مشروع القانون التنظيمي لتفعيل ترسيم الأمازيغية أو خطر إفراغ النص الدستوري من محتواه

 

الدكتور الحسين بويعقوبي
الدكتور الحسين بويعقوبي

 لا أحد يجادل في كون اعتراف الدستور المغربي بالأمازيغية لغة رسمية سنة 2011 حدث تاريخي كبير يحمل أبعاد سياسية وايديولوجية وثقافية مهمة قد لا يظهر أثرها على المستوى القريب. فلأول مرة في تاريخ الأمازيغ يتم إعطاء الأمازيغية وبشكل رسمي وضعية “لغة دولة” وتلتزم دستوريا أمام الرأي العام بتنميتها واستعمالها حسب ما يفرضه وضعها الجديد. فحتى الممالك الأمازيغية ما قبل الإسلام رغم وجود بعض القرائن كالنقود مثلا مرورا بكبريات الإمبراطوريات الأمازيغية كالمرابطين والموحدين والتي ربما لا يتحدث بعض أمرائها (نموذج يوسف ابن تاشفين) إلا الأمازيغية لم تجعل من اهتمامها تنمية اللغة الأمازيغية, نظرا لجاذبية لغات ذات تراكم كبير في الكتابة كاللاتينية أو العربية ذات الشحنة الدينية القوية التي تعزز موروثها المكتوب. وبناء عليه يشكل دستور2011 ثورة قانونية لصالح الأمازيغية التي يهيمن عليها الطابع الشفوي رغم وجود بعض التجارب في الكتابة بها.

لم يكن الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة رسمية بالشيء الهين. فرغم وجود هذا المطلب في كل الوثائق الصادرة عن الحركة الأمازيغية مند “ميثاق أكادير” لسنة 1991 إلى “البيان الأمازيغي”لسنة 2000مرورا بالمذكرة المرفوعة للملك الراحل سنة 1996 أثناء التعديلات الدستورية لم تتم الاستجابة لهذا المطلب إلا سنة 2011 في سياق وطني وإقليمي تميز بتداعيات “الربيع الديمقراطي” ونسخته المغربية “20 فبراير”.  وتكفي العودة إلى النقاش الدائر حول هذا الموضوع سواء داخل لجنة المانوني المكلفة بإعداد مسودة الدستور أو من خلال حدة النقاش في بعض البرامج التلفزيونية ومواقف وتحركات بعض الأحزاب السياسية للضغط على اللجنة لنفهم السياق العام الذي تم فيه هذا الاعتراف والذي ربما فرض فرضا على البعض وهو ما يفسر نقل الصراع حول هذا الموضوع من “النص الدستوري” إلى “القانون التنظيمي”. فبدل أن يكون هذا الأخير مجرد آلية تقنية وإجرائية لتفعيل نص دستوري أقوى أصبح القانون التنظيمي أقوى من الدستور وبإمكانه إفراغه من محتواه وستأتي فيما بعد مراسيم التطبيق التي بدورها قد تفرغ أكثر القانون التنظيمي من محتواه.

إن تأخير إصدار القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لمدة 5 سنوات وعدم وضع أية آلية للتفكير فيه طيلة هذه المدة وعدم الاكتراث بمجهودات الفاعلين المدنيين والجمعويين والحقوقيين في هذا المجال أثر بشكل سلبي على مضمون المشروع الذي تحكم فيه الصراع مع الزمن الحكومي أكثر من الاقتناع بضرورة تفعيل فصل دستوري يعطي للأمازيغية وضعية “لغة رسمية للدولة” ويجب أن تعامل كذلك. فحشو مشروع القانون التنظيمي بعبارات من قبيل “يمكن” و”يجوز”و”تشجع”و”تيسير”و”يتعين”و”يراعى”و”تعمل”و”تسهر”و”تحرص” دون تحديد المسؤوليات بدقة والجدولة الزمنية لذلك وأيضا الميزانية المرصودة  سيجعل الأمازيغية من جديد ضحية الميولات والأهواء والتأويلات الفردية, كما أن الصراع مع الزمن جعل واضع المشروع يضع جدولة زمنية غير مفكر فيها. فخمس سنوات لتعميم تدريس الأمازيغية أمر شبه مستحيل لغياب الإمكانات البشرية لتحقيق ذلك كما أن الكتابة بالأمازيغية في التشوير والتي بدأت مند مدة والتي سيضاف لها الطوابع البريدية والأوراق النقدية وبطائق التعريف فهي اجراءات على أهميتها تبقى رمزية ولا تحتاج لخمسة عشر سنة. فالأولوية للتعليم والإعلام  ورفع قيمة الأمازيغية في سوق الممتلكات الرمزية.  كما أن ربط الأمازيغية بعبارة “من طلب ذلك” يفقدها وضعها الرسمي ك”لغة الدولة” والذي يتعين عليها استعمالها في كل المجالات شفويا وكتابة باعتبارها من “لغات السيادة” إلى جانب العربية.

إن التدرج في تفعيل الوضع الرسمي للأمازيغية أمر ضروري لكن التدرج في حالة غياب إرادة سياسية حقيقية قد يكون ذريعة لعدم اتخاذ أية اجراءات عملية وفق أجندة محددة ترصد لها ميزانية معروفة وإمكانات بشرية ولوجيستيكية مضبوطة بإمكانها تحقيق الأهداف مع ربط الأمازيغية بسوق الشغل وبالترقية الاجتماعية. فالزمن يسير ضد الأمازيغية وكل الدراسات تثبت تراجع استعمالها حتى في المناطق المعروفة بأمازيغيتها كما أن منظمة اليونيسكو وضعتها ضمن اللغات المهددة بالانقراض قبل نهاية القرن الحالي إذا لم تتخذ إجراءات جدية لحمايتها وتنميتها. فلا يجب أن يكون القانون التنظيمي أداة لإفراغ النص الدستوري من محتواه والذي يتوخى قبل كل شيء تحقيق الأمن اللغوي والمساواة بين المغاربة ورفع الميز الثقافي وتحقيق العدالة اللغوية وإقرار المساواة بين اللغتين الرسميتين للمغرب.   

 

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد