الدينامية الأمازيغية ما بعد أزمة كورونا

الحسين بويعقوبي//

          الأكيد أن تأثيرات أزمة وباء كورورنا (أو كوفيد 19 ) لن تستثني أحدا، ولذلك يتحدث الجميع عن “ما قبل” و “ما بعد” كورونا، مرسمين بذلك حدثا حاسما للتحقيب عالميا في بداية القرن الواحد والعشرين، شبيه بالحربين العالميتين، ووطنيا يذكرنا ب”عام البون” و”عام كحيكيحة” و”عام التيفوس” التي سيضاف إليها “عام كورونا”.

 لن يمس التأثير الدول الكبرى فقط وسياساتها الدولية وكذا طبيعة العلاقات فيما بينها وإمكانية ظهور تقاطبات دولية جديدة، وربما بوادر نظام عالمي جديد، بل سيمس أيضا السياسات الداخلية لأغلب الدول وعلاقتها بمجتمعاتها وكذا نظرة هذه الأخيرة لدولها التي كسبت شرعية أكثر خاصة تلك القادرة على التضحية من أجل شعبها، وظهرت في صورة “الدولة الحاضنة”، كما سيظهر تأثير الحجر الصحي على سلوك الأفراد والجماعات. وفي هذا الإطار أتفاعل مع ما طرحه الأستاذ أحمد أرحموش في مقال له بعنوان “وباء كوفيد 19 أو حتى لا تتحول تجربة الحركة الأمازيغية بالمغرب إلى حلم وغبار” وأفضل في مقالي هذا استعمال عبارة “الدينامية الأمازيغية” أو “الديناميات” بصيغة الجمع، بدل “الحركة الأمازيغية” لأن هذه الأخيرة على صعوبة تعريفها بدقة هي جزء من “الدينامية/الديناميات” العامة التي تتخذ الأمازيغية موضوعا لها ولها أشكال متعددة وتتمظهر في مجالات كثيرة دون أن تكون بالضرورة منتمية تنظيميا للحركة الأمازيغية.

إن الحديث عن الدينامية الأمازيغية ما بعد كورونا يندرج في جزء منه ضمن السؤال المحوري الذي طرحه منذ مدة عدد من الفاعلين خاصة بعد الإحساس بوجود نوع من التراخي في أداء الحركة الأمازيغية وقد ظهر ذلك جليا في ندوة تايري ن واكال شهر يناير 2020، حيث تساءل بعض المتدخلين إن كان دور الحركة الأمازيغية قد انتهى بعد الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011 (الصافي مومن علي)، ودعا آخرون لضرورة المرور للعمل السياسي (أرحموش وأمقران) في شبه إجابة عن السؤال الذي طرحه المتدخل الأول، في حين كانت مداخلة الأستاذ أكوناض المركزة على الإبداع والكتابة بالأمازيغية مترفعة عن نقاش “ما قبل” و “ما بعد” باعتبار الإبداع والكتابة بالأمازيغية تعكس حياة هذه اللغة وبالتالي فهي ضرورة تفرض نفسها في كل وقت وحين.

إن سؤال مستقبل الحركة الأمازيغية كان سابقا عن ظهور وباء كورونا، لكن هذا الأخير أضاف معطى جديدا قلب الموازين رأسا على عقب وينبئ باستمرار تداعياته إلى ما بعد انتخابات 2021. وهو ما يعني بالنسبة  لذوي القرار السياسي تأجيل أمور كثيرة، وضمنها الأمازيغية، قد تبدوا ثانوية أمام رهان استعادة التوازنات المالية والحركية الاقتصادية وإعطاء الأمان للمواطنين. بناء على هذه المعطيات يظهر السؤال عن مستقبل المكاسب الأمازيغية  والديناميات المرتبطة بها مشروعا.

 فما كان منتظرا بعد صدور القوانين التنظيمية للأمازيغية (تلك الخاصة بوضعها الرسمي وكذا قوانين المجلس الوطني للغات) قد يؤجل من جديد إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، ومن جهة الحركة الجمعوية قد يؤدي الحجر الصحي إن طال إلى مزيد من التواري والخفوت أمام ازدياد الرغبة في البقاء في المنازل وظهور سلوكات وممارسات جديدة تعزز الانعزال والابتعاد عن العمل الجماعي. وفي المقابل قد تكون فترة الحجر الصحي مناسبة للعديد من الكتاب لإتمام نصوصهم الأدبية مما سيرفع من عدد الإصدارات بعد الحجر، لكن الأكيد أن وضعية الحجر هذه ستتعزز وتنعش “النضال الفايسبوكي” واستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة وهو ما ظهرت بوادره من الآن من خلال طفرة ملحوظة في الأنشطة “الرقمية” حول الأمازيغية التي ظهرت تحت ضغط المكوث في المنزل وبغية تعويض أنشطة القاعات العمومية. وهذا التوجه الرقمي لا يعني فقط الفاعلين الجمعويين بل نجد الحاجة الملحة له في عدة مجالات أهمها ميدان التدريس في جميع مستوياته وكذا العديد من الخدمات التي أصبحت تتم عن بعد. وقد سبق للجامعة الصيفية لأكادير سنة 2017 أن خصصت دورتها لهذا الموضوع “الامازيغية في زمن الرقمنة” وأهمية هذه التقنيات في تطوير اللغة والثقافة الأمازيغيتين. وهذا الفضاء الأزرق يسمح بالحديث عن الدينامية حيث سمحت أزمة وباء كورونا بتفجير الطاقات الإبداعية بالأمازيغية، فنشرت قصائد شعرية حديثة وصورت قصائد شفوية تعالج الموضوع كما أبدع الفنانون أغاني تجعل من هذا الوباء موضوعا لها وفتح الكوميديون صفحاتهم للنقاش مع الجمهور، كما أبدع الشباب في المساهمة في توعية المواطنين بمخاطر هذا الوباء من خلال رسوم متحركة ناطقة بالأمازيغية لا تخلوا من الفكاهة. ومن نتائج هذه الدينامية الرقمية أن أعطت حضورا أكبر للأمازيغية في الفضاء الأزرق.

إن مستقبل الديناميات الأمازيغية ما بعد كورونا  رهين، من جهة بمدى قدرة مكونات الحركة الأمازيغية على الإجابة على التساؤلات المطروحة قبل ظهور هذا الوباء والمتمحورة أساسا حول الاكراهات التي يطرحها سياق الاعتراف بالأمازيغية رسميا منذ 2011، وضرورة الحسم في خيار العمل السياسي والمؤسساتي في أفق التأثير في السياسات العامة، ومن جهة أخرى خلق ديناميات أمازيغية حقيقية في مختلف المجالات (البحث العلمي، المسرح، السينما،الموسيقى، الإعلام،  كل الأجناس الأدبية,…..). وبدل أن تكون فترة الحجر الصحي فترة نقاهة للفاعلين فيمكن أن تكون فرصة للتفكير في ما بعد كورونا وموقع الأمازيغية فيه.           

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد