الفنان البحريني علي باقر في تغطية صحفية للمسرحية السودانية ” مؤامرة شكسبيرية”

تقديم سعيد الهياق
يعتبر الإعلامي و الفنان علي باقر عضو فرقة مسرح الريف البحريني أحد رواد المسرح بالبحرين و على الساحة العربية. و شارك رفقة مسرح الريف في عدة جولات دولية في إفريقيا و في الوطن العربي، و توجت عروض الفرقة البحرينية بعدة ألقاب و جوائز دولية، منها المشاركة في المهرجان الدولي للمسرح لهوارة من تنظيم منتدى أنفاس للثقافة و الفن بمدينة أولاد تايمة بالمغرب.
و إلى جانب مساره الفني الأكاديمي في فنون المسرح فإن الفنان علي باقر سطع نجمه في مجال النقد المعاصر و له عدة أعمال في مجال النقد منها قراءة نقدية للعمل المسرحي ” مؤامرة شكسبيرية ” للمخرج السوداني ربيع، و كان العرض المسرحي من ضمن العروض المتميزة في مهرجان الأردن الدولي للمسرح 2019.
و في ما يلي نص الإعلامي و الفنان المسرحي علي باقر:
المخرج السوداني ربيع شاب سوداني مفتون بالمسرح .. ذو فكر و ثقافة ، حمل هم المسرح السوداني و دائما ما يراهن على قدرة شباب السودان في تبوء المكانة في طرح قضاياه باستمتاع و التذاذ .. ورغم ما بداخله من وداعة و ثقافة و فصاحة في الحديث و تمكنٍ في برهنة ما يستعرضه من قضايا إلا أن الكثيرين يرونه شرساً لا يعرف الانكسار خاصةً حينما يتصدى لقضية عامة وهو الذي ضَمِنَ له حب الكثيرين أيضاً ، جالسته و أدركت أنه يتمتع بالجرأة و المشاكسة النَّابضة في البحث عن العدالة ، فهو يدافع عن حق المسرح و المسرحيين ، ولايمل أبداَ من المطالبة بحقوقهم الشَّرعية.
نعم هو الناقد و المخرج السوداني المسرحي المثابر و الإعلامي المتميز ربيع يوسف الحسن ، خريج كلّية الدَّراما بجامعة السودان و هو كما ذكرت فنَّان ملتزم بالمسرح و قضاياه وإشكالياته و له كثير من الأوراق النقدية لتجارب مسرحية ، بعض مقالاته الصحفية النقدية الجريئة أثارت الجدل في أوساط أقرانه المسرحيين و المثقفين لأنني أرى فيها تلمسه لمواضع الخلل و هدفه الإصلاح.
هذا الفنان له تجارب إخراجية مختلفة يقدمها برؤى فنية و بعض مسرحياته نالت جوائز محلية و دولية منها ” خرف… وطن أو وطن ” و ” لير السوداني ” و ” الأخيلة المتهالكة ” و” لعبة الموت “.
لعل ما أثارني غبطةً و فرحاً مشاركته بمسرحية ” مؤامرة شكسبيرية ” في مهرجان الأردن المسرحي في دورته السادسة و العشرين 2019 الذي تنظمه وزارة الثقافة الأردنية .. مديرية الفنون و المسرح بالتعاون مع نقابة الفنانين الأردنيين من 8 ـ 14 نوفمبر 2019 ، وقد شاركت فيه بعضاً من الدول العربية منها : السودان ودولة الكويت و تونس و مصر و البحرين والعراق الإمارات العربية بالإضافة إلى المملكة الأردنية.
هذه المسرحية كانت عالقة بالذهن عندما أخرجها احتفاءً بيوم المسرح العالمي كانت من قبل تحمل اسم ” لير السوداني ” عن قصة مسرحية الملك لير للكاتب الشاعر الأنجلينزي وليم شكسبير ونص الحريق للكاتب العراقي قاسم محمد .. هذه المسرحية بشكلها الرمزي وضعت المشاهد السوداني في القالب السياسي لما تحمل من إسقاط على بلده السودان و تقسيمها ، انطلقت من فكرة ساذجة تغلغلت في فكر الملك لير تقسيم مملكته على بناته الثلاث ليعيش مرتاح الفكر، ولكن الملك جنَّ جنونه عندما لم يجد ردا حلواً من ابنته الصغرى كما فعلت أختاها اللتان إجادتا النفاق و التملق فمن كلمة ” لاشيء ” قالتها الصغرى وطار عقله.
هذه المسرحية التي شاهدها جمهور و ضيوف الأردن في المهرجان مستوحاة من نصّ ” الحريق ” للكاتب العراقي الراحل قاسم محمد و الذي أخذ من مسرحية ” الملك لير ” للشاعر و الكاتب المسرحي الإنجليزي وليم شكسبير.
و لتأثري بهذا الفنان المخرج المثقف كان لزاماً عليَّ أن أتواصل مع هذا الفنَّان المجتهد الرائع وهو في الأردن لأتعرف على هذا العرض و رأي الجمهور حوله بعد أن قدمته الفرقة السودانية على مسرح الفنَّان محمود أبو غريب بالمركز الثَّقافي الملكي بعَمّان العاصمة الأردنية ، ففي مكالمتي سألته حول أبطال الفرقة السودانية المشاركة في المهرجان فأجاب قائلاً : مؤامرة شكسبيرية شخَّصها فنانين هما موسى الأمير الذي لعب شخصية ” الملك لير” و أدوار أخرى كبنات الملك لير وزرائه و الفنَّان أبوبكر فيصل الذي لعب دور البهلول وأدوار أخرى كبنات لير ووزرائه ، وقد صمم الإضاء للعرض الفنان الأردني محمد المراشدة. و العرض من إنتاج الورشة الجوالة المسرحية في السودان.
وحول الفكرة لهذه المسرحية و جديدها في واقعنا المسرحي الذي يعصف بقضايانا المعاصرة أشار لي الفنان ربيع أن الفكرة تقوم على مقارنة قصة الملك لير بواقعنا السياسي المعاصر و لعل الأقرب لهذا الواقع قضيتنا المحلية التي عرف عنها القاصي و الدَّاني قضية إنفصال السودان إلى السودان و جنوب السودان من خلال إشتغالي على نص الحريق للكاتب العراقي قاسم محمد . فالعرض المسرحي يتناول حكاية ” الملك لير” يسعى لتقسيم مملكته بين بناته الثلات بشرط ابدائهن حباً كبيرا له وشخصية ” المهرج ” البهلول الذي في قصره يلعب دوراً مشاكساً و ناصحاً عوضاً عن تسليته و إضحاكه وعن طريق الحوار وإعادة الأحداث يكشف له مهرجه عن أهمية تحقيق العدالة في مملكته المتداعية التي ألهبها الدمار و ينصحه بأن يحافظ على وحدة أراضيها بدل سعيه للتقسيم إرضاء لمصالحته الشخصية. و أردف قائلاً : أن جديد العرض يكمن في اشتغاله على أكثر من نص و مصدر.
ففي هذا العرض المسرحي تجد أصداء لبيانات سياسية و مقالات صحفية بمثل ما تجد أصداء لنصوص مسرحية كنص الحريق و نص الملك لير وهي جميعها مرجعيات لعرض جسَّده و لعب أدواره و شخوصه ممثلين فقط.
وعن العقبات التي واجهتهم كفنانين أثناء العرض و التَّدريبات ذكر قائلاً : لايخلو أي عمل من صعوبات و يحسب للبارعين تذليل تلك الصعوبات .. فالعقبات التي واجهتنا هي تلك التي تواجه أي جماعة مسرحية مستقلة و تتمثل في قلة الموارد و قلة الوقت الممكن استقطاعه للتدريب و التَّجويد في ظل ظروف إنتاجيه و حياتية قاسية.
و أشرتُ إليه .. أن مسرحية ” مؤمرة شكسبيرية ” شاهدها جمهور واعٍ و مثقف متنوع .. فما هو انطباعهم عن العرض من الناحيتين الإيجابية ، و النقاط التي يجب عليك مراعاتها عند محاولتك التطوير لهذا العرض و تقديمه في مهرجانات أخرى بشكلٍ أفضل؟.
تحدث لي المخرج “ربيع ” عن النظرة التقويمية للعرض بعيون الجمهور المتلقي فقال: صحيح ما ذكرت أن جمهور الأردن متنوع و متفاوت الثقافات فمنهم من أحتفي بالعرض و كتب عنه بإيجابية ، وهناك من قدم ملاحظات نقدية حول السينوغرافيا و أداء المُمَثِلَيْنِ وهي ملاحظات نضعهما أمامنا لتحسين العرض و تطويره في المستقبل ، أما نحن كفريق للعمل راضون عن استقبال الجمهور للعرض في نسخته الأردنية و سنعمل على تطويره في مستويات الأداء و الإيقاع و صورِهِ المشهدية.
و اختتمت اتصالي معه بسبر أغوار فكره و خصوصا أنه مخرج مثقف و ناقد حول العرض المسرحي الذي استوقفه و استهواه من جملة العروض التي شاهدها في المهرجان فأشار مباشرة و بنبرة صوتية لمستُ منها الإعجاب. فقال : استوقفني و استفزني فكرياً و جمالياً العرض المسرحي الإماراتي ” الساعة الرابعة ” من تأليف طلال محمود و إخراج إبراهيم سالم و تمثيل كل من : عبدالله محمد صالح ومحمد جمعة و آلاء شاكر و نيفين ماضي و فيصل على و نور الصباح. و أردف قائلاً : هذا العرض بالذات قُدِمَ باحترافية مهنية غاية في الخلق تضمَّن في دواخله مفارقات درامية عديدة حققت بدورها مبدأ كسر توقعات المشاهد من لحظة ابتداء العرض حتى نهايته ، وليس بعيداً من هذه المسألة احتواء العرض على عدد من الخدع المحببة لمتلقي المسرح ، فهو يوهمك بأنك أمام حالات و أزمات سيكولوجية فردية بينما نجد في العمق أنه عرض سياسي من الدرجة الأولى ، سياسي يتوسل الفن لينفذ إلى المحن المجتمعية و فرص النجاة منها ، كما يوهمك بأن الطبَّ النفسي خلاص تلك الأزمات بينما حقيقة الأمر يثبت لك العرض أن المسرح والتمثيل هما الخلاص ، فالطبيب في عرض ” الساعة الرابعة ” اتخذ من التمثيل أداة ووسيلة للعلاج ، و كذلك يوهمك أن علاج الأزمات الفردية في الذهاب إلى الطبيب النفسي بينما يثبت لك فعلياً أن مجرد اجتماع الأفراد بعضهم ببعض و استماعهم لذواتهم و للآخر المختلف عنهم . فهو من وجهة نظري الخلاص المجتمعي والإنساني ، فأراه في حقيقته عرضا ماكرا لمخرج ماكر .. لذا شدَّني و أدهشني العرض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد