نُبل المبادئ ونِبال المبدئيين

مبارك بولكيد

مبارك بولكيد //
من الحقائق الثابتة التي كشف عنها حراك الريف بقوة هو أن مبادئ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان المعبر عنها بمعنى واضح في الدستور هي مبادئ صالحة لكل الاستعمالات دونما إشكال او حرج يذكر لدى المبدئيين المغاربة المختلفين/ المتفقين بخصوص الحق الامازيغي على الشكل التالي:
1 _ إن السلطة حين إرادة تطبيق مبادئ الديمقراطية على مستوى الواقع تتحول بها من معناها الحقوقي الواضح إلى مجرد مفاهيم ( للاستهلاك السياسي عند الاقتضاء) خاليةٍ من كل مضمون دقيق أو تكاد؛ بما يعني أن الدولة حين تبنت الحرية والعدالة وما إليهما من حقوق وواجبات أيضا إنما تبنتها لأجل الالتفاف داخليا على مطلب الديمقراطية الحق والأساسي، ولأجل تلميع صورة المخزن على الواجهة الخارجية.. ويؤكد صحة هذا المنحى من القصد ما اقدمت عليه الحكومة مؤخرا بتسرعها في مواجهة واقع الاحتجاج السلمي لشباب الريف: حينا بالعنف الرمزي، عندما وجهت ضد ناشطيه المتشبتين بحق التظاهر السلمي الواعي والحضاري والمسؤول تهما لا أساس لها من الصحة كالانفصال والتخريب.. مُسخرة لنشر تلك الأباطيل أدواتها الإعلامية والسياسية المختلفة، ثم حينا بالعنف المادي المكشوف للجميع في زمن لم يعد ينطلي فيه على أي متابع موضوعي للأحداث ذلكم العنفُ العنيف البالغ في القمع مداه.
2 _ إن المبادئ ذاتها حين ينافح عنها، على هامش ما يحدث في الريف، بعضُ المثقفين والصحفيين وكذا الأشخاص العاديين المحسوبين جميعا على الفكر الديمقراطي عموما وعلى اليساري بشكل خاص، تغدو تلك المبادئ حقا وتماما ذات مضمون مختلف؛ حيث إنه بخلفية أيديولوجيا العروبة قام ويقوم هؤلاء بتحليل وقراءة كل متعلقات الحراك على هواهم الايديولوجي..! في منابر متعددة (كالجرائد بمختلف توجهاتها والقنوات الإذاعية باختلاف عناوينها وكذا الحسابات الشخصية على الفايس) عبر كثير من هؤلاء المتدخلين، كل بالقاموس الذي ارتضاه لنفسه، عن مبلغ الحقد الدفين ضد الأمازيغ، وعن منتهى الكراهية المقيتة لهويتهم ولغاتهم وثقافتهم؛ فهم في كل ما قالوا أو كتبوا عن الريفيين توجهوا دون “أدنى تفكير” نحو المتظاهرين ( الرافعين لرايات معبرة عن توجه مخصوص بهم ومن حقهم، ولمطالب واضحة ومشروعة تَهمهم) بسهام القذف والسباب والتآويل الخادعة، ناهيك عن كيل الاتهامات الكاذبة التي لا دليل عليها؛ كالنزوع العرقي والسعي للانفصال وتكريس التشظي الهوياتي…الخ، حتى لقد قالوا في حراكهم ما لم يقولوه يوما عن جبهة البوليزاريو الانفصالية حقا وحقيقة.
صحيح إن أكثر هؤلاء لم يوظفوا تماما ومباشرة، لأجل النيل من الأمازيغية، أسطوانة القومية العربية؛ بما هم لم يعودوا مقتنعين بجدواها، بل اختاروا فحسب – وإن عن ضعف في الرؤية والرؤيا وعن سوء تاويل – مكرَ أساليب الإشارة والترميز والتلميح غير المناسبة…. مختبئين تارة خلف مقولة( المغرب) كوطن موحد للجميع؛ طبعا بعد تحديد هويته بتوظيف نغمتي الاسطوانة ذاتها: اللغة العربية والانسان العربي! و تارة أخرى وراء حدة اللهجة وتسويق الكلام السياسوي غير النظيف بالمرة، معتقدين أن لديهم من الذكاء ما يجعل للأسلوب بلاغة وللايديولوجيا تقية؛ فيُظهرون المدح وهم يهجون، كما يبدون الحياد في الوقت الذي هم ينحازون… وهكذا. في كل “التحاليل” المكشوفة خلفيتُها العرقية، وفي كل التساؤلات الملغومة (مجرد التساؤلات!) حول الحراك ودواعيه وأهدافه، لا يخجل المغربي العنصري أن يضمر بين ثنايا ملفوظه الواضح الإيحاءَ البليد بالإجابة الخفية المستهدفة..! حقا إن المواطن ذا الضمير الحي ببلادنا لَيضحك ويتألم في آن إذا هو يسمع أو يقرأ لدى نخبنا المثقفة وجماهيرنا العادية كلاما كبيرا لكن خادعا، منتهى ما يوحي به هو التُرهات من قبيل ما يلي:
– إن اعتزاز أهل الريف بمنطقتهم وبلغتها الخاصة وثقافتها المميزة وكذا بالبطل محمد بن عبد الكريم الخطابي مجرد نزوع عرقي ثقافي لغوي انفصالي،
– وإن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية على الرأس والعين.. لكن لا شيء بعدها..
– وإن خروجهم إلى الشارع ليس له من سبب غير تجاوزهم حدود اللياقة والادب مع السلطات؛ خاصة وأن الدولة استجابت عمليا لمطالبهم الاجتماعية والاقتصادية منذ مدة..
– أن احتجاجاتهم عنفية، وهم ليسوا سلميين، أبداَ أبداً… بل إنهم لَمعتدون، وإذا ما رددوا شعار السلمية لا يكونون صادقين بل أفاكين مخادعين…
كما يضحك ويتألم في آن إذا ما رأى بعض هؤلاء يحاول لفت انتباه المغاربة المظلومين المكلومين الساعةَ نحو قضايا الشرق الخامدة من زمان(كنكسة يونيو 67 ) او البعيدة عن شأن المغرب والمغاربة ( كصراع الإخوة اليوم في الخليج) .. بدل الانشغال بأوضاعنا الوطنية الملتهبة.. طبعا يحاولون شرقنة الهم المغربي باعتقاد أن تلك هي المروءة والإنسانية والتقدمية وما إلى ذلك من الأفكار والشعارات التي تتحول دلالاتها “العربية” نحو النقيض تماما كلما تعلق الأمر بالأمازيغية!
33 _ إن المبادئ ذاتها حين لا “يتفاعل” معها أشخاص معينون وتنظيمات مغربية معروفة إلا ليدرجوها ضمن الأجندات الخاصة الهادفة إلى تحقيق المرامي الذاتية ( للشخص أو للتنظيم ) البعيدة عن مطالب ساكنة الريف أو ربما حتى المتناقضة معها. تلك المبادئ… تبدو هي أيضا فارغة من كل دلالة حقوقية إيجابية؛ بما هي منحرفة عن القصد الأساس؛ وبما هي تسيء وتشوش على نضال المتضامَن معهم.. لا، بل إنها قد تعرقل أكثر مما تدعم مسار تحقيق مطالبهم المشروعة المرفوعة لفائدتهم فحسب.. ذلك لأن التضامن المبدئي الصادق مع الآخر لا ينبغي أن يكون من دوافعه أبداً تحقيقُ المتضامِن مكاسب على حسابه، بل فقط تحقيق المصالح الخالصة له أو المشتركة معه. وكل جهد مبذول أو تضحية مقدَّمة له خارج هذا الإطار التعاضدي النبيل هو فعل غير مقبول أخلاقيا على الأقل وجرم مدان سياسيا في كل حال.. أقلُّ ما يمكن أن يوصف به هو الاستغلال وهو الانتهازية ببليغ ما في الكلمتين من وضاعة.
4 _ وختما، لسنا نحتاج هنا أن نسمي لا الأفراد ولا الجماعات من كل هؤلاء؛ سواء منهم المحرفون لحقيقة قضية وطنية عادلة اسمها الأمازيغية أو الساعون إلى الركوب على نضالات أبنائها البررة…. فخطابات مختلف هؤلاء الشخوص المختلفين/المتفقين تدل عليهم؛ ليس يجليها فحسب تحريف أهداف الحراك من قبل البعض ولا الصعود بها عاليا نحو السقف من قبل البعض الآخر ، بل الذي يكشف لون العنصري ويفضح أمره بخصوص الأمازيغية هو أخبثُ ما في سلوك هؤلاء جميعا: مكرُ اختيار اللحظة لانتهاز الفرصة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد