الدكتور عبد السلام فزازي: المثقف المغربي و تداعيات كورونا، الواقع… و الآفاق المستقبلية…؟

إعداد سعيد الهياق//
أكيد أن ظاهرة مرض فيروس كورونا المستجد- كوفيد 19 زعزعت إلى حد ما بعيداً عن كل التوقعات بنية معظم الأنظمة العالمية في ظرف قياسي لم يُشْهَد له العالم مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. و إنتشار هذا الوباء الذي صنفته المنظمة العالمية للصحة ب ” الجائحة” خلف عدة تداعيات سلبية على المجالات الاقتصادية و الاجتماعية. و بالطبع كان له أثر سلبي على المجال الثقافي في ظل حالة الطوارئ الصحية حيث تم تطبيق الحجر الصحي للحد من انتشار هذا الوباء.


و مع الدكتور عبد السلام فزازي:

المثقف المغربي و تداعيات فيروس كورونا، الواقع… و الآفاق المستقبلية….؟”

من السابق لأوانه الكلام بكل تفصيل حول المثقف المغربي وهو يعيش دهشة استثنائية، ما ثبت تاريخيا أن عاش حدتها أكاد اجزم منذ الأزمنة التي عرفناها بل وقرأنا عنها، والحال أن هذا الوباء لم يقتصر على قارة دون باقي القارات الأخرى، بل شمل الكون قاطبة؛ ولهذا فان تداعيات هذا الوباء لا زالت لم تصدق بشكل قطعي بالنسبة للمثقف المغربي، وإلا سنكون مثل الإعلامي الذي يطلب من أي إنسان أن يشرح له حالته النفسية والزلزال لم يخمد بعد كائنا من كان، علما أنه في هذه الآونة المهم عنده هو البحث بسرعة تفوق سرعة الضوء عن مكان آمن يعصمه من تبعيات الزلزال.. هي بكل تأكيد فترة تربص وطرح أسئلة يبدو للجميع أن لها بداية، إلا أن نهايتها لا يعلمها إلا الله.. ومن خلال تتبعنا لهذه الكارثة الإنسانية عبر منابر إعلامية عالمية ناهيك عن المنابر العربية وصولا إلى وسائل إعلامنا، لم ينخرط المثقف المغربي في دراسة هذه الظاهرة كل حسب تصوراته وأفق انتظاره؛ علما إذا جاز لنا القول يمكن أن نعترف على أن المثقف عامة والمغربي خاصة تداولوا عبر كتابة أكاد أسميها عابرة أو محتشمة الوباء من منظورين اثنين:
هناك من يرجع ظاهرة الوباء إلى الانفلات العلمي، وأن العلماء فعلا تطوروا في البحث العلمي بشكل خارق، فكأن ما صنعوا أو توصلوا إليه عبارة عن سلاح ذو حدين، حيث انقلب السحر على الساحر إلى أن أصبح الصانع لا شيء أمام ما صنع.. ومن يدري أن هناك عوامل أخرى لا تبتعد عن المصنوع يطوقها وأصبح يتحكم فيها وأعني بالطبع التطاحن والسباق الاقتصادي في عالم أصبح فيه رهين المحبسين، دون أن ننسى العامل السياسي الذي تحول إلى سباق أحمق في نطاق الصراعات التي لم تتوقف من أجل الريادة والتحكم في دواليب العالم، صراع شرس بين القوى التي تعتبر نفسها هي الدركي الذي يجب أن يتحكم في العالم، و هي لعمري أعتبرها شرعنة قوة الغاب بامتياز.. وهكذا وجد الإنسان ينفي مقولة ” الحرب الثالثة لن تقع “، ومن يكذب يا ترى أننا لا نعيشها اليوم بشكل لم يتصوره إنسان، حيث انتقلنا من الحروب التقليدية رغم الوسائل التكنولوجية التي نتباها بها إلى حرب أسست وتؤسس للحروب البيولوجية!، وأتساءل اليوم من سيكذب ما يعيشه الإنسان والحال أن الأمر ليس بأضغاث أحلام..
وهناك من يرجع ما نعيشه اليوم إلى قدر مقدر لا يمكن تصوره إلا بالأمر الذي يتجاوز الإنسان وعلمه، معتمدين على منطق رباني أو سميه امتحانا تجاوز باقي الامتحانات المتمثلة في الكوارث التي عاشتها الإنسانية ولم تتعرض، فجاءها أمر الخالق إلى أن هزها هزا يرفعها رفعا ولتعلم أنها ما أوتيت من علم فإنها ينطبق عليها قوله تعالى “… وما أوتيتم من العلم إلا قليلا..”؛ ولقد رأينا التجاذبات والحوارات التي سميتها في كتابة ما : إنها عتبة لحروب أخرى على مستوى المعتقد وأصحاب من يدعون الحداثة نصيرا وغالبيتهم لا يعرفون لا الحداثة ولا ما بعد الحداثة فأصبحوا مثل أرجوحة ميناء قديم، تارة يميلون ذات اليمين وتارة ذات الشمال وهم في فجوة مما يقع.. وهذه التوجهات ليست بالجديدة عنا لأننا عشنا ما كتب أن نعيش في عمر عقلي معين، بل حتى في عمر زمني بقي راسخا في الذاكرة الموشومة.. وكما يجدر بنا أن نشير إلى أن هناك طائفة أمسكت العصا من الوسط فأصبحت تحتل المنزلة بين المنزلتين، وهي صاحبة ” در مع الأقاويل كما تدور ” ولننتظر المحصلة في آخر المطاف.. كل هذه الأمور عشناها شذرات وتقاطعات بين الناس لكن ويا للعجب غاب عنها المثقف الذي كنا نعتقد أن أسباب نزول الكتابة حاضرة أمامه، لكن لا كتابة ولا تنوير ولا حتى موقف مما يدور في العالم برمته؛ والأمر يذكرني بحرب الخليج حيث بقي المثقف صامتا ينتظر متى تقف الحرب التحالفية، وكأنه كان يستجمع التفاصيل ولا يستعجل، أو من يدري بقي يعيش في دهشة بدأت ولم تنته بعد، وبمجرد ما انتهت الحرب بدأت الكتابات تمطرنا من كل حدب وصوب.. بالنسبة لي بقي المثقف المغربي يتابع بصريا ما تمطرنا به القنوات تاركا الكتابة ربما إلى حد النضج؛ أو أن هول ما تعيشه الإنسانية أسكته تماما مثلما اسكت القرآن الشعراء عند نزوله لأنه جاء متحديا لكل الشعراء لغة وبلاغة إلى أن نعتوا الرسول بنعوت شتى..
هذا واقع المثقف المغربي مع استثناء القلة القليلة التي حاولت أن تبدي وجهة نظر دون التوغل في التحليل الذي لم يكتمل حتى تكتمل تفاصيل وباء عرى بصفة قطعية العالم واقتصادها وسياساتها وتكنولوجياتها إلى درجة بدأنا نتساءل: ترى هل فعلا تساوى الغني والفقير؟ وهي ذاتها ظاهرة داخل ظاهرة، بل وبدت بعد الدول التي قيل عنها متقدمة لا تختلف عن باقي دول العالم الثالث إن لم تكن هذه الأخيرة تبين أنها تجاوزتها في أمور كثيرة؟ أكيد أن المثقف انبهر ولبس جبة الدهشة ولو أنها أول باعث على طرح الأسئلة.. وفي هذا النطاق، لا يمكن لي أن أتكلم عنه وهو يستشرف المستقبل ما دام الواقع لا زال يفرز أكثر من سؤال، وأكثر من ضحايا، والعلم رغم المجهودات لا زال في المختبرات وقد هجر جلهم اعز ما يملكون من اجل الريادة في إيجاد لقاح ينجي البشر.. المستقبل لا يمكن أن يحدده ويتصوره المثقف إلى أن تكتمل الظاهرة ويخرج العالم من إقامته الإجبارية الكونية، حتى ولو افترضنا أن المستقبليين بقوا ملتصقين يشتغلون إلى جانب العلماء في المختبرات؛ الكل يبحث، والكل يترقب، والكل يتضرع، والتفت الساق بالساق فإلى أين المساق.. ؟ كنا ننتظر تحليل الظاهرة لكن من يستطيع المغامرة على تحليلها والتفاصيل لم تكتمل لديه !، فقط توصلنا إلى أن الدول جميعها فرطت في تدريس علم النفس، و وحدهم من كنا في حاجة إليهم طبعا دون إعادة دور العلماء في البحث الدءوب وبدون ملل.. الإنسان أصابه الهول والفزع، وكان لا بد لمن يطمئنه على أن الأمل لم ينقطع ما دام الجميع منخرط كل حسب تخصصه في إنقاذ البشرية من وباء ربما أراح الطبيعة من بطش الإنسان إلى درجة أصبحت الفضاءات مرتعا للحيوانات في غياب من كان يجبرها على الهروب إلى حيث الأمان ولا أمان.. الطبيعة ترفض الفراغ كما قيل لكن عشنا فراغها بشكل من الأشكال..
أكيد أن المثقف يستجمع قواه ومتنه، أقصد المثقف المغربي طبعا، وأكيد أيضا أن شذرات ما كتبه سيطوره لاحقا إلى كتب وكتابات لن تكون من قبيل أضغاث أحلام والحال أن الجميع عاش نفس التجربة التي نتمنى أن لا تعود يوما؛ وأكيد أيضا أن لا نحسم بالقطع في ظاهرة تحتمل أكثر من نظرة وموقف وحجاج، وتبين للعيان لا أحد يجزم أنه يمتلك الحقيقة والحال أنها ليست مطلقة بل هي نسبية بامتياز، والأهم أن نكتب مستقبلا عن إنسانية الإنسان، وهذا ما افتقدناه في زمن استعبدتنا التكنولوجيا ولم نستغل جوانبها الايجابية وتركنا للدول التي استأسدت على بعضها التحكم في باقي دول العالم.. هذا الأمر يذكرني شخصيا بأمور سياسية تتعلق بنجاح رئيس دولة من الدول فأول ما يقدم إليه بعد القسم مفاتيح مخازن القنابل النووية، وحين قدمت للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الذي كان يلقب بالحكيم، رفضها وقال: هب أنني جننت وهرعت إليها وقذفت بها إلى العالم؟ هذه المفاتيح يجب أن تكون مصونة وتعطى لحكماء الدولة وليس لشخص واحد…
أكيد أن المثقف في إقامته الجبرية أسميها مجازا بهذا الإسم، يعيش اليوم نوعا من استجماع ما علق في العقل من تفاصيل كثيرة، ربما ستكون خزانا لا ينتهي، لتجعله يكتب بعقله وقلبه وسيجعلنا في آخر المطاف ننظر إلى العالم أغنياء وفقراء نظرة من يلزمه من مراجعة الذات، والتصالح مع باقي الذوات، ويعلم البشر أن بين الحياة والموت خيط دخان ليس إلا..
د.عبد السلام فزازي”
أكادير الجمعة 17 أبريل 2020

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد