتحقيق النصر و تفريج الهم حيث قال : فدعي ربه أني مغلوب فانتصر فلم يتأخر فرج الله تعالى له حيث قال الله تعالى ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح و دسر. فكانت النجاة لنوح عليه السلام و من آمن به و الهلاك لأهل الكفر . و الانبياء عليهم السلام قدوة للمسلم ، وعلى من حل بهم كرب أو بلاء أن يستعينوا بالله تعالى ،و يدعوا و هو يحسن الظن بأن الفرج قريب .
الحكمة من البلاء : يعلم المسلم أن أمره كله خير . فحكمة الله تعالى تتجلى في كل الظروف التي تحل بالمسلم و عليه ان يتلقى أي بلاء يصيبه بحمد الله تعالى لأنه لفائدة الانسان و مصلحته . قد يحل البلاء بالمسلم لتحقيق غاية من الغايات الآتية :
أولا ينزل البلاء ليكفر خطايا المسلم : حيث وصف الرسول صلى الله عليه و سلم أي بلاء يصيب المؤمن كبر أو صغر وحتى الشوكة يشاكها تكفر عنه الخطايا حيث ورد في الحديث فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض و ما عليه خطيئة .
ثانيا ينزل البلاء ليرفع درجات المؤمن عند ربه عزل و جل و إن أكثر الناس بلاء هم الانبياء ثم الصالحون . و قال العلماء أن البلاء ينزل على الانبياء لتضاعف أجورهم و ليكونوا قدوة للمؤمنين من بعدهم في صبرهم و احتسابهم . ينزل البلاء ليميز الله تعالى المؤمنين عن المنافقين حيث قال الله تعالى : و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين . ينزل البلاء ليعاقب المؤمن على بعض ذنوبه . فمن حكمة الله تعالى أن يحرم العبد الرزق بذنوبه ليتذكر ذنبه و أثره القبيح في حياته فيعود إلى ربه مستغفرا ثائبا .”
التعليقات مغلقة.