قصة قصيرة : موناليزا

 حين يزداد تعلقنا بالماضي ، يأسرنا الحنين ، وتعلقي بهذه المرأة ، طوقني حتى الاختناق ، حرض سيول الشك و القلق لتجرفني ، فأبدو عارية إلا من علامات استفهام ظلت عالقة برأسي. عرفتها منذ الطفولة حداثة سني آنذاك ، لم تمنعني أن أراقب غموضها ، أن أتساءل : لماذا هي مختلفة عن الاخريات في حي ، كانت نساؤه تنشر الأسرار والاهات مع الغسيل فوق السطوح ، لماذا لم تفلح ولو واحدة منهن في اكتناه غموضها ، لماذا غلقت دونهن أبواب أسرارها وقالت للصمت:

هيت لك!

أتعب الجميع صمت هذه القروية النازحة بطفلها من إحدى ضواحي فاس ، وحدي هدني التعب ، و هيجت نيران حيرتي ما باحت به قريباتها ، أيعقل أن تجف دمعة امرأة رأت رأس زوجها تدحرجه كلاب القرية ، لمجرد خلاف حول شبر من أرض مشؤومة ؟ !

أيسامح القلب من نكلوا بوتد الخيمة ونبذوها بالعراء. ومن تكون هي لكيلا لا يستطيع الحزن ان ينفلت من ضلوعها ؟ ما السر في أن تعجز الابتسامة عن الانفلات من سياج شفتيها ؟ . من حين لآخر ، كنت أحاول الاقتراب منها ، علني أحل طلاسم الوجه العنيد فأصفع ، تقاسيمه أشد غرابة منه ، شيء فيه لولبي كان يمد سبابته إلى أنفي ، ينقره ثم يعود إلى مكانه منتصرا. رغم ذلك، لم أتوقفعن التدقيق فيه كلما سمحت الفرصة بدلك.

فطنت بذكاء الأنثى لانشغالي بها ، فاتقت وابل أسئلتي بردود مقتضبة . لا أدري لماذا بعد أن بعد الزمان والمكان ، تنبش الصدفة زوايا ذاكرتي ، فأجدني معها وجها لوجه ، هي كما عهدتها ، لم تتغير ، نفس الابتسامة المحيرة تعلو ملامحها. تورمت حيرتي أكثر حين علمت أنها فقدت ابنها في حادثة سير ، ودون ان تدع لي فرصة للتدقيق من جديد ، مدت يدها لي مودعة :

بلغي سلامي الحار لوالدتك! .

هكذا جعلتني أخسر كل الجولات التي خضتها مع الوجه العنيد ، و أعلن انهزامي أمام الابتسامة الخصم.لكم استفزتني تلك الابتسامة ، لكم عذبتني ، أهي ابتسامة الرضا بكل المآسي التي عصفت بها ، أهي استخفاف بقساوة الحياة ، أم بكاء من نوع آخر لم تذرفه العيون. دافنشي ، استيقظ ، اشرح لي سر الموناليزا ، لن اجبرك على رسم الحاجبين ، لن أطالبك بوضع الرموش ، فقط اصدقني القول : هل حقا كانت تبتسم.

بقلم سعيدة سرسار

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد