في كل مناسبة يتعكر فيها صفو العلاقة بين زعمائنا السياسيين لسبب من الأسباب، نجد أنفسنا أمام فرسان “الفانطازيا” ممن يطلقون البارود لعلّ الفرجة تتحقق لدى من حولهم، أو لنقول “حلايقية” يليق بهم المقام في ساحة جامع الفنا المراكشية أكثر من غيرها. فكل طرف يجدّ ويكدّ في أن “يتبورد” على خصمه وبكل تفنّن وسادية، بدون مراعاة لوضعه الاعتباري ومنصبه السياسي وأخلاقيات التنافس السياسي الشريف. ووفاء للاستثناء المغربي، لاغرابة أن يكون القاصف والمقصوف من الأغلبية الحكومية.
إذا كانت ذاكرة سياسيينا ممن يتولّون أمورنا ضعيفة أو يزعمون، فإن أرشيف المواقع الالكترونية توثق لحماقاتهم صوتا وصورة، والتي تتضمن اتّهامات صريحة بالفساد والتملّص والجهل والتخوين والتنابز الشخصي، وغيرها من الأسلحة التي يفترض أن تفتك بالمستقبل السياسي للمدّعي إن كان كاذبا زاعما، أو للمدّعى عليه حينما يكون الادّعاء صادقا ثابتا، كل ذلك لو أن مشهدنا السياسي مشهد سليم وصحّي.
لسنا نعرف كيف يريد هؤلاء ممن يؤثثون المشهد السياسي المغربي أن نصدّق “خطاباتهم” التي يرددونها على مسامعنا يوم تكون مكتوبة بشكل منمّق، وهم الذين يطلقون العنان لكلام الفحش متى ظنوا أن الأضواء من أمامهم قد أطفئت في لقاءاتهم واجتماعاتهم الداخلية، كيف ينتظرون أن ننساق وراء صراعات الديكة التي يخوضونها باسم “المصلحة العامة” و”الغيرة على الوطن” التي تبقى شعارات لن تعرف طريقها إلى الممارسة.
قد لا نختلف في كون المشهد السياسي المغربي مشهدا سقيما عقيما، فالنضال الحقيقي ولّى منذ زمن ليس بالقصير، والنخبة السياسية التي من شأنها تحسين أوضاع البلاد والعباد أضحت حلما مؤجلا، ذلك أن السياسيين المغاربة نزلوا بالتدافع السياسي إلى مستويات الابتذال، والتلون السياسي -موقفا ومرجعية- أضحى ظاهرة يتمّ التطبيع معها بشكل كبير.
لقد أصبحنا نخجل من عورتنا السياسية التي كشفها زعماء الأحزاب السياسية المغربية، والذين يتحفون الأعداء قبل الأصدقاء بمسرحياتهم الرديئة التأليف والسيئة الإخراج، فلم تعد الشعبوية والعنجهية والهلوسة وغيرها من الظاهر المرضية مجرد سلوكات فردية معزولة لدى أفراد معيّنين، والتي قد تكون عمدية لتحوير الرأي العام وثنيه عن الانشغال بقضاياه الرئيسية، أو غير عمدية ترتبط باضطرابات نفسية، بل ظاهرة اجتماعية –في المجتمع السياسي- مكتملة المقاييس تعكس عمق الأزمة.
إن مستقبل المشهد السياسي المغربي –والحال هذه- ينذر بمزيد من البؤس والاختلالات، فالأطراف المشكلة له لا تملك إلا أن تكرس الوضع في ظل التهافت على المصالح والكراسي، واعتماد سياسة الولاءات والارضاءات على حساب الأخلاق والمبادئ والالتزامات، خصوصا مع غياب الوعي الديمقراطي وتفشّي العزوف السياسي لدى فئات عريضة من المجتمع.
في المقابل، شرّ البلية ما يضحك، ذلك أننا نحن المغاربة قلّما ترسم الخشبة و”الحلقة” الابتسامة على محيّانا، وقد حبانا الله بساسة ووزراء نجحوا فيما عجز عنه فكاهيّونا ومهرّجونا، وإن كانت الابتسامات التي يرسمونها تخفي كل أشكال التذمر والسخط على واقع مرير لايزال يجثم على صدورنا.
https://www.facebook.com/Lahcen-Amokrane-699720203399821/?ref=hl
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.