نتيجة الإحصاء تتطلب الإسراع من أجل إنقاذ الأمازيغية من الانقراض ….ابراهيم الكبوسي

ابراهيم الكبوسي//

لم يفاجئنا التقرير الأخير لوزارة الحليمي الذي جاء بإحصائيات قد تكون صادمة للبعض ، لكنها تعبر عن ما كان متوقعا لدى مثقفينا ومفكرينا المغاربة الذين اختطف بعضهم واعتقل واغتيل بعضهم الآخر ، والذين لطالما نبهوا إلى خطورة الوضع الثقافي واللغوي بالمغرب ، وبأنه على الدولة إعادة ترتيب الأوراق في ما يخص البعد الثقافي للمغرب .
كما أنه لم يفاجئنا تقرير المندوبية لأن منظمة الأمم المتحدة قد سبق ودقت ناقوس الخطر حول حقيقة مرة وهي أن انقراض اللغة الامازيغية في شمال إفريقيا وصل أوج مراحله . وطالبت المنظمة الدولة المغربية بضرورة التحرك من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه .
إن التقرير الأخير للحليمي ما هو إلا تأكيد ملموس لما نبه إليه المثقفون والمفكرون المغاربة حول الانسلاخ الهوياتي وسياسة التعريب التي أفقدت الشعب المغربي خصوصيته اللغوية والثقافية والحضارية وجعلته يتبنى تاريخا غير تاريخه ، ويدافع عن قضايا ليست قضاياه الحقيقية ، ويتكلم بلغة غير لغته..
يحزننا جدا أن نرى الشعب الأصلي لشمال افريقيا مهمش ويتعرض لكل أنواع الميز العنصري …، ويحزننا جدا أن نرى السكان الأصليين لشمال افريقيا يتم إهانتهم لا لشيء إلا لأنهم أمازيغيون ومازالوا يحافظون على لغتهم وحضارتهم وثقافتهم …، كما يحزننا جدا أن نرى أبناء وأحفاد المقاومين الحقيقيين للمغرب والذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل تحرير أرض الوطن الحبيب .. ، محرومون من أبسط شروط العيش الكريم .
يؤلمنا حقيقية أن نجد الشعب الذي استضاف _منذ قرون عدة_ بكل تعايش جميع المهاجرين من كل حد وصوب ، واستقبل كل الأمم من كل دين وعرق ..، يتم منعهم من انقاد لغتهم وحضارتهم وثقافتهم الحقيقية من الذوبان والانقراض …، بدعوى أن لغتهم لغة ميتة ولا حاجة لإنقاذها ..
كما يؤلمنا جدا أن يتنكر الوطن لأناس قدموا الغالي والنفيس من أجل تحرير مغربنا الحبيب من استغلال القوى الاستعمارية ، التي استولت على الثروات الطبيعية والبشرية..
والذي يؤلمنا أكثر هو تنكر بعض فئات هذا الشعب المقهور من هويته الحقيقية وتبنيه ثقافة غير ثقافته ، منسلخا من كل ملامح هويته ، وهاربا من جذوره التي كانت سببا في وجوده .
يحز في أنفسنا أن نرى الغرباء والدخلاء يتحدون ويتفقون على كلمة واحدة ، هي محو ثقافة الشعب الأصلي لشمال افريقيا ..، في حين نجد شعبنا العزيز في تشتت دائم وتفرقة مستمرة وخلاف …
كما يحز في أنفسنا جدا أن يتحول الشعب الأصلي لأقلية بإحصائيات رسمية ..، وكأنهم يعلنون نجاح مخططهم التعريبي..
يؤلمني أن نرى أعداء الوطن يسيرون أمورنا بدون وطنية ولا مسؤولية ..، في حين يتم اعتقال واغتيال كل الأصوات الحرة الداعية لتحقيق مبادئ المساواة والعدل والديموقراطية..
من المؤسف جدا أن تجد الأغلبية الحقيقية في المغرب أصبحت أقلية ، وأن لغتهم أصبحت ميتة ..، وأنه عليهم أن ينسلخوا من هويتهم الامازيغية الضاربة في القدم ، وأن يندمجوا كعرب من أجل وحدة عربية..
كما أنه من المؤسف أن يتم إهانة الشعب الامازيغي في لغته وفوق أرضه ، وتستغل ثروات أرضه وبحاره…، ويقحم شعبه في مشاكل وحروب غيره ، ويكره على أن يدرس لأبنائه وأحفاده (برفع الياء) لغة أعدائه وغزاته رغم عن أنفه ..
من المؤلم جدا أن يتم تقرير مصير أمة وشعب أصلي من طرف حفنة من المهاجرين واللاجئين الوافدين من الجزيرة العربية ، ويتم تهميش الشعب الأصلي في المشاركة في تقرير مصير أرضه ومستقبلها ..
كما انه من المؤلم جدا أن يتم إعطاء امتيازات إيجابية للانفصاليين في الصحراء الغربية على حساب الوحدويين الذين تدل كل المؤشرات والحقائق العلمية أنهم السكان الأصليون للصحراء .
من العيب أن تعطى الأولوية للغة العربية والفرنسية في منظومتنا التعليمية ، وتهمش لغتنا الوطنية والتي بدأت بالانقراض ، ليتم _باسم المجلس الأعلى للتعليم_ منح مرحلة أخرى لأعداء لغتنا الوطنية لإتمام مسلسل التعريب ، وقتل ما تبقى من لغتنا الامازيغية ، عوض استنفار عام لكل مواردنا الوطنية من أجل إنقاذ ثرواتنا الفكرية والحضارية واللغوية من الانقراض .
إننا نتألم على الحالة المأساوية التي وصل لها الشعب الامازيغي وما وصلت له ثقافته ولغته ، وهم يرون بأم أعينهم ثروات بلادهم تستغل وتنهب(برفع التاء) ..
إننا نتألم جدا حول مآل أحفاد المقاومين في كل ربوع المغرب الحبيب ، بدأ من قبائل الريف الصامد بقيادة عبد الكريم الخطابي ، مرورا بقبائل الأطلس المتوسط بزعامة موحا أحمو الزياني ، انتهاء بقبائل أيت عطا وقبائل ايت بعمران في الجنوب ، كلها قبائل قاومت الاستعمار ورفضت عروضه السخية والمغرية..،غير أنها همشت وقمعت واستغلت ثرواتها شر استغلال..
والمغرب لن يتقدم مادام يتنكر لأصوله وثقافته وحضارته …، ولنا في نهضة اليابان خير مثال ، وما وصلت إليه راجع إلى كونها ركزت على أغلى ثروة وهي الإنسان ، وأنه لا نهضة حقيقية دون ثورة ثقافية تنبني على أسس الديمقراطية والحلول التشاركية والشعبية واحترام الآخر..
إن ما يتعرض له المغاربة على العموم ، والامازيغ على الخصوص ، يستدعي يقظة ووعي بأهمية المرحلة التي يمر منها المغرب ، خصوصا بعض المراوغات الحكومية من أجل كسب الوقت من الإجهاز على ما تبقى من تراثنا المادي واللامادي الذي نتحمل جميعا مسؤولية تاريخية في ضياعه وانقراضه .
ونتمنى حلول ما تنبئ به المفكر المغربي حين قال بأنه سيأتي زمن يفتخر فيه كل المغاربة بهويتهم الامازيغية ، عوض الانسلاخ والتنكر لأصولهم ..من أجل مصالحهم السياسية الضيقة .

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد