هل يمكن للرقمية أن تحقق لنا السعادة ؟

بعد قراءتي للمقال المنشور في مجلة Paris tech review تحت عنوان “السعادة الرقمية .. الفيسبوك القادم ؟ أزعم أننا مازلنا أبعد ما نكون عن تصور جميع الاستخدامات الممكنة توظيف التقنيات الرقمية .

إن “الرفاهية ” باعتبارها مؤشرا في عصرنا هذا أضحت اليوم واحدة من المنافذ الجديدة المستثمرة على شبكة الإنترنت. ولكي أبرهن على ذلك ، ففي أكبر معرض إلكترونيات في العالم الذي نظم في (LAS VEGAS) لاس فيجاس بالولايات المتحدة الأمريكية في فبراير الماضي تم للمرة الأولى إقامة جناح كامل خاص ب”الرفاهية الرقمية” بدءًا من علاقات الحب إلى التوازن الغذائي اليومي .. إلخ حيث قدمت الحلول المقترحة التي تستجيب إلى حد كبير لاحتياجاتنا الفردية المبنية على مبدأ ” تنمية شخصية المواطن على أوسع نطاق”.

في وقتنا هذا الذي تطرح فيه بحدة معضلة تحقيق “الرفاهية” والبحث عن التوازن  و أيضا السؤال الملح حول دور الطمأنينة والهدوء في حياتنا اليومية ، هل ستكون الرقمية مفتاحا رئيسيا لسعادتنا !؟

أقترح عليكم هنا نظرة عامة وبسيطة عن السعادة الرقمية  Digital happiness  التي صارت مطلبا وتيارا قويا جديدا على شبكة الإنترنت …  فهل يمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تفي بوعودها في تحقيق ذلك ؟

في الحقيقة إذا اعتمدنا على عدد قليل من الدراسات وتجنبنا الحلول المقترحة سالفا هناك عديد من الخدمات الرقمية التي ستساعدنا على تحسين “رفاه حياتنا ” وإثبات اندماجها المنسجم بالفعل في حياتنا اليومية.

إن ربط علاقات حب من خلال استخدام أدوات الرقمية صار في عصرنا الراهن أمرا طبيعيا وعاديا . فقد كشفت دراسة حديثة في الاتحاد الأوروبي أن 30٪ من الأزواج الذين تم تدريبهم في سنة 2011 ربطوا علاقات فيما بينهم بفضل شبكة الإنترنت. وما زالت التطبيقات والاستخدامات تواصل تحولاتها وتغييراتها لحياتنا بفضل تطبيق التواجد الجغرافي (géolocalisation) وتفاصيل سيرة البروفايل .. إلخ من أجل تقوية حظوظ مواعيدنا الحميمية .

منذ أن اندمجت الشبكات الاجتماعية ضمن معيشنا اليومي وتعددت مسالك تبادل الخبرات والتجارب ، صارت كثير من النصائح والإرشادات العامة اتجاها جديدا في مجال التربية  وكذا في الحياة الزوجية والأسرية . على سبيل المثال ، يمكن لبعض الأدوات الإلكترونية المحمولة المساعدة على تطوير الذكاء العاطفي لدى العشاق . من منا لم تعوزه يوما ما ملكة التعبير لصياغة خطاب حب ومجاملة محبوك بشكل جيد ؟ أحيانا يمكن أن تصلك رسالة نصية قصيرة (sms) مكتوبة بشكل جيد لإسعافك على خلق لحظة من الصفاء والهدوء في علاقتك الزوجية . وفي هذا الإطار تندرج ما يمكن أن نسميه العلاقة (الأبوية الإلكترونية e-parenting) باعتبارها جزءًا هاما في هذا الاتجاه : كتشارك المناهج التربوية ، وتقنيات حل النزاعات عبر استعمال الأقراص المدمجة  CD-Rom أو الهواتف الذكية أو مجموعات التعاون الذاتي من خلال التقنيات الرقمية.

تسهيل وتنظيم الحياة الفردية والحفاظ على روابط أفراد الأسرة المتباعدين جغرافيا وكذلك تبادل أخبارنا السعيدة حيث يتم استعادتها بفضل تطبيقات تسمى (الامتنان الإلكتروني e-gratitude). إنها تسمح بتوثيق أجمل لحظات حياتنا اليومية .

أما خلال حصة ركضنا الخفيف (Jogging) بهدف الحفاظ على رشاقة البدن ، يمكن لهواتفنا الذكية أن تتحول لدينا إلى مدرب رياضي لتساعدنا على معرفة المسافة المقطوعة ومعدل ضربات القلب والسعرات الحرارية المحروقة . لقد قامت المصالح الصحية لدى الخدمات الوطنية في ابريطانيا بإنشاء تطبيق يسمى

“Couch to 5k” وفي أقل من سنة ونصف بلغ عدد مرات تنزيله  عشرة ملايين مرة ، مما سمح بفضل هذا التطبيق لملايين المواطنين البريطانيين بالحفاظ على سلامتهم الجسمية وتعافيهم اليومي  وكذلك ممارسة هذه الرياضة من دون خطر عليهم .

هذه التطبيقات هي بالدرجة الأولى وسطاء لتوفير حلول أكثر انفتاحا وتقدم خدمات لتنمية الشخصية وهي الخدمات التي كانت حتى وقت قريب متاحة فقط لأقلية صغيرة من الناس .

تتضافر التقنيات الرقمية والعلوم الاقتصادية وعلم الأعصاب لمنح الأفراد أدوات المعرفة والسلوك الشخصي الناجح لتغذية مفيدة والتنقل بشكل أسهل …

وتقدم التقنيات الرقمية حلولًا على مستوى تقاطع الفردي بالاجتماعي . إنها مرحلة جديدة في ترقية التنمية الشخصية باعتبارها ظاهرة جماعية . قد يمكننا الوصول إليها لكن هل ستجعلنا أكثر سعادة في النهاية ؟

يثير مصطلح ” السعادة الرقمية ” « Digital happiness » السؤال الفلسفي حول مساهمة التكنولوجيا في سعادتنا وكيف تؤثر على علاقاتنا.

إذا ما حاولنا تحديد تعريف للسعادة أو رسم شروط لتحقيقها ، فإن السعادة تفترض مسبقاً وجود مزاج ذهني إيجابي والنظر بشكل متفائل إلى المستقبل حسب تعريف شاون أرشور Shawn Archorمؤلف كتاب (مزايا السعادةThe Happiness advantages) .

لقد أظهرت عديد من الدراسات أنه منذ اندماج التقدم التكنولوجي في حياتنا اليومية لم تعد المجتمعات بالضرورة أكثر سعادة مما كانت عليه في الماضي . لقد تساءل العالم الفيزيائي ألبير آينشتاين لماذا لم تتمكن التقنيات والاختراعات العلمية التي تساعدنا في العمل وتبسط حياتنا اليومية من تحقيق السعادة ؟ والجواب هو لأننا لم نتعلم كيف نستفيد منها بطريقة معقولة. و الطريقة التي بها نستخدمها هي التي تسهم أكثر في جعلنا سعداء وليس بالضرورة قدرتنا على الوصول إلى هذه التقنيات.

تقدم لنا (أنا أكباري) Anna Akbari إطارًا محدودا لمساعدتنا في تحسين علاقتنا بالتكنولوجيات الجديدة . ففي تصورها هناك أربع فئات من “السعادة الرقمية” وأربع طرق لاستخدامها لكي تجعلنا أكثر سعادة.

  1. التحديد : تتيح لنا التكنولوجيات الجديدة إمكانية تحديد الشبكات والعلاقات والأماني والحاجيات . فليست التقنيات هي التي تحدد وتعين على سبيل المثال الشريك الرومانسي المناسب ولكنها تساعدنا في تحديد فرص السعادة و التطور والتفتح .
  2. أن نكون اجتماعيين : وفقًا لدراسة موسومة ب”أناس سعداء جدًا”Des gens très heureuxفإن الشيء الوحيد الذي ميز 10٪ من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم أسعد من الآخرين هو قوة علاقتهم بمحيطهم المجتمعي . إنها تكثيف الروابط الحقيقية التي تنشأ مع الأشخاص الذين يبنون ويحرصون على قوة العلاقة فيما بينهم.

قد يكون لديك مئات الأصدقاء على فيسبوك ، لكن هذا لا يعني أن لديك علاقات منتظمة ومترددة مع كل هؤلاء الأشخاص. إن شبكات التواصل الاجتماعي تسهل نسج العلاقات مع بعضنا البعض ، لكن أيضا الطريقة التي نختارها لتطوير علاقة معينة ستحدد مدى انسجامنا من ذلك الشخص وما إذا كانت ستساهم في سعادتنا أم لا. وفي الحقيقة إن هذه العلاقات ستجعلنا أكثر سعادة أولا اعتبارا لهذا الاختيار.

  1. التأكد من المواكبة : بفضل معلوماتنا الشخصية  التي نقدمها على سبيل المثال على الإنترنت ، فإننا نترك بذلك أثرًا عنا وننشئ لنا ذاكرة رقمية . وهذا يتيح للآخرين تكوين نظرة ما عن عادات الاستهلاك لدينا ، و أنشطتنا اليومية .. إلخ يمكن لبعض المواقع الإلكترونية أن تساعدنا بفضل البيانات المنشورة على الويب ، لإعادة تشكيل أسلوب عيشنا اليومي ومساعدتنا على المساهمة بشكل أفضل في محيطنا البيئي وعلى سبيل المثال ما تقوم به شركة (Recycle Bank) المتواجدة في نيويورك والتي تعمل على تشجيع عملية التدوير وتنمية العادات البيئية .
  2. المساعدة على التصنيف والترتيب: بفضل عديد من الأدوات المتوفر مثل التقويم (calendrier) ودليل المهام والملاحظات الافتراضية التي تساعدنا على جمع أفكارنا وما إلى ذلك … كما يمكننا تنظيم حياتنا بشكل فعال من خلال تسجيل كل هذه المعطيات والمعلومات في سجل واحد .

إذن هل تشعر بالسعادة باعتبارك Digital praticer (ممارس رقمي) ؟ إن ما يطمئنني شخصياً أنه في النهاية ، لا يمكن للتكنولوجيات الجديدة أن تقرر نيابة عنا وتحولنا إلى كيانات مستنسخة وسعيدة. مثلما هو الأمر عند استخدامنا لتطبيق رقمي يمكنه بضربة عصا سحرية أن يجعلنا سعداء. كل هذا يعتمد على حالتنا المزاجية ، وكيف نستخدم هذه التطبيقات وفقًا لما نرغب فيه أولا نرغب .

أجل إن التكنولوجيات الحديثة يمكنها أن تغير حياتنا وتساعدنا على تحقيق السعادة ، ولكن ما هي الأشياء التي لا يمكن للتقنيات الجديدة أن تنجزها نيابة عنا ؟ إنها رغبة كل واحد منا في استخدامها أم لا!

Delphine COFFART

دلفين كوفارت


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading