هل تنقد مياه البحر سوس من العطش والجفاف؟

تعاني جهة سوس ماسة، من خصاص مهول من ماء السقي والماء الصالح للشرب، بسبب الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية وللفرشة المائية، إذ يبلغ العجز المسجل بأكادير الكبير( عمالتي اكادير وانزكان وإقليم اشتوكة أيت باها) نحو 90 مليون متر مكعب سنويا. ومن المعلوم أن  شركة اسبانية ( Abengao) شرعت، مند سنة 2018 ، في بناء أضخم محطة تحلية مياه البحر بإقليم أشتوكة أيت باها بعد فوزها بالصفقة المتعلقة بهذا المشروع ودخولها في شراكة مع  وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والمكتب الوطني للماء والكهرباء، ومن المقرر الانتهاء من إنجاز هذا المشروع سنة 2021 لإنقاد المنطقة من العطش والجفاف.

ويعد مشروع تحلية مياه البحر بمنطقة اشتوكة أيت باها بديلا ضروريا لدرء المخاطر التي تتهدد مستقبل المنطقة ، رغم أن هذا المشروع لا يهم الا جزء من الجهة ( توفير ماء السقي للضيعات الفلاحية بإقليم اشتوكة أيت باها والماء الصالح للشرب لأكادير)، فهل سيعرف المشروع طريقه الى التنفيذ؟

حظي ورش المشروع في اكتوبر من العام الماضي( 2 اكتوبر2018) بزيارة تفقدية من  طرف عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على رأس وفد مكون من والي جهة سوس ماسة ورئيس مجلسها وعامل إقليم اشتوكة ايت باها إضافة إلى رؤساء بعض المصالح الخارجية بالمنطقة.

و يقدرالغلاف المالي للمشروع، حسب المعطيات التي حصل عليها الموقع، بـ 3.83 مليار درهم تقريبا، ضمنها 1.97 مليار درهم لإنجاز مكون الري ، و1.86 مليار درهم لإنجاز مكون الماء الشروب ، وستكون للمحطة قدرة لتحلية ماء البحر تصل إلى 275 ألف متر مكعب من المياه وقد تصل في مرحلة ثانية إلى 450 ألف متر مكعب يوميا.

وتقع المحطة  بجماعة إنشادن باقليم اشتوكة ايت باها على بعد 300 متر من البحر وتبعد بحوالي 33 كلم على أكادير وقد كلفت المجموعة الاسبانية المجموعتان المغربيتان ستام وجي طي إير( STAM و GTR )بأشغال بناء المحطة التي ستصبح الاولى من نوعها بالمغرب وبإفريقيا. وسيكون للشركة الاسبانية ( Abengao) الحق في إستغلال المحطة لمدة 27 سنة وستتكلف أيضا بصيانتها طوال هذه المدة.

وفي لقاءات سابقة، سنة 2017 بمناسبة اعطاء الانطلاقة للمشروع، ترأس عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري بنادي الفلاح بأكادير، وعقد مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي سوس ماسة لقاء أخر مع عدد من ممثلي وسائل الاعلام، كان الحديث أنداك عن العجز المسجل في الفرشة المائية باشتوكة، بناء على الفرق بين الكميات المستعملة سنويا والموارد القابلة للتجدد، حيث تفاقم العجز الى درجة أنه يشكل خطرا داهما يهدد استمرار الأنشطة الفلاحية في اشتوكة المعروفة بكونها منطقة فلاحية بامتياز.

وأظهرت معطيات المسؤولين أن منطقة اشتوكة تحتل مكانة متميزة كأول حوض مصدر للبواكر بالمغرب، حيث تمثل 85 في المائة من صادرات المملكة من هذه المنتوجات وكذا 97 في المائة من الصادرات المغربية من الطماطم على الصعيد الوطني، فيما يعتبر فلاحو منطقة اشتوكة الأنجح بين نظرائهم في مختلف ربوع المغرب من حيث استعمال التقنيات الفلاحية العالية الجودة، وكذا التحكم الجيد في المزروعات.

لهذه الأسباب مجتمعة، بادرت الحكومة إلى إصدار مرسوم للمحافظة على الفرشة المائية لاشتوكة أيت باها، بتاريخ 10 أكتوبر 2017، من أجل وضع حد للمخاطر المحدقة باستمرار النظام الحالي لاستغلال المياه الجوفية بالمنطقة، حيث تبلغ المساحة المسقية من هذه الفرشة حوالي 17500 هكتار.

ويعتبر مشروع تحلية مياه البحر في منطقة اشتوكة، حسب المعطيات المشار إليها، نتاجا لوعي مشترك لدى عموم الفاعلين، السياسيين والاقتصاديين والمهنيين، على المستوى المحلي والجهوي والوطني (المستغلون الفلاحيون، المنتخبون، السلطات المحلية، القطاعات الوزارية…) بالتراجع الحاد والمنذر بالمخاطر للموارد المائية المتوفرة بالجهة.

وقد وقع الاختيار على سهل ماسة، الذي يقع على مسافة 33 كلم جنوب مدينة أگادير وشرق المنتزه الوطني لسوس ماسة، لتوطينه، بينما هناك جملة من الأهداف المستدامة، تظل مستهدفة من وراء هذا المشروع وفي مقدمتها المحافظة على الفرشة المائية لأشتوكة المهددة بالنضوب.

وفي حالة عدم انجاز المشروع، تؤكد المعطيات، وهو “سيناريو محتمل” فأن المنطقة مهددة بتسرب مياه البحر المالحة إلى الفرشة المائية مما سيؤدي إلى اندحار الاقتصاد الفلاحي وجميع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها، فيما تبلغ القيمة المحينة لخسائر الرأسمال بـ3 ملايير درهم، أما القيمة المحينة لخسائر القيمة المضافة فتبلغ 9 ملايير درهما، بينما سيتم فقدان مليون يوم عمل بخصوص الخسائر التي ستسجل على مستوى التشغيل.

وأفادت المعطيات نفسها، أن مشروع اشتوكة، الذي وضعته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بطلب من الفلاحين وجمعياتهم، يقوم على رافعتين أساسيتين المحافظة على فرشة المياه الجوفية عبر إصدار مرسوم يروم ذلك من جهة، وتحلية مياه البحر لري المساحة المسقية من أجل تعويض المياه المستنزفة من فرشة المياه الجوفية، بالإضافة الى توفير الماء الصالح للشرب لمدينة أكادير.

ويندرج هذا المشروع، تضيف المصادر، والأول من نوعه في إفريقيا، في إطار شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، إذ يجمع بين وزارة الفلاحة ومفوض له من القطاع الخاص، متمثل في شركة أمان البركة،  فرع للشركة العالمية الاسبانية، المشار إليها سابق، والتي  فازت بالصفقة المتعلقة بالمشروع، ومن جانب آخر، فإن كل الفاعلين بالمنطقة هم شركاء في المشروع من أجل  إنجاحه.

وقد تم تحديد مساهمة الفلاحين في المشروع في مبلغ 10 الف درهم للهكتار ( 5 ألاف تسبيق والباقي يؤدى بعد انطلاق المشروع) وقد شرع في جمع مساهمات المستفيدين، بانخراط 2260 هكتار في 15 يوم الاولى لانطلاق الاكتتاب، وذلك بهدف ضمان انخراط أكبر عدد من الفلاحين في المشروع من جهة والقيام بتحديد هامش الخصائص التقنية والإجراءات المالية، وذلك دون إعادة النظر فيها بشكل كبير من جهة ثانية.

وتقدر كلفة تحلية ماء البحر في المشروع  بين 5 و9 دراهم للمتر المكعب خارج الضرائب، على أساس أن المشروع في مرحلته الاولى سيوفر ماء السقي لـ 1000ضيعة فلاحية أي 125 الف متر مكعب في اليوم من ماء الري ، كما سيوفر 150 الف متر مكعب من الماء الصالح للشرب في اليوم لمدينة أكادير، وفي مرحلته النهائية سيغطي 1500 ضيعة فلاحية بـ 200 الف متر مكعب من ماء الري في اليوم، ويوفر نفس الرقم للماء الصالح للشرب في اليوم. وتقدر تكلفة المشروع الاجمالية بـ 3.16 مليار درهم منها 2.53 مليار درهم كتكلفة تقديرية للمحطة و 0.63 مليار درهم كتكلفة تقديرية لشبكة الري .

ويذكر أن سهل اشتوكة يمتد على مساحة 1600 كلم مربع بجهة سوس ماسة، ويتبع إداريا لإقليم اشتوكة آيت باها، الذي يبلغ تعداد سكانه 371102 نسمة، 257571 منهم (70 في المائة) قرويون و113531 (30 في المائة) حضريون حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 .

ويتميز سهل اشتوكة بنشاط فلاحي متطور جدا، بل تعتبر المنطقة الأولى المنتجة للبواكر بالمغرب، فطماطم اشتوكة آيت باها وحوامضها ذات الجودة العالية من انتاجها الفلاحي المتطور، وتفرض نفسها على الصعيد العالمي، وبالتالي فإن الأمر يتعلق بفلاحة تصديرية مما يجعل جهة سوس ماسة، جهة ذات قدرة تنافسية ومفتوحة على العالم.

وتتطلب الأنشطة الفلاحية الكثيفة بهذه المنطقة موارد مائية ضخمة نظرا لمناخها شبه الجاف وشبه الصحراوي، حيث تعرف تساقطات مطرية سنوية ضعيفة وغير منتظمة (20 إلى 30 يوم في السنة) وتبلغ في المتوسط 140 إلى 200 ملم في السنة، هذا المناخ يعد مناسبا للإنتاج الفلاحي.

إن توالي فترات الجفاف الحاد مضافة إلى عوامل التلوث والاستغلال المفرط للموارد المائية جعلت هذا المجال عرضة لمشاكل عويصة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات ملموسة، لذلك فإن تدبير الطلب على الماء يجب أن يعتبر أولوية من أجل ضمان تنمية مستدامة للمنطقة.

وقد أعطى عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ، في 7 نونبر من العام 2017، انطلاقة المشروع لتحلية مياه البحر بمنطقة اشتوكة، وبدأت عملية الاكتتاب في هذا المشروع الضخم والرائد من نوعه، بتاريخ 15 دجنبر 2017.

ويهم مشروع تحلية مياه البحر بمنطقة اشتوكة مهنيين فلاحيين بتعداد يقدر بحوالي 2500 فلاحا، من بينهم نحو 500 فلاح يتوفرون على بيوت مغطاة بمساحة تصل إلى 8000 هكتار، أي ما يمثل 50 بالمائة من مجموع المساحة المزروعة في منطقة اشتوكة بجهة سوس ماسة.

ويتابع عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات شخصيا وعن كتب المشروع، لأهميته كما يتابعه عدد هام من الفلاحين بسوس وعدد من عاملات وعمال القطاع الفلاحي بالإضافة إلى مهتمين من كل المجالات وسؤالهم الواحد هو: هل تنقد مياه البحر سوس من العطش والجفاف؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد