مشروع إقبار الأمازيغية في المدرسة المغربية..نهاية بداية!

ياسين عبد الشافي

لا شك أن أي مشروع كيفما كان يتبع بناء تسلسليا منطقيا بغية إخراجه إلى حيز الوجود و التنفيد، و قد نعتبر التخطيط و الأجرأة ثم التقييم من ضمن أهم نقط هذا المسلسل، و بدون احترام كل هذه الشروط، لابد أن المشروع سيولد ولادة قيصرية أو أنه سيموت مباشرة بعد الولادة.

نحن هنا لا نتحدث عن ولادة كائن حي، و إنما نتحدث عن مشروع إقبار الأمازيغية في المدرسة المغربية.
الجدير بالذكر أن المشاريع و الأوراش تكون النية من ورائها المردودية و النفعية، سواء كانت مادية، معنوية أو حتى رمزية، إلا أن لسان حال الأمازيغية في المدرسة المغربية يقول العكس، فبعد أن استبشرنا خيراً في الإنطلاقة الرسمية لورش تدريس الأمازيغية سنة 2003 بتعليمات ملكية سامية، و بعد الخطب الملكية بهذا الخصوص، و بعد دستور 2011 الذي أقر برسمية الأمازيغية إلى جانب العربية، و بعد مسار و مخاض عسير و أوجاع إنتهت بولادة قيصرية كما أسلفنا الذكر، دخلت الأمازيغية و هي “مولود خديج” في حالة استوجبت الإسعافات الإكلينيكية الأولية من أجل إنقادها من خطر الموت، و هو ما حصل بتدخل “أطباء” الحركة الأمازيغية في إطار الترافع كل من زاويته و كل من جانبه و إطاره.

بعد نضال طويل من طرف المناضلين، أفرادا داتيين و معنويين، جمعيات، أساتذة، محامون، مهتمون، بعد مسار مليء بمحطات خيبات أمل، و شحنات أمل ملغومة… “الخديج” أصبح حيا، لكن، بقي كائنا غير مكتمل البنية، يسير بخطى غير ثابتة، لا يرى بشكل جيد، يسقط و ينهض و كله مآسي و الفشل يحوم حوله.

جائت حكومة البيجيدي في سياق خاص، و بما أن الأمازيغية ليست من أولوياتها، فلقد ألبست الأمازيغية قميصا بحجم كبير لا يواتيها، قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية 16-26 يحدد كيفية إدماجها في التعليم و في مناحي الحياة العامة ذات الأولوية على مدى خمسة عشر (15) سنة، فاستوجب منا الواقع الانتظار طويلا ليتناسب القميص مع المولود؛ -qqel a laẓ ad d inw uɣrum-، و بقينا بالجوع.

مرت عشر سنوات من حكم البيجيدي إتسمت بهدر الزمن التنموي بخصوص تطوير ورش تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية، إنتهى تسييره للحكومة بحصيلة صفر إنجاز، أو لنقل أنه نكوص و رجوع للوراء و إجهاز على المكتسبات، في الحقيقة، عشر سنوات من عمر الحكومة كانت كافية أن تجعل الأمازيغية تحتل أعلى المستويات و المراتب و أن تأخد حقها و نصيبها في السياسات العمومية للحكومة، إلا أن الرغبة السياسية غير متوفرة، بل الأكثر من ذلك أن الحزب الحاكم كان و للأسف يشتغل في إطار تفعيل أجندته الأيديولوجية عوض أن يكون ممثلا للأمة و في خدمة مصالح المغاربة ككل، بل أنه لم يدخر جهدا في محاربة الأمازيغية…

أخيرا، إنتهت ولاية العدالة و التنمية بما لها و ما عليها، “تنفس المغاربة الصعداء” و بدأ التصفيق لحمام “الزينة” و هو يحلق في سماء الساحة السياسية المغربية، شعارات رنانة، يمكن الوثوق بها للوهلة الأولى، خطابات و وعود جذابة و مغرية، حملة إنتخابية ناجحة عن “جدارة و استحقاق”، انتخابات تشريعية جاءت بعزيز اخنوش على رأس الحكومة.

تمضي حكومة و تأتي حكومة، و تبقي الأمازيغية رهينة مزاجات و ليس استراتيجيات، وعد حزب الحمام بمستقبل مزدهر للأمازيغية قبل الظفر بمنصب رئاسة الحكومة، و لم نرى إلا عكس ذلك بعد ما كان له ما أراد، في الأول استبشر جل المغاربة خيراً على اعتبار أن هناك بعض المؤشرات التي اعتقدنا أنها ستكون في صالح النهوض بورش تدريس الأمازيغية و تعميمها و العمل بها في كل مناحي الحياة العامة ، لكن ستكون الصدمة قوية بعد أقل من سنتين من تنصيب الحكومة و نحن نشاهدها “تطحن” المكتسبات تباعا.

أول خطوة قامت بها وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولى و الرياضة في حكومته هي تجديد الهندسة البيداغوجية المتعلقة بتدريس مضامين مادة اللغة الأمازيغية إسوة بباقي المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي، صحيح أننا في الأول تفائلنا خيراً، لكن سرعان ما تبين لنا في الممارسة أن هناك تراجع في المضامين، في الكم و الكيف من الحسن إلى الأسوء، أخطاء بجميع أنواعها و بالجملة في الكتب المدرسية كما في دلائل الأستاذ، تراجع واضح في ترويج الثقافة الأمازيغية، التاريخ والشخصيات الأمازيغية و قس على ذلك من ملاحظات لا يسمح لنا المقام لذكرها. ثانياً قامت بفتح و إلغاء مباراة الملحقين الإداريين الممتازين المتخصصين في الترجمة النصية و الترجمة الفورية من و إلى الأمازيغية بمجلس النواب بدون مبرر وبدون سابق إعلان ولا حتى اعتذار يذكر!

ناكر الجميل هو أكثر الناس بلا قلب، وهنا، لن ننكر صنيع المرحوم الوفا في ولاية العدالة و التنمية لما كان على رأس “وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي والبحث العلمي” كما كانت تسمى آنذاك، فبعد أن كان هناك نقاش بخصوص عدم مشروعية إدراج بعض المواد التي تخرج عن إطار تخصص أستاذ اللغة الأمازيغية التي يُمتحن فيها المترشح في مباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين المهني، إستجاب المرحوم الوفا لهذا المطلب الملح بكل عقلانية و تبصر، هذه الشروط التي كانت صراحة مجحفة في حق المترشحين للولوج إلى المراكز الجهوية، لاعتبار واحد أنهم لن يدرسوا هذه المواد في أقسامهم مستقبلا، بل و أنهم غير مطالبين بذلك لأنهم أساتذة متخصصين وهو معطى قار بموجب القانون.

اليوم، بعد كل هذا النقاش، نتفاجؤ في ظل حكومة تدعي نيتها النهوض بالأمازيغية، بعد الإعلان عن مباراة الأطر النطامية للأكاديميات، أو الأستاذة المفروض عليهم التعاقد كما يفضلون تسمية أنفسهم، أن وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولى و الرياضة دقت المسمار الأخير في نعش الأمازيغية باسترجاع نفس الشروط التي تمت مراجعتها أصلا، و التي أدرجتها مجددا في توصيف المباراة و هو ما يبين و بالملموس أن حكومة الثلاثي الخطير أو لنسميهم les trois mousquetaires، كشرت عن أنيابها و كشفت عن نيتها الصادقة في إقبار الأمازيغية في المدرسة المغربية، فكيف يعقل إذا أن يمتحن الأساتذة المتخصصين، مثلا أساتذة (العربية، الانجليزية، الفرنسية، الفلسفة،….) في التعليم الإعدادي و الثانوي في المواد التي لن يدرسوها داخل فصولهم الدراسية مثل الرياضيات و العلوم… والعكس صحيح ! فهذا كذلك حال أستاذ اللغة الأمازيغية، فلنكن منطقيين و لو نسبيا، فهذا عبث بأم عينيه و كفى.

هذا بخصوص مباراة التعليم، أما في ما يتعلق الإجازة في التربية بالمدرسة العليا للتربية والتكوين بوجدة، فحدث و لا حرج، ذلك أن رزنامة/عدة التكوين تخصص أمازيغية والتي نُشرت ببوابة المدرسة تحتوي على المواد العلمية بما فيها الرياضيات و العلوم و اللغة الفرنسية، و كأننا نكوّن طلبة لاجتياز مباراة التعليم تخصص مزدوج، و هذا لأكبر دليل على أن هناك تخطيط محكم و تنسيق مسبق بين كل من وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولى و الرياضة و وزارة التعليم العالي والبحث العلمي و الإبتكار، من أجل إقبار تام لمعطى إسمه أستاذ اللغة الأمازيغية بالتعليم الابتدائي.

جل الأحزاب إن لم نقل كلها تستغل الأمازيغية مقابل جلب الأصوات في صناديق الاقتراع للوصول إلى سدة الحكم، وهذا صراحة أمر مؤسف لأننا بهذه الممارسات نفرغ المؤسسات من مصداقيتها، و نفقد السياسية روحها. و التاريخ لا ينسى، و ما تعيشه الأمازيغية اليوم يساؤلنا جميعاً، ويسائل الحركة الأمازيغية من الدرجة الأولى ، فانعدام تنظيم أمازيغي سياسي قوي في الساحة السياسية المغربية، و في مناصب القرار هو ما جعلنا نتذوق كل مرة مرارة خيبات أمل متتالية، وهو ما سيجعلنا نكتفي بمشاهدة “الخديج” يموت بين أيدينا قبل أن يلبس قميصه و يتمتع به سنة 2034 !

إنتهى المقال و معه الأمل!

ياسين عبد الشافي
تنغير في: 08/11/2022

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد