” حقا أصبحت شخصيا أروم الابتعاد عن الآخرين أقصد معشر من يعاقرون فعل الكتابة؛ ربما لأنني هذا اليوم اكتشف وأنا أقرا كعادتي ما يتاح لي أن أقراه، وربما قدأكون من بقايا الغفل السذج الذين لا زالوا يوهمون أنفسهم بان العلم وجبة رابعة للإنسان..أكيد أنني لا أساير الحضارة وعوض البحث عن الطريق القصير في الحياة أراني في غيي أعاقر المعرفة واعتبرها هبة ربانية، بينما العالم كنه حقيقة الحياة واكتشف أن بوابة المعرفة وهم ودوار فقلت وأنا أتذكر ما خطته يداه في كتابي: صهيل الذاكرة..حيث كنت بوهمي امجد المتعلم وارثي الجاهل قائلا:
«…أن تكون إذن عاشق علم في الوطن العربي الكبير يعني أنك أصبحت مدانا ودخلت عالم احتراف الغواية بامتياز..؟ أم ترى الأشياء تشكلت حسب قانون العرض والطلب..؟ من كان يصدق أن الموازين ستنقلب يوما رأسا على عقب..؟ ومن كان يدري أن اقتراف عشق الثقافة ستتنكر له الذات العربية في زمن هي أحوج إلى من يذكي فيها فتيل الحرف…؟ قالوا إن الأشياء قابلة للتغيير إلا العلم، لأنه بوابة الحضارات الإنسانية، وبوصلة التقدم والازدهار، فصدقنا كلاما سرعان ما محاه واقع الحال، فكنا بذلك ضحايا براءة زئبقية تتحكم فيها ظاهرة المد والجزر… وبماذا أقنع فتية عشقوا الحرف والزمان كشاف..؟ وبما أعلل الاستمرارية في التحصيل والعمر سياف واقف يتربص الأعناق..؟ قصيدتنا افتضحت منذ هلهلتها الأولى وتداخلت القوافي معلنة الفوضى الاضطرارية…».
لكن سرعان ما استحضرت أقوالا لعظماء خلدوا العالم لا بمقولة: النوم على الوظيفة والقناعة بما قسم الله… استحضرت خير الأنام حين عظم العلماء، وحين نطق حقا: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد..اطلبوا العلم ولو كان في الصين…ووقفت عند قوله تعالى:إن الله يخشى من عباده العلماء…. وان العلماء في تراتبيتهم يأتون مباشرة بعد الأنبياء والرسل… قلت ومن يدري أنني في الوهم غارق لان الزمن تغير، وكانت قريتنا على حق حين كانت تعطي رشوة للمستعمر حتى تخرج أبناءها من المدرسة..ترى ما الذي أصابني حتى اخترت العلم عاشقة ومعشوقة بينما كان بودي أن لو بقيت في الريف لصرت منذ زمان فقيها لا يخرب مادته الذهنية ويردها إلى خالقها بيضاء ناصعة..أو على الأقل لكنت في احد دول ارويا منذ الستينيات، عوض الغوص في الأبجدية العصية لكنت أراهن على المقاولات والبناء والنسل والاحتفاء بأرقى ما جد من السيارات، وبقيت ذاكرتي، وعقلي لا يتطلبان مني حتما الأقراص المنومة بينما غيري يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق وحين يحط بجسمه أرضا ينسى حقا انه كان حيا…؟
اجل اكتشفت وفي هذا العمر بالذات أن العلم عار والجهل نور، ولا أخفيكم سرا أنني اعترف على أن اختيارنا معشر المثقفين هو فاشل أساسا لان الحياة في آخر المطاف لا تنظر إلى عقولنا بقدر ما تنظر إلى جيوبنا وبربكم قولوا لي من من المثقفين يملك ما يملك برلمانيونا الذين لا يفرقون بين أياديهم اليمنى من اليسرى؟ الثقافة رهان فاشل وهناك من يتهمنا أننا نبيع الكلام والوهم بينما الحقيقة غير ذلك؟ بربكم معشر المثقفين لا تغضبوا من إنسان اكتشف نفسه انه اخطأ الطريق في حياته.. تراني سأصدق بعد الآن صاحب الكوجيطو حين قال ما مفاده؛ « أنا أفكر إذن أنا موجود»؟ لو بقيت في عصرنا يا ديكارت لجلدت نفسك ألف مرة لأنك ستطلب المغرفة لأنك قلت يوما: إن المثقف عندما ينهج نهج ديكارت في الشك في كل الحقائق الخارجية، يصطدم بالذاتية الإنسانية، وهو هنا لا يكتشف ذاتية الفرد فحسب بل ذاتية الآخرين أيضا… وكم أنت واهم يا سارتر حين أضفت قائلا: عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه، فإننا نفهم من هذا أن كل واحد منا يختار نفسه بالإضافة إلى ان الإنسان في اختياره لنفسه، فانه يختار كل الناس… أنت واهم يا سارتر، ورب الكعبة واهم لو بقيت إلى زمننا هذا لاكتشفت انه كان عليك أن تكون راعي غنم يملك كل شئ وقد لا يملك شيئا إلا انه خير منك يمتلك راحة البال والقناعة بما يوجد أمامه وما همه إن يبحث عن الماهيات والسياسات والمفاهيم والنسبيات ووووو.. كم خطاتموننا معشر العلماء حين سقطنا في حبالكم وها نحن نلق دروسا في زمن هو أصلا وشاية لان المفاهيم انقلبت فمن قال إن اينشتاين أحسن من قارون عليه أن يعرض نفسه على طبيب نفساني….وللحديث بقية لأنه ذو شجون ومقرف..”
الدكتور عبد السلام فزازي
تحرير سعيد الهياق
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.