من ذاكرة الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي الحلقة 5/30

 أزول بريس – الحسين أيت باحسين //

من ذاكرة “أمريك” الحلقة 5/30: “الكلمة” (1971-1972)، “تييدرين” (1976)، “أمازيغ” (1981): الفقيد علي صدقي أزايكو بين “المعارك الفكرية حول الأمازيغية” و “في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية”.

“الذي لا ذاكرة له، لا تاريخ له”

 بول ريكور

في السبعينيات التحق جل المؤسسين للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالجامعة الفرنسية في باريس لاستكمال دراساتهم الجامعية (أتذكر من بينهم كلا من: علي صدقي أزايكو، أحمد بوكوس، أحمد أكواو وبوجمعة الهباز). لكنهم شاركوا في النقاشات العامة التي أتيرت حول مختلف السياسية والثقافية بصفة عامة وبين لسياسة اللغوية والثقافية بصفة خاصة وفي “دار المغرب” بصفة أخص؛ وذلك بين مختلف التيارات السياسية والفكرية. في إطار هذه المعارك، وبعد أن نشر أولى مقالاته في جريدة “صوت الجنوب” منذ 1968، بدأ نقاشاته الحادة مع القوميين العروبيين في مجلة “الكلمة” التي تصدرها الجمعية الإسلامية للثقافة والإرشاد (جمعية علماء سوس)، وستتم الإشارة إلى عناوين مقالات تلك المناقشة التي دارت بينه: من خلال مراسلات من باريس؛ وبين الأستاذ أحمد الفحصي من جامعة محمد الخامس بالرباط؛ من خلال الأعداد الأربعة الأولى لمجلة “الكلمة” التي تصدر بأكادير من فبراير 1971 إلى ماي 1972؛ ومن خلال أربعة مقالات لعلي صدقي أزايكو ومقالين لأحمد الفحصي.
وبعد عودة الأستاذ علي صدقي أزايكو من باريس، في إطار ما سُمّيَ آنذاك بمغربة الأطر الجامعية، مفضلا المشاركة في ذلك المشروع الوطني على البقاء في باريس لإتمام الدراسة الجامعية هناك. وبمجرد العودة إلى المغرب قام، من جديد، بمشاركة جد دينامية لما تمت الإشارة إليه من مكتسبات ساهم في تحققها المناضلون والمتعاطفون مع الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي من خلال مختلف الإصدارات والأنشطة الثقافية والنية. كما ساهم سنة 1972 في تأسيس “الجمعية المغربية معارف وثقافة” التي أصدرت دورية بالعربية تحمل إسم “تييدرين”، صدر منها عدد واحد، وكانت كل المقالات التي المنشورة فيها تتضمن مواقف جريئة لما ينبغي أن تكون عليه اللغة والثقافة الأمازيغيتين، كما أن جل المقالات التي صدرت بها لا تحمل أسماء أصحابها، إذ عوضتها بأسماء مستعارة. وفي هذه الدورية صدر مقال الفقيد علي أزايكو: “في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية”؛ وهو المقال الذي سيحاكم من أجله ثماني سنوات بعد ذلك، وبعد أن أعاد نشره، سنة 1981، في مجلة “أمازيغ” (النسخة العربية التي صدر منها عدد واحد فقط بعد أن منعت من التداول). فالجديد الذي أضيف إلى صيغة مقال “أمازيغ” هو الهوامش الغير المحال عليها في صيغة مقال “تييدرين”، وكذا الجزء الخاص بالمشكل الثقافي بالمغرب الذي أبرزه في مختلف مقالاته المبثوتة في مختلف الصحف والمجلات والدوريات الداخلية للجمعيات الثقافية الأمازيغية (أمريك الجمعية المغربية معارف وثقافة وجمعية علماء سوس) وفي نقاشاته مع مناهضي اللغة والثقافة الأمازيغية. فهو يقول في الهامش الأول لنسخة “أمازيغ”: “لقد كتبت هذا المقال منذ ثماني سنوات، وهذا هو سبب وجود بعض الإشارات إلى ما جد في الموضوع خلال السنوات الأخيرة”.
إذا كان الفقيد المناضل والمبدع والباحث علي صدقي أزايكو قد قضى عقوبة السجن لمدة سنة وسبعة عشرة يوما سجنا بتهمتي: “المس بأمن الدولة والإخلال بالدستور” بدعوى وصفه، في مقاله، الهجرة العربية إلى بلاد المغرب بأنها غزو من أجانب؛ فإنه، بمجرد خروجه من السجن استمر في نضاله وفق قناعاته الفكرية من مقالاته ومناقشاته ومشاركاته في الندوات وفي تأطير الطلبة في بحوثهم الجامعية؛ فإنه كان من المدعوين للحضور في مراسيم خطاب أجدير (وهذه إرسالية مزدوجة للخصوم كما للحلفاء)؛ وتم تعيينه بظهير ملكي كعضو لمجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ وتم تعيينه كباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمركز الدراسات التاريخية والبيئية)؛ كما أنه، حين أحس بقرب وفاته، ترك وصية لعائلته لكي يتم دفنه، في بلدته بجبال الأطلس الكبير، حيث مسقط رأسه وفي البقعة التي كان ينوي ويحلم بأن يستقر ما تبقى من حياته، بعد تقاعده لكي يتفرغ للبحث والكتابة؛ لكن آثار المعارك الفكرية من أجل رد الاعتبار للأمازيغية وآثار المرض المزمن عجلا برحيله الأبدي وإن تركا بذورا فكرية وثقافية وإبداعية، ليس فقط في وسع الأجيال المستقبلية أن تحول بعضها إلى أحلام تتحقق؛ بل إن بعضها قد تحقق وإن لم يمهله الرحيل لكي يتمتع بما تبث منها
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد