مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية

med boudhan

بقلم: محمد بودهان//

لقد بات شبه مؤكد أن المذكرة، التي رفعتها الفعاليات والجمعيات الأمازيغية إلى الملك، تلتمس منه التدخل لتعديل مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، حتى يتوافقا مع الطابع الرسمي للأمازيغية، لم تلق آذانا صاغية، وذلك بعد أن صادق المجلس الوزاري، برئاسة الملك، على نص المشروعين يوم الاثنين 26 شتمبر 2016. ولهذا يمكن القول إن مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16، المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، قد بدأ، منذ هذا التاريخ، يفقد شيئا من صفته كـ”مشروع”. ذلك إن إقرار الملك لهذا المشروع، بصفته رئيسا لمجلس الوزراء، هو بمثابة الضوء الأخضر أن المشروع ربما لن يعرف تعديلا ولا مراجعة، وسيُطبّق بالصيغة وبالمضمون اللذيْن أعدّه بهما رئيس الحكومة السيد بنكيران، وينتظر فقط المرور الشكلي والمسطري بالمرحلتين المتبقّيتين، مجلس النوّاب والمحكمة الدستورية، ليصير قانونا تنظيميا نهائيا ونافذا بعد نشره بالجريدة الرسمية. وفي انتظار استكمال المشروع للإجراءات التي ستنزع عنه صفة “مشروع”، وتعطيه صفة “قانون تنظيمي”، سنواصل تسميته بمشروع القانون التنظيمي للأمازيغية، ولو أن مناقشتنا لهذا المشروع هي، في الحقيقية، مناقشة للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

كل شيء إلا الترسيم:

عندما نقرأ ونعيد قراءة هذا المشروع للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، نخرج بقناعة مفادها أن المشروع يعطي كل شيء للأمازيغية إلا الترسيم الحقيقي، فهو يمنعه عنها. ولهذا فقد كان من الأولى تسميته بمشروع القانون التنظيمي لتنمية الأمازيغية، أو للنهوض بالأمازيغية، أو لرد الاعتبار للأمازيغية… وهو ما يجعله غير حامل لأي جديد، لأن تنمية الأمازيغية والنهوض بها ورد الاعتبار لها، هي مهام سبق أن نص عليها ظهير أجدير لـ17 أكتوبر 2001، المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وبمقارنة هذا الظهير بمشروع القانون التنظيمي، سنلاحظ أنه لا يختلف في مضمونه وأهدافه، كثيرا وجوهريا، عن مضمون وأهداف هذا المشروع. لكن الفرق، الذي لا تخطئه العين، بين النصين، هو أن الأول كتب بأسلوب فيه الكثير من الصدق وحسن النية (أتحدث هنا عن الظهير كنص قانوني دون ربطه بمدى تطبيق ما جاء فيه لصالح الأمازيغية. فمشكلة التطبيق ستطرح كذلك مع القانون التنظيمي). أما الثاني فتعابيره تنطوي على غير قليل من الخبث والتضليل والمخادعة والمراوغة وسوء النية، كما سأوضّح لاحقا. وكل ذلك، ليس لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإنما لمنع ترسيمها قانونيا، كما قلت. وهذا هو الهدف الحقيقي للمشروع، كما تكشف عنه الفلسفة العامة التي توجّهه وتحكمه، كما سنعرضها في ما يأتي.

خرق الدستور من أجل فرض التلهيج:

منذ المادة الأولى، ينحرف بنا مشروع القانون التنظيمي عن أهداف الدستور، ويتعمّد مخالفة مقتضياته الخاصة بترسيم الأمازيغية، كما نص عليها في الفصل الخامس. فهذه المادة تقول في فقرتها الثانية: «ويقصد باللغة الأمازيغية في مدلول مشروع هذا القانون التنظيمي مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة». تشكّل إذن هذه الفقرة خرقا سافرا للدستور الذي يقول: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة»، مستعملا لفظ “الأمازيغية” و”لغة رسمية” بصيغة المفرد، وليس بصيغة الجمع كما فعلت الفقرة الثانية من المادة الأولى من المشروع التي تتحدث، وبصيغة الجمع، عن «مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب». والدليل الآخر أن الدستور يعني الأمازيغية كلغة واحدة وموحّدة، ولس تعبيراتها اللهجية المختلفة، هو أنه خصص الفقرة الخامسة من الفصل الخامس للعناية باللهجات، دون أن يذكر ضمنها الأمازيغية، حيث جاء في هذه الفقرة: «تعمل الدولة على صيانة الحسانية […] وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب». فهذه الفقرة الثانية من المادة الأولى من مشروع القانون التنظيمي، تعود بنا إذن، وخرقا للدستور، إلى نقاش عقيم ساد قبل بداية الألفية الثالثة، والذي كان ينصبّ حول ما إذا كانت الأمازيغية لهجة، أم لغة تستحق أن تلج المدرسة والإدارة وكل مؤسسات الدولة.

ولأن هذه الفقرة من المادة الأولى للمشروع تقدّم تعريفا خاصا وجديدا للغة الأمازيغية، فهي تخرق الدستور أيضا لأنها تخرج عن المهام التي حددتها الفقرة الرابعة من فصله الخامس، والتي تقول: «يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية». فليس من مهامّ القانون التنظيمي إذن تعريف اللغة الأمازيغية، التي سبق أن حسم الدستور في تعريفها كلغة رسمية. وعندما يقوم مشروع القانون التنظيمي بهذا التعريف، فكأن الدستور يقول: «يحدد قانون تنظيمي تعريف المقصود باللغة الأمازيغية». وهو خروج صريح عن مضمون الفقرة الرابعة من الفصل الخامس للدستور، مما يشكّل خروجا عن هذا الدستور، وخرقا لمقتضياته المتعلقة بترسيم اللغة الأمازيغية.

ونتيجة لهذا الخروج عن الدستور، فمشروع القانون التنظيمي يخرج كذلك عن الهدف الدستوري من ترسيم الأمازيغية، والذي حددته الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، ألا وهو أن تتمكن الأمازيغية «من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية». ذلك أن اللغة الأمازيغية، إذا كانت هي «مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب…»، كما تعرّفها المادة الأولى من المشروع، فالنتيجة أنه لا يمكن أن تكون هذه اللغة رسمية، اللهم إذا كانت هناك لغات أمازيغية رسمية، بالجمع، تمثل كل لغة رسمية منها أحد «التعابير اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب». وواضح أن المقصود من هذا التعريف، الذي أعطاه المشروع للغة الأمازيغية، ودون أن يطلب منه الدستور ذلك، هو أن لا تكون الأمازيغية لغة رسمية، لأنه لا يمكن أن تكون هناك أكثر من لغة أمازيغية رسمية واحدة، وإلا فلن يكون هناك ترسيم لهذه اللغة إطلاقا. وهذه هي الغاية من هذا التحايل على الدستور باختلاق تعريف للأمازيغية بهدف منع ترسيمها الحقيقي، لتبقى مجرد “لهجات” لا يسمح وضعها “اللهجي” “المتعدد” باستعمالها كلغة رسمية للدولة.  

توجّه تراثي:

ولدعم هذا التوجّه التلهيجي، المخالف للدستور، يركز المشروع، أيضا، على كون الأمازيغية «رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء»، المنقولة من الدستور، والتي تتكرر في نص المشروع بشكل لافت (المذكرة التقديمية، الفقرة 1 من المادة 2، الفقرة 4 من المادة 2، المادة 19). وإذا كانت عبارة “رصيد مشترك”، المحمولة على اللغة الأمازيغية، قد توحي، في النص العربي، أنها تخدم هذه الأخيرة بجعلها قضية جميع المغاربة، فإن النص الفرنسي للدستور ينفي هذا التأويل “الإيجابي” بترجمة “رصيد” بلفظ دقيق، لا يحيل إلا على معنى واحد لا لبس فيه ولا تأويل. إنه لفظ Patrimoine ، الذي يعني في الفرنسية الإرث، أي كل ما يتركه الآباء من ممتلكات للأبناء. وعندما يكون هذا الإرث لغة مثل الأمازيغية، فـ”الرصيد”، أي “الباتريموان”، يعني أن هذه اللغة تراث انتقل إلى الأجيال الحالية. وهذا ما يعنيه مشروع القانون التنظيمي باستعماله المفرط لهذه العبارة، قاصدا بذلك أن اللغة الأمازيغية تراث مشترك لجميع المغاربة. وأين المشكل في ذلك؟ المشكل أن اللغة الأمازيغية، إذا اعتبرت مجرد تراث، فإن تنميتها والنهوض بها لا يتطلبان ترسيمها، بل فقط الحفاظ على ذلك التراث والاعتناء به ونفض الغبار عليه حتى لا ينقرض ويختفي. وهذا ما يتماشى مع الاستراتيجية العامة للمشروع، الرامية إلى منع ترسيم الأمازيغية، كما جاء في عنوان هذا المقال، وينسجم مع التعامل اللهجي معها، والذي ينطلق منه المشروع منذ مادته للأولى، كما أضحنا.

وإذا كانت الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور هي التي ربطت بين ترسيم الأمازيغية وبين كونها «رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء»، وهو ما بنى عليه مشروع القانون التنظيمي تصوره التراثي لتفعيل ترسيم الأمازيغية، فهي فقرة أضيفت، وبشكل غير قانوني، من طرف “مجهولين” لم تكن لهم أية صفة لتغيير أو حذف أو إضافة أي شيء في مشروع الدستور، بعد أن كانت اللجنة الملكية، المكلفة بإعداد هذا المشروع، قد أنهت صياغته وتحريره ورفعته إلى الديوان الملكي ليعرض على الاستفتاء الشعبي. فالنص الأصلي للفصل الخامس من مشروع الدستور يقول، في ما يخص العربية والأمازيغية: «1 ـ العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان للدولة. 2 ـ لكي تتمكن الأمازيغية من القيام مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية، يحدد فانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة، وكذا كيفيات إدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العمومية ذات الأولوية». لقد تم العبث إذن بالنص الأصلي وتغييره بشكل يوحي بوجود تراتببية بين العربية والأمازيغية، مع ربط ترسيم هذه الأخيرة بكونها رصيدا مشتركا للمغاربة، بعد أن كان نصُّ الفصل الذي حررته اللجنة القانونية يساوي بينهما، وفي عبارة واحدة، كلغتين رسميتين للدولة. ولهذا فإن هذا الفصل الحالي، الخاص بالعربية والأمازيغية، هو محرَّف وغير سليم من الناحية القانونية، لأنه حُرّر من طرف من لا يملك الصفة لتحرير مشروع لدستور. وواضح أن الباعث على تحريف النص الأصلي القانوني هو وجود سوء نية عند من قاموا بذلك التحريف، تستهدف الأمازيغية عندما فصل ذلك التحريف ترسيمها عن ترسيم العربية، خلافا لما قررته اللجنة المختصة، وربط هذا الترسيم بكونها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، وهو ما استغله مشروع القانون التنظيمي ليبني عليه تصوره التراثي لترسيم الأمازيغية.

ترسيم التواصل الشفوي لكي لا يكون هناك ترسيم للاستعمال الكتابي:

لكن بما أن الدستور يحدد للقانون التنظيمي مهمة «تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية» «لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية»، فقد احتال مشروع القانون التنظيمي على هذا الأمر الدستوري بالشكل الذي يُظهر ـ في الظاهر فقط ـ التزامه واحترامه للدستور، لكن مع منع الترسيم الحقيقي للغة الأمازيغية. كيف ذلك؟   

يختزل مشروع القانون التنظيمي تفعيلَ الطابع الرسمي للأمازيغية في هدف وحيد هو ما سماه “التواصل”، كما تشرح ذلك وتحدّده، وبشكل واضح ومفهوم، المذكرة التقديمية للمشروع، التي تقول: «ويهدف هذا القانون التنظيمي إلى تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات العامة ذات الأولوية، باعتبارها لغة رسمة للدولة». وبالرجوع إلى السياقات التي وردت فيها كلمة “تواصل”، نجد أن المشروع يعني بها الاستعمال الشفوي للأمازيغية، لا غير. وهذا التركيز على “الشفوي” ينسجم ـ وينتج عن ـ مع التوجه اللهجي الذي يحكم المشروع كله، كما سبق أن شرحنا.

أما ترسيم الأمازيغية كلغة كتابية فيقتصر على إصدار نسخة من الجريدة الرسمية باللغة الأمازيغية (المادة 10 و11)، وكتابتها على القطع والأوراق النقدية والطوابع البريدية وأختام الدولة (المادة 22)، وعلى البطاقة الوطنية للتعريف وجواز السفر ورخصة السياقة وبطاقة الإقامة للأجانب ومختلف الشواهد المسلمة من طرف الإدارة (المادة 21). هذا الاستعمال الرسمي الكتابي للأمازيغية، ولأنه ـ باستثناء الجريدة الرسمية، وهي مسألة سنعود إليها لاحقا ـ استعمال ثابت Fixe وموحّد Uniforme، كما في مختلف البطائق وجوازات السفر والطوابع البريدية والأختام والقطع والأوراق النقدية، فهو ترسيم رمزي يكتسي طابع الزينة والديكور أكثر مما هو ترسيم حقيقي. فكل ما يمنحه إذن مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية هو ترسيمها شفويا ورمزيا وديكوريا. وهذا في الحالة التي ستُطبّق فيها فعلا هذه “المنحة” لصالح الأمازيغية.

وأين شروط الترسيم الحقيقي؟

لقد رأينا أن مشروع القانون التنظيمي خرج عن مقتضيات الفصل الخامس من الدستور ـ الذي يعتبر هو نفسه خروجا عن الفصل الخامس الأصلي، الذي حررته اللجنة الملكية المختصة، كما شبقت الإشارة ـ، عندما أعطى تعريفه الخاص للأمازيغية، التي جعل منها مجرد لهجات، محاولا تلطيف هذا التعريف اللهجي الفجّ بكتابة، مكان لفظ “لهحات”، «مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة». وقد رأينا أن اللجوء إلى هذا التعريف هو من أجل منع الترسيم الفعلي والحقيقي للأمازيغية. لماذا؟ لأن المشروع، لو كان هدفه ترسيم الأمازيغية، لما لجأ إلى تعريفها بطريقته الخاصة، وهو شيء لا يدخل في مهامّ التفعيل الرسمي للأمازيغية، كما حددتها الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، لأن هذا التعريف ليس هو موضوع هذه الفقرة الرابعة، وإنما موضوعها هو تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، كما سبق توضيح ذلك. فلو كان مشروع القانون التنظيمي حريصا على احترام نص الدستور، لبدأ بتعريف مفهوم اللغة الرسمية، لكونها هي موضوع الفقرة الرابعة من الفصل الخامس، وليس تعريف مفهوم اللغة الأمازيغية. لكنه لم يفعل حتى لا يقع في تناقض مع الغاية من المشروع، التي هي منع ترسيم الأمازيغية.

فاللغة الرسمة تعني، في خاصيتها الأساسية، اللغة الموحَّدة للدولة، أي اللغة التي تشتغل بها، وبشكل موحّد، مؤسسات هذه الدولة. وما معنى أن تشتغل مؤسسات الدولة بهذه اللغة أو تلك؟ معناه أن الموظّفين والمسؤولين العموميين، الممثلين للدولة ولمؤسساتها، يستعملون هذه اللغة في قراءة وتحرير وإنتاج الوثائق الرسمية، وفي خطاباتهم وتصريحاتهم الشفوية ذات الصبغة العمومية، أي التي يتحدثون فيها باسم الدولة ومؤسساتها. وهو ما يعني أن هؤلاء الموظّفين والمسؤولين يتقنون قراءة وكتابة هذه اللغة، التي يقرأون ويحررون بها الوثائق الرسمية. وهو ما يعني كذلك أن هؤلاء ـ الموظّفين والمسؤولين العموميين ـ سبق لهم أن درسوا هذه اللغة لمدة كافية وضرورية لأن تجعلهم متمكّنين من استعمالها الكتابي الموحَّد، ومؤهّلين لقراءة وكتابة مختلف الوثائق الرسمية بهذه اللغة، وفي جميع مناطق وجهات الوطن حيث يمكن تعيينهم للعمل هناك. كل هذا يبيّن أن الشرطين الأولين اللذين يجعلان من لغة ما لغة رسمية، هو استعمالها الكتابي والموحّد (الكتابة والتوحيد). وهو ما يتطلب تدريسها لتعلم هذا الاستعمال الكتابي الموحّد، كما هو شأن كل لغات العالم التي تستعمل في الكتابة كلغات رسمية.

هذا التدريس للأمازيغية كلغة كتابية وموحّدة، حتى تقوم بوظيفتها مستقبلا كلغة رسمية، هو الغائب الأول والأكبر في مشروع القانون التنظيمي. وغيابه شيء منطقي ومفهوم، لأن غاية المشروع، كما سبقت الإشارة، هي منع ترسيم الأمازيغية وليس تفعيل ترسيمها. ولهذا لم يستعمل المشروع إلا مرتين لفظ “تدريس”، وذلك، أولا، في الفقرة الثانية من المادة الرابعة التي جاء فيها: «ولهذا الغرض تدرس اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في جميع مستويات التعليم الأساسي». ثم، ثانيا، في المادة الخامسة التي تقول: «يمكن اعتماد التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في بعض المناطق بجهات المملكة، إلى جانب العربية، لتيسير تدريس بعض المواد التعليمية». وهو توضيح أن اللغة المعنية هي اللهجات الجهوية، وليس الأمازيغية الموحّدة التي هي وحدها الجديرة بأن تكون لغة رسمية للدولة. فالمشروع تجنّب بالمرة الحديث عن التوحيد المدرسي للأمازيغية لهدف استعمالها الكتابي الموحّد، حتى تقوم مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية. فترسيم الأمازيغية كلغة كتابية موحّدة هو شيء خارج “المفكر فيه” عند محرري مشروع القانون التنظيمي، لأن الذي فكّروا فيه هو التعامل معها كلهجات، حتى لا ترقى إلى وضع لغة رسمية، والتي لا يمكن أن تكون إلا موحدّة. وهذا التوحيد لا يمكن أن يتحقق إلا بالمدرسة والكتابة.

وأين «كيفيات إدماجها في مجال التعليم»؟

ولهذا فمشروع القانون التنظيمي لم يوضّح ولم يفصّل «كيفيات إدماجها في مجال التعليم»، التي هي من مهام القانون التنظيمي كما جاء في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور. كل ما جاء في المشروع حول هذه “الكيفيات” هو الإشارة إلى مبدأ “التدرج” (الفقرات 1، 2 و3 من المادة 4)، وبشكل عام وعائم، ودون تحديد ولا إلزام، مع إسناد مهمة ذلك الإدماج إلى وزارة التربية الوطنية، وإلى المجلس الوطني للغات والثقافة، وإلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين، كما تقول المادة 5 من المشروع: «تسهر السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين بتنسيق مع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على اتخاذ التدابير الكفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص». مع أن المطلوب دستوريا من القانون التنظيمي، إذا كان لا بد من تكليف هذه المؤسسات الثلاث بمهمة إدماج الأمازيغية في التعليم، هو أن يحدد لها بدقة، وبشكل آمر وملزم، ما يجب أن تفعله بخصوص هذا الإدماج. أما إسناد مسؤولية هذا الإدماج لهذه المؤسسات، ودون تحديد ما يجب عليها القيام به لهذا الغرض، ودون إلزامهما بذلك، فهو تهرّب من الموضوع، وتعويم للمسؤوليات حتى لا تُسأل أية جهة عن مسؤوليتها في إفشال إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، لأن القانون التنظيمي لم يحدد لها مهامها واختصاصاتها التي ستُسأل عنها في حالة إخلالها بهذه المهام وهذه الاختصاصات. وهكذا ستواصل وزارة التربية الوطنية إفشالها لتدريس الأمازيغية، وتعاملها المستخفّ بها وبتدريسها، كما فعلت منذ 2003. وإذا سئلت عن هذا الإفشال وهذا الاستخفاف، ستجيب بأنها طبّقت التدابير التي رأتها كفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية في التعليم، كما تنص على ذلك المادة 5 من القانون التنظيمي. وستكون الوزارة محقة في جوابها وردها. ونفس الشيء ستدفع به المؤسستان الأخريان. لكن لو أن القانون التنظيمي حدّد، بدقة وتفصيل، على شكل “دفتر للتحملات”، مضمون هذه التدابير التي يطلب من هذه المؤسسات الثلاث اتخاذها لإدماج الأمازيغية في التعليم، لما ترك لها فرصة تطبيق تدابير مزاجية يمليها الهوى الإيديولوجي والأحكام المسبقة حول الأمازيغية. ولكانت مساءلتها عن أي تأخير أو إفشال لإدماج الأمازيغية في التعليم ذات معنى، لأنها ستُسأل احتكاما إلى ما أنجز من “دفتر التحملات”، الذي كلفها القانون التنظيمي بإنجازه وتنفيذه.     

ثم ما الجدوى من قانون تنظيمي لا يحدد بدقة ومسؤولية ما يجب أن تقوم به مؤسسات يسند إليها مهمة إدماج الأمازيغية في مجال التعليم؟ فلن يكون هناك، في هذه الحالة، أي تفعيل حقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية، يمثّل تقدما بالمقارنة مع ما نص عليه الدستور، الذي أسند هذا التفعيل إلى قانون تنظيمي. فهذا القانون، يكرر إذن هو نفسه، عندما أسند مهمة إدراج الأمازيغية في التعليم إلى المؤسسات الثلاث دون أن يحدد لها ما يجب أن تقوم به ودون أن يلزمها بذلك، ما فعله الدستور عندما أسند تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية إلى قانون تنظيمي. وإذا كان من صلاحيات ومهام الدستور أن يتضمن المبادئ العامة دون الدخول في التفاصيل، فإن من صلاحيات ومهام القوانين التنظيمية أن تفصّل ما أجمله الدستور، مثل تفصيل «كيفيات إدماجها (أي الأمازيغية) في مجال التعليم»، المنصوص عليها في الدستور بشكل عام وإجمالي.

من جهة أخرى، يخرق مشروع القانون التنظيمي الدستور مرة أخرى، وبشكل صريح وواضح، عندما أعطى لوزارة التربية والمجلس الوطني للغات والمجلس الأعلى للتعليم، صلاحية «اتخاذ التدابير الكفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص». هناك خرق للدستور لأن الفقرة الرابعة من فصله الخامس تقول: «يحدد قانون تنظيمي […] كيفيات إدماجها (أي اللغة الأمازيغية) في مجال التعليم»، ولم يقل: «تحدد وزارة التربية، بتنسيق مع المجلس الوطني للغات والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، كيفيات إدماجها في مجال التعليم». هذا خرق للدستور لأن ليس من صلاحيات القانون التنظيمي أن يحلّ محل الدستور فيغيّر أحكامه أو يضيف من عنده أخرى جديدة. كل صلاحياته تنحصر في تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في هذا الدستور، لا غير. ولهذا فعدم تحديده “لدفتر تحملات” خاص بكيفيات إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، كما يُلزمه الدستور بذلك، وإسناده لهذه المهمة الخاصة به إلى وزارة التربية ومجلس اللغات ومجلس التربية والتكوين، هو خروج عن نص الدستور وخرق سافر له، يترتب عنه بطلان هذا القانون التنظيمي.

وبالرجوع إلى مضمون “الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015 ـ 2030″، التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يستحضره مشروع القانون التنظيمي بخصوص إدماج الأمازيغية في التعليم، سنجد أنها تحصر، هي أيضا، الهدف من تعليم الأمازيغية في مهارة “التواصل” لا غير، كما جاء في وثيقة هذه “الرؤية الاستراتيجية” التي تقول: «جعل الحاصل على الباكالوريا متمكنا من اللغة العربية، قادرا على التواصل بالأمازيغية، ومتقنا للغتين أجنبيتين على الأقل». وهنا تلتقي الفلسفة “الأمازيغية” لمشروع القانون التنظيمي بنفس الفلسفة للرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهي فلسفة تنطلق من “الشفوي” (اللهجات = مختلف التعابير اللسانية لمختلف المناطق) وتصب في “الشفوي” (التواصل). وإذا عرفنا أن “الرؤية الاستراتيجية” سبقت صدور مشروع القانون التنظيمي، فيمكن أن نستنتج أن هذه الفلسفة “الأمازيغية”، التي يتضمنها هذا المشروع، منقولة عن الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين. بل يمكن الجزم، بالمقارنة بين أسلوب المشروع وأسلوب “الرؤية الاستراتيجية”، وبالنظر إلى تطابق تعامليهما “الشفويين” مع الأمازيغية، أن محرري “الرؤية الاستراتيجية” هم محررو المشروع الذي ضمّنوه نفس الرؤية اللهجاتية والتواصلية إلى الأمازيغية، مع استبعاد لأية تهيئة كتابية وموحّدة لها لتقوم مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية.

التحايل والتضليل والاستغباء وسوء النية:  

ولأن مشروع القانون التنظيمي يحصر الترسيم في ما هو شفوي ورمزي وديكوري، كما سبق شرح ذلك، مع غياب مطلق لأية خطة للاستعمال الكتابي الرسمي للأمازيغية الموحّدة في المستقبل، فإن تحديد أقصى مدة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في 15 سنة، هو مجرد كذبة وتحايل. لماذا؟ لأنه إذا لم يكن هناك ترسيم حقيقي للأمازيغية كلغة كتابية وموحّدة تستعمل في إدارات الدولة ومؤسساتها، فإنها لن تصير لغة رسمية، أي تستعمل كتابيا في مؤسسات الدولة، حتى لو حددت مدة تفعيلها الرسمي في قرون وليس في 15 سنة. وكمثال على ذلك ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 30 من المشروع، بخصوص استعمال الأمازيغية في القضاء، والتي تقول إنه «يحق للمتقاضين، بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية». فليس هناك إذن ترسيم خارج ما هو شفوي، أي سماع النطق بالحكم  باللغة الأمازيغية، ودون إلزام المحكمة بذلك. هكذا سيبقى إذن وضع الأمازيغية شفويا ولهجيا، مما يمنعها أن تصبح لغة رسمية حقيقية تستعمل بشكل كتابي وموحّد في القضاء، وحتى بعد قرون وليس فقط 15 سنة، وذلك في حالة ما إذا طُبّق مضمون هذا المشروع للقانون التنظيمي.  

لكن ستكون الأمازيغية لغة رسمية حقيقية لو نص المشروع على وجوب تحرير الأحكام ـ وليس فقط النطق بها ـ والمذكرات الترافعية بالأمازيغية، كما تستعمل لهذا الغرض العربية. وهو ما يشترط أن يكون القضاة والمحامون وكتاب الضبط والأعوان القضائيون قد تلقوا تكوينهم القانوني بالأمازيغية، وهو ما يفترض أن الأمازيغية ستكون لغة لتدريس القانون بكليات الحقوق، مثلها مثل العربية. وهذا يتطلّب مدة قد تفوق حتى 15 عشر سنة التي حددها المشروع. ولهذا فأنا لا أقصد أن تستعمل الأمازيغية مثلها مثل العربية منذ الآن، ولا حتى في أجل أقصاه 15 سنة، بل لا بد من تهيئتها لذلك عبر تعميم تدريسها الإجباري والجدي لجميع المغاربة، وبجميع أسلاك التعليم، حتى يكون المتخرجون، بعد عشرين سنة مثلا أو أكثر، متمكنين من الاستعمال الكتابي الموحّد  لهذه اللغة، حتى تُستخدم مستقبلا وتدريجيا في القضاء والإدارة ومختلف مؤسسات الدولة، كلغة كتابية وموحّدة. وهذا ما كان على المشروع أن يوضّحه ويحدد كيفياته ومراحله وإجراءات إنجازه. لكنه لم يفعل لأن كل ما يهمه من ترسيم الأمازيغية هو جانبها الشفوي والرمزي والديكوري، وليس ترسيمها الفعلي والحقيقي، المرتبط بالاستعمال الكتابي الموحّد.

كذلك تقول المادة 15 من المشروع: «تبث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين، على القنوات التلفزية والإذاعية العمومية الأمازيغية، مصحوبة بترجمتها الشفاهية أو الكتابية إلى اللغة الأمازيغية». واضح إذن أنه لن يكون هناك، في إطار أحكام هذه المادة، أي ترسيم حقيقي للأمازيغية حتى بعد قرون وليس فقط بعد5 أو 10 أو 15 سنة. لماذا؟ لأن ما لم تُلق هذه الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين باللغة الأمازيغية، فهذا يعني أن هذه اللغة ليست أبدا لغة رسمية، لأن اللغة الرسمية هي لغة الدولة التي يستعملها ممثلو هذه الدولة من مسؤولين وموظفين عموميين. فترجمة هذه الخطب والتصريحات إلى الأمازيغية، لا ينفي فقط عنها صفة اللغة الرسمية، بل يتعامل معها كلغة أجنبية يستفيد مستعملوها من الترجمة من اللغة الرسمية إلى لغتهم “الأجنبية”، حتى يفهموا كلام المسؤولين العموميين. إن هذه الترجمة، التي “يجود” بها مشروع القانون التنظيمي، ودون خجل ولا حشمة، كتفعيل للطابع الرسمي للأمازيغية، هي تضليل ومخادعة، وإهانة للأمازيغية ولترسيمها، واستغباء لأهلها والمتحدثين بها.

ومن الأوجه الأخرى لهذا التضليل والمخادعة والاستغباء، ما تنص عليه المادة الثالثة من مشروع القانون التنظيمي، التي تقول: «يعدّ تعليم اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة بدون استثناء». هذا تضليل ومخادعة واستغباء لأنه يجعل من تعليم الأمازيغية حقا، أي شيئا غير ملزم لأحد، ويمكن التنازل عنه وعدم المطالبة به. وهذا الحق هو الذي يستعمله المناوئون للأمازيغية لتبرير تهميشها عندما يردون على المدافعين عنها بمثل هذه الاعتراضات: «تدريس أمازيغيتكم وتعليمها والعناية بها حق لكم لم يمنعكم منه أحد. فلماذا تلومون غيركم على تهميش الأمازيغية إذا كنتم أنتم لا تدرسّونها ولا تعلّمونها لأبنائكم؟». مشروع القانون التنظيمي يخادع ويستغبي ويستهتر، هنا في هذه المادة الثالثة، عندما يجعل من تعليم الأمازيغية حقا، لكن بلا إلزام، أي بلا واجب، مما يجعل منه حقا مبدئيا فقط لأنه يفتقر إلى التحقيق والتنفيذ. وإصرارا على التضليل والاستغباء، يستعمل المشروع لفظ “تعليم”، كمصدر لفعل “علّم” الذي يفيد التعدية إلى مفعولين. وهو ما يعني أن من حق المغاربة، جميعا وبدون استثناء، أن يقوموا بتلقين الأمازيغية لبعضهم البعض. وهذا منتهى التضليل والعبث والسفه. ولا يجوز القول إن معنى المفعول به، المقصود في نص المادة الثالثة، هم المغاربة الذين سيمارس عليهم فعل “تعليم” الأمازيغية، كما في قولنا: “تعليم الأمازيغية للتلاميذ”. فلو كان ذلك هو المقصود لجاء التعبير بهذه الصيغة: «يعدّ تعليم اللغة الأمازيغية لجميع المغاربة بدون استثناء، حقا لهم». ولهذا لو استعمل المشروع لفظ “تعلّم”، كمصدر لفعل “تعلّم”، لكان المعنى، على الأقل، مقبولا ومنطقيا، وهو أن من حق جميع المغاربة أن يتعلّموا الأمازيغية.

والمشروع يتحدث قصدا عن التعليم وليس التدريس. وشتان بين الاثنين: فالتعليم قد يكون شفويا وبلا مدرسة ولا معلم، مثل تعليم وتعلم الحديث بأية لغة حية في البيت أو الشارع أو المعمل… أما التدريس فيتطلب مدرّسا ومدرسة، أو ما يقوم مقامهما، ولا يقتصر على التواصل الشفوي واللهجي، بل ينصبّ أساسا على الاستعمال الكتابي الموحّد للغة. فلو كان محررو المشروع جديين وذوي نية حسنة، ويريدون حقا تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لما اكتفوا حتى بكتابة: «يعدّ تعليم اللغة الأمازيغية واجبا على جميع المغاربة بدون استثناء»، بل لكتبوا: «يعدّ تعليم الاستعمال الكتابي الموحّد للغة الأمازيغية، ولجميع المغاربة بدون استثناء، واجبا على الدولة». فربط تعليم الأمازيغية بالاستعمال الكتابي الموحّد لها، وليس فقط بالتواصل الشفوي واللهجي، وبالدولة كسلطة تملك حق الإلزام والتنفيذ، وليس بالمواطنين، هو ما يضفي الجدية والمصداقية على مسألة تدريس الأمازيغية. أما ما عدا ذلك من جعل تعليمها حقا اختياريا للمواطنين، فهو استغباء واستخفاف وضحك على الذقون.    

ومن المظاهر الفاحشة للتضليل والاستغباء المستفزّ، التي يزخر بها مشروع القانون التنظيمي، ما تنص عليه المادة العاشرة (الفقرة 2) والحادية عشرة من المشروع، بخصوص إصدار نسخة من الجريدة الرسمية باللغة الأمازيغية. أن تصدر نسخة من الجريدة الرسمية باللغة الأمازيغية، فهذا هو الدليل المادي الأقوى على أن هذه اللغة هي رسمية حقا وصدقا، باعتبار أن اللغة الرسمية هي اللغة التي تصدر بها القوانين والتشريعات، مما يعني أنها لغة الدولة ومؤسساتها وقوانينها. هذا إذن شيء عظيم وجميل، لا شك في ذلك. لكن وجه التضليل والمخادعة والاستغباء في هذه “العظمة” وهذا “الجمال”، هو أنه لن يقرأ أحد هذه الجريدة الرسمية المكتوبة بالأمازيغية. لماذا؟ لأنه لن يكون هناك، بسبب حصر تعليم الأمازيغية في التواصل الشفوي كما رأينا، من هو متمكّن من الاستعمال الكتابي لهذه اللغة حتى يتسنّى له قراءة وفهم النصوص المكتوبة بها.

ثم ما الجدوى من جريدة رسمية باللغة الأمازيغية إذا لم تُفتح شعب للقانون باللغة الأمازيغية بكليات الحقوق، يتخرج منها مؤهلون لاستعمال القانون باللغة الأمازيغية في وظائفهم، مما يستدعي منهم استخدام ما تنشره النسخةُ الأمازيغية للجريدة الرسمية من نصوص قانونية وتشريعية؟ ما الجدوى إذن من جريدة رسمية باللغة الأمازيغية إذا كان القاضي والمحامي والموثّق والخبير والوزير ورئيس البرلمان ورئيس الجهة والوالي والعامل، وكل المسؤولين العموميين، لن يقرأوا هذه الجريدة، لأنهم لم يتلقوا تكوينهم القانوني والجامعي باللغة الأمازيغية؟ من العبث والاستغباء إذن إصدار جريدة رسمية بالأمازيغية دون أن يسبق ذلك الإصدارَ التأهيلُ المدرسي، وبشكل كافٍ وكامل وجدي، للاستعمال الكتابي للأمازيغية، وفي مختلف التخصصات الجامعية. كل هذا يبيّن أن مناط استعمال الأمازيغية كلغة رسمية حقيقية هو تعميم تدريسها الإجباري والموحّد، الحقيقي والجدي والصادق. وهو ما كان يجب على مشروع القانون التنظيمي أن يركّز عليه ويفصّل مقتضياته وإجراءاته على شكل “دفتر للتحملات”، كما سبقت الإشارة، مع التنصيص على شرط إتقان الاستعمال الكتابي للغة الأمازيغية لشغل المناصب العمومية (الوظيفة العمومية)، بعد مدة معقولة من انطلاق عملية التدريس الإجباري لها، والتي يمكن تقديرها بخمسة عشرة سنة أو أكثر، حتى يخص هذا الشرط فقط المتخرجين الجدد الذين يكونون متمكّنين من الاستعمال الكتابي للأمازيغية، بعد أن يكونوا قد درسوها لأكثر من خمسة عشرة سنة أو أكثر. وهذا الشرط يدخل في تعريف اللغة الرسمية، إذ لا يُعقل أن موظفا يمثّل الدولة في الإدارة العمومية التي يشتغل بها، وهو يجهل لغة هذه الدولة، فضلا على أنه (الشرط) يحفّز ويشجع على تعلمها وإتقانها، لربطها بالمهام العمومية. فبدون هذا التدريس الإجباري والموحّد للأمازيغية، يكون إصدار جريدة رسمية بالأمازيغية، بلا معنى ولا جدوى، اللهم جدوى التضليل والمخادعة والاستغباء والاستخفاف بعقول المغاربة وذكائهم.

ويتكرر نفس التضليل والمخادعة والاستغباء في المادة السابعة من المشروع، التي تقول: «تدمج اللغة الأمازيغية في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية». في الظاهر، وفي الظاهر فقط بهدف التضليل والمخادعة، قد يُفهم أن الغاية من استعمال الأمازيغية في برامج محو الأمية، هو تعزيز لحضور هذه اللغة لدى غير المستفيدين من التعليم المدرسي الرسمي. وهو شيء جميل وإيجابي. والهدف، كما هو معروف، من برامج محو الأمية، والتعليم غير النظامي بصفة عامة، وظيفيُّ يرمي إلى جعل المستفيد من هذه البرامج، والذي هو في الأصل أمي لا يعرف القراءة والكتابة، قادرا على قراءة وفهم ما قد يتوصل به، مثلا، من فواتير الماء والكهرباء، أو استدعاء إلى المحكمة أو الشرطة، أو دعوة إلى حفل أو اجتماع، أو كتابة وملء خانات ورقة الضريبة، أو فهم وملء ورقة التصويت في الانتخابات، أو كتابة عنوان رسالة بريدية، أو كتابة رسالة هاتفية عبر تقنية س.م.س، أو قراءة وملء ورقة المعلومات الخاصة بطلب شغل…إلخ. فبرامج محو الأمية لها إذن وظيفة محددة، تتمثل في جعل المستفيد قادرا أولا على قراءة وفهم مجموعة من المطبوعات والوثائق البسيطة والضرورية، وقادرا ثانيا على كتابة أشياء بسيطة لكنها ضرورية أيضا، مثل كتابة عنوان رسالة، كتابة الاسم ومكان وتاريخ الازدياد، ملء خانات المطبوعات الخاصة مثل ورقة التصويت أو مطبوع الضرائب… إلخ. فمحو الأمية بتعليم لغة ما لمن فاتهم التعليم النظامي، يشترط إذن توفر وانتشار إنتاج كتابي (مطبوعات، وثائق، شواهد، فواتير، محاضر…، فضلا عن الكتب والجرائد والمجلات) بهذه اللغة، باعتبارها لغة الاستعمال الكتابي. وإذا عرفنا أن مثل هذا الإنتاج الكتابي غير متوفر، ولن يكون متوفرا مستقبلا بالأمازيغية بسبب جعل تعليمها حكرا على التواصل الشفوي واللهجي، كما رأينا وشرحنا، فسيكون من العبث والاستغباء والضحك على الذقون إدماج الأمازيغية في برامج محو الأمية. ذلك أن هؤلاء الذين سيتلقون دروسا في محو الأمية باللغة الأمازيغية، لن يجدوا مطبوعات ووثائق إدارية مكتوبة بالأمازيغية لتوظيف (الهدف الوظيفي لمحو الأمية) ما تعلّموه من قراءة وكتابة للأمازيغية.

خلاصات واستنتاجات:

إذا كان الكثير، حتى لا نقول الجميع، يعتقدون أن هذا المشروع للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ولأنه أُنجز في اللحظات الأخيرة من عمر الحكومة الحالية، فقد جاء مليئا بالثغرات والهفوات، ومتناقضا حتى مع أحكام الدستور. ذلك أنه لم يُخصّص له الوقت الكافي والضروري الذي يتطلّبه إعداد قانون تنظيمي، بشكل سليم وموفّق. لكنني شخصيا أرى، وعكس المستدلّين بهذا “العذر” الذي يُرجعونه إلى ضيق الوقت، أن هذا المشروع يكون قد استفاد من كل الوقت الكافي والضروري لإعداده بشكل هادئ ومتروٍّ وغير متسرّع. وعلامات هذا الهدوء والتروّي بارزة بشكل لافت في نص المشروع: فاختيار التعابير والألفاظ المناسبة للهدف “التلهيجي”، الذي يحول دون ترسيم حقيقي للأمازيغية، مثل “التعبيرات اللسانية”، “رصيد مشترك”، “حماية الموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي”، “يعد تعليم الأمازيغية حقا لجميع المغاربة”، “مراعاة للخصوصيات الجهوية”، “التواصل”، “تشجع”، “يمكن”، “يجوز”، “تيسير”، “تحرص”، “يتعيّن”، “يراعى”، “تعمل”، “تسهر”… (لنلاحظ غياب لفظ “يجب” الذي يفيد الإلزام والالتزام)، (هذا الاختيار) هو نتيجة روية في التفكير، وتأنٍّ في انتقاء الكلمات وصياغة الجمل، وتوخٍّ للتحايل والتضليل، وحضور لسوء النية المبيّت للتظاهر بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الوقت الذي يمنع المشروع أي ترسيم حقيقي لها… فإنجاز كل هذا المخطط، التحايلي والتلهيجي، يتطلب الكثير من الوقت والتفكير والإعداد. ويمكن القول إن التفكير في هذا المشروع والإعداد له يكونان قد بدآ منذ تنصيب حكومة السيد بنكيران في 3 يناير 2012، وليس منذ الإعلان، التحايلي والتضليلي كذلك، عن بدء تلقي الاقتراحات بخصوص القانون التنظيمي للأمازيغية عبر البريد الإلكتروني ما بين 15 يناير و15 فبراير 2016. كل ما هنالك أن هذا المشروع، لأنه أُعدّ في سرية تامة، وبلا لجنة علنية ولا “شهود”، ولا حتى مشاركة الأحزاب المشكّلة لنفس الحكومة، فقد استُنتج من ذلك أنه حُرّر بشكل متسرّع نظرا لقرب نهاية ولاية الحكومة المكلفة بإعداد هذا المشروع للقانون التنظيمي للأمازيغية. مع أن هذا “التفسير” و”العذر” هما نفسهما جزء من مخطط التحايل والتضليل، الذي مسّ حتى الفرقاء المشاركين في الحكومة، كما أشرت. ولهذا فالمشروع هو باطل مسطريا لعدم مشاركة أعضاء الحكومة في إعداده.

إذا كان هذا المشروع جاء مخيّبا للآمال التي خلقها الترسيم الدستوري للأمازيغية في يوليوز 2011، ومخالفا حتى لهذا الدستور، فذلك لأن حزب السيد بنكيران، رئيس الحكومة الذي أعد مشروع القانون التنظيمي، كان من أشد المعارضين لترسيم الأمازيغية، كما هو معلوم. ولهذا فليس غريبا أن يكون هذا المشروع استمرارا وتأكيدا لنفس المعارضة لترسيم الأمازيغية. فلما لم يفلح السيد بنكيران، ومن معه، في منع ترسيمها دستوريا في 2011، فقد وجد الفرصة سانحة في وضع قانون تنظيمي يلغي به عمليا ذلك الترسيم، الذي كان يعارضه ويرفضه. ولأن الدستور ينص على أن الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية، فقد كان على محرري المشروع اللجوء إلى التضليل والمخادعة والمراوغة لإعطاء الانطباع أن هناك تفعيلا للطابع الرسمي للأمازيغية، لكن مع جعل ذلك التفعيل مقصورا فقط على ما هو شفوي ولهجي ورمزي وديكوري ، كما رأينا، ولا يشمل ما هو كتابي وموحّد. والخلاصة هي إفراغ الترسيم من محتواه الحقيقي، المتمثل في الاستعمال الكتابي الرسمي للأمازيغية، في مؤسسات الدولة وإداراتها، مع ما يتطلب ذلك من تدريس للأمازيغية كلغة كتابية وموحّدة.

والنتيجة هي أن ترسيم الأمازيغية، حسب هذا المشروع الذي سيصبح بعد مدة قانونا تنظيميا، سيكون مصيره كمصير بترول “تالسّينت”، الذي زفّ الملك إلى الشعب المغربي بشرى اكتشافه في خطاب  20 غشت 2000. لكن لم تمض سوى أقل من شهرين حتى تبيّن أن ذلك البترول المكتشف كان مجرد نصْب على الدولة المغربية من طرف شركة أمريكية، باعت الوهم للمغرب مقابل ملايين الأموال حصلت عليها نصبا واحتيالا. وتفعيل ترسيم الأمازيغية، كما حدد مشروع القانون التنظيمي أهدافه ومضمونه وفلسفته التلهيجية، سيكون مجرد نصْب على الأمازيغية وعلى المغاربة، الذين ظلوا ينتظرون خمس سنوات دخول هذا الترسيم حيز التطبيق. ولما حان موعد هذا التطبيق بصدور مشروع القانون التنظيمي، تحوّل الترسيم إلى نصْب وخدعة، مثلما تحوّل قبله بترول “تالسّينت” إلى نصْب وخدعة، كانت ضحيتهما الدولة بكاملها.

هذا الترسيم الشكلي المخادع للأمازيغية، الذي جاء به مشروع القانون التنظيمي، والذي يخص فقط ما هو رمزي وشفوي ولهجي، ولا يتعدّاه إلى استعمالها الكتابي الموحّد في إدارات الدولة ومؤسساتها، والذي يسمح لها بالظهور على الأوراق المالية، وبجواز السفر، وبالجريدة الرسمية، وفي برامج محو الأمية، وداخل قاعات المحاكم بطلب من المتقاضي، يشبه “الرضّاعة” Tétine  التي يُخدع بها الطفل الرضيع و”يُنصب” بها عليه، عندما تضع الأم تلك “الرضّاعة” في فمه لإسكاته وإلهائه، بجعله يمتصّ الفراغ مع إحساسه أنه إنما يمتص الحليب المغذّي. هذا هو دور هذا الترسيم الرمزي والديكوري والشفوي واللهجي للأمازيغية: إسكات المطالبين بالتفعيل الحقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية، ومنحهم شعورا بأن الترسيم قد تحقق كما تدل على ذلك كتابة “تيفيناغ” على الأوراق المالية، وإصدار نسخ من الجريدة الرسمية بالأمازيغية، واستعمالها في برامج محو الأمية… فـ”الامتصاص” المزدوج، الذي يميّز وظيفة “الرضّاعة”، حاضر في وظيفة الترسيم، الذي جاء بها مشروع القانون التنظيمي: امتصاص “فراغ” الترسيم على أنه ترسيم حقيقي، مثل امتصاص الصبي لفراغ “الرضّاعة” ظنا أنه حليب، و”امتصاص” للمطالب الأمازيغية بالتظاهر بالاستجابة لها بالتفعيل الشكلي والديكوري لرسمية الأمازيغية، مثل “امتصاص” غضب الصبي بوضع “رضّاعة” في فمه. إلا أن الأخطر والأسوأ في هذه المقارنة بين “رضّاعة” الأمهات و”رضّاعة” الترسيم الشكلي والديكوري ـ كما قلت ـ للأمازيغية، الذي يتضمنه مشروع القانون التنظيمي، هو أن خدعة “الرضّاعة” الأولى تقوم على التعامل مع الطفل الرضيع كصغير لا يمكنه أن يكتشف الخدعة ليرفضها ويحتج عليها. كذلك يعتقد السيد بنكيران، ومن معه ممن حرروا له هذا المشروع، أن المغاربة قاصرون، لا يمكنهم أن يكتشفوا خدعة “رضّاعة” الترسيم الشكلي والديكوري  ليرفضوها ويحتجوا عليها. 

فالهدف من هذا الترسيم الرمزي والشفوي واللهجي، الشكلي والديكوري، هو منع الترسيم الفعلي الذي يتحقق بالاستعمال الكتابي الموحّد للأمازيغية، كلغة للدولة ومؤسساتها ووثائقها الرسمية. والنتيجة أن الوثائق المكتوبة والرسمية للدولة وإداراتها ومؤسساتها، ستستمر في الصدور والانتشار بلغة رسمية واحدة هي العربية. وفي هذا خرق صارخ للدستور الذي يقول: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة»، مما يتوجّب معه إلغاء هذا المشروع وإبطاله لعدم دستوريته.

وإذا كان هذا المشروع يخرق الدستور، فلأن السيد بنكيران ينهج ـ هو ومن معه ـ، في نظرته إلى الأمازيغية وتعامله معها، “السياسة البربرية” الجديدة، على غرار “السياسة البربرية” القديمة للحماية الفرنسية (انظر موضوع “متى ينتقل المغرب من السياسة البربرية إلى السياسة الأمازيغية؟” على رابط هسبريس: http://www.hespress.com/writers/269189.html)، التي تتعامل مع الأمازيغية كلغة أقلية إثنية لا يجب أن تنال إلا ما يناسب حجمها كلغة أقلية، وبالقدر الذي يسمح لهذه “الأقلية” بالاندماج في الدولة “العربية” و”أغلبيتها” العروبية. فالمساواة الدستورية بين العربية والأمازيغية أمر غير مقبول وغير معقول عند السيد بنكيران ومن معه. لهذا احتال مشروع القانون التنظيمي على هذه المساواة ليُبقي العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة، و”يجود” على الأمازيغية بترسيم رمزي ولهجي وشكلي فقط، يستعمل كزينة وديكور، لا غير. 

وبتمرير السيد بنكيران لمشروعه الأمازيغوفوبي، يكون قد ورّط كل الأطراف المعنية في تبنّي مشروعه الأمازيغوفوبي هذا، سواء كانت واعية بذلك أم غير واعية. وبذلك سيضرب عصفورين بحجر واحد: يضرب، أولا، الترسيم الحقيقي للأمازيغية، ويخلق، ثانيا، توترا بين المدافعين عنها، وبين المؤسسة الملكية التي كانت غالبية تيارات الحركة الأمازيغية ترى فيها راعية وحامية للحقوق الأمازيغية، وإليها كانت تتظلم من قرارات الحكومة أو البرلمان، المجحفة في حق الأمازيغية، كما فعلت عندما التمست منها التدخل لتعديل مشروع السيد بنكيران، إنصافا للأمازيغية واحتراما للدستور الذي ينص على أنها، هي أيضا، لغة رسمية للدولة. وهكذا سيخلق هذا المشروع مزيدا من الصراع المرتبط باللغة والهوية في المغرب، مع أن الدستور، بإقراره ترسيم الأمازيغية، كان يرمي من وراء ذلك إلى وضع حد لهذا الصراع.

لكن من حسنات مشروع هذا القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية، هو أنه يوحّد مختلف تيارات الحركة الأمازيغية حول رفضها البات له. فإذا كانت العروض، التي تقدمها الدولة بخصوص الأمازيغية، دائما موضوع خلاف بين رافض وقابل لها داخل الحركة الأمازيغية، كما كان الموقف من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومن الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية، فإن هذا المشروع للقانون التنظيمي نجح في خلق الإجماع لدى هذه الحركة في موقفها المعارض للمشروع، وللقانون التنظيمي الذي سيتحوّل إليه.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading