هل نفّذ الزفزافي تهديده بالتسبّب في سُعار المخزن؟
بقلم: محمد بودهان//
عندما نحلل تعامل السلطات المخزنية مع حراك الريف، فقد لا نجد وصفا أنسب لهذا التعامل من مفهوم “السُّعَار”. هو أنسب لأنه يعني، في استعمالاته المجازية، “الجنون”، و”الغضب الشديد” الذي يتّخذ شكل هيجان قوي واندفاع جارف. من جهة أخرى، “السعار”، في معناه الأصلي، هو مرض ناتج عن فيروس يصيب ويسكن الجهاز العصبي، المتحكّم في حركات الجسد والضابط لانفعالاته واندفاعاته. ومن أعراض هذا المرض عند الإنسان (نقصد هنا السعار الذي يصيب الإنسان وليس الذي يخص الحيوان)، كما يعدّدها موقع (http://santecheznous.com/condition/getcondition/rage)،نذكر:
ـ الاضطراب (l’agitation)،
ـ الارتباك (la confusion)،
ـ اهتياج حاد (une excitation majeure)،
الإهلاسات (des hallucinations)…
ولنلاحظ مدى علاقة هذه الأعراض بمعنى “الجنون” الذي يدل عليه لفظ “سعار” كما أشرنا، وبحالة الهيجان والغضب الشديد، ومدى علاقة كل ذلك بالجهاز العصبي، الذي يؤدي اعتلاله إلى اختلال الجسد في أداء وظائفه. فالاضطراب والارتباك كانا واضحين في سلوكات السلطات المخزنية إزاء الحراك الشعبي بالريف: فبعد أن اعترفت أن مطالب هذا الحراك مشروعة، قامت باعتقال المنادين بهذه المطالب، مكذّبة بذلك اعترافها بمشروعية تلك المطالب؛ وبعد أن أقرّت أن حق التظاهر السلمي يضمنه الدستور، نزلت بالهراوات على أجساد المتظاهرين المسالمين، ضاربة بالدستور عرض الحائط؛ وبعد أن أكّدت أنها ستتقيّد باحترام القانون والالتزام بالمساطر في تعاملها مع المعتقلين، لم تتردد في ضربهم وتعذيبهم وتصويرهم شبه عراة في أماكن الاعتقال، خارقة بذلك لكل القوانين ومنتهكة لكل المساطر… أما الإهلاسات (تصور أشياء غير موجودة على أنها حقيقة) فتتجلى في ربط الحراك بالانفصال، وبالمؤامرة، وبالفتنة، وبالتمويل الخارجي لضرب الوحدة الوطنية، وبالبوليساريو، وبالتشيّع… أما الغضب الشديد، المصحوب بالهيجان والاندفاع، فتعبّر عنه الاعتقالات العشوائية، وتكسير أبواب المنازل، وحصار الأحياء، وترهيب السكان، ومداهمة حتى البحر بلباس البر، وتعذيب المعتقلين وتعريتهم… بهذه السلوكات الرعناء تكون السلطات المخزنية قد تصرّفت، ليس بما يمليه القانون ويفرضه احترام حقوق الإنسان، بل تصرّفت بضغط من سعار الرغبة في الانتقام والتأديب، الذي أفقدها الصواب وجعلها تحت رحمة الانفعال الحادّ والاندفاع الأهوج. وقد بلغ هذا السُّعار ذروته في “غزوة” عيد الفطر ليوم 26 يونيو 2017، وفي “مجزرة” غاز لاكريموجين ليوم 20 يوليوز، اللتيْن نفذتهما السلطات المخزنية بالحسيمة بعدوانية قلّ نظيرها، كشفت خلالهما أنها تتصرّف حقا كالمسعور الذي يعضّ وينهش ويهاجم كل من يقع عليه بصره، لتوهّمه أنه يشكّل تهديدا لحياته.
من تسبّب للمخزن في هذا السعار الذي أصاب “جهازه العصبي” وأفقده صوابه وتوازنه؟ ليس هو الحراك في حد ذاته كحراك شعبي، كما يبدو للوهلة الأولى. وإنما ما يعتبره هذا المخزن محرّكا لذلك الحراك، وهو قائده ناصر الزفزافي، فكّ الله أسره. ولهذا فالمشكلة اليوم، بالنسبة للمخزن، ليست مطالب الحراك، ولا عدم إنجاز البرامج التنموية المقررة للحسيمة في 2015، ولا طحن الشهيد محسن فكري الذي معه انطلق الحراك، وإنما مشكلته هي وجود شخص يُسمّى ناصر الزفزافي، الذي تسبّب له في هذا السعار الذي دمّر خلايا “جهازه العصبي”، كما كتبتُ، وجعل كل أفعاله، ذات العلاقة بالحراك والريف عامة، هي مجرد استجابة للمثيرات التي يولّدها هذا السعار. فظهور زعيم يحبه ويناصره الشعب، بل ويؤيده حتى منتقدوه والمختلفون معه، ومن خارج “الزعامات” التقليدية، الحزبية والقومية والدينية، وينتمي إلى الريف وإلى الأمازيغية، أي ينتمي إلى هامش الهامش، لهو شيء يخلق الذعر والفزع لدى المخزن، مما يجعل ردود فعله تكتسي أعراض المصاب بالسعار، الذي يُفقد ضحيته اتزانه وتوازنه، بسبب تأثيره المباشر على الدماغ، كما سبقت الإشارة.
والغريب، بل الأغرب، أن قائد الحراك السيد ناصر الزفزافي، سبق له أن قال في أحد فيديوهاته الغاضبة، بعد نجاته من محاولة اغتيال تعرّض لها بأمزورن، وبلهجة تهديدية: «أذ سموزّرغ رمخزنّا = سأسبّب السعار لهذه الدولة المخزنية». وها هو تهديده يُنفّذ كما توعّد بذلك. وها هي أمارات السعار تظهر جلية في سلوكات المخزن وقراراته ذات الصلة بحراك الريف. ولهذا فالمشكلة بالنسبة للسلطة المخزنية لا تتوقف عند الاستجابة لمطالب الحراك، وإلا لكان الأمر سهلا وبسيطا. وقد بدأت فعلا، وبطريقتها الخاصة، في الاستجابة لتلك المطالب. وإنما يتعلق الأمر بالقائد ناصر الزفزافي، الذي أصبح يشكّل عقدة نفسية حقيقية للمخزن، تسبّب له الأرق و”تصبّب” له العرَق، لأنه يمثّل “بروميثيوس” المغربي (انظر مقالنا حول “ناصر الزفزافي أو بروميثيوس المغرب” على رابط “هسريس”: http://www.hespress.com/writers/355389.html) الذي تجرأ أن يسترد من “محجوزات” المخزن، كما سبق أن فعل “بروميثيوس” اليوناني، الشعلة المقدّسة للحرية والعدالة والكرامة، ويعيدها إلى الشعب المغربي ليبدّد بها حلكة القمع والظلم والاستبداد والفساد. وهذا ما يفسّر أن المخزن، إذا كان قد قمع تظاهرة 20 يوليوز بوحشية لا حدود لها، فذلك لأن هذه التظاهرة قدّمت له الدليل الملموس أن كلمة ناصر الزفزافي لا تزال مسموعة، وأن الدعوة التي وجّهها، منذ أزيد من شهرين، للتظاهر بالحسيمة يوم 20 يوليوز، استجاب لها، ليس الريفيون وحسب، بل آلاف المغاربة من كل مناطق المملكة. وهذا ما جعله يفقد أعصابه ويتحوّل إلى وحش مسعور، ينتقم بلا رحمة من المشاركين في التظاهرة عقابا لهم على ولائهم للزفزافي، رغم كل ما بذله (المخزن) من مجهود جبّار منذ اعتقاله، لتشويه صورته والنيل من مكانته في قلوب المغاربة، كاتهامه بالخيانة والانفصال، ونشر صوره الخاصة على الأنترنيت، وتصويره شب عارٍ، وتجنيد الإعلام البلطجي للافتراء عليه والانتقاص من قدره والإساءة إلى سمعته.
لم يعد السعار مرضا قاتلا منذ أن اكتشف العالم الفرنسي “لويس باستور” (1822 ـ 1895) اللقاح المضاد لهذا الداء. وبما أن اللقاح ضد السعار، كما توصّل إليه “باستور”، يُصنع من نفس المادة التي تكون هي سبب الإصابة بهذا المرض، فكذلك لا مناص للمخزن، لعلاج إصابته بأعراض السعار، من أخد تلقيح من الزفزافي الذي تسبّب له في ذلك السعار. كيف ذلك؟ يكفي الجلوس مع قادة الحراك، بعد إطلاق سراحهم، والتفاوض معهم، بجدية وصدق، حول الملف المطلبي وحول شروط وقف الاحتجاج الشعبي. ولن ينتقص ذلك شيئا مما يُسمّى “هيبة” الدولة. بل سيقوّيها لأن الدولة تكون قد تصرّفت بحكمة وعقلانية وديموقراطية. وهذا ما يشكل “الهيبة” الحقيقية للدولة، وليست “الهيبة” المزعومة التي تفرضها بالقمع والاعتقالات والهراوات. وعلى ذكر التفاوض مع قادة الحراك، نؤكد أنه لم يسبق لأية جهة حكومية رسمية أن استدعتهم أو طلبت منه فتح حوار حول المطالب المرفوعة، عكس الافتراءات التي روّجتها الصحافة المدافعة عن موقف المخزن، التي ادعت أن المحتجين رفضوا كل حوار مع المسؤولين، وذلك لتبرير المقاربة القمعية التي تعاملت بها السلطات المخزنية مع الحراك. وقد انطلت هذه الكذبة حتى على محللين سياسيين “كبار” رددوا، في فضائيات إخبارية أجنبية عالمية، أن المقاربة الأمنية كانت هي الخيار الوحيد بعد أن رفض المحتجون أي حوار مع المسؤولين الحكوميين. مع أن الذين رفض المحتجون التفاوض معهم هم ممثلو الأحزاب، لأنهم يعرفون أنهم لا يمثلون شيئا. وقد كانوا ينتظرون، عندما قدم وزير الداخلية بوفده الوزاري إلى الحسيمة قبل بدء الاعتقالات، أن يستدعيهم لفتح حوار معهم حول مطالب الحراك، لكنه ربأ عن ذلك ولم يفعل لأنه كان قد اتخذ قرار التدخل القمعي في حقهم. ولهذا فمن البهتان السخيف القول إنهم رفضوا الحوار مع الوفد الوزاري الذي زار الحسيمة، والذي كان هدفه ليس هو التفاوض مع المحتجين، بل هو التحضير للهجوم عليهم واعتقالهم.
إن الحراك الشعبي بالريف، والذي أصبح حراكا شعبيا لكل المغرب، فرصة للمخزن ليلقّح نفسه بمصل الديموقراطية، لينتقل من دولة المخزن إلى دولة القانون والمؤسسات. وسيكون من نتائج هذا الانتقال الإفراج عن “المحجوزات” المشار إليها أعلاه، والتي هي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، التي تدور حولها مطالب الحراك الشعبي بالريف وبباقي مناطق المغرب. أما بدون الاستعمال المستعجل لهذا اللقاح، فإن داء السعار سيؤدّي إلى تدمير الجهاز العصبي للمخزن، مما سيُفقده القدرة على التفكير والتبصّر، كما بدأت تظهر أعراض هذا الفقدان للتفكير والتبصّر في ما يصدر عنه من ردود فعل بدائية، تعتمد على الانتقام والعنف وقوة القمع بسبب غياب قوة التفكير والتبصّر.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.