مشاريع قوانين تنظيمية لإنصاف الامازيغية أم استدعاء قانوني لسنوات الجمر و الرصاص ؟

 

 محمد أمدجار
بقلم : الاستاذ محمد أمدجار *

           لقد شكل الخيار الايديولوجي الرسمي لمغرب ما بعد “الاستقلال” و المتمثل في تبني المشروع الذي صاغه صناع اسطورة القومية العربية الدافع الاساسي لبروز  الحركة الأمازيغية من طرف شباب مثقف فهم ان التحالف المخزني يهيء المناخ المناسب لذبح الامازيغية و تقديمها كهدية لمن ارادونا ان نكون مجرد نسخة باهتة منهم ،  والذين سعفتهم مواردهم لشراء ضمائر خونة و مرتزقة قرروا أن يبيعوا  بلدانهم بأقل الأثمان بعقد مفتوح أصبحت مقتضياته سارية المفعول منذ ثلاثينيات القرن الماضي بالتقاء شكيب ارسلان ب ” تجار الوطن ” الذين سموا أنفسهم زورا و بهتانا ” برواد الحركة الوطنية ” .

         ظهرت الحركة الأمازيغية في هذه الظروف لتواجه هذا المخطط المخزي ولتفضح نوايا واضعيه ولتصحح المسار الذي زاغ عن السكة بفعلة فاعل ، فكان الثمن باهظا إذ اكتوى المناضلين بنار التضييق والإختطاف والإعتقال والإغتيال خلال سنوات الجمر والرصاص والتي وإن انتهت وولت وأصبحت من الماضي عند البعض فإنها بالنسبة للحركة الأمازيغية واقع وحاضر لازال ممتدا في كل الإتجاهات ما دامت الدولة لم تعترف بجرائمها في حق الأمازيغ والأمازيغية وأبت إنصافهم وترفعت عن المصالحة مع ذاتها ، وما دامت مستمرة في اعتقال مناضليها الشرفاء وقمع أصواتهم الحرة والمستقلة.

                لقد جاء دستور 2011 ببند يعتبر فيه الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلا أنه جعل رسميتها مشروطة بقانون تنظيمي سيعمل على تفعيل هذه الرسمية – وهو ما لا ينطبق على اللغة العربية –  في صياغة ركيكة تترجم ذلك الحقد وذلك القلق الذي كان يساور القوى المتحكمة في إخراج الصيغة النهائية للوثيقة الدستورية . وبالرغم من ذلك فقد انتظرنا هذا القانون التنظيمي وتفاعلنا معه بشكل إيجابي لعله يؤسس لمرحلة جديدة في تعامل الدولة مع الأمازيغية ، إلا أن الدولة بدأت تعطي الإشارات تلو الأخرى على مستوى الممارسة وعلى مستوى الخطاب بأن دار لقمان لازالت على حالها وأن دستور 2011 وكل الإجراءات والقرارات التي صاحبته لا تعدو أن تكون إلا عمليات تكتيكية لتدبير مرحلة معينة اتسمت بغليان الشارع و سقوط انظمة متجدرة في بلدان الجوار وليست قرارات واعية صادرة عن إرادة سياسية تنشد التغيير إلى الأفضل. فبالرغم من كون القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من القوانين المهيكلة التي سيتم الإستناد إليها لبلورة قوانين تنظيمية أخرى فقد ارتأت  “الحكومة ” أن تتركها جانبا ، قبل أن تفاجئ الجميع في نهاية ولايتها بوضع عنوان بريد إلكتروني لاستقبال مقترحات الجمعيات حول الموضوع في مقاربة تبين حجم القضية الأمازيغية عند دولة استبدادية احتقرت لغة الشعب وسرقت ثرواته وطمست هويته . وللتاريخ فقد قاطعنا في منظمة تاماينوت هذه المهزلة وفضحنا خلفياتها وقدمنا مذكرتنا حول هذا القانون التنظيمي في ندوة صحفية بالدار البيضاء، قبل أن نفاجأ مرة اخرى بإصدار الحكومة لمشروع القانون التنظيمي التي تجعلنا القراءة الأولية لمضامينه نتأكد من صحة ما توقعناه في ما يتعلق بسوء نية الجهات الرسمية نحو كل ما يتعلق بالأمازيغية .

              قبل أن يزول مفعول هذا الهراء” الذي تسميه الحكومة مشروعا لقانون تنظيمي للأمازيغية ، أصدرت هذه الأخيرة مشروع  قانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي يبدو انها تريده ان يكون بمثابة الرصاصة الأخيرة التي ستراهن عليها لتقديم الأمازيغية قربانا لإيديولوجيتها الملوثة المصنوعة من طرف أسيادها بالمشرق ، و لقتل الحركة الأمازيغية التي فضحت حقيقتها وأزالت القناع عن وجهها المشوه وأزعجتها إلى حدود لم تعد تطيقها. مشروع قانون تنظيمي “ركل” فيه رئيس الحكومة قرارات ملكية سابقة اعتبرناها “مكتسبات” من قبيل كتابة الأمازيغية بحروف تيفيناغ وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وغيرها، مما يدفعنا إلى التساؤل عن المسير الحقيقي للبلاد وعن علاقة المؤسسة الملكية برئاسة الحكومة ، وسيجعلنا نفقد الثقة في جميع مؤسسات الدولة بشكل نهائي ، وندرك بشكل واضح أن “المعركة” معركة حياة أو موت فإما أن نكون أولا نكون ، لذلك نبشر كل أعداء الوطن وكل الحاقدين على هوية الوطن وكل مغتصبي حقوق أبناء الوطن ، أننا لن نقبل بإهانتنا في بلدنا ولن نتسامح في قضية هويتنا وسنقاوم بكل ما أوتينا من قوة إلى النهاية ، ونحمل كل المسؤولية “للدولة وخدامها” على كل ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع بسبب سياساتكم الفاشلة والديكتاتورية.

    إن مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية هو لبنة خاطئة في عملية بناء عشوائية لمجتمع وبلد مليء بجروح لا تندمل ابت الدولة إلا ان تزيدها غورا وألما ، عملية قد تدق اَخر مسمار في نعش السلم الإجتماعي بالمغرب وقد تبخر بشكل نهائي حلم المجتمع الحداثي الديمقراطي الاَمن الذي نتغياه جميعا ، وهو ما لانتمنى حدوثه ، ولذلك وجب علينا القيام بكل ما نراه مناسبا لإنقاذ بلدنا من قبضة عصابات مافيوزية مسكت بزمام الأمور وتعمل على الزج بنا في متاهات قد لا نخرج منها.

  إن كل هذه المعطيات و كل هذه الرسائل الصريحة منها و الضمنية التي ترسلها الدولة باستمرار تبين ان الامازيغية في خطر و انها مستهدفة من طرف ابواق و ببغاوات  “الفكرالقومي العروبي ” الاقصائي سواء الاسلامويون أو المتياسرون و الذين تعتبر الدولة الراعي الرسمي لهم ، و بالتالي فالحركة الامازيغية مدعوة لتحريك كل الديناميات الممكنة و لاسيما منها الدولية مادامت الدولة اعلنت عدائها الصريح لنا و للغتنا و لثقافتنا و لتاريخنا و لقيمنا و عاملتنا كلاجئين على ارضنا و ارض اجدادنا .

          لقد قلنا سابقا و في مناسبات كثيرة بأن الدولة تستعد للانتقال من مرحلة إقصاء الامازيغية بدوافع ايديولوجية عنصرية إلى مرحلة مأسسة هذا الاقصاء من خلال قوانين و مؤسسات سيتم تكليفها رسميا بالنيل من ما تبقى منها ، و ها نحن اليوم امام مشاريع قوانين تنظيمية تؤكد صحة توقعاتنا و هو ما يشكل خطرا حقيقيا على استقرار هش مبني على رمال متحركة قابلة للانهيار في أية لحظة ، و هو ما قد يدفع الامازيغ الى التفكير بالدفع بالمطالبة بالحكم الذاتي في عدد من المناطق ، و إلى السعي لدولة امازيغية قادرة على ضمان حقوقهم و كرامتهم على ارضهم ، و لما لا إعادة التفكير في مقاربتنا لقضية الصحراء و حركة البوليزاريو بشكل يتناغم مع مرجعيات الحركة الامازيغية و يمكنها في الوقت ذاته من القيام بضغط اكبر على دولة القهر و الاستبداد التي لاتخجل من ادعاء عكس ذلك بشكل يبعث على التقزز و التقيؤ .   

*   أستاذ الفلسفة والكاتب العام لمنظمة تاماينوت

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد